اليمن: مكتبة المخا العامة.. إرث ثقافي دمرته أيادي الجهل الحوثية

مكتبة المخا العامة.. إرث ثقافي دمرته أيادي الجهل الحوثية

اليمن: مكتبة المخا العامة.. إرث ثقافي دمرته أيادي الجهل الحوثية


24/12/2022

منذ اليوم الأول كانت الحرب الحوثية، حرباً لطمس الهوية والثقافة، وهو الشعار الذي انطلقت منه الجماعة في كهوف مران بمحافظة صعدة لطمس الهوية اليمنية وتاريخها العريق.
أولى المحطات كانت باستهداف مكتبة دماج وسلفيتها، مروراً بالآثار والمخطوطات وصولاً إلى الكتب المختلفة في مكتبات اليمن، التي تعد الموروث الثقافي والحضاري والإرث التاريخي الذي يكتنزه البلد منذ القدم.

سرقت الآثار والمخطوطات وباعتها للمهربين، دمرت المكتبات، وما بقي أحرقته وعبثت به، بعد أن حولت المنشآت الثقافية ودور العبادة إلى ثكنات ومخازن لأسلحتها.
في مدرسة الكويت بصنعاء، كان في أحد أروقتها الجانبية مكتبة تزخر بمئات الكتب والصحف والمجلات، وتعد مرجعاً تعليمياً مرادفاً للحصص المدرسية للطلاب والقراء من كافة المدينة، أبت مليشيات الكهنوت إلا أن تدمرها ليتسنى بعد تدمير المكتبات استنساخ ملازمها الطائفية وتصديرها للناس.

مكتبة المخا العامة، في الساحل الغربي، كانت إحدى المنشآت الثقافية الهامة التي حظيت باهتمام ودعم ليس من قبل الحكومة اليمنية، بل من الجهات الدولية التي سارعت إلى دعم هذه المنشأة التاريخية على مدى سنوات، لتكون منبراً تنويرياً يهتدي به المثقفون والأدباء والقراء والباحثون عن العلم والمعرفة.
لم تسلم هذه المكتبة من عبث أيادي الجهل والتخلف والكهنوت، فكانت هدفاً رئيسياً لأسلحتهم الإجرامية، ناهيك عن العبث بمحتوياتها وما تحوي من كتب ومخطوطات قيمة.

تأسيس مكتبة المخا

تأسست كمكتبة للمدرسة مولت بناءها دولة الكويت وحملت اسمها، في عام 1978، وجهزت برفوف خشبية وتزويدها بعدد من الكتب الدينية، أثرت بعدد من الكتب بعد ذلك، وزودت بمجلات وصحف الأطفال.

وفي مطلع العام 2000 اقترحت مديرة منظمة اليونيسف للأمومة والطفولة السيدة الفرنسية أوديل جولي لعمل مكتبة عامة للمخا، وتزويدها بالكتب والمجلات المختلفة. 

وبحسب الأستاذ عبده صالح كرعه أمين المكتبة، "في البداية كان ينقص المخا وجود مكان توضع فيه هذه المكتبة، تبادر في أذهان الحضور آنذاك فكرة أن تكون المكتبة في إحدى مدارس المخا، فتم التشاور مع جميع المدارس في اجتماع ضمن مدرسين من كل المدارس بأن تكون مدرسة الكويت هي حاضنة تلك المكتبة العامة."

رفدت منظمة اليونيسف المكتبة بمئات الكتب في جميع المجالات: دينية، وثقافية وكتب بالتاريخ والطب والعلوم، ساهمت في تنوع ثقافي بعد ذلك.


تحولت المكتبة إلى عامة وافتتحت بشكل رسمي بدعوة سفيرة المملكة المتحدة "بريطانيا" لدى اليمن، من إدارة منظمة اليونيسف بالمخا، بمناسبة الافتتاح، وشكلت جسر صداقة مع السفيرة البريطانية.

يتذكر الأستاذ ياسر حميدان هذ اللحظات بمرارة بالغة، يقول "كانت تلك المكتبة حلما بالنسبة للمخاويين لأنها كانت أول مكتبة عامة في المخا، لكن الحلم تبدد منذ انقلاب الحوثيين على الدولة".

ويضيف، كانت معلما ثقافيا للمدرسة والطلاب وكل الناس، يتوافدون إليها وتنظم رحلات طلابية أسبوعية ودورية من المدارس لحصص القراءة، فيما تفتح أبوابها عصرا للقراء الكبار ومن خارج المدرسة.

ولم تعد صديقة أوديل جويل وسفيرة بريطانيا اليوم، في رواق المدرسة والمخا، بعد أن عبثت مليشيات الحوثي الإرهابية بكل شيء، حيث استبدلت رفوفها المليئة بالكتب، بذخائر وقنابل وعبوات، وعيارات بعد أن استخدمت المدرسة كمخزن وثكنة لعناصرها، وتحولت إلى ركام وأنقاض بعد ذلك.

حرب ضد الكتب 

فبعد أن غزا الأمريكان العراق في أبريل 2003م، وتم نهب متاحف بغداد والموصل وبالطبع لم تسلم مكتبات العراق من هذا التخريب، حيث تم تدمير المكتبة الوطنية العراقية التي تأسست عام 1961م في بغداد، وكانت تضم في الثمانينيات 417 ألف مجلد و2618 مجموعة من الصحف والدوريات و4412 كتابًا نادرًا، وقُدرت مقتنياتها عشية الغزو الأمريكي بمليوني مطبوعة رقمية، من بينها أكبر مجموعة في العالم من الصحف العربية.

أما مكتبة البوسنة فقد شهدت المصير ذاته، ففي 25 من أغسطس 1992م، دكّ الصربيون بقنابلهم الفوسفورية مدينة فيجكنيكا التي كانت تحتوي على مكتبة ضخمة ظلت تحترق لمدة 3 أيام كاملة، ورغم الخطر الكبير كان الناس يخرجون من بيوتهم للمشاركة في درء المأساة دون جدوى، حيث تحولت أعمال الشعراء والنقاد والكتب الدبلوماسية وكل ما كانت تحتويه المكتبة إلى غبار.

الغبار نفسه المصحوب برائحة البارود كان من نصيب مكتبة المخا، ولا يلقى السكان أثراً لكتب مكتبتهم، التي قدرت بأكثر من 3000 كتاب ومجلة ومخطوطة، بعد الغزو الحوثي. لكنهم يمنون أنفسهم اليوم بعودة المكتبة، ولو في مكان آخر، لترفد سكان المدينة ومثقفيها، بمكان يرتادونه لإشباع ثقافتهم وقضاء وقت في قراءة الكتب من جديد.

عن "نيوزيمين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية