بلاسخارت في عين العاصفة العراقية.. لماذا أغضبت الممثلة الأممية الحكومة والمتظاهرين؟

العراق

بلاسخارت في عين العاصفة العراقية.. لماذا أغضبت الممثلة الأممية الحكومة والمتظاهرين؟


13/11/2019

فعلت ما لم يفعله أيّ مسؤول عراقي حكومي أم برلماني، ولم تكتفِ بإصادر البيان تلو الآخر حول العنف في التعامل مع المتظاهرين؛ بل نزلت قبل أسبوعين إلى قلب المشهد العراقي الآن، ولا مركز يتميز بالحيوية ويمثل اللحظة العراقية الآن أكثر من "ساحة التحرير".
الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، جينين هينيس بلاسخارت، تجولت بين المتظاهرين في "ساحة التحرير"، وفق ما أورد موقع "التحرير" الإخباري، لا بل وصعدت في إحدى مركبات "التكتك"، التي صارت علامة من علامات الاحتجاج في بغداد والعراق.

اقرأ أيضاً: موجز تاريخي لصناعة الهوية الوطنية في العراق
أرادت بلاسخارت أن تجسد نمطاً آخر من الشخصيات الأممية في العراق، نمطاً بات على يقين من أنّ مفتاح الأزمات في البلاد هو مفتاح الشعب وإرادته، ومن هنا كان اختيارها أن تكون وسط شبابه في ساحة التحرير اليوم، والتعبير عن إدانتها الشديدة لارتفاع عدد الوفيات والإصابات خلال التظاهرات في العراق.

بلاسخارت وسط ساحة التحرير ببغداد
وأكدت بلاسخارت في بيان؛ أنّ أكثر ما يُثير القلق، هو استخدام الرصاص الحيّ ضد المتظاهرين، مما تَسبّبَ في أعدادٍ كبيرةٍ من الإصابات، مشددة على ضرورة حماية الأرواح.
وإذا كانت السياسية الهولندية، بلاسخارت، قد أثارت غضب المسؤولين الحكوميين حين اختارت الذهاب إلى "ساحة التحرير" واللقاء المباشر مع المتظاهرين، فانتقدوا بشكل مباشر تلك الخطوة، معتبرين إياها نوعاً من التدخل في الشؤون العراقية، فإنّها وجدت نفسها في مدار غضب المتظاهرين، الأسبوع الماضي، حين أكدت على ضرورة الحرص على البنى التحتية من قبل المتظاهرين وعدم الإضرار بها.

اقرأ أيضاً: آخر علاج العراق كي إيران
حينها قالت بلاسخارت: إنّ "التهديدات أو إغلاق الطرق إلى المنشآت النفطية يسبب خسائر بالمليارات"، معتبرة أنّ ذلك "يضرّ باقتصاد العراق، ويقوّض تلبية المطالب المشروعة للمتظاهرين"، وتلك كانت إشارة سبق أن أوردتها الحكومة على لسان كبار مسؤوليها، ومنهم رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي.

أرادت بلاسخارت أن تجسّد نمطاً آخر من الشخصيات الأممية في العراق نمطاً بات على يقين من أنّ مفتاح الأزمات في البلاد هو مفتاح الشعب وإرادته

ومع أنّ تلك الإشارة تبدو منطلق "حرص" من قبل المسؤولة الأممية إلا أنّ هناك من اعتبرها وقوفاً من بلاسخارت إلى جانب الحكومة.
ورغم كون العرف الدبلوماسي يشدّد على أنّ الهيئات الدولية تتعامل مع الحكومات، وهو ما ينفي فعلياً أيّة تهمة بالانحياز من قبل بلاسخارت، إلا أنّها لم تتوقف عند هذه الحصانة المهنية والقانونية؛ بل اختارت مصارحة العراقيين جميعاً حين ردّت على الحملة الواسعة التي تعرضت لها مؤخراً.
هينيس بلاسخارت، في تغريدة لها قالت: "ردّاً على اتهامات الانحياز نقول إنّ الأمم المتحدة هي شريكُ كلّ عراقي يحاول التغيير"، ولم تكتفِ بهذا؛ بل شدّدت بالقول: "بوحدتهم، يستطيع العراقيون أن يحوّلوا بلدهم إلى مكان أفضل ونحن موجودون هنا لتوفير الدعم اللازم".
ما يؤكد أنّ المسؤولية الدولية تقف على مسافة واحدة من كلّ العراقيين، وأنّها تلتزم الجانب المهني والقانوني في عملها، هو كونها صارت في عين عاصفة الغضب والنقد من قبل طرفين مختلفين: السلطات الحكومية مرة والمتظاهرين مرة أخرى.

اقرأ أيضاً: هل يمكن تغيير النظام في العراق؟
رئيس "المجلس العراقي للسلم والتضامن" ورئيس "مؤسسة المدى للإعلام والثقافة والفنون" فخري كريم، الذي شغل لأعوام منصب كبير مستشاري الرئيس العراقي الراحل، جلال طالباني، وجّه رسالةً إلى هينيس شدّد فيها على أنّ "المنظومة السياسية فقدت صلاحيتها وصارت عبئاً على العراق والعراقيين".
وبما أنّ الشعارات المرفوعة في بغداد والمحافظات المنتفضة لا تستهدف أشخاصاً محددين، وإنما بنية المنظومة السياسية التي فقدت صلاحيتها، وصارت عبئاً على العراق والعراقيين، رأى كريم، في منشور له عبر فيسبوك، أنّ "الانصياع لصوت الشارع سيفسح المجال أمام تطور سلمي للعملية السياسية من نظام المحاصصة إلى نظام مبني على المواطنة الحرة المستقلة".

اقرأ أيضاً: ثورة العراقيين واللبنانيين على الأحزاب
ومثل هذا التحول يستلزم، بحسب السياسي العراقي المستقل اليوم: "الدعوة العاجلة إلى حوار وطني شعبي واسع ومسؤول من قبل ممثلية الأمم المتحدة وبإدارتها وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي، تشارك فيه كلّ القوى الحية التي أفرزتها الانتفاضة الشعبية، وممثلوها في جميع المحافظات، إلى جانب النقابات والاتحادات ومنظمات المجتمع المدني والشخصيات الاجتماعية الموصوفة بالاستقلالية والنزاهة والشعور العالي بالمسؤولية".
ومن بين الأصوات العراقية القليلة التي رأت أنّ بلاسخارت تلعب دوراً مهماً، ليس من الحكمة الوقوف أمامه، ما كتبه الصحفي والمعلق السياسي هيوا عثمان، حين أكّد أنّه من "الأفضل العمل مع جنين بلاسخارت وإخبارها بكلّ ما يجري لغرض التوثيق، ولا يجب استعداؤها".

اقرأ أيضاً: الأمة في وجه الدولة: التوحيد الوطني يبدأ من أسفل العراق
وأضاف عثمان على صفحته في فيسبوك؛ "الطرف الدولي الوحيد الموجود اليوم هو الأمم المتحدة، القناصون يريدون الاستفراد بالمتظاهرين، الاستمرار بالحملة ضد ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة قد تكون له نتائج سلبية على التظاهرات، أوصلتم رسالتكم لها وتغريدتها الأخيرة كانت مهمة، الأفضل العمل مع جنين بلاسخارت وإخبارها بكل ما يجري لغرض التوثيق، ولا يجب استعداؤها، سيكون للأمم المتحدة دور مهم في خريطة الطريق التي يتحدث عنها الجميع والإشراف على الانتخابات التي يطالب بها المتظاهرون".
بلاسخارت بعد خروجها من لقاء السيستاني في النجف

الحلّ في النجف؟
ولحسم هذا الموقف الذي جعلها بين نارين، ذهبت، أول من أمس، إلى النجف للقاء المرجع الديني الأعلى، علي السيستاني، وقالت بعد خروجها من منزله في زقاق بالمدينة القديمة: "شرف كبير أن ألتقي السيد السيستاني والأوضاع والظروف التي يمرّ بها البلد هي سبب الزيارة".

اقرأ أيضاً: إيران مطرودة حتماً من العراق
ووصفت وكالة أنباء "رويترز" للأنباء اللقاء بكونه فرصة أخرى عبّر خلالها علي السيستاني، عن "قلقه إزاء افتقار النخبة السياسية للجدية الكافية بشأن تنفيذ الإصلاحات المطلوبة لتهدئة احتجاجات حاشدة، وقال إنّه يجب ألا يعود المحتجون لمنازلهم قبل اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق مطالبهم".

بلاسخارت: أكثر ما يُثير القلق بالعراق استخدام الرصاص الحيّ ضدّ المتظاهرين مما تَسبّب في أعداد كبيرة من الإصابات

وبحسب الوكالة الدولية؛ "استقبل السيستاني، الذي لا يتحدث في السياسة إلا أوقات الأزمات ويتمتع بنفوذ هائل على الرأي العام في العراق ذي الأغلبية الشيعية، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في بغداد، بلاسخارت، وقال مكتبه: "أكّد سماحته على ضرورة إجراء إصلاحات حقيقية في مدة معقولة".
وفيما رحّب السيستاني بالتوصيات المتعلقة بالإصلاحات التي قدمتها له بعثة الأمم المتحدة للمساعدة في العراق، بدت بلاسخارت وهي تتنفس الصعداء، كي تتجنب فعلياً لوم الحكومة عن سلسلة انتقاداتها لبغداد وغضب الشارع المنتفض الذي يرى فيها "عيناً مغمضة على الجرائم المرتكبة بحقّ المتظاهرين".
المقترحات التي كانت قدمتها البعثة الأممية تضمنت "الإفراج عن كلّ المعتقلين من المحتجين السلميين، وإجراء تحقيق في عمليات قتل المتظاهرين، وإعلان الأصول المملوكة للزعامات السياسية لمعالجة اتهامات الفساد وإجراء محاكمات للفاسدين، وتطبيق إصلاحات انتخابية ودستورية تسمح بمزيد من المحاسبة للمسؤولين، وذلك خلال الأشهر الثلاثة المقبلة".

اقرأ أيضاً: هل تستعين إيران بداعش لإفشال ثورة العراقيين؟!
وفيما اتفقت السلطات العراقية الثلاث، الأحد الماضي، على "ضرورة أن يمنح الإصلاح الانتخابي فرصة أكبر لمشاركة الشباب في الشأن السياسي وكسر احتكار الأحزاب السياسية للسلطة وهيمنتها على مؤسسات الدولة منذ عام 2003"، عبّر السيستاني عن تشككه في صدقهم، وأفاد مكتبه بأنّ المرجع الأعلى أبدى "القلق من ألا تكون لدى الجهات المعنية جدية كافية في تنفيذ أيّ إصلاح حقيقي".
وبعد خروجها وهي تتوشّح عباءة سوداء من مكتب السيستاني؛ أكّدت ممثلة الأمين العام على ما يأتي:
*الأمم المتحدة تتابع ما حصل خلال الأسابيع الماضية.
*غضب وسخط كبيران في الشارع نتيجة عدم تقديم الخدمات لمدة 16 عاماً.
*لدى الناس آمال كبيرة بتحقيق المطالب.
*نقوم بوضع تقارير موثوقة للكفّ عن العنف وندعو الآخرين للتدخل (....).
*نؤكد على سيادة العراق دائماً ونقدم المشورة من خلال مراقبة الأحداث.
*حان الوقت الحقيقي لتنفذ السلطات العراقية ما يطلبه المتظاهرون.
*هذا البلد لا يمكن أن يكون ساحةً للصراع بين البلدان.

بلاسخارت تتفقد قوات بلادها في أفغانستان حين كانت وزير دفاع هولندا

من هي بلاسخارت؟
جينين هينيس-بلاسخارت، من هولندا، تسلمت مهامها كممثلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق ورئيسة لبعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي)، في 17 كانون الأول (أكتوبر) 2018، خلفاً ليان كوبيش من سلوفاكيا.
وتمتلك بلاسخارت خبرة تمتدّ لأكثر من 20 عاماً في المجالين؛ السياسي والدبلوماسي، بعد أن خدمت في عدّة مناصب حكومية وبرلمانية رفيعة المستوى.
كما تولّت منصب وزير الدفاع في هولندا (2012-2017)، وكانت أول امرأةٍ تمّ تعيينُها في ذلك المنصب، وكوزيرةٍ، أشرفت على هيئة الأركان المركزية وقيادة الدعم وهيئة المواد الدفاعية والقوات المسلحة الملكية الهولندية الأربعة: الجيش والبحرية والقوات الجوية والشرطة العسكرية وحرس الحدود.

هيوا عثمان: الاستمرار بالحملة ضدّ ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة قد تكون له نتائج سلبية على التظاهرات

وخلال توليها ذلك المنصب، أشرفت على المشاركة الهولندية في العمليات العسكرية في مالي وأفغانستان والعراق؛ حيث اتُّهمت مؤخراً في بلادها بالتستر على جريمة قتل نحو 70 مدنياً في قضاء الحويجة بكركوك، عام 2015، أثناء قصف طائرات هولندية لمصنعِ مفخخات تابع لتنظيم داعش الذي كان يحتل المنطقة.
كما كانت بلاسخارت عضواً في مجلس النواب في هولندا (2010-2012)، وعضواً في البرلمان الأوروبي (2004-2010)، وعملت في المفوضية الأوروبية في بروكسل وفي ريغا، عاصمة لاتفيا، وفي إدارة شؤون مدينة أمستردام.

الصفحة الرئيسية