باحث فرنسي يفكك أسرار التقارب التركي الإيراني الروسي

باحث فرنسي يفكك أسرار التقارب التركي الإيراني الروسي


كاتب ومترجم جزائري
09/08/2022

ترجمة: مدني قصري

في 19 تموز (يوليو) 2022، عُقدت قمة جمعت بين تركيا وإيران وروسيا في طهران، حول موضوع الصراع في سوريا، في سياق استمرار المفاوضات التي بدأت عام 2017 في أستانا من قبل هذه الدول الثلاث.

في هذه المناسبة، يناقش جان ماركو، الحاصل على كرسي البحر الأبيض المتوسط ​​والشرق الأوسط في العلوم السياسية في جامعة غرونوبل (فرنسا)، العلاقات بين تركيا وإيران، والعلاقات بين تركيا وروسيا، في الشرق الأوسط، على الرغم من الخلافات المستمرة بين الشركاء الثلاثة.

الباحث الفرنسي جان ماركو

هنا نص الحوار:

 في الشرق الأوسط؛ ما هي النقاط الاقتصادية والدبلوماسية التي يمكن أن توحّد مصالح تركيا وإيران؟ وما هي الاختلافات بين هاتين الدولتين؟

 منذ السنوات العشر الماضية شهدت العلاقات التجارية بين إيران وتركيا زيادة حادة، لكنّ هذه الزيادة تراجعت بسبب استئناف الحظر المرتبط بالقضية النووية والوباء.

على المستوى الدبلوماسي، كانت العلاقات التركية الإيرانية دوماً غير متكافئة، هناك العديد من نقاط الخلاف، لا سيما في سوريا، حيث يدعم البلدان المعسكرات المتعارضة، أو في القوقاز؛ حيث ترتبط أنقرة بأذربيجان، التي تخشاها طهران بسبب صلات هذه الأخيرة بإسرائيل، مفضلة دعم أرمينيا (على الرغم من أنّ هذا الدعم لم يحدث خلال حرب ناغورنو كاراباخ الثانية عام 2020). إيران وتركيا متنافسان أيضاً في العراق، حتى لو التقيتا في معارضة استقلال المنطقة الكردية. في الخليج، عام 2017، ساندتا قطر في مواجهة الحظر الذي فرضته المملكة العربية السعودية وحلفاؤها، لكنّ ما جعل هاتين الجارتين المتنافستين في كثير من الأحيان أقرب إلى بعضهما هي الرغبة في إبعاد الغربيين، والأمريكيين على وجه الخصوص، عن المنطقة، وهو الأمر الذي تجلى منذ عام 2017 في عملية أستانا التي شهدت ثلاث دول تسعى رغم الخلاف بينها إلى تسوية الصراع السوري.

وبالمثل؛ ماذا عن تركيا وروسيا؟

 حجم التجارة التركية الروسية، الذي وصل اليوم إلى ما يقرب من 35 مليار دولار، يمثّل في الوقت الحالي ما يقرب من عشرة أضعاف حجم التجارة التركية الإيرانية. بُني هذا النجاح الاقتصادي على التعاون في مجال الطاقة، لا سيما الغاز، حتى إن استمرت تركيا في تنويع إمداداتها في السنوات الأخيرة، لدرجة أنّ وارداتها من الغاز الروسي تمثل الآن أقل من 35٪ من إجمالي وارداتها. تقوم روسيا أيضاً ببناء أول محطة للطاقة النووية في تركيا، كما أنّ روسيا تزوّدها بالمنتجات الزراعية (الحبوب وزيت عباد الشمس على وجه الخصوص)، وترسل إليها أكبر مجموعة من السياح كل عام.

الولايات المتحدة لا تنوي الابتعاد عن الشرق الأوسط وإفساح المجال للصين وروسيا وإيران، وهي التصريحات التي دانتها إيران بشدة في سياق قمة طهران التي عقدت بعد أيام قليلة

على الصعيد السياسي، في المقابل، يمكن القول إنّ العديد من عوامل الغموض ما تزال قائمة هنا أيضاً. في الواقع هناك القليل من نقاط التقارب المقنعة. تركيا على وجه الخصوص لم توافق أبداً على ضمّ شبه جزيرة القرم، ودانت على الفور الغزو الروسي لأوكرانيا، ومع ذلك، على مدى العقد الماضي، اجتمع البلدان لصدّ الغربيين، كما رأينا في سوريا والقوقاز، وإلى حدّ ما في أفريقيا. يفسّر هذا التواطؤ سبب رفض أنقرة، في شباط (فبراير) الماضي، بعد إدانة انتهاك سيادة أوكرانيا، تطبيق العقوبات الأوروبية على موسكو.

خلال هذه القمة كانت قضية سوريا على جدول الأعمال؛ ماذا كانت مواقف كلّ منهما؟

إنّها مسألة خاصة في الحرب في سوريا تمّت مناقشتها بشكل أساسي، وهي مسألة التدخل العسكري التركي الجديد في شمال هذا البلد ضدّ الميليشيات الكردية. جدير بالذكر هنا؛ أنّ هذا المشروع انطلق منذ أيار (مايو) الماضي بالتوازي مع ترشّح السويد وفنلندا المتهَّمتين من قبل أنقرة بدعم "الإرهاب الكردي"، باعتراف الجميع، في قمة الناتو في مدريد، في 28 حزيران (يونيو)، رفعت تركيا حقّ النقض عن انضمام هذين البلدين، لكنّها مصصمة على إبقائهما تحت الضغط.

في 19 تموز (يوليو) 2022، عُقدت قمة جمعت بين تركيا وإيران وروسيا في طهران

إنّ التظاهر بمحاربة "الإرهاب" عسكرياً يتيح على هذا النحو الاستعداد للمطالبة بالمساءلة، أو حتى التلويح مرة أخرى بالتهديد باستخدام حقّ النقض، قبل الانضمام النهائي لهلسنكي وأستوكهولم في الناتو، إضافة إلى ذلك كانت مسألة هذا التدخل التركي الجديد قد أثيرت بالفعل عندما وصل سيرجي لافروف إلى أنقرة، في 8 حزيران (يونيو)، لكنّ رئيس الدبلوماسية الروسية ظلّ مراوغاً للغاية.

لا يمكن القول إنّ تركيا حققت نجاحاً أكبر في طهران، لأنّ شريكتيها في عملية أستانا، مع ادعائهما أنّهما تتفهّمان خوفها من "الإرهاب" فلم تمنحاها الصدر الرحب الذي كانت تأمل فيه، حتى إنّ إيران أبدت عداء صريحاً لأيّ توغّل عسكري تركي جديد في سوريا، لكنّ الدول الثلاث وافقت على طلب خروج القوات الأمريكية الخاصة المتمركزة في روج آفا (منطقة الحكم الذاتي الكردية) لدعم وحدات حماية الشعب، لكن بالنسبة إلى رجب طيب أردوغان كانت هذه مجرد جائزة ترضية هزيلة، على الرغم من أنّ خطّته لشنّ هجوم جديد في سوريا تبدو كأنّها معرضة للخطر بسبب هذا الرفض الجديد.

هل تمت مناقشة مواضيع أخرى؟

من بين القضايا الرئيسة الأخرى التي أثيرت؛ هناك مسألة فتح ممرات آمنة في البحر الأسود، للسماح باستئناف صادرات الحبوب الأوكرانية، ومنع أزمة الغذاء العالمية التي تلوح في الأفق في حال استمر تجميد هذه الصادرات.

تنشر تركيا نشاطاً دبلوماسياً قوياً حول هذا الموضوع، منذ حزيران (يونيو)، بل وتمكّنت، في الأيام القليلة الماضية من تنظيم اجتماع بين الروس والأوكرانيين بمشاركة الأمم المتحدة. لذلك كانت أنقرة تأمل في أن ترى تأكيد دورها بصفتها الوسيط الأول في الصراع الأوكراني، لكن، مرة أخرى، لم ترقَ النتيجة إلى مستوى توقعاتها. وأوضح فلاديمير بوتين أنه تمّ إحراز تقدم لا جدال فيه في هذا المجال، وشكر نظيره التركي على الدور الذي لعبه، لكنّه لم يعطِ موافقته النهائية، إذ جعله مشروطاً برفع الحصار عن صادرات الحبوب الروسية، وأكدت تركيا، مع ذلك، أنّه سيتم التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن في الأيام القادمة.

على المستوى الدبلوماسي، كانت العلاقات التركية الإيرانية دوماً غير متكافئة، هناك العديد من نقاط الخلاف، لا سيما في سوريا، حيث يدعم البلدان المعسكرات المتعارضة

كان الجزء الأخير من هذه القمة في الواقع يتعلق بشكل أساسي بالعلاقات الروسية الإيرانية، لا سيما في مجال الطاقة.

لقد وقّعت شركة غازبروم (عملاق الغاز الروسي) اتفاقية استثمارات بقيمة 40 مليار دولار مع شركة النفط الوطنية الإيرانية "NIOC"، تتعلق بمشاريع الغاز المميع وإنشاء خطوط أنابيب، لكنّ هذه اللحظة الروسية الإيرانية في القمة كانت تتعلق أيضاً بتسليم إيران طائرات مسيّرة (من دون طيار) لروسيا، التي هي في أمسّ الحاجة إليها في مواجهة أوكرانيا، التي تتلقى هذه المسيّرات من تركيا.

القضية، التي نفاها الطرفان المعنيان، تتعلق بأكثر من مئة طائرة مسيّرة، ولم تغب عن انتباه البنتاغون، الذي حذّر إيران من مثل هذا الدعم المقدَّم لروسيا.

في السياق الحالي للحرب في أوكرانيا؛ هل لروسيا مصلحة خاصة في هذا اللقاء مع تركيا وإيران، فيما وراء المسألة السورية؟

 بالطبع، بالنسبة لروسيا، من الضروري أن تُظهر أنّه فيما وراء الصراع الذي تخوضه في أوكرانيا، والذي طال أمده، ستظلّ حاضرة على الساحة الدبلوماسية الدولية، وفي هذا الصدد كان وجود تركيا العضو في الناتو، بالنسبة لها، أكثر من إيران المعزولة التي تخضع للعقوبات، مُهِمّاً قبل كلّ شيء.

كان الجزء الأخير من القمة يتعلق بشكل أساسي بالعلاقات الروسية الإيرانية، لا سيما في مجال الطاقة

 لقد شعر رجب طيب أردوغان، الذي تباطأ عمداً في استقبال نظيره الروسي، قبل اجتماعهما وجهاً لوجه، بأنّه خلال قمة عملية أستانا (الأولى منذ نهاية الوباء) كان فلاديمير بوتين في وضع أقل ملاءمة بكثير من وضعه سابقاً.
 عقد هذا اللقاء بعد أيام قليلة من زيارة الرئيس بايدن للشرق الأوسط (13 إلى 16 يوليو)؛ هل يمكن التفكير في أنّ تركيا وروسيا وإيران يمكن أن توطد مصالحها في الشرق الأوسط من أجل موازنة الولايات المتحدة؟

 "توطيد مصالحها" عبارة حجمها كبير وغير لائق، بالنظر إلى الخلافات المستمرة بين الشركاء الثلاثة، والتي لم يفت فلاديمير بوتين توضيحها، لكن من المؤكد أنّ التقارب بين الحدثين جعل قمة طهران تبدو رداً على جولة جو بايدن الأخيرة في الشرق الأوسط.

 قبل ذهابه إلى الخليج، التقى الرئيس الأمريكي بالفعل رئيس الوزراء الإسرائيلي، ياير لبيد، وتعهّد بعدم السماح لإيران بامتلاك أسلحة نووية، وبعد فترة وجيزة، في المملكة العربية السعودية، أكّد أنّ الولايات المتحدة لا تنوي الابتعاد عن الشرق الأوسط وإفساح المجال للصين وروسيا وإيران، وهي التصريحات التي دانتها إيران بشدة في سياق قمة طهران التي عقدت بعد أيام قليلة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

lesclesdumoyenorient.com

مواضيع ذات صلة:

كيسنجر "العجوز" مستشرفاً المستقبل: راعِ مصالح روسيا لتتجنّبَ الصين

هل يُفضي الانخراط الروسي في الحرب الأوكرانية إلى تقسيم سوريا؟

هل روسيا مسؤولة عن حرمان العالم من الخبز؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية