بعد تقارب تركيا مع مصر.. ما خيارات الإخوان للمرحلة القادمة؟

بعد تقارب تركيا مع مصر.. ما خيارات الإخوان للمرحلة القادمة؟


22/03/2021

في خطوة نحو التقرب من الدولة المصرية؛ طلبت السلطات التركية من قنوات الإخوان التي تبث من أراضيها ضرورة تغيير المحتوى الإعلامي، والابتعاد عن انتقاد شخص الرئيس عبدالفتاح السيسي، وعدم التعرض للشأن المصري الداخلي.

ففي وقت سابق من الأسبوع الماضي أعلن المذيع الإخواني المقيم في بريطانيا أسامة جاويش، على صفحته بتويتر قائلاً: "الحكومة التركية أبلغت إدارة قنوات المعارضة المصرية في إسطنبول (مكملين، الشرق، وطن) بإيقاف برامجها السياسية فوراً، وتخفيف لهجة انتقاد النظام المصري على شاشاتها". وتابع: "غير واضح ما هي الخطوة القادمة بعد هذا القرار".

أبدت تركيا مبادرات حسن نية كان أولها تغيير الخطاب العدائي ضد الدولة المصرية وشخص الرئيس السيسي

وهو ما أكده الصحافي المصري المقيم في تركيا، سامي كمال الدين، الذي قال: "إبلاغ إدارة قنوات؛ وطن، مكملين والشرق، بالتوقف عن انتقاد السيسي وإيقاف البرامج السياسية وعدم التدخل في الشأن الداخلي لمصر"، وفي نفس الوقت اعتذرت قناة الشرق التي يديرها المعارض المصري المقيم في تركيا، أيمن نور، عن إذاعة عدة برامج سياسية مساء الجمعة 18 آذار (مارس) الجاري، واستبدلتها بالحديث عن فيلم سينمائي!

أثارت تلك الخطوة العديد من الهواجس والمخاوف داخل تنظيم الإخوان المصنف إرهابياً في العديد من الدول، بأن تكون تلك بداية التراجع عن دعم الجماعة ورفع الحماية عنها، أو ربما تكون إشارة لمدى استعداد أنقرة تسليم قيادات إخوانية متورطة في عمليات عنف وإرهاب وصدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية في القاهرة.

هذا جدد التساؤلات حول وضع الإخوان في حال تخلّت عنهم أنقرة، وما خياراتهم المتاحة سواء كجماعة وتنظيم أو كأفراد، وما تأثير تلك الخطوة أو ما بعدها على تنظيم الإخوان بالداخل المصري.

طارق البشبيشي: هروب الإخوان من تركيا بدأ قبل فترة لأنهم استشعروا هذه النوايا

يقول الكاتب والباحث السياسي وعضو الإخوان السابق، طارق البشبيشي، إنّ "تلك الخطوة كانت حتمية؛ فلا يمكن لنظام أن يظل يدعم تنظيماً موسوماً بالإرهاب مدى الحياة، ولا أن يعادي دولة بحجم مصر، ولكن خطأ أردوغان في رهانه على الاستثمار في الإسلام السياسي هو ما أطال مدة دعم الإخوان إلى الآن"، مؤكداً في تصريحه لـ"حفريات" أنّه "عقب تسريب المعلومات، بدأت حالة من التخبط لدى القيادات وشعور بالهلع لدى الشباب الهارب إلى تركيا، خوفاً من أن تقوم أنقرة بتسليمهم للقاهرة رغبة منها في المصالحة"، مشيراً إلى أنّ "تركيا مضطرة لحل الخلافات مع القاهرة، حيث تواجه ضغوطاً شديدة خارجية تتعلق بوضعها في شرق المتوسط، مع ظهور تحالفات بين اليونان وقبرص وإسرائيل، وهو تحالف تدعمه دول الاتحاد الأوروبي الذي يندد بشدة بسلوك أنقرة العدواني بسبب عمليات التنقيب عن النفط والغاز في مياه متنازع عليها، وضغوط داخلية تتعلق بوضعها الاقتصادي المأزوم، وارتفاع صوت المعارضة الرافض للاستثمار في الإسلام السياسي".

اقرأ أيضاً: مقامات القرار التركي والجواب المصري

وأوضح البشبيشي، أنّ "هذا التقارب ستكون له آثاره السلبية على الإخوان، فستفقد الجماعة منصات الدعاية التي تعتمد عليها في نشر دعايتها ضد الدولة المصرية، كما ستفقد مرتكزاً مهماً في خطابها الترويجي فلن تتمكن من طرح أردوغان كحاكم عادل يؤوي المسلمين، ويناصر القضايا الإسلامية، فبعد تخلّيه لن يكون الشخصية المحورية التي يلتفون حولها، كما سيحدث هذا شرخاً كبيراً في الخطاب الإخواني داخل الصف الذي تم إقناعه أن تركيا دولة إيواء للمهاجرين وهي لهم بمثابة المدينة لصحابة الرسول الكريم".

وأضاف البشبيشي أنّ "هروب الإخوان من تركيا بدأ قبل فترة لأنهم استشعروا هذه النوايا عندما تم ترحيل الإرهابي محمد عبد الحفيظ أحد المحكوم عليهم بالإعدام في قضية النائب العام وأحد قيادات اللجان النوعية، وتوجهوا إلى أكثر من بلد؛ فمنهم من ذهب إلى كندا منذ فترة مثل محمد جمال حشمت القيادي الإخواني المعروف، وبعضهم انتقل إلى أفريقيا، فمن المعروف أنّ الإخوان متواجدون في أكثر من دولة أفريقية، ومن المحتمل أن تكون خبرة القيادي الإخواني محمد البحيري في أفريقيا هي جواز مرورهم هناك".

اقرأ أيضاً: تركيا ومصر.. من يجري وراء الآخر؟

وحول مستقبل الإخوان بعد تلك الخطوة، أكد البشبيشي أنّ "جماعة الإخوان الإرهابية لا تملك قرارها، لتخطط لنفسها مستقبلها، بل يملك تلك المهمة الراعي الرسمي لها، وهي أجهزة مخابرات دول غربية وأولها لندن، والإرادة الدولية التي ستحدد طبيعة عمل الإخوان في المرحلة القادمة".

عمرو فاروق: تركيا تقدمت من تلقاء نفسها لتخفيف حدة الخطاب الإعلامي الإخواني الناطق من داخل أراضيها

من جهته، يرى الكاتب والباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، الدكتور عمرو فاروق، أنّ "التقارب التركي المصري خطوة لم تتجاوز المسارات الأمنية والمخابراتية، ولم تصل إلى حد الدبلوماسية الرسمية، وأنّ تأثيرها على الإخوان لن يهدد وجود الجماعة، وإن كان سيعيق عملها لفترة"، وقال في تصريحه لـ"حفريات" إنّ "ثمة اتصالات بين الجانبين التركي والمصري بما يُطلق عليه دبلوماسية الباب الخلفي، شملت بعض الملفات الأمنية المشتركة، وأبدت فيها أنقرة التزاماً مقبولاً".

اقرأ أيضاً: تقييد الإعلام الإخواني خطوة رمزية تركية تمهد لنصف مصالحة مع مص

وأكد فاروق أنّ الدولة المصرية "لم تطرح قضية تنظيم جماعة الإخوان في تلك الاتصالات، ولم تعتبرها ورقة تستحق التفاوض، وأنّ الملفات التي تم تناولها هي الوضع في ليبيا، وترسيم الحدود البحرية، ووقف تمويل الجماعات في سيناء، ومدى التعاون في ملف سد النهضة"، مؤكداً أنّ "من يطرح الإخوان على طاولة النقاش كان الجانب التركي، وهم من اقترحوا فكرة سحب الجنسية أو تجميدها من الأشخاص الذين حصلوا عليها وهم مطلوبون من القاهرة، وهي التي تقدمت من تلقاء نفسها لتخفيف حدة الخطاب الإعلامي الإخواني الناطق من داخل الأراضي التركية".

وأضاف: كان الإخوان يأملون عكس هذه النتائج، فكانوا يتوقعون أن تقوم تركيا بطرحهم كورقة تفاوضية يحصلون بعدها على بعض المكاسب مثل التهدئة وتوقف الملاحقات الأمنية، وعودة الأسر للاجتماع، فعلى الرغم من أنّ الجماعة استبدلت اللقاء الأسبوعي بلقاء عبر الفضاء الإلكتروني، إلا أنّهم يدركون رمزية اللقاء المباشر مع العناصر، ومدى ما يمثله هذا اللقاء بهذه الطريقة من أهمية نفسية وفكرية لعناصر التنظيم السري، لكن الجانب التركي فاجأ الجميع بمجموعة من الإجراءات التي ستقيد حركة الأموال، وتقلل النفوذ الإخواني العامل، وتخلق أزمة تعايش بين عناصر الإخوان والبيئات الاجتماعية التي تؤويهم.

اقرأ أيضاً: خبراء: لهذه الأسباب ترغب تركيا في التقارب مع مصر

كما أكد فاروق أنّ "جماعة الإخوان الإرهابية وإن تأثرت بالتخلي التركي عنها، إلا أنّ هذا التأثير السلبي سيزول مع الوقت؛ لأنّها تحسبت لتلك اللحظة فقد تم تأسيس شركة خدمات إعلامية جديدة في لندن بالاتفاق مع عناصر قريبة من حزب الله، وسيتم إطلاق قنوات أخرى مثل قناة "ق" وقناة "الدعوة" من لندن، كما تم إنشاء معهد للفكر والبحوث تابع للجماعة في لندن أيضاً، كما ستتيح تلك اللحظة للقائم بأعمال المرشد، إبراهيم منير، بإلغاء مكتب الإخوان في تركيا، والانفراد بالقيادة والهيمنة على مراكز اتخاذ القرار بالجماعة، وعلى وجه الخصوص أنّ كثيراً من القيادات المحورية في التنظيم غادرت تركيا إلى جهات مختلفة؛ منها كندا وماليزيا وبعض الدول الأوروبية".

كما نوّه فاروق إلى أنّ "أعضاء من الجماعة من المصريين عملوا بشكل مؤسسي منذ سنوات على الانتشار في دول العالم، وليس أوروبا وشرق آسيا فقط، وامتد تواجدهم إلى دول القرن والساحل الأفريقي، خاصة أنّ لديهم باعاً طويلاً منذ زمن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، في تأسيس منصات لهم في أكثر من دول عربية وأفريقية".

اقرأ أيضاً: تركيا ومصر: أردوغان يسعى لكسر الحصار!

وحول طبيعة خطاب الإخوان الفترة القادمة، أشار فاروق، إلى أنّ تغييراً كبيراً سيطرأ على خطاباتهم بمستوياتها الثلاث، المستوى الأول خطاب الجماعة لعناصرها، وفيه سيتم التركيز على قضايا البلاء والصبر عند المحن وحق الوقت، والمؤامرة الكونية عليهم لأنهم يحملون الإسلام ديناً، وخطاب الداخل المصري وسيتم التركيز على مظلومية الجماعة وأنّهم جزء من المعارضة الوطنية، وأنّ كل ما يطلبونه حق المعارضة، وسيتم تخفيف حدة الانتقادات والتركيز على سلبيات النظام، وخطاب الخارج وفيه سيتم ارتفاع حدة الحديث عن انتهاكات حقوق الإنسان وحقوق السجناء، مستدركاً أنّ "الإسلام السياسي مازال عنصراً فعالاً في السياسة الدولية، وإحدى أدوات الصراع العالمي، لكن هناك متغيرات دولية كبيرة لا يمكن تجاهلها لن تسمح بعودة اللاعب الإسلامي ضمن المعادلة".

يذكر أنّ العلاقات بين مصر وتركيا شهدت أزمة سياسية منذ العام 2013 بعد رفض السلطات التركية القاطع لعزل الرئيس الإخواني محمد مرسي، وتصاعد التوتر بين الطرفين لاحقاً على خلفية قضايا عدة، خاصة الأزمة الليبية التي كادت تصبح ساحة مواجهة عسكرية بين القوات المصرية والتركية.

اقرأ أيضاً: هذه شروط مصر لإعادة العلاقات مع تركيا

وتشهد العلاقات المصرية التركية حالياً بعض الهدوء والتقارب وإبداء حسن النيات، وكان أولها تغيير الخطاب العدائي ضد الدولة المصرية وشخص الرئيس السيسي، وفي هذا السياق، أعلنت تركيا في 12 آذار (مارس) الجاري استئناف "الاتصالات الدبلوماسية" مع القاهرة للمرة الأولى منذ 2013، من أجل وضع حد لأزمة مستمرة منذ نحو عقد، وأقر وزير الخارجية المصري سامح شكري بوجود اتصالات دبلوماسية، لكنه أكد أنّ التهدئة الكلامية وحدها "لا تكفي" لإعادة العلاقات إلى سابق عهدها، ودعا أنقرة إلى أن "تقرن أقوالها بأفعال".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية