بإلغاء الولايات المتحدة، رسمياً، وضع السودان كدولة راعية للإرهاب، الإثنين الماضي، أُزيلت أهم العوائق من طريق أكبر دول أفريقيا، التي تشيّد بذلك جسراً إلى مؤسسات الإقراض الدولية.
اقرأ أيضاً: أزمة السودان وإثيوبيا الحدودية... فرص الحوار مقابل الحسم الميداني
ظلّ السودان على قوائم الدول الراعية للإرهاب، منذ عام 1993، بزعم دعمه لمنظّمات فلسطينية متشدّدة، مثل حماس، وكذلك لإيوائه زعيم القاعدة، أسامة بن لادن، واستمرّ الوضع هكذا حتى أطاحت الحركة الاحتجاجية الشعبية بنظام عمر البشير، الذي حكم السودان لثلاثة عقود، أودت بحركة التطور الاقتصادي والسياسي والاجتماعي في السودان، الذي ما يزال يكافح من أجل استكمال مسيرة الإصلاح.
خطوة على الطريق
في أعقاب خبر الرفع؛ غرّد رئيس الوزراء، عبد الله حمدوك، عبر موقع تويتر، قائلاً: "اليوم نعود إلى المجتمع الدولي، بكلّ تاريخنا وحضارة شعبنا وعظمة بلادنا وحيوية ثورتنا"، وأضاف: "الخطوة ستساعد في إصلاح الاقتصاد وخلق فرص العمل وجذب الاستثمار".
وفي بيان لها، وصفت وزارة الخارجية الأمريكية، رفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية للإرهاب، بأنّه "تغيير أساسي"، وشدّدت على دور حركة الاحتجاج في السودان، التي هيّأت الظروف لهذا المسار الجديد.
اقرأ أيضاً: السودان يخرج من حفرة الإخوان
تأتي هذه الخطوة، بعد سلسلة من المفاوضات بين الخرطوم وإدارة ترامب، حملت طابعاً دبلوماسياً؛ إذ تعهّدت الحكومة السودانية الانتقالية غير المنتخبة، والقائمة منذ سقوط نظام البشير، مقابل شطبها من قائمة الإرهاب، بتطبيع العلاقات مع إسرائيل، كجزء من مسعى إدارة ترامب في اللحظة الأخيرة، لتحسين العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، كما وافقت الحكومة السودانية على دفع 335 مليون دولار، لتسوية مطالبات ضحايا تفجيرات 1998 لسفارتَي الولايات المتحدة في كينيا وتنزانيا، وتفجير المدمرة الأمريكية قبالة السواحل اليمنيّة عام 2000.
رفع اسم السودان محطة رئيسية في حقبة ما بعد البشير الآخذة في التشكّل، وفرصة للعديد من السودانيين للانخراط في مسار الاقتصاد العالمي
وفي أعقاب الإعلان؛ احتفل السودان، باعتبار أنّ هذه الخطوة، تعد معلماً رئيساً في حقبة ما بعد البشير، الآخذة في التشكّل، وفرصة للعديد من السودانيين، للعودة والانخراط في مسار الاقتصاد العالمي؛ حيث دخل السودان في برنامج مراقبة لمدّة عام واحد مع صندوق النقد الدولي، في أيلول (سبتمبر) الماضي، وبعد ذلك من المتوقع أن يتلقى قروضاً واستثمارات واسعة النطاق، لإنعاش الاقتصاد الذي دمرّه التضخم المتصاعد، والبنية التحتية المتداعية، وعدم قدرة الشركات الأجنبية على الاستثمار بسهولة، وعبر صفحته على تويتر؛ غرّد أستاذ الاقتصاد السوداني في جامعة أم درمان، سعيد صدقي كاباللو، مُرحّباً بالخبر: "هذه أخبار ممتازة؛ حيث سيسمح للسودان أخيراً بالاندماج في النظام المالي، والشبكات المالية العالمية التي تعمل بالدولار الأمريكي، وستصبح هناك سهولة في تحويل الأموال من وإلى السودان".
ستكون بعض مزايا هذه الخطوة فورية، لا سيما في التجارة والأنشطة المالية اليومية، لكنّ التغييرات الأكبر ستأتي مع الاستثمارات الضخمة، القادمة عبر أكبر مؤسسات الإقراض في العالم.
هل السودان على الطريق الصحيح؟
في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي؛ نشرت صحيفة "واشنطن بوست" خبر إعلان الرئيس الأمريكيّ رفع اسم السودان من قوائم الإرهاب، وربطته بالتطبيع مع إسرائيل، وأوضحت الصحيفة؛ أنّ الإعلان عن شطب السودان من قائمة الإرهاب كان بمثابة مقدمة ضرورية، ليصبح أحدث دولة عربية تقوم بالتطبيع الرسمي مع إسرائيل، فيما وصفت الصحيفة أنّ مبادلة التطبيع برفع اسم السودان من قوائم الدول الراعية الإرهاب، كان من أجل رفع الحرج عن السودان في صفقة التطبيع، ولخفض الضغط والتوتر الشعبي محتمل الحدوث.
اقرأ أيضاً: ما أواصر العلاقة بين إيران وإخوان السودان؟
ويرى الباحث السوداني المتخصص في الشؤون الإستراتيجية والدولية، بمركز السودان للبحوث والدراسات الإستراتيجية، أبو بكر عبد الرحمن؛ أنّ "خطوة شطب اسم السودان جاءت في التوقيت الأنسب؛ فهي بارقة أمل جديدة للثوار السودانيين، الذين ما يزالون متمسكين بثورتهم، وانفراجة تاريخية أمام الشعب الذي عانى لثلاثة عقود، من العزلة الاقتصادية والسياسية، والإقصاء من شبكات المال العالمية".
يتابع عبد الرحمن، في تصريح لـ "حفريات": "سيزور وزير الخزانة الأمريكي، ستيفن منوشبن، السودان زيارة رسمية، في مطلع كانون الثاني (يناير) القادم، ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ هذا الرجل كان داعماً لرفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب؛ إذ إنّ هذه الخطوة بالتأكيد ستسهم في ميلاد فجر جديد لسودان قوي وفاعل، إقليمياً ودولياً، ونحن على ثقة بأنّ تطورات الأوضاع السياسية والأمنية، الإقليمية منها والدولية، ستجعل السودان يلعب دوراً فاعلاً ورئيساً في تحقيق الاستقرار والسلام في المنطقة، إذا ما وجد الدعم اللازم من الأسرة الدولية، كما أنّ هناك فرصة تاريخية أمام المجتمع الدولي لدعم الانتقال السياسي في السودان، الذي يعني استقراره اعتبارات جيوسياسية وإستراتيجية كبيرة للإقليم، أمّا على المستوى الداخلي؛ فأعتقد أنّه آن الأوان لتصفير صراعاتنا الداخلية، والوقوف في جبهة داخلية أكثر استقراراً وأمناً، وذلك للعبور والانطلاق نحو ريادة المنطقة".
الباحث السوداني أبو بكر عبد الرحمن لـ"حفريات": خطوة شطب اسم السودان جاءت في التوقيت الأنسب؛ فهي بارقة أمل جديدة للثوار السودانيين
الباحث السوداني يعتقد أنّ "الاستقرار المنتظر في السودان سيبدأ حين تصل البعثة السياسية، وفق البند السابع، في بداية العام الجديد، ومهمتها مراقبة الانتقال السياسي في البلاد، وهو ما سيفرض مناخاً جديداً على الصعيد الاقتصادي، وبالتالي ستذهب الأمور للمزيد من الاستقرار، خاصة مع توقيع اتفاق "سلام جوبا" بين الحكومة السودانية وحركات الكفاح المسلح بالجنوب، كما تحاول الخرطوم إعادة صياغة توليفة قويّة مع واشنطن، مقابل ما قدّمته من أموال كتعويضات لأسر ضحايا المدمرة كول، وكذلك تفجيرات سفارتي واشنطن في تنزانيا وكينيا، بالتالي، من المتوقّع مضي العلاقات بين الدولتين في آفاق أكثر إشراقاً".
عناء السودان
منذ وضع السودان على قوائم الإرهاب والاقتصاد السوداني على المحكّ؛ فالقادة الذين يحاولون توجيه البلاد، خلال فترة انتقالية هشّة، لا يستطيعون التعامل مع التضخم المتصاعد والديون الضخمة، لذلك يعدّ الشطب من الأخبار الاقتصادية الجيدة التي يمكن أن تحقق بعض الأهداف بعيدة المدى لهذا الاقتصاد المتعثر، من حيث إزالة حواجز كبيرة أمام العلاقات المصرفية المهمة، وتخفيف مخاوف المستثمرين بشأن مخاطر السمعة السيئة التي أكسبها نظام البشير للسودان، ويسمح للولايات المتحدة بدعم تخفيف ديون السودانيين، في المؤسسات المالية الدولية.
لكن، بحسب مقال نشرته "أمريكا اليوم"، قبيل أيام من قرار الشطب، فإنّه بالنسبة إلى المواطنين الذين يعانون من ضائقة اقتصادية عاجلة، وانعدام للأمن الغذائي، فإنّ الموافقة على دفع 335 مليون دولار، لتعويض ضحايا تفجيرات سفارتَي كينيا وتنزانيا عام 1998، وهجوم عام 2000، مقابل الرفع، يمكن أن يكون أزمة جديدة تقع على كاهل السودانيين، دون إدراك من القيادة، وفي الوقت نفسه هناك عائلات ضحايا العمليات الإرهابية، الذين ظلّوا يعانون لسنوات، وعليه؛ فإنّ الأمر يبدو معقداً من كافة الجهات، وهناك ضحايا يدفعون ثمن أخطاء أنظمة استبدادية بائدة.
وكانت تصاعدت المفاوضات بشأن إزالة السودان من قائمة وزارة الخارجية، خلال الأشهر الـ 18 الماضية؛ حيث رأى المسؤولون في إدارة ترامب والكونغرس فرصة لدعم الديمقراطية بعد عقود من القمع، تحت قيادة نظام البشير.