
تخضع جماعة الإخوان منذ أعوام لرقابة صارمة داخل الأراضي الألمانية، في ضوء العديد من التقارير الأمنية والاستخباراتية التي نبهت إلى خطورة التنظيم المتوغل داخل البلاد على مدار عقود، وقد رصدت التقارير مؤخراً تحركات داخل الحكومة الألمانية لحظر نشاط التنظيم، وقطع مصادر تمويله.
ولا تُعدّ خطوة الحكومة الألمانية هي الأولى، ففي عام 2019 جمّدت الحكومة الألمانية أرصدة بعض الجمعيات المرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين، وذلك للاشتباه في تمويلها لأنشطة متطرفة، وأوضحت مصادر رسمية آنذاك أنّ الخطوة هدفت إلى منع الجماعة من الحصول على أموال تُستخدم لنشر أفكارها المتطرفة أو دعم الجماعات الإرهابية.
وفي 14 أيار (مايو) الماضي جدد حزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب يميني يحظى بشعبية واسعة داخل البلاد، وفق استطلاعات الرأي الحديثة، جدد مطلبه للبرلمان بالنظر في إجراءات لحظر أنشطة التنظيم داخل البلاد.
وكان الحزب قد قدّم في 15 آذار (مارس) 2022 مشروع قرار للبرلمان طالب خلاله بتشديد الرقابة على مصادر تمويل تيار الإسلام السياسي وتجفيف منابع تمويل جماعة الإخوان المسلمين.
ونشر البرلمان الألماني في 9 حزيران (يونيو) 2022 وثيقة عن طلب إحاطة من قبل حزب البديل عن بعض منصات الإسلام السياسي، وكشفت الوثيقة عن وجود داعمين داخل الحكومة وبعض مؤسساتها الإعلامية وحزبي اليسار والخضر، مستندة على أنّ غياب فحص المنصات المسجلة وعلاقاتها مع المنظمات الأخرى وطبيعة خلفية العاملين بها والخلط بين الحق في الحريات والتطرف ساهم في تعاون الإخوان مع هذه المؤسسات، وفق المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات.
تنشط جماعة الإخوان من خلال شبكة واسعة من الجمعيات والمؤسسات، وتُمارس تأثيراً ملحوظاً على شؤون الجالية المسلمة في ألمانيا، وتجمع مبالغ طائلة تحت واجهة العمل الخيري.
وحتى اللحظة لا يوجد قرار رسمي بحظر أنشطة التنظيم داخل ألمانيا، التي تُعدّ أحد أهم حواضنه الأوروبية، لكنّ القوانين الألمانية تحظر الترويج لأفكار الكراهية والعنف، ممّا يُقيّد قدرة جماعة الإخوان المسلمين على نشر خطابها المتطرف، كما تُقاطع بعض المؤسسات والهيئات الألمانية جماعة الإخوان المسلمين، وترفض التعاون معها أو المشاركة في أنشطتها.
خارطة التواجد الإخواني داخل ألمانيا
تأسست جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا عام 1958 على يد سعيد رمضان، أحد قيادات الإخوان المصريين، وقد ركزت الجماعة في البداية على تقديم الخدمات الدينية والاجتماعية للمسلمين العرب في ألمانيا، وتوسعت أنشطة الجماعة مع مرور الوقت لتشمل مجالات التعليم والإعلام والاقتصاد، وفي الوقت الراهن تُقدّر بعض المصادر عدد أعضاء الجماعة في ألمانيا بحوالي (14) ألف عضو.
تصف تقارير الاستخبارات الألمانية الإخوان بأنّهم "الذئاب في ثياب الحملان"، نظراً لارتفاع أعداد الجمعيات الإسلامية إلى (960) جمعية ومحاولاتهم المستمرة لتأسيس نظام سياسي واجتماعي متطرف في ألمانيا.
وتنشط الجماعة من خلال شبكة واسعة من الجمعيات والمؤسسات، وتُمارس تأثيراً ملحوظاً على شؤون الجالية المسلمة في ألمانيا، وتجمع مبالغ طائلة تحت واجهة العمل الخيري.
وتصف تقارير الاستخبارات الألمانية الإخوان بأنّهم "الذئاب في ثياب الحملان"، نظراً لارتفاع أعداد الجمعيات الإسلامية إلى (960) جمعية ومحاولاتهم المستمرة لتأسيس نظام سياسي واجتماعي متطرف في ألمانيا، باعتمادهم على سياسة اختراق مؤسسات الدولة لخلق كوادر وساسة يصبحون صناع قرار في المستقبل يستطيعون من خلالهم تكريس العنف والتطرف، وفق دراسة لـ (المركز الأوروبي لمكافحة الإرهاب والاستخبارات).
وأشار تقرير الاستخبارات الألمانية المنشور في آذار (مارس) 2022 إلى سعي الإخوان لتأسيس نظام سياسي واجتماعي متطرف في ألمانيا، مستخدمين سياسة اختراق مؤسسات الدولة لزرع كوادرهم وصناع قرار مستقبليين يخدمون أجندتهم المتطرفة.
استراتيجية الرسائل المزدوجة
بحسب التقرير، تختلف استراتيجية الإخوان في ألمانيا عن باقي الدول الأوروبية، حيث ينكرون علناً أيّ صلة لهم بالتنظيمات المتطرفة، بينما يروجون لأفكارهم المتطرفة من خلال رسائل مزدوجة ذات معانٍ خفية يصعب على الأجهزة الأمنية كشفها.
ويُعدّ "التجمع الإسلامي الألماني DMG" نموذجاً لسياسة الإخوان المزدوجة، ويضم (1450) عضواً، ويعمل على إحداث تغيير طويل المدى في المجتمع الألماني لفرض أنظمة سياسية إسلامية متطرفة، وقد لجأ "التجمع الإسلامي الألماني" إلى تغيير اسمه عدة مرات للتنصل من المراقبة الأمنية وتحسين صورته أمام الرأي العام الألماني.
تختلف استراتيجية الإخوان في ألمانيا عن باقي الدول الأوروبية، حيث ينكرون علناً أيّ صلة لهم بالتنظيمات المتطرفة، بينما يروجون لأفكارهم المتطرفة من خلال رسائل مزدوجة ذات معانٍ خفية يصعب على الأجهزة الأمنية كشفها.
ويسعى الإخوان داخل ألمانيا إلى تعزيز علاقاتهم مع المراكز الإسلامية، ليس فقط لجمع التمويل، بل للحصول أيضاً على منصات إعلامية لتصحيح صورتهم في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية في أوروبا ونفي أيّ تحذيرات أمنية حول خطورتهم، كما يُروج الإخوان لخطاب يصورهم كأقلية مضطهدة تتعرض للتمييز، مستخدمين قضايا مزيفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لاستقطاب الشباب.
وعادة ما تُثير خلايا الإخوان الإلكترونية قضايا شائكة مثل حقوق المرأة والأقليات والمشاركة السياسية والعنصرية في المجتمع الألماني، ويستغلونها لكسب تأييد بعض فئات الجالية المسلمة.
كيف يؤثر القرار الألماني المحتمل على التنظيم؟
تثير التحركات السياسية في البرلمان الألماني قلقاً وارتباكاً داخل التنظيم الدولي الذي يعاني أزمات معقدة على مدار الأعوام الماضية؛ ترتبط بانهيار سلطته في عدة دول عربية، ونبذ الجماعة على المستوى الشعبي، فضلاً عن احتدام الصراع الداخلي بالتنظيم.
ويتوقع أن يؤثر القرار الألماني بشكل مباشر على مصادر التمويل المتعلقة بتنظيم الإخوان داخل أوروبا، وووفقاً للحكومة الألمانية تلقت منظمة الإغاثة الإسلامية الألمانية "فرع الإغاثة الإسلامية عبر العالم" المرتبطة بالإخوان نحو (16) مليار يورو على شكل منح حكومية ما بين 2013 و2020، على الرغم من أنّ السلطات الألمانية قد اعترفت علناً بعلاقة المؤسسة الخيرية مع جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات ذات الصلة.
وقد واجهت جماعة الإخوان عموماً العديد من التحقيقات والتدقيق حول أنشطتها المتطرفة والإرهابية داخل أروقة البرلمان الألماني لدفع الحكومة لاتخاذ قرار بحظر جماعات الإسلام السياسي وتنظيم الإخوان المسلمين والمنظمات الخيرية التابعة له في البلاد، وذلك بعدما أثبتت تقارير اللجان المتخصصة والمعلومات الأمنية المخاطر التي تهدد البلاد من جراء هذا التنظيم الذي ينتهج أجندة سرّية تخدم الإرهاب والتطرف.
وكان مصير هذه التحقيقات دائماً أن تظل حبيسة الأدراج، على الرغم من علم الحكومة البريطانية واستخباراتها بهذه النشاطات، بحكم علاقات الحكومة البريطانية الممتدة إلى الأيام الأولى لتكوين جماعة الإخوان المسلمين في مصر، بحسب المركز الأوروبي.