بوكو حرام: نموذج ملهم للعصابات الإجرامية

بوكو حرام: نموذج ملهم للعصابات الإجرامية

بوكو حرام: نموذج ملهم للعصابات الإجرامية


03/01/2023

بيتر نوب

تعد الجماعة المعروفة عمومًا باسم بوكو حرام، التي تنشط في نيجيريا والكاميرون وتشاد، من بين أكثر التنظيمات الإرهابية دموية في العالم. ففي نيجيريا وحدها، قتل عشرات الآلاف من الأشخاص منذ عام 2009، وتسببت عمليات القتل في نزوح أكثر من مليوني شخص آخرين.

وفقًا لبيانات معهد الاقتصاد والسلام، من بين الهجمات الإرهابية العشرين الأكثر فتكًا التي ارتكبت في عام 2014، أعلنت بوكو حرام مسؤوليتها عن، أو نُسبت إليها، تسع هجمات إرهابية، بمتوسط 14 حالة وفاة/هجوم إرهابي. وتستخدم الجماعة مجموعة متنوعة من التكتيكات لهجماتها، مثل الهجمات الانتحارية والأسلحة النارية والتفجيرات. لكن السمة المميزة لبوكو حرام هي، بلا شك، الاستغلال الشنيع للفتيات المختطفات لتنفيذ تفجيراتٍ انتحارية.

مستوى العنف والاستخدام المقيت للفتيات الصغيرات كمُستهلكات هما أيضًا السببان وراء فقدان الجماعة الكثير من الدعم العام في المنطقة. في البداية، اكتسب مؤسس الجماعة، محمد يوسف، تعاطف الكثيرين في شمال نيجيريا من خلال استغلال الفكرة العامة القائلة بأن التعليم الغربي يرمز إلى كلٍّ من تاريخ الاستعمار المسيحي، والدولة الفاسدة الحديثة. وعندما توفي يوسف في ظروفٍ مريبة في الحجز في عام 2009، ارتفع الدعم الشعبي للتمرد ضد الحكومة.

اليوم لم يعد الحال كذلك. ينضم الشباب إلى بوكو حرام لأسبابٍ متنوعة، من بينها عدم وجود بدائل والتجنيد القسري. وقد كان السبب وراء إنشاء عملية الممر الآمن في عام 2016 من قبل الحكومة النيجيرية مساعدة أولئك الذين أرادوا الهروب من بوكو حرام على الانشقاق العودة إلى المجتمع.

على الرغم من استخدام جماعة بوكو حرام للعنف الشديد، ظلت في الغالب خارج دائرة الاهتمام الدولية. وكان الهجوم الوحيد الذي استرعى اهتمامًا دوليًا واسع النطاق هو اختطاف فتيات شيبوك. في 14 أبريل 2014، هاجم مسلحو بوكو حرام مدرسة داخلية ثانوية حكومية في شيبوك، في ولاية بورنو، حيث ذهبت فتيات من المناطق المحيطة لإجراء الامتحانات. ووصل المسلحون إلى البلدة في وقتٍ متأخر من الليل، وسط وابل من إطلاق النار، وتوجهوا إلى المدرسة حيث داهموا المهاجع وحمّلوا 276 فتاة على شاحنات.

احتجاج دولي

أثارت الحادثة فورة من الغضب والإحباط على المستوى الدولي. وكانت هيلاري كلينتون من بين المشاهير الذين تناولوا القضية في مناسباتٍ عدة. وفي الوقت نفسه، زارت ملالا يوسفزاي، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، شابة من ضحايا الإرهاب من باكستان، نيجيريا للمطالبة بالإفراج الفوري عنهن، والتقت في وقتٍ لاحق ببعض تلميذات شيبوك بعد إطلاق سراحهن. وعبّرت الأمهات النيجيريات علنًا عن غضبهن تحت شعار “أعيدوا بناتنا”، في إطار حملة معارضة لبوكو حرام، وللضغط على الحكومة في أبوجا لاتخاذ المزيد من الإجراءات.

لكن سرعان ما خفت الاهتمام الدولي. فالأخبار دائمة التقلُّب. احتلت قضايا أخرى أخبار الصفحات الأولى. أدّى هجوم شارلي إبدو وخلافة داعش والانتخابات الأمريكية وحملات “حياة السود مهمة” إلى إبعاد فتيات شيبوك عن عناوين الصفحات الأولى. وواصلت بوكو حرام، مستفيدة من كونها بعيدة عن الأضواء، عملياتها التي بدأت بالفعل قبل الأحداث الشائنة في شيبوك.

اعتاد النيجيريون الشماليون على ذلك. على سبيل المثال، أطلق الجيش النيجيري سراح 1,000 امرأة وفتاة احتجزتهن بوكو حرام في قرية بوبوشي في يناير 2016. لم تكن فتيات شيبوك جزءًا من هذه العملية. وهنا تجدر الإشارة إلى أن اختطاف بوكو حرام للنساء يخدم أغراضًا عدة. فهي لا تستغل النساء فقط في تنفيذ التفجيرات الانتحارية، بل عبيدات جنس وخادمات لإعداد الطعام للرجال.

التربُّح من الإرهاب

كان للضغط المحلي والدولي للإفراج عن فتيات شيبوك آثار جانبية سلبية غير متوقعة. فقلد وردت تقارير تفيد بأن حكومة نيجيريا دفعت 3 ملايين يورو لإطلاق سراح فتيات شيبوك اللواتي أصبحن مشهوراتٍ في جميع أنحاء العالم بحلول ذلك الوقت. هذه الشهرة دفعت السعر إلى الأعلى. ولا غرابة في أن هذا النوع من المال يشجع طريقة العمل ذاتها التي يسعى إلى علاجها. ذلك أن الحصول على مبالغ هائلة من الفدية أثبتت ربحية النهج الذي تتبعه الجماعة.

هذا هو السبب في أن معظم الحكومات تخجل من دفع ثمن الإفراج عندما يُختطف مواطنوها. أخذت المملكة المتحدة زمام المبادرة في هذا في عام 2014 من خلال الحظر الصريح لسداد دفعة لشركة تأمين يعرفون (أو لديهم سبب معقول للاشتباه) أنها تمت استجابة لطلب إرهابي. والسبب وراء هذا الإجراء القانوني هو أن دفع الفدية هو وسيلة لتمويل الإرهاب، عمل غير قانوني على الصعيد العالمي.

لكن مبادرات مثل تشريع المملكة المتحدة لم توقف هذه الممارسة في نيجيريا. على العكس. واصلت بوكو حرام عمليات الاختطاف لأسبابٍ متنوعة كانت موجودة بالفعل قبل أحداث شيبوك. ولكن بالتوازي مع هذا، ألهمت هذه النوعية من العمليات المربحة جماعات أخرى، ربما أقل من حيث الدوافع الأيديولوجية، للدخول في هذه السوق المربحة.

وفقًا للخبير بولاما بوكارتي، محلل بارز في وحدة سياسة التطرف في معهد توني بلير للتغيير العالمي، هناك ثماني عمليات اختطاف جماعي أثّرت على ست ولايات مختلفة في نيجيريا. من ديسمبر 2020 إلى أغسطس 2021، احتجز أكثر من 1,000 طالب ومعلم كرهائن. في أغسطس 2021، كانت ثلاث عصابات مختلفة تحتجز أكثر من 300 طالب. بحلول العام الماضي أصبحت تجارة رابحة.

تدهور الوضع

منذ أغسطس 2021، تدهور الوضع في نيجيريا والكاميرون بسرعة. وهذه هي نصيحة السفر التي ستجدها على الإنترنت:

“تهديد الاختطاف مرتفع في جميع أنحاء نيجيريا. هناك نسبة عالية من الجريمة في نيجيريا، بما في ذلك السطو المسلح والاعتداء والاختطاف والإرهاب والجريمة البحرية والقرصنة. معدل جرائم القتل مرتفع جدًا في أجزاء كثيرة من الدولة. إذا سافرت، على الرغم من نصيحتنا، إلى منطقة عالية الخطورة، يجب الحصول على المشورة والدعم الأمني المهني”.

هذه ليست فقط النصيحة المقدمة للزوار الأجانب المحتملين. يُنصح النيجيريون أيضًا بعدم السفر برًا خارج أبوجا. لقد أصبح الاختطاف نشاطًا شائعًا مدرًا للدخل في المنطقة. وقد وصف تقرير “معهد الدراسات الأمنية” الوضع في الكاميرون بوضوح:

“هناك جماعات أخرى إلى جانب بوكو حرام تختطف الناس بشكلٍ متزايد، وفقًا لبحث في منطقتي الشمال والشمال الأقصى. ومن بين الجناة رُعاة سابقون وعصابات إجرامية تضم كاميرونيين ونيجيريين وتشاديين. ويعيش الخاطفون في الأدغال والجبال على طول الحدود بين الكاميرون ونيجيريا، ويتعاونون مع شركاء محليين يعملون كمخبرين”.

فيما يتعلق بمسألة دفع الفدية، خلص تقرير معهد الدراسات الأمنية إلى أن الناس يترددون عمومًا في إشراك السلطات في العثور على أقاربهم. وفي معظم الحالات، يخشون أن يُقتل أفراد أسرهم إذا شاركت الحكومة أو قوات الأمن في العملية، لذلك يتفاوضون سرًا مع الخاطفين. وهذا يجعل السلطات تفتقر إلى الصورة الكاملة للأحداث. الخروج على القانون هو ما يحكم قواعد اللعبة.

شبكة إجرامية منظمة

العنصر الأكثر إثارة للقلق هو حقيقة أنه في بعض الحالات، يتعاون عملاء بوكو حرام والعصابات الإجرامية المُقلِّدة تعاونًا وثيقًا، ويتقاسمون الأرباح النقدية. وهكذا، ما بدأ كمنظمة إرهابية أصبح تحالفًا هجينًا من المجرمين والعصابات والأفراد ذوي الدوافع السياسية، والمقاتلين غير الطوعيين، والباحثين عن الإثارة. ولا يمتلك جهاز الأمن الأدوات المناسبة لمكافحة هذا المجتمع المُعقّد من أشباه المافيا.

على الرغم من أن نيجيريا والكاميرون يبرزان في طليعة هذه الظاهرة الجديدة، فإن الظاهرة في حد ذاتها ليست فريدة من نوعها. فالمؤشرات تقول إنها تنتشر في كل مكان. ففي الآونة الأخيرة، تعرّض سياسيون بارزون وأفراد العائلة المالكة في هولندا لتهديد خطير، ولكن ليس من الجماعات التي يمكن اعتبارها تقليديًا إرهابية ذات دوافع سياسية. وجاء التهديد بدلًا من ذلك من الدوائر المحيطة بالجريمة المنظمة. فالأهداف سياسية تمامًا، وطريقة العمل مستلهمة من الإرهابيين. العالمان يندمجان. وتسعى جماعات الجريمة المنظمة إلى التأثير على القرارات السياسية، وتخويف السياسيين وعرقلتهم بطرائق أخرى، باستخدام الأساليب التي كانت تحمل في السابق بصمة الإرهابيين. وأساليب التسلل إلى دوائر صنع القرار تتكفل بالباقي. وليس لدى أجهزة الأمن استجاباتٌ كافية.

اندماج عالمين

اندماج العالمين -الجريمة المنظمة والإرهاب- ظاهرة تحدث في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط. ويصبح التعامل مع هذه الظاهرة أكثر تعقيدًا عندما تكون الحكومة غير موثوقة أو فاسدة، ويحقق موظفو الخدمة المدنية أرباحًا من مزيجٍ من الأنشطة غير القانونية، والتسلل والترهيب.

هذا المزيج في العلاقة المعقدة بين الجريمة المنظمة والإرهاب والمسؤولين الحكوميين الفاسدين يجلب تحدياتٍ جديدة للعمل التحليلي والسياساتي. وبالتالي تبرز الضرورة الملّحة لكسر أنماط العمل الكلاسيكية في جزرٍ منعزلة. كما أنه يشكك في كفاءة عناصر منظومة مكافحة الإرهاب التي تفتقر نسبيًا إلى التنسيق. ولا شك أن هذا سيكون له تداعيات على طريقة عمل مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، والمديرية التنفيذية للجنة مكافحة الإرهاب، والمنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب وغيرها.

لقد تغيّر العالم. وما التطورات التي تحدث في نيجيريا، على سبيل المثال، حيث تُنفّذ بوكو حرام عمليات اختطافٍ مثل فتيات شيبوك، إلا مؤشرًا أوليًا لما هو مقبل. وقد اكتشفت دوائر الجريمة المنظمة أن الإرهاب يحقِّق نجاحاتٍ، ويدر أرباحًا. لذا، علينا أن نتحرك بسرعة، وإلا فإن العصابات الإجرامية ستهيّمن على حركتنا وأمن حيزنا المادي، حقيقة بدأت تتشكّل بالفعل في نيجيريا والكاميرون.

 يسعى موقعُ «عين أوروبية على التطرف» إلى نشرِ وجهاتِ نظرٍ مختلفة، لكنه لا يؤيد بالضرورة الآراء التي يُعبِّر عنها الكتّابُ المساهمون، والآراء الواردة في هذا المقال تُعبِّر عن وجهةِ نظر الكاتب فقط.

*دبلوماسي محترف، عمل رئيسًا لبعثة هولندا إلى أفغانستان، وترأّس قسم المساعدات الإنسانية في وزارة الخارجية الهولندية. يشغل بيتر حاليًا منصب باحث زائر أول في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، لاهاي.

عن موقع "عين أوروبية على التطرف"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية