تاريخ الإخوان كما كتبوه: أمنيات أن يكون البنا كهتلر (3)

تاريخ الإخوان كما كتبوه: أمنيات أن يكون البنا كهتلر (3)

تاريخ الإخوان كما كتبوه: أمنيات أن يكون البنا كهتلر (3)


19/10/2023

تأسست جماعة الإخوان المسلمين، في 22 آذار (مارس) 1928، أي في مطلع العقد الثالث من بداية القرن العشرين، وبعيداً عن غموض لحظة التأسيس لجماعة ظلّت رقماً صعباً في المعادلة السياسية في مصر آنذاك، ثم في الإقليم والعالم. ربما لن نناقش هذه المرة كيف تمكّن شخص واحد مع ستة من العمال تأسيس حركة بهذا الحجم والتأثير الممتد، بل نتعرض ضمن هذا الجزء لواقع المجتمع المصري من وجهة نظر الجماعة في حديثها عن النشأة والتأسيس.

اقرأ أيضاً: تاريخ الإخوان كما كتبوه: قراءة بين السطور(1)

 يقدّم مؤرخو الجماعة في المؤلف الذي نحن بصدد قراءته "أوراق من تاريخ الإخوان" في الجزء الأول بالقول: "تعرّض المجتمع المصري مع مطلع القرن العشرين لموجات وتيارات حادة أثّرت عليه سلباً وإيجاباً، خلال الربع الأول من ذلك القرن. وكادت هذه الموجات أن تعيد تشكيل صورة المجتمع المصري ورسمها من جديد، لولا تلطّف الله تعالى بمصر والمشرق العربي" تأمّل سطور هذه المقدمة لتدرك بيسر أنّ الإخوان يرسمون مشهداً سوداوياً لهذا الواقع الذى قاموا هم لتغييره، تجسيداً لهذا اللطف الإلهي فهم بحركتهم التي أسسوها حموا المجتمع المصري من موجات مدمرة كادت تصنع مصيره؛ فما هي تلك الموجات التي يقصدها الإخوان؟ وما هو المصير الذي أفلتت منه مصر على أيديهم؟

يبقى مشروع الإخوان أكثر المحاولات الاستعمارية مكراً في قطع طريق مصر الدولة الوطنية وتعطيلها عن اللحاق بركب العصر والعلم وأكبر خطة إشغال في التاريخ الحديث

يعدّد الكاتب أهم التيارات والاتجاهات العالمية التي صاحبت مطلع القرن العشرين، والتي تفاعل معها المجتمع المصري، بحسب تعبيرهم، وانعكست على شكل الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقد حصرها في ثمانية تيارات أو موجات:

نموّ الروح القومية، ونموّ الدعوة للتحرر والاستقلال، ونموّ الروح العسكرية، ونموّ الروح الديمقراطية، وزيادة الاهتمام بفكرة المجتمع الدولي، وظهور الفكر الاشتراكي، وسيادة الاتجاه العلمي، وموجة عاتية من الانحلال الخلقي، وصفوها بأنّها لم يكن لها مثيل من قبل، وهذا شأن كلّ الظواهر الاجتماعية أو السياسية تأتي استجابة للتطور في المجتمعات، على مستوى الأفكار والقيم وهي أعراض طبيعية لسنّة الله الجارية في خلقه لكن دائماً للإخوان رأي آخر.

اقرأ أ أيضاً: تاريخ الإخوان كما كتبوه: الاستسلام للوهم (2)

كان نموّ الروح القومية والتي لم يسمّوها الروح الوطنية، حيث تبدو كلمة القومية مرادفاً في وعي الجماعة للقبلية، التي يتمثلون في مواجهتها الحديث النبوي "دعوها فإنّها منتنة" في ذمّ اعتزاز بعض المسلمين بقبائلهم والفخر بها بديلاً عن دولة الإسلام الجامعة آنذاك، والتي كانت دولة وطنية ضمّت بين أبنائها مواطنين من أجناس سابقة مختلفة، اكتسبوا جنسية الدولة الجديدة وأصبحوا أوفياء لعلمها وأرضها وعقيدتها السياسية والدينية.

لكن الخلط في الوعي امتدّ لديهم في اعتبار هذه الدولة نموذجاً لدولة الإسلام، التي ضمّت مواطنين كانوا ينتمون في السابق لشعوب وأجناس مختلفة، ومن ثم بقوا مخلصين لتصوّر مصمت، يرى أنّ النموذج المثالي للدولة هو في دولة المدينة وصولاً حتى للدولة العثمانية، التي ظلّوا يتبجحون طويلاً في أنّها ظلّت تمثّل دولة الإسلام لقرون، رغم أنّ صيغة هذه الدولة لم تزدهر سوى تحت راية العلمانية، وإن ادّعوا تاريخياً خلاف ذلك، جرياً مع منطق استعماري بائد وهوسٍ دينيّ قديم.

 

اقرأ أيضاً: الإخوان.. من الرفض الشعبي إلى الملاحقة الدولية

رأى الإخوانُ أنَّ الروح القومية وشعور كلِّ مواطن بالانتماء لبلده الذي نشأ فيه وتغلغل حبه في وجدانه ودمه سلوك ذميم ومؤامرة استعمارية تستهدف إضعاف دولة الإسلام؛ لذا رأت الجماعة أنّ لبروز فكرة القومية، الذي تفاعلت معه تركيا فتحولت إلى دولة وطنية، تأثير ضار على العقيدة والوطن وشكل الدولة التي يؤمنون بها؛ حيث رأوا أنّ ذلك بروز للقومية على حساب الأممية التي يؤمنون بسواها.

 ذمَّ الإخوان دعوة ساطع الحصري للقومية العربية، وكذلك دعاوى القومية المصرية، وكلّها اتجاهات كانت تعبّر عن بذور جنينية للتحرر والاستقلال، وتأتي تطوراً لوعي الشعوب بمصائرها، واختياراً حراً لم يدفعها أحد إليه، على عكس ما كان يتصور الإخوان؛ حيث يطيب لهم دوماً أن يسوقوا تأثير التفاعل الحضاري والتلاقح بين الأمم والشعوب؛ باعتباره تأثراً سلبياً وهزيمة نفسية؛ لذلك ظلّوا يذمّون ابتعاث الطلاب للخارج لينهلوا من علوم الغرب المتقدم وازدياد حركة الكشوف الأثرية واكتشاف عظمة تاريخ هذه الشعوب، خصوصاً في مصر، التي ساهمت الحملة الفرنسية في فتح عيونها على العالم وفتح عيونها على عظمة تاريخها، بعد أن حجبتها ظلمات العهد العثماني البائد؛ حيث يعبّر مؤرخّو الإخوان عن هذه الظلمات بعبارات مخففة فيها كثير من المكر "معاناة الشعوب العربية من بعض الحكّام والولاة المرتبطين بالسلطنة العثمانية التركية، ووقوع بعض المظالم، مما أثار المشاعر العربية والقومية في نفوس هذه الشعوب" تأمّل هذا الوصف لتدرك بجلاء حقيقة انتماء الإخوان لتركيا في السابق واللاحق.

 

اقرأ أيضاً: سلاح التلويح بالعقوبات هل يردع الإخوان في ليبيا؟

ثم يعطف الكتاب في شرح أثر تلك العوامل بالحديث عن نموّ الدعوة للتحرر والاستقلال والعمل الوطني، بطبيعة الحال، لا يستطيع مؤرخ أن يتجاهل هذا العامل في نهضة الشعب المصري، لكنّه، وبشكل ماكر، يحاول حصر الوطنية في تيار واحد نعته بالإخلاص دوناً عن غيره "ولقد شهد القرن العشرون في مطلعه دعوات وطنية مخلصة، ترنو إلى التحرّر والاستقلال، بداية من الزعيم مصطفى كامل إلى ثورة 1919، وما بعدها من حركات وطنية، تصبّ في تيار العمل الوطني".

 من المعروف أنّ مصطفى كامل، الزعيم الوطني، رغم أنّه كان مصرياً خالصاً في دعوته وخطابه، إلا أنّه كان لا يراه استقلالاً مصرياً كاملاً يشمل الاستقلال عن تركيا، التي كان يصفها دوماً بالدولة العلية، المشهد هنا، كما يحاول الإخوان صياغته في الوعى الإخواني والمصري، مشهد غائم، غير واضح المعالم؛ حيث تتصارع دعوات وأفكار، والناس حيارى لا يجدون من يدلهم على الطريق، ولا يعرفون هويتهم.

 

اقرأ أيضاً: هل تحرم أوروبا جماعة الإخوان من مصدر تمويلها الرئيسي؟

نتحدث عن مطلع القرن العشرين، العالم يعاني مخاض ولادة قرن بما يحمله من تطلعات وأحلام وأطماع، شأن كلّ قرن من مسيرة الإنسان على هذا الكوكب، لكنَّ الإخوان يقدّمون لجماعتهم ومرشدهم، كما لو كان مبعوث العناية الإلهية، بل ونعتوه بمجدّد الإسلام في القرن العشرين، المخلص الذي حسم الارتباك ورسم معالم الطريق "وفي وسط هذا الجوّ الملبد بالغيوم والأفكار المتضاربة والدعوات المتعددة الاتجاهات، نشأ الإمام البنا، رضي الله عنه، وتفتحت عيناه فأدرك أنّ بلده وأمّته قد استولى عليها عدوها، واستبدّ بشؤونها خصمها؛ فهي أمة تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحقّ السليب والتراث المغصوب والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، ولم يكن غريباً أن يشارك في الثورة على الإنجليز، عام 1919، حين كان عمره ثلاثة عشر عاماً، وهو طالب بالمدرسة الإعدادية بالمحمودية، وكان يردد مع الناس:

حبّ الأوطان من الإيمان وروح الله تنادينا      إن لم يجمعنا الاستقلال ففي الفردوس تلاقينا

هنا يصنعون للرجل تاريخاً وطنياً، ويهملون ذكر رموز هذه المرحلة الذين انشغل كتاب الإخوان لاحقاً بهدم صورتهم في الوعي الجمعي المصري، فسعد زغلول يصوَّر كمقامر، وفلان معاقر للخمر، وعلّان يرتاد أماكن اللهو، ضمن مؤلفات انشغلت بتسويقها الجماعة، اقرأ، إن شئت، كتاب "رجال اختلف فيهم الرأي" لعلي الجندي وغيره من كتّاب الإخوان.

 

اقرأ أيضاً: كيف رد طه حسين وآخرون على الإخوان؟

تاريخ حسن البنا الوطني الحقيقي يمكن تلخيصه في إنشاء حركة سرية استهدفت إضعاف حزب الوفد؛ الرافعة الوطنية الحقيقية لقضية الاستقلال، وصرف الشباب عن القضية الوطنية لحساب أوهام الخلافة، تأبيداً لحالة العجز في مواجهة المحتل، ولو صدقوا في أنّ للرجل تاريخاً وطنياً لاستجاب لنصائح كلّ علماء الإسلام وقتها، بالاقتصار على النشاط الدعوي والتمكين الروحي والتربوي، ولما أبعد الرجل العاقل الوحيد، أحمد السكري، المرشد الأول للجماعة، الذي أقصاه بشكل مهين، فقط لأنّه طالبه بألّا يدخل في صراع مع حزب الوفد، ويوفّر طاقات الشباب لجهاد الاستعمار وتقوية الوفد، الحزب الشعبي المعبّر عن الأماني الوطنية.

تاريخ حسن البنا الوطني الحقيقي يمكن تلخيصه في إنشاء حركة سرية استهدفت إضعاف حزب الوفد؛ الرافعة الوطنية الحقيقية لقضية الاستقلال، وصرف الشباب عن القضية الوطنية لحساب أوهام الخلافة

كان الوفد حزباً مصرياً وطنياً ينشد الاستقلال، معبراً عن سبيكة مصر الحضارية الخالصة، يرفع شعار الدين لله والوطن للجميع، ويبشر بدولة وطنية فتية، لكنّه لم يظفر من الإخوان سوى بالخصومة والعداء والكيد.

يبقى مشروع الإخوان أكثر المحاولات الاستعمارية مكراً في قطع طريق مصر الدولة الوطنية وتعطيلها عن اللحاق بركب العصر والعلم وأكبر خطة إشغال في التاريخ الحديث.

لكنّ الكتاب يكشف سرّ بروز الإخوان وسبب وجودهم الحقيقي، حين يتحدث عن نمو الروح العسكرية، حين يقول: "وقد شهدت أوروبا في بواكير هذا القرن نزعات عرقية تميزت بالقوة العسكرية، فظهرت الفاشية في إيطاليا والنازية في ألمانيا، وتحقّق لهم انتصارات باهرة أدهشت العالم، ولم يكن غريباً أن يتأثر بذلك شباب في كلّ بلد من بلدان العالم يرغب في إحراز مثل هذا النصر"، ثم يعطف بالقول: "وكان لهذه الروح العسكرية التي انبعثت في أوروبا صداها في مصر، فرأينا تشكيلات القمصان الخضر، أتباع حزب مصر الفتاة، بزعامة أحمد حسين، ومثلها جماعات القمصان الزرق، أتباع حزب الوفد، وتبنّى الحزب الوطني القديم هذه الروح، وممّا أدّى إلى إذكاء هذه الروح وقوع البلاد في قبضة المحتلّ، ووجود المظالم ويأس الوطنيين من المفاوضات مع المحتل الغاصب". يفصح هذا النصّ عن أحد أسباب النشأة، ومصداق ذلك تراها في لوائح الجماعة الأولى وملابس الكشافة واستعراض البنا للأعضاء والمواكب والمؤتمرات وحجم العصاب المسيطر على الأعضاء ونوعية الخطاب السياسي للجماعة.

وربما ضمن هذه التأثيرات التي رصدها مؤرخو الجماعة تأثرت الجماعة؛ بل مؤسّسها بالأحرى ومرشدها ومنظرها الوحيد البنا، بهتلر والنازية وموسوليني والفاشية، وتمنّى لو حاز ما صنعوه زعيماً راديكالياً مثلهم ونسج على منوالهم، وحاول الوصول للحكم ولو وصل هو للحكم في حياته لشهدنا نسخة مصرية للقمع والاستبداد، يتوارى منها هتلر وموسوليني، لكنّ العناية الإلهية ترفّقت بمصر وبينها فلم يحقّق حلمه، رغم أنّ الإخوان بعد مقتله بأكثر من ستة عقود حازوا الحكم، لكنّهم انكشفوا سريعاً للمجتمع الذي أبعدهم ولفظهم.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية