اليمن: دعوات للحسم العسكري بموازاة المفاوضات. ما القصة؟

اليمن: دعوات للحسم العسكري بموازاة المفاوضات. ما القصة؟

اليمن: دعوات للحسم العسكري بموازاة المفاوضات. ما القصة؟


14/03/2023

بدا غريباً خطاب قائد المقاومة الوطنية في الساحل الغربي العميد طارق صالح، الذي تحدث فيه عن معركة قادمة لتحرير المناطق المحتلة من الحوثيين. تأتي الغرابة من فرادة الخطاب في ظل حالة تخيم عليها أجواء من المفاوضات المعلنة والسرية، كان من بينها مفاوضات سعودية مباشرة مع الحوثيين دون مشاركة الشرعية.

إلى جانب أنّ الشرعية ذاتها ما تزال تعاني من الانقسامات، وغياب المشروع المتوافق عليه، سواء في التفاوض أو استئناف الحرب ضد الحوثيين.

لكن يبدو ابن شقيق الرئيس الراحل على عبد الله صالح، وأحد أقوى المؤمنين بمشروع الجمهورية اليمنية عازماً على تحرير أراضي الجمهورية المحتلة، دون أطماع في المحافظات الجنوبية التي تتجه نحو الانفصال واستعادة الدولة الجنوبية رويداً رويداً.

تحركات العميد

بدأت تحركات العميد طارق صالح الأخيرة بلقاء واسع مع الضباط القادة في المقاومة الوطنية، عبر تقنية الفيديو كونفرانس، أكد فيها على ثوابت المقاومة الوطنية، وهي تحرير صنعاء وتعز وتهامة (محافظات الحديدة وريمة والمحويت وحجة).

وقال صالح: "أي سلام لا يحقق ولا يلبي طموحاتنا غير مقبول. نستعد للحرب، والحرب القادمة قد تكون الأشرس؛ لأنّ أي شيء يأتي بعد الهدنة والسلام والتراخي، التي نعرف أنها ستذهب في مهب الريح ستكون الأقوى". وأضاف "لازم نؤمن أنه فيه معركة قادمة وحرب، والحوثي لا يجنح للسلام أبداً".

وأشار صالح إلى جهود الترتيب مع محور تعز، لتوحيد الجبهة من الساحل إلى الجبل. وبعد يومين من ذلك الخطاب بتاريخ 28 شباط (فبراير) الماضي، زار قائد المقاومة الوطنية مدينة تعز مطلع الشهر الجاري، وسط ترحيب كبير من الأهالي والقيادات العسكرية والسياسية كافة.

لقاء طارق صالح في تعز بالقيادات السياسية والاجتماعية

عقد صالح لقاءً مع قادة محور تعز العسكري، والمعروف عن قطاع كبير منهم أنّهم يتبعون حزب التجمع اليمني للإصلاح (إخوان مسلمين)، ودعا إلى نبذ الفرقة، والتوحد ضد العدو المشترك؛ الحوثيين. مع الإشارة إلى وجود قيادات جمهورية عسكرية لا تتبع الإخوان، منها قائد المحور ونائبه وغيرهم.

وتتقاسم ثلاث جهات السيطرة على محافظة تعز؛ الحوثيين والإصلاح والمقاومة الوطنية (المشتركة). وبينما يقاتل الحوثيون الإصلاح والمقاومة الوطنية، لا يوجد تنسيق فعال بين الطرفين اللذين يتشاركان عداوة الحوثي، ولهذا كانت أهمية جهود طارق صالح لتعزيز التعاون مع محور تعز. وتعتبر تعز من أشد مناطق اليمن كثافة في السكان، ومدينة تعز هي ثالث أكبر المدن اليمنية بعد صنعاء وعدن.

ما يزال الموقف الدولي خاصة الأمريكي غير مؤيد لاستئناف العمليات العسكرية. فضلاً عن ارتباط الموقف في اليمن بالعلاقات الأمريكية الإيرانية من جانب والسعودية الإيرانية من آخر

ذكر الإعلامي المقرب من المقاومة الوطنية عبد السلام القيسي، بأنّه في وقت ما كانت هناك نذر معركة بين تعز المحرر والساحل، لكن تحول الجميع إلى صف واحد، ولم يكن يفكر أحد بهذا التلاحم.

وفي الوقت الذي تتقارب فيه المقاومة الوطنية مع محور تعز، وقع حادث اقتحام فرع المكتب السياسي للمقاومة الوطنية في تعز، ما جعل البعض يرى ذلك الحادث مرتبطاً بأجندات سياسية ترفض هذا التقارب. مع ذلك يرتبط الحادث بصراع قبلي حول مقتل جندي على يد زميله، ولا ينفي ذلك أنّ هناك قوى رافضة لهذا التقارب، بعضها محسوب على أطراف في حزب الإصلاح وبعضها محسوب على الحوثيين.

الانطلاقة من تعز

يرى العقيد في قيادة محور تعز عبد الباسط البحر، أنّ هناك طريقاً واحداً لإخضاع الحوثي للسلام العادل والشامل؛ خيار الحسم العسكري، الذي يتطلب وحدة الصف الوطني الجمهوري.

وأفاد لـ"حفريات" بأنّ ميليشيات الحوثي طفيليات تعيش في مستنقعات الخلاف، وتتغذى وتنمو فيها، وهلاكها في ردم تلك المستنقعات والبؤر. وشدد على أنّ الحوثي إذا شعر بتحرك صادق لوحدة الصف سيوافق على السلام، ليعيق ذلك التوجه والاصطفاف الوطني.

وفي سياق تصاعد نبرة قائد المقاومة الوطنية نحو استئناف القتال، استقبل طارق صالح قائد قوات الدعم والاسناد في التحالف العربي اللواء سلطان البقمي، وقادة عسكريين في التحالف.

أما عن أهمية تنسيق الجهود العسكرية في الساحل وتعز، ذكر الإعلامي القيسي لـ"حفريات"، بأنّ تعز بمثابة خزان بشري للمقاتلين للحوثيين، عبر الترهيب الممارس على السكان، وتحرير مديرياتها المحتلة يعني توجيه تلك القوى السكانية ضد الحوثي.

عبد الباسط البحر: عودة خيار الحسم العسكري بقوة هو المطلوب

وقال الإعلامي القريب من المقاومة الوطنية، بأنّه إذا رفض الحوثي السلام العادل سيتم الضغط عليه بتحرير ما تبقى من تعز بيده. ونوه بأنّه لو وجدت نية للتحرير الكامل ستكون تعز انطلاقة مهمة. ولفت إلى أنّ المجتمع المتعلم والمسلح والقبلي والكثيف سكانياً يمتد من تعز المحتلة الى محافظة إب، ولا يمكن الوصول إلى إب إلا بتحرير ما تبقى من تعز، لذا معركة تعز حالياً هي المهمة. وقال "إذا تحررت تعز وإب فمعناه سقط الخزان البشري من يد الحوثي".

من جانبه، قال البحر، بأنّ تعز هي بوابة العبور لأهميتها الجيوسياسية والحيوية وكثافتها السكانية، ومواردها الاقتصادية وبيئتها الرافضة للميليشيات الحوثية.

التفاوض أم القتال

تبدو تحركات طارق صالح غير متوافقة مع ما يسود الوضع الإقليمي والدولي من دفع نحو المفاوضات، ومن غير المعلوم موقف التحالف العربي من دعم عملية عسكرية كبيرة ضد الحوثيين، في الوقت الذي توترت فيه علاقات المملكة العربية السعودية مع الولايات المتحدة على خلفية الأزمة الأوكرانية.

أما الإمارات الشريك الثاني في التحالف العربي لدعم الشرعية، تبدو مقاربتها لليمن مختلفة عن السعودية؛ ومن غير الواضح موقفها من دعم عملية عسكرية ضد الحوثيين في مناطق سيطرتهم، على غرار دعمها لعملية تحرير شبوة، رغم دعمها القوي للمقاومة الوطنية.

من جانبهم يلوح الحوثيون بالحرب. يقول القيادي في محور تعز، بأنّ الميليشيات الحوثية بدأت تلوح بخيارها العسكري بقوة، من خلال تصريحات قياداتها، التي تتحدث عما تسميه العملية الفاصلة. وشدد القيادي العسكري على أنّ عودة خيار الحسم العسكري بقوة هو المطلوب أكثر من أي شيء آخر، وأكثر من أي وقت مضى.

العقيد في قيادة محور تعز عبد الباسط البحر لـ"حفريات": تعز هي بوابة العبور لأهميتها الجيوسياسية والحيوية وكثافتها السكانية ومواردها الاقتصادية وبيئتها الرافضة للميليشيات الحوثية

واستمراراً لضبابية موقف التحالف العربي، راجت أنباء المفاوضات السعودية مع الحوثيين برعاية سلطنة عُمان. وتحدثت وسائل إعلام نقلاً عن مصادر يمنية قريبة من الشرعية عن احتمال توقيع هدنة لمدة عام بين الشرعية والحوثيين في الرياض هذه المرة، فضلاً عن ما رصده مراقبون من خفوت حدة الهجوم الإعلامي للحوثيين على السعودية، بما يشي بانفراجة نسبية في المفاوضات بين الطرفين.

وبالعودة إلى تصريحات طارق صالح عن الحرب، يبدو أنّها كشفت عن ذلك، حين قال: "نقدر نخوض معركة بدون غطاء جوي". يكشف ذلك عن احتمالين؛ إما أنّ يكون خيار الحرب يمنياً هذه المرة، وفي جبهات محددة. وفق رؤية تستهدف تحقيق أهداف محددة، وهي تحرير تهامة وتعز وصنعاء، بدعم محدود من التحالف العربي، ودون غطاء جوي في إطار مقاربة تمنع الحوثيين من استهداف المملكة جوياً. والاحتمال الثاني أنّ يكون حديث قائد المقاومة الوطنية في إطار الزخم الذي يسبق مفاوضات شاملة للحل السياسي، وتلويح بالبدائل للضغط على الحوثيين.

قائد المقاومة الوطنية في الساحل الغربي العميد طارق صالح

وفي سياق أعم، تعاني الشرعية الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي من انقسامات حادة، كشفتها تصريحات سابقة لرئيس المجلس رشاد العليمي حين تحدث عن تأجيل القضية الجنوبية. وتبع ذلك تصريحات رافضة من المجلس الانتقالي الجنوبي ليعود العليمي ويعتذر.

تبعاً لذلك، من غير المتوقع توحيد صفّ الشرعية في حرب واسعة ضد الحوثيين، فليس من مصلحة الجنوبيين الزج بقواتهم لهكذا معركة، بعد تحرير أراضيهم من الحوثيين. فضلاً عن أنّهم يرون في قوات حزب الإصلاح الإخواني في وادي حضرموت والمهرة الخطر الأكبر عليهم. بالإضافة إلى ذلك، ما يزال الموقف الدولي خاصة الأمريكي غير مؤيد لاستئناف العمليات العسكرية، فضلاً عن ارتباط الموقف في اليمن بالعلاقات الأمريكية الإيرانية من جانب، والسعودية الإيرانية من آخر.

وتُصنف الأزمة الإنسانية في اليمن على أنّها الأسوأ في العالم، وفي قلبها تقع أزمة حصار مدينة وأرياف تعز، التي تعتبر أشد المناطق معاناةً في اليمن، بسبب الحصار الذي فرضته ميليشيات جماعة الحوثيين على المدينة وأريافها منذ العام 2015، بعد إخفاقها في السيطرة عليها.

وبحسب مركز تعز الحقوقي؛ فإنّ 3590 مدنياً قتلوا، منهم 761 طفلاً و347 امرأةً و 289 مسناً، وأصيب 13736 آخرون، منهم 3155 طفلاً و1180 امرأةً و 764 مسناً خلال الأعوام من 2015 إلى 2020، جراء أعمال القصف والقنص التي تنفذها الميليشيا الحوثية على المدينة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية