انتخابات إيران: إعلان طاعة للنّظام و المرشد!

انتخابات إيران: إعلان طاعة للنّظام و المرشد!


02/06/2021

علي حمادة

لم يعد يخفى على المراقبين المتابعين عن كثب الساحة الإيرانية الداخلية، أن البلاد تعيش منذ أن اتخذ مجلس صيانة الدستور الأسبوع الماضي قراراً باستبعاد مئات المرشحين الى الانتخابات الرئاسية، وبينهم شخصيات من الوزن الثقيل مثل رئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني ونائب رئيس الجمهورية الحالي إسحاق  جهانغيري والرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، على وقع ما يمكن أن يحصل خلال هذه الانتخابات التي تتخذ منحى يكاد يشبه منحى الثورات المضادة، أو محاولة العودة الى نظام أكثر تماسكاً، وثورة أكثر "تجانساً" بحسب التعبير المستخدم بشأن الترشيحات التي قُبلت، وفي مقدمتها قبول ترشيح رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، بالإضافة الى ستة مرشحين آخرين، إنما بشكل جعل من رئيسي المرشح الأوفر حظاً بعد رفض ترشيحات الشخصيات المنافسة الأكثر بروزاً من الذين بقوا في حلبة التنافس.

فمن خلال تعبيد الطريق أمام إبراهيم رئيسي الذي يفترض، ما لم تحصل مفاجأة، أن يكون الرئيس المقبل، يمكن القول إن إيران تدخل مرحلة ستتّسم بتشديد قبضة المرشد والتيار المحافظ، ومعهما الماكينة العسكرية والأمنية التي يتقدمها "الحرس الثوري "(البسيج). كل ذلك في وقت يدور الحديث عن مرحلة ما بعد المرشد الحالي علي خامنئي الذي لا يمكن استبعاد فرضية أنه يمهّد الأرض أمام من سيخلفه في موقع المرشد، على أن يكون شخصية من الوسط الأصولي المتشدد يكمل المسار الذي سار عليه خامنئي ومعه "الأصوليون" الدينيون المتحالفون مع العسكر.

ويمكن القول إن إبراهيم رئيسي يجسّد في شخصه ومساره وتاريخه صفات مطلوبة، كما أن نجل المرشد مجتبى خامنئي يطرح كمرشح لخلافة والده، علماً أن التوريث صعب للغاية في إطار الصيغة المطروحة، نظراً الى تشعب مواقع القوى الدينية أو العسكرية. في كل الأحوال، فإن وصول رئيسي الى الرئاسة بعد أقل من ثلاثة أسابيع، سيمثل عودة الى الينابيع وتوجهاً نحو تصلّب كبير في النظام تحت عنوان ورد على لسان أحد المشايخ المقربين من المرشد هو مهدي طائب الذي يشغل منصب رئيس مقر "عمار"، إذ قال: "وصلنا اليوم الى مرحلة تطهير الثورة وسنفوز بها". هذا الكلام أتى في إطار رد على حفيد مؤسس الثورة، حسن الخميني، الذي اعترض على قرار مجلس صيانة الدستور وانتقده بشدة، داعياً بشكل إيحائي الى مقاطعة الانتخابات.

أكثر من ذلك، بعدما حسم المرشد علي خامنئي دعمه قرار مجلس صيانة الدستور، وفُهم منه أنه في مكان ما يقف خلفه أيضاً، قال عضو مجلس خبراء النظام محسن آراكي (الممثل السابق للمرشد في بريطانيا) معلقاً على الاعتراضات: "إن مجلس صيانة الدستور تصرف وفق القانون في مراجعة المؤهلات، وإن دور الشعب والإعلام في الانتخابات هو إجراؤها بحماسة". وفصّل كلامه قائلاً: "إن مهمة الشعب والإعلام والأحزاب والتيارات والمرشحين، خلق أجواء مفعمة بالأمل والحماسة لتحقيق أكبر قدر من المشاركة"، لينهي كلامه واصفاً الرئيس (في الجمهورية الإسلامية في إيران) بـ"أنه الذراع التنفيذية للمرشد، ومعنى الانتخابات أن يعلن الشعب طاعته لهذا النظام ولحكم المرشد". هذه المواقف وغيرها الكثير تعكس تعزيزاً للمناخ المتشدد، ورغبة النظام العميق في تشديد قبضته الفولاذية على البلاد، وحسم الثنائية بين ما يسمى بـ"التيار الإصلاحي" و"التيار المحافظ" من أجل تحصين النظام الذي يواجه تحديات كبيرة على أكثر من صعيد، داخلي وخارجي.

وقد دفع المرشح علي لاريجاني، وهو من التيار المحافظ، ومستشار مقرب من المرشد، ثمن طبيعته الانفتاحية الخجولة. ربما بعدما رأى فيه البعض نسخة جديدة من الرئيس الحالي حسن روحاني لا يريدون للتجربة أن تتكرر، لا سيما أن روحاني وفريقه يميلان الى تحسين علاقات إيران بدول الجوار وبالمجتمع الدولي من أجل تعزيز القدرات الاقتصادية والمعيشية.

ومن هنا فإن المقاربة المتشددة للانتخابات الرئاسية تتجلى في ما تتجلى، في كلام ورد في مقالة أحد المعلقين مهدي مطهرينا في صحيفة "آرمان ملي" حيث  كتب: "إن رئيس الجمهورية في إيران مجرد منسق بين المؤسسات التنفيذية في النظام، في المجالات السياسية والاجتماعية والثقافية. والمرشد هو قائد النظام دينياً وسياسياً وأمنياً، وأن الوزراء، بمن فيهم وزير الخارجية، ما هم إلا منفذون لأوامر المرشد!". لا كلام أوضح من هذا. من هنا، ويوماً بعد يوم تتظهر صورة الانتخابات الرئاسية المقبلة في إيران على أنها عودة الى الوراء، وسط أعتى أزمة اقتصادية شهدتها البلاد، معطوفة عليها أزمة البرنامج النووي والاتفاق الذي يجري التفاوض بشأنه في فيينا، إضافة الى الأزمة الاجتماعية – السياسية النابعة من كون جيل واسع من الشباب الإيراني يتوق الى مزيد من الحريات، من خارج الأطر الدينية المتزمتة، والى تكوين مجتمع أكثر انفتاحاً على الخارج، والأهم عسكرة أقل.

استنتاجاً يفصلنا عن الانتخابات المقررة سلفاً، ستة عشر يوماً. انتخابات ستحصل بمشاركة متواضعة، تحت عنوان "الطاعة والانصياع والانقياد الى نظام التشكيلات الإلهية" حسب تعبير الشيخ محسن آراكي!

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية