انتقادات تطال قناة فرنسية لإجرائها حواراً مع إرهابي.. هل توظف فرنسا تنظيم القاعدة في أفريقيا؟

بعد داعش... هل توظف فرنسا تنظيم القاعدة في أفريقيا؟

انتقادات تطال قناة فرنسية لإجرائها حواراً مع إرهابي.. هل توظف فرنسا تنظيم القاعدة في أفريقيا؟


15/03/2023

هل تحول الإعلام الفرنسي إلى ناطق رسمي بلسان الجماعات الإرهابية في منطقة الساحل؟ سؤال طرحه الكثير من وسائل الإعلام العالمية على خلفية إجراء قناة "فرانس 24" مقابلة حصرية مع الإرهابي أبو عبيدة بن يوسف العنابي، خليفة الجزائري عبد المالك دروكدال في زعامة ما يُسمّى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

المقابلة التي أجرتها قناة فرنسية حكومية بمثابة محاولة للتطبيع  مع زعماء القاعدة في منطقة الصحراء الكبرى، وتقديمهم على أنّهم أصحاب رؤية سياسية، يشاركون في تأثيث النقاش العام في إحدى أكثر البؤر الإرهابية توتراً عبر العالم، وفق ما نقل موقع "هسبريس" المغربي.

ووفق صحيفة "وول ستريت جورنال"، فإنّ الحوار، الذي استغرق الإعداد له عاماً كاملاً، ووُصف بالنادر للقيادي الجهادي الجزائري مع وسيلة إعلامية رسمية فرنسية، أثار سجالات وتساؤلات كثيرة بشأن خلفيات بث هذا الحوار مع زعيم تنظيم (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، والرسائل التي ترغب باريس في إيصالها إلى جهات تعلمها هي، وكذلك مدى مشروعية بث قناة حكومية حواراً مع زعيم تنظيم يرتكب أعمالاً وعمليات دموية في فرنسا والعديد من بقاع العالم.

وبثت  قناة "فرانس 24" الحوار دون أن تسدل أيّ وصف "يحيل على الخلفية الإرهابية لزعيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء"، ولم تنشر أيّ إشارة لإثارة انتباه المشاهد إلى ضرورة التعاطي بحذر شديد مع تصريحات زعيم تنظيم إرهابي، بل سقطت في فخ التطبيع مع الإرهاب والإساءة بجهل أو ربما بدونه للدين الإسلامي.

اعتبر التنظيم خروج فرنسا من مالي وبوركينا فاسو انتصاراً للجهاديين

والمثير حقاً أنّ قناة "فرانس 24" قدّمت العنابي مجرداً ومتنصلاً من كل سجايا الإرهاب الدامسة، بل أسرفت في تقديمه "كرجل تواصل بامتياز"! عندما ادّعى مراسلها وسيم نصر بأنّ هذا الإرهابي كان متجاوباً إلى أبعد الحدود، وردّ على جميع الأسئلة.  

من يطالع الأجوبة التي نشرتها قناة "فرانس 24" نقلاً عن الإرهابي الجزائري، سوف يصاب بالذعر والتوجس ممّا يمكن اعتباره "مخططاً فرنسياً لتقويض أفريقيا بالأعمال الإرهابية!".

ذلك أنّ توقيت نشر قناة "فرانس 24" هذه التصريحات المنسوبة إلى هذا القيادي الإرهابي الذي تلطخت يداه بدماء الأبرياء في أفريقيا، جاء متزامناً مع زيارة الرئيس الفرنسي إمانويل ماكرون إلى القارة الأفريقية مبشراً بدبلوماسية جديدة! يبدو أنّ أولى تباشيرها وطلائعها لاحت في الأفق القريب، وهي الدعاية للإرهاب في البلدان الأفريقية.

والمراقب لتصريحات العنابي يدرك جيداً أنّ فرنسا الرسمية قررت نشر تصريحات العنابي عندما وجدتها تنثر رسائل الود لفرنسا والغرب وتحصنهما معاً من الضربات الإرهابية! وفي المقابل، ارتأت قناة "فرانس 24" الدعاية للتهديدات الإرهابية الصادرة عن العنابي مادامت موجهة فقط إلى البلدان والشعوب الأفريقية، وكأنّها شعوب ليست بحاجة للأمن والاستقرار. 

المقابلة التي أجرتها "فرانس 24" مع العنابي بمثابة محاولة للتطبيع مع زعماء القاعدة في منطقة الصحراء الكبرى، وتقديمهم على أنّهم أصحاب رؤية سياسية

وأثار الحوار سجالات عديدة ومواقف متباينة من حيث الشكل والمضمون، بين فريق يرى أنّ هذا الحوار "ملغوم"، وكأنّ هناك نوعاً من تصالح باريس مع الإرهاب، وفريق ثانٍ يرى أنّ الأمر مجرد سبق صحفي وإعلامي لا ينبغي تحميله أكثر ممّا يحتمل.

بخصوص الفريق الأول؛ فإنّ الانتقادات انصبت على القناة الفرنسية بصفتها وسيلة إعلامية حكومية فرنسية، وليست منبراً إعلامياً خاصاً يمكنه إجراء الحوار دون خلفيات؛ حيث يكون هَمّ وسائل الإعلام الخاصة عادة جلب القراء والمتابعين، غير أنّ بث الحوار من طرف وسيلة إعلام رسمية يطرح تساؤلاً بشأن النيات المبيتة من وراء هذا العمل.

أصحاب هذا الطرح يرون أنّ الترويج لهذا الحوار، وباللغة العربية، من لدن قناة حكومية، ومنح حيز زمني وإعلامي كبير لزعيم تنظيم إرهابي، إنّما هو مؤشر على خطط بديلة لفرنسا؛ خصوصاً بعد فشلها السياسي والعسكري داخل القارة السمراء، تبحث عن تنزيلها بوساطة بث القلاقل من جديد في أفريقيا.

  قناة "فرانس 24" بثت الحوار دون أن تسدل أيّ وصف يحيل على الخلفية الإرهابية لزعيم القاعدة في منطقة الساحل والصحراء

وتبعاً للتصور نفسه، فإنّ بث قناة حكومية لأيّ بلد كيفما كان لحوار مع زعيم تنظيم جهادي، هو اعتراف صريح بالإرهاب وتأييد ضمني لهذه الأعمال، وإنّ الحوار يتضمن رسائل ضمنية بأنّ فرنسا لن تتراجع عن حصتها في "الكعكة الأفريقية"، رغم ما حصل لها في مالي وبوركينا فاسو، وإلا فإنّها ستقلب القارة رأساً على عقب.

وفي الجهة الأخرى، يرى البعض أنّ الحوار، رغم أنه بُثّ في قناة حكومية فرنسية، إنّما هو إنجاز صحفي له ما له وعليه ما عليه؛ لكن يُحسب له أكثر أنّه حوار نادر لزعيم جهادي لا يمنح الحوارات الصحفية بسهولة، ولا يتعين استخراج خلفيات سياسية أكثر من حقيقة أنّه حوار صحفي تم الإعداد له منذ عام تقريباً.

 الإرهابي أبو عبيدة بن يوسف العنابي

وفقاً لملخص الحوار الذي بثته القناة، فإنّ أجوبة العنابي شملت العديد من القضايا الإقليمية والدولية، وأيضاً توجهات جماعة (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، ونشاط التنظيم في الجزائر، البلد الأصلي للزعيم الجهادي، ورحيل قوات برخان الفرنسية من مالي... وغيرها من الموضوعات.

وأكثر ما كان لافتاً في الحوار هو التأكيد علناً، ولأول مرة، من قائد تنظيم (القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي)، أنّ التنظيم وأيضاً جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين) يركزان على القتال في أفريقيا، وأنّهما "لم يجهّزا لأيّ عمليات (جهادية) في دول غربية أو على الأراضي الفرنسية".

من يطالع أجوبة الإرهابي الجزائري، سوف يصاب بالذعر والتوجس ممّا يمكن اعتباره مخططاً فرنسياً لتقويض أفريقيا بالأعمال الإرهابية

كما يبدو من الحوار؛ فإنّ التنظيم الجهادي يواصل التمدد في كلٍّ من مالي وبوركينا فاسو ودول أفريقية أخرى، ويجند جميع الإثنيات المحلية في هذه البلدان الأفريقية؛ بهدف الاستمرار في الوجود، كاشفاً أنّه من شروط التفاوض مع العسكريين الحاكمين في هذه البلدان إقامة الشريعة الإسلامية، وخروج القوى الاستعمارية ممثلة في فرنسا وروسيا، حسب تحليل أورده موقع "كيوبوست".

واعتبر التنظيم خروج فرنسا من مالي وبوركينا فاسو انتصاراً للجهاديين، قبل أن يكشف لأول مرة عن تبنّي (القاعدة في بلاد المغرب) عملية اختطاف الرهينة الفرنسي أوليفييه دوبوا؛ فقد أشيع أنّ دوبوا مختطف من قِبل جماعة (نصرة الإسلام والمسلمين)، وهو فرع لتنظيم القاعدة، إلا أنّها المرة الأولى التي يعترف فيها التنظيم باختطافه الفرنسي، تبعاً لقناة "فرانس 24".

الترويج لهذا الحوار، ومنح حيز زمني وإعلامي كبير لزعيم إرهابي، هو مؤشر على خطط بديلة لفرنسا؛ خصوصاً بعد فشلها السياسي والعسكري داخل أفريقيا

وفي ما يتعلق بالجواب عن سؤال حول نشاط التنظيم في الجزائر التي ينحدر منها العنابي، فسَّر تأخر الإجابة عن هذا السؤال بأنّ هناك "نوعاً من الإنكار لحالة الضغوط الكبيرة التي يتعرض إليها التنظيم في الجزائر، التي قتل أو اعتقل فيها العديد من عناصره؛ ممّا دفع التنظيم إلى تركيز عملياته جنوباً في مالي وبوركينا فاسو".

الجدير بالذكر أنّ فرنسا حافظت بين عامي 2013-2014 على علاقتها مع تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، فقد اشترى مصنع لافارج المواد الخام من موردين تابعين للتنظيم الجهادي، ودفع أموالاً طائلة لهم ليواصل المصنع عمله دون أيّ إزعاج في تلك المنطقة الملتهبة، وكان المصنع قد اعترف خلال العام الماضي بذنبه، ووافق على دفع غرامة مالية قدرها (778) مليون دولار لوزارة العدل الأمريكية.

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية