تحولات سيد قطب.. كيف ولماذا؟

تحولات سيد قطب.. كيف ولماذا؟

تحولات سيد قطب.. كيف ولماذا؟


05/03/2024

تسبّبت أفكار سيد قطب الإسلاموية في إراقة دماء كثير من الضحايا الأبرياء أو من معتنقي أفكاره، لذا من الواجب معرفة تاريخ تكوين تلك الأفكار، وكيف تحوّل صاحبها من صحفي وناقد أدبي إلى مفكر إسلامي متطرّف، ليسهل التعرّف على مكمن الخطأ فيها، ومعالجتها ووقف محاولات تطبيقها.

التصق سيد قطب بالعقاد ليعوّضه غياب الأب ويوفر له حماية في مدينة تبتلع الغرباء

وُلد سيد قطب إبراهيم شاذلي (1) بتاريخ 9 تشرين الأول (أكتوبر) 1906 في قرية موشا بمحافظة أسيوط، لأبٍ متزوج من امرأتين، كانت أمّه هي الزوجة الثانية، وكانت أسرته في مستوى اجتماعي متميز، بدّد الوالد تلك الثروة، ممّا سبب حزناً لوالدته، وألقت عليه مسؤولية استرداد البيت والأرض يوماً ما، واعتبرته رجلها المنشود، لهذا لم تسمح له باللعب وسط الأطفال، ولم يسر في القرية مثل باقي أقرانه، ولم يخالطهم أو يشاركهم ألعابهم، هذا الاهتمام وتلك الطريقة في التنشئة وإلقاء المسؤولية على طفل تركت أثراً بالغاً في تكوينه النفسي والاجتماعي، فتحوّل الطفل إلى رجل رغماً عنه، ولم يبلغ عامه الثاني عشر بعد.

ذات يوم اشترى سيد قطب كتاب (شمهورش)، الذي يستخدمونه في كتابة الأحجبة والرقية والتمائم والتعاويذ، وبدأ يقوم بدور مهم لنساء وفتيات القرية بعمل الأعمال التي تجلب العريس وتقرّب البعيد أو تجلب محبة الزوج، وأصبح حلّال العقد، وكان يقدّم خدماته بدون أجر، ما جعل له يداً وفضلاً على الجميع، وقد وقع سيد في حبّ إحداهنّ، لم تكن جميلة جداً، لكنها كانت في نظره أجمل الجميلات، وظلّ يكن لها هذا الشعور في صمت، إلى أن حصل على إتمام الشهادة الابتدائية عام 1918، ثمّ حدث أن تزوجت حبيبته، فقرّر مغادرة القرية إلى القاهرة.

التحوّل الأوّل: الذوبان في شخصية عباس العقاد في القاهرة

سافر سيد قطب إلى القاهرة عام 1920، وأقام عند خاله أحمد الموشي، في حي الزيتون، ومكث عامين حتى يكتمل عمره 16 عاماً ليلتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية (مدرسة عبد العزيز). كان خاله وفدياً ويعمل بالصحافة والتدريس، وكان صديقاً لعباس محمود العقاد، وكانا يسكنان متجاورين، لم يجد سيد نفسه في زحام القاهرة، لكنه وجدها عندما التصق بالعقاد ليعوّضه غياب الأب، ويوفر له حماية في مدينة تبتلع الغرباء.

أصدر ديوانه الأول العام 1935 لكنه لم يلقَ أيّ تجاوب من الأدباء

بسبب العقاد أُتيحت لسيد قطب الكتابة في صحيفة البلاغ اليومية، ثمّ نشر شعراً له في صحيفة الحياة الجديدة وكوكب الشرق والوادي والمصور، بنشر سيد مقالاته في الصحف شعر بذاته الصحفية والأدبية، تخرج سيد في مدرسة عبد العزيز للمعلمين الأوّلية ونال شهادة (الكفاءة)، ثمّ التحق بتجهيزية دار العلوم عام 1925، وبعد 4 سنوات، التحق بكلية دار العلوم عام 1929، وبدأت ذاته تتضح، فدخل في نقاشات حادة مع محمد سعيد العريان ومحمود شاكر، منحازاً للعقاد ومهاجماً أدب الرافعي، وكانت النقاشات ساخنة وحادة وأحياناً قاسية.

اقرأ أيضاً: "سيد قطب والأصولية الإسلامية": هل تجاوز الإخوان هذا الفكر؟

ثمّ نشر في مجلة المقتطف بحثاً بعنوان (التصوير الفني في القرآن)(2)، وألقى محاضرة هاجم فيها شعر شوقي، ولم يقبل استطراد أستاذه محمد شوقي علام في نقده الجارح لشوقي، شعر سيد بأهميته بعد أن ألقى محاضرة بعنوان "مهمّة الشاعر في الحياة وشعر الجيل الحاضر" في مدرج دار العلوم عام 1932، ومن الواضح أنها لاقت استحسان من حضرها، فقرّروا طبعها في كتيب العام 1933.

تخرج سيد عام 1933، يحمل شهادة (الإجازة العالية) ليسانس في اللغة العربية وآدابها، وعُيّن مدرّساً في وزارة المعارف بتاريخ 2/12/1933، بمدرسة (الداوودية) في القاهرة، وأوّل راتب تسلمه كان 6 جنيهات. لا نعرف على وجه التحديد متى أحبّ سيد قطب مرّة ثانية، ولكن في مقابلة بين صلاح الخالدي مع محمد قطب أوضح أنه أحب فتاة في منتصف الثلاثينيات، ولكنها رغم علمها بحبه لها لم تبادله الحب بالقدر الكافي، وكتب رواية أشواك كتجربة ذاتية مرّ بها، كتمها ولم ينشرها إلا في العام 1947.

اقرأ أيضاً: سيد قطب وفلسطين ... محاولة للفهم

وفي العام 1934، عمل إلى جانب التدريس محرّراً في الأهرام، في صفحتها الأدبية، بمقابل مادي، وطبعاً كان أوّل ديوان تناوله (هدية الكروان) للعقاد، ثمّ كتب في مجلة البلاغ، والبلاغ الأسبوعي، والجهاد، والحياة الجديدة، والمقتطف، والوادي، وروز اليوسف، وأبوللو، والإمام، والثقافة، ودار العلوم، والرسالة، والمجلة الأخيرة، فقد خاض على صفحاتها معارك أدبية شرسة، حتى وصلت مقالاته إلى 201 مقالة، شنّ فيها حرباً على الأدباء. (3)

أصدر كتابه الإسلامي الأوّل (التصوير الفني في القرآن) العام 1945 ورفض العقاد كتابة مقدّمته

أصدر سيد قطب ديوانه الأول "الشاطئ المجهول" في أول كانون الثاني (يناير) العام 1935، لم يلقَ أيّ تجاوب من الأدباء، ولا حتى من العقاد أستاذه، ولا من رفقاء عصره من شباب الأدباء والنقاد والكتّاب، ممّا ترك أثراً سلبياً عليه. ثمّ أدار معارك أدبية مع محبّي أدب الرافعي العام 1938، وتعرّض فيها لبعض الخصومات التي كانت بين العقاد والرافعي.

امتدّت هذه المقالات إلى 26 مقالة، ثمّ خاض معركة مع طه حسين حول كتاب مستقبل الثقافة العام 1939، ثمّ معركة مع الدكتور محمد مندور حول الأدب المهموس العام 1943، ثمّ معركة مع صلاح ذهني العام 1944، عندما تعرّض سيد قطب لأدب وقصص محمود تيمور، قام صلاح ذهني بمهاجمة سيد - فتيمور أستاذ صلاح- وقد ردّ سيد قطب الصاع صاعين، وبكلمات أكثر قسوة وأشدّ عنفاً، ومن العيار الثقيل.

التحوّل الثاني: الخروج من عباءة العقاد

 في هذه الأثناء كان يستهوي الكُتّاب الحديث عن الإسلام كأحد مكوّنات الشخصية الوطنية، وسيد قطب كسائر الكتّاب، فأصدر كتابه الإسلامي الأوّل (التصوير الفني في القرآن) العام 1945، طلب من العقاد أن يكتب مقدّمة لكتابه، لكنه لم يستجِب لطلبه، فتجاوز هذا الرفض، لأنّ كتابه استُقبل استقبالاً جيداً في أوساط الأدباء والنقاد، فقد أشاد به نجيب محفوظ وعلي أحمد باكثير وتوفيق الحكيم، وعبد المنعم خلاف.

شعر سيد بأنّ عمره يضيع في ركاب العقاد الذي لم يقدّمه أديباً ولا ألمعياً

لكنّ موقفاً غريباً من العقاد زلزل كيان سيد قطب، فقد فوجئ به يقرّظ كتاباً لمحمد خليفة التونسي، ممّا جعل الانتماء للعقاد يتصدّع، ثمّ معركته مع عبد المنعم خلاف حول التصوير الفني في القرآن الكريم العام 1945، رغم احتفاء صديقه عبد المنعم خلاف بكتاب سيد قطب، إلّا أنّ له بعض الملاحظات حول أفكار الكتاب، ولم يتقبل سيد تلك الملاحظات، وكانت معركة فكرية بين الاثنين، وهي المعركة الوحيدة التي اتسمت بالهدوء، ولم يستخدم سيد قطب فيها الجمل القاسية والردود العنيفة، كما هي عادته، في ذلك الوقت كان سيد قطب يتجهز للخروج من عباءة العقاد، فأصبح لزاماً عليه أن يتمهل قبل أن يلقي بكلماته كطلقات رصاص على صديق، على الأقل ما زالت أصداء احتفاله بالكتاب تتردّد.

إلى أن ظهر كاتبٌ نجدي هو عبد الله القصيمي في عالم الثقافة المصرية، واحتُفي به بشكل مبالغ، فحرّك لدى سيد قطب رغبته في المعارك الأدبية مرّة ثانية، فاستغلّ قيام إسماعيل مظهر رئيس تحرير مجلة المقتطف بالترحيب بكتاب (هذه هي الأغلال)، وشنّ حملة عليه، والقصيمي كسائر شباب نجد آمن بالفكر الوهابي في بداية حياته، والتحق بالأزهر الشريف، ولكنه سرعان ما انفصل عنه بسبب تأليفه لكتب تهاجم الأزهر وشيوخه لصالح الوهابيين، ثمّ تغير فكر القصيمي فجأة، ومن النقيض إلى النقيض، حتى وصل مرحلة وصفه فيها معارضوه بالملحد، ومن أهمّ الكتب التي ألفها بعد انقلابه على الفكر الوهابي: "هذه هي الأغلال"، و"يكذبون كي يروا الله جميلاً"، و"العرب ظاهرة صوتية".

في أمريكا قرّر العام 1949 الانقطاع كلياً عن النقد ودراساته والابتعاد عن دنيا الأدب والأدباء

لم يطق سيد قطب هذا الترحيب الذي يهدّد كيانه الإسلامي الجديد! ثمّ كانت الطامة الكبرى عندما نشر العقاد افتتاحية مجلة (الرسالة) في تشرين الأول (أكتوبر) 1946، أشاد فيها بكتاب (هذه هي الأغلال) واستهلَّها بقوله: "المسلمون في حاجة إلى جرعات قوية، من قبيل هذه الجرعة التي ناولهم إياها صاحب الفضيلة الأستاذ عبد الله القصيمي".

شعر سيد قطب بأنّ عمره يضيع في ركاب العقاد الذي لم يقدّمه أديباً ولا ألمعياً، وها هو ذا يفضّل عليه كاتباً آخر، لم يتمالك نفسه فكتب مقالاً حاداً مدفوعاً بتحصين كينونته الجديدة من الضياع، في (الرسالة) أيضاً بعنوان (غفلة النقد في مصر)، وفيه عدَّ كلّ ما أثير حول كتاب القصيمي قيمة مفتعلة، وعدّ الكتاب ذاته مريباً، بل قال: إنّ "هذه القيمة المفتعلة التي انزلق فيها بعض الكتّاب الكبار مخدوعين بما صوّره لهم المؤلف من مخاوف تحيط به فضيحة أدبية، وقد تؤخذ دليلاً على غفلة النقد فيها إلى حدٍّ مخجل"، ومع أنه لم يذكر العقاد بالاسم، فلا شكّ أنه يقصده، فهو الكبير الذي انفرد بالكتابة عن الكتاب حتى ذلك التاريخ.

التحوّل الثالث والاقتراب من الإسلاميين

وبدأ سيد قطب يكتب مندفعاً فيما يبدو أنه يدافع عن الدين ضدّ الملحدين، في حين أنه يدافع عن كيانه وذاته الجديدة التي جاءت دون بحث ودون قصد، فأصدر كتابه الإسلامي الثاني (مشاهد القيامة في القرآن الكريم) في العام 1947، في هذه المعركة اكتسب سيد قطب جمهور الإسلاميين، وهو جمهور كبير وواسع ومتعدد، فذاق لأوّل مرّة حلاوة أن يكون له تابعون، في هذه اللحظة أدرك أنّ عليه أن يعلن عن ذاته الأدبية الإسلامية، لم يكن سيد إسلامياً بالمعنى المعروف ولا بالمعنى المفهوم، بل كان كاتباً أديباً وجد في الدفاع عن الدين وسيلة للانتصار لنفسه، دون أن يجرؤ أيّ من نقاده على مهاجمته، فوقتها سيكون يهاجم الإسلام ذاته.

بحلول كانون الثاني (يناير) العام 1948، أخذ سيد قطب يقترب من الإخوان المسلمين، ويلوذ بهم، فذلك الموهوب الذي شعر بأنه غرق في عالم الأدب وأنّ موهبته استهلكها عباس العقاد في صراعاته الفكرية حتى بهتت، وجد يد الإخوان تتقدم لتنقذه، فقد اتفق معه الحاج محمد حلمي المنياوي، وهو قيادي إخواني وصاحب دار الكتاب العربي أن يموّل له مجلة أسبوعية (مجلة الفكر الجديد)، ويتولى سيد الإشراف عليها وإصدارها واستكتاب الكتّاب فيها، وكان خطّ المجلة اجتماعياً إصلاحياً ثورياً، يحارب فيها الفقر والظلم والرأسمالية والأوضاع السياسية والاجتماعية الفاسدة والباشوات وأبناء الذوات، آمن سيد قطب بأنه صاحب نظرة إيمانية إسلامية على منهاج ثوري تغييري، هذه المجلة أو الذات الجديدة لقطب لم تمكث كثيراً، فقد أغلقتها حكومة محمود فهمي النقراشي.

روّج الإخوان لكتابات سيد قطب قبل انضمامه إليهم العام 1953 وأصبح كاتباً يُشار إليه بالبنان

ثم فجأة قرّرت وزارة المعارف ابتعاثه إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مهمّة تعليمية في منتصف العام 1948، ولم تكن البعثة مرتبطة بمدّة معيّنة، ولا بمهمّة محددة، كما هي عادة البعثات، ولم يكن مرسلاً إلى جامعة بعينها كما جرى العرف أيضاً، ولم تكن من أجل الحصول على درجة علمية، لهذا نظر الباحثون إلى تلك البعثة بارتياب شديد.(4)

اقرأ أيضاً: سيد قطب وقصته مع يوسف شحاتة

وفي أثناء وجود سيد في أمريكا طبع كتابه الإسلامي الثالث، (العدالة الاجتماعية في الإسلام)، العام 1949، ثمّ حسم أمره  فقرّر الانقطاع كلياً عن النقد والدراسات النقدية والابتعاد عن دنيا الأدب والأدباء، وقد أعلن ذلك هناك في رسالة بعث بها إلى أنور المعداوي في أول آذار (مارس) 1950، قال له فيها: "أتنتظر عودتي لأخذ مكاني في ميدان النقد الأدبي؟ أخشى أن أقول لك: إنّ هذا لن يكون، وإنه من الأولى لك أن تعتمد على نفسك إلى أن ينبثق ناقد جديد! وإنني سأخصّص ما بقي من حياتي لبرنامج اجتماعي كامل، يستغرق أعمار الكثيرين، ويكفي أن أجدك في ميدان النقد الأدبي لأطمئن إلى هذا الميدان!"(5)

بالإعدام انتهت حياة سيد قطب الصحفي والكاتب والناقد الفني ثمّ المفكّر الإسلامي الذي كان يعاني من تصدّع الذات

عاد سيد قطب إلى القاهرة في 20 آب (أغسطس) 1951، وتسلم عمله في وزارة المعارف، بصفة مراقب مساعد، بمكتب وزير المعارف وقتها إسماعيل القباني، ثمّ كتب كتابه الإسلامي الرابع (معركة الإسلام والرأسمالية)، ولم يكد العام ينتهي حتى أصدر كتابه الخامس (السلام العالمي والإسلام).

 في هذه المرحلة كان الإخوان المسلمون يتواجدون في المجتمع المصري بموافقة ضمنية، لمواجهة الشيوعية والاشتراكية التي تفشت في المجتمع بعد الحرب العالمية الثانية، روّج الإخوان لكتابات سيد قطب، وأصبح كاتباً لامعاً يُشار إليه بالبنان، ثمّ حصل صالح عشماوي القيادي الإخواني المعروف على رخصة (مجلة الدعوة)، فكتب فيها سيد قطب بعضاً من مقالاته الاجتماعية والدينية، وكتب أيضاً في صحيفة اللواء لسان حال الحزب الوطني، والمجلة الاشتراكية، لسان حال الحزب الاشتراكي الذي أسّسه أحمد أمين، وفي مجلة المسلمون التي أسسها سعيد رمضان زوج ابنة حسن البنا، كتب مقالاً شهرياً في تفسير القرآن الكريم، واختار له عنوان: "في ظلال القرآن".

تبلورت أفكاره المتطرفة في السجن وأصبحت مصطلحاته الجديدة التي يؤصل لها شرعاً تلقى رواجاً

ثمّ وقعت حركة الضباط الأحرار في 23 تموز (يوليو) 1952، وتولوا الحكم، وتعاونوا مع الإخوان باعتبارهم قوة يحتاجونها كظهير شعبي في بداية حركتهم، مال سيد قطب إلى جماعة الإخوان لتدعيم ذاته الإسلامية، لهذا جمع مقالاته (في ظلال القرآن) وأصدرها في كتاب في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 1952، ثمّ أصدر على مدار عامين بعد ذلك 16 جزءاً من الظلال حتى نهاية سورة طه.

التحوّل الرابع: كاتب الظلال والمفكّر الاسلامي

انضمّ سيد قطب إلى صفوف الإخوان المسلمين رسمياً وتنظيمياً في العام 1953، بعد الثورة وأثناء العلاقة الحميمة بين ضباط يوليو والإخوان، وأسنِدت إليه قيادة الأعمال التثقيفية في الجماعة، مثل إصدار جريدة "الإخوان المسلمون"، وإلقاء أحاديث الثلاثاء في المركز العام للإخوان المسلمين، وإلقاء المحاضرات الإسلامية في المناسبات المختلفة التي كانت تنظّمها الجماعة، فقد أتى إلى دمشق في آذار (مارس) 1953، مندوباً عن لجنة الدراسات الاجتماعية المصرية، وفي 2/12/1953 ذهب إلى القدس لحضور المؤتمر الشعبي الإسلامي ممثلاً عنهم، وهناك التقى بنواب صفوي قائد جماعة فدائيان إسلام الإرهابية التي تغتال قادة الحكم لإرهابهم لتطبيق ما تراه هذه الجماعة، هذا اللقاء ترك أثراً بالغاً في تفكير سيد قطب، ثمّ وقعت محاولة اغتيال عبد الناصر في المنشية، وحوكم سيد قطب العام 1955، وحكم عليه بالسجن 15 عاماً.

 في محبسه، قام بتنقيح الطبعة الأولى لكتابه تفسير الظلال، وركّز على المعاني والتوجيهات الحركية والجهادية في القرآن الكريم، وضخّ تصورات جهادية حادة، فصل فيها بين مجتمع الإيمان ومجتمعات الجاهلية، ومن صفحات الظلال خرج للمطبعة كتاب مثير، كان له أكبر الأثر في تكوين جماعات العنف فيما بعد، ألا وهو كتاب (معالم في الطريق) الذي طبعه في عام 1964 بعد خروجه من السجن بقليل بعفو صحي.

اقرأ أيضاً: السلفّية التجريبية.. الصراع بين واقعية ابن تيمية ومثالّية سيد قطب

تشكّلت أفكار سيد قطب في السجن، ولمعت ذاته الإسلاموية أكثر، وأصبحت مصطلحاته الجديدة التي يؤصل لها شرعاً تلقى رواجاً في السجن وخارجه، حتى أصبحت المحرّك الأوّل لكلّ منظّري الإرهاب الإسلاموي في العالم، وتتلخص أفكاره في: (الجاهلية/ الحاكمية/ العزلة الشعورية أو اعتزال الجاهليين/ تكفير المجتمعات المسلمة).

في محبسه نقح الطبعة الأولى لكتابه الظلال وركّز على المعاني والتوجيهات الحركية والجهادية في القرآن

خرج سيد قطب، ووجد تنظيم الإخوان يحاول قلب نظام الحكم على عبد الناصر، أو على الأقل قتله، ويقول في كتابه (لماذا أعدموني) ص49: كنّا قد اتفقنا على استبعاد استخدام القوة كوسيلة لتغيير نظام الحكم، أو إقامة النظام الإسلامي، وفي الوقت نفسه قرّرنا استخدامها في حالة الاعتداء على هذا التنظيم، ونظراً لصعوبة الحصول على ما يلزم حتى للتدريب، فقد أخذوا في محاولات لصنع بعض المتفجرات محلياً، وأنَّ التجارب نجحت وصنعت بعض القنابل فعلاً، ولكنها كانت في حاجة إلى التحسين، والتجارب مستمرّة...(6)

وفي موضع آخر: "وهذه الأعمال هي الردّ على وقوع اعتقالات لأعضاء التنظيم بإزالة رؤوس، في مقدمتها رئيس الجمهورية ورئيس الوزارة ومدير مكتب المشير ومدير المخابرات ومدير البوليس الحربي، ثمّ نسف بعض المنشآت التي تشلّ حركة مواصلات القاهرة لضمان عدم تتبع بقية الإخوان فيها وفي خارجها، كمحطة الكهرباء والكباري، وقد استبعدت فيما بعد نسف الكباري كما سيجيء".(7)

في النهاية أُعدم سيد قطب في آب (أغسطس) 1966، ويقول اللواء فؤاد علام الشاهد الوحيد على لحظة الإعدام: إنّ سيد قطب قال لرفقائه في سيارة الترحيلات: "إنّ مشكلتي في عقلي؛ أنا مفكّر، وكاتب إسلامي كبير، والحكومة تريد القضاء على الإسلام عبر قتلي".

اقرأ أيضاً: "معركة الإسلام والرأسمالية": هكذا قدم سيد قطب حلوله الاقتصادية

بالإعدام انتهت حياة سيد قطب الصحفي والكاتب والناقد الفني ثمّ المفكّر الإسلامي، الذي كان يعاني من تصدّع الذات، وبقيت أفكاره التي هدّدت وتهدّد آلاف الأرواح من الأبرياء، من المسلمين وغيرهم.

هوامش:

(1) صلاح عبد الفتاح الخالدي، سيد قطب الأديب والناقد والداعية والمجاهد، سلسلة من الأعلام، دار القلم، دمشق، ط 1، 2000، ص 42.

(2) حلمي النمنم، سيد قطب وثورة يوليو، مرجع سابق، ص 46

(3) صلاح الخالدي، سيد قطب من المولد للاستشهاد، ص 110

(4) صلاح الخالدي، سيد قطب من الميلاد للاستشهاد، مرجع سابق، ص193

(5) حلمي نمنم، سيد قطب وثورة يوليو، مرجع سابق، ص ص 56، 57

(6) سيد قطب، لماذا أعدموني، ص49 ص50

(7) سيد قطب، لماذا أعدموني، ص55


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية