المصالحة الخليجية وحدود المناورة القطرية.. ما الجديد؟

المصالحة الخليجية وحدود المناورة القطرية.. ما الجديد؟


08/12/2020

كشفت تقارير صحفية، وكذا بيانات عن كل من الخارجية الكويتية والسعودية والقطرية، عن الاقتراب من تجاوز المقاطعة الخليجية مع قطر، من جانب المملكة العربية السعودية، دون الإعلان عن موقف الرياض من بنود المقاطعة، ومدى التزام الدوحة بها، فضلاً عن عدم تلمّس مواقف مؤيدة من جانب القاهرة وأبوظبي، في إطار ذات التوجه، على خلفية دعم الدوحة لتنظيمات الإسلام السياسي، وكذلك ارتباطها بتحالف سياسي مع أنقرة وطهران .

تحركات إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته تستهدف حلحلة الأزمة الخليجية لأجل رفع منسوب سياسة الضغط القصوى التي تتبناها واشنطن تجاه طهران

كشف وزير الخارجية الكويتي، الشيخ أحمد الناصر، في بيان ألقاه عبر تلفزيون الكويت، عن مباحثات مثمرة في إطار المصالحة الخليجية، تتويجاً لجهود يبذلها حالياً الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، والرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، لحل الأزمة، خلال الفترة الماضية، لافتاً إلى أنّ جميع الأطراف أكدوا الوصول إلى اتفاق نهائي.

المساعي الأمريكية نحو حصار طهران

ويبدو أنّ تحركات إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، تستهدف حلحلة الأزمة الخليجية، لأجل رفع منسوب سياسة الضغط القصوى، التي تتبناها واشنطن تجاه طهران، خاصة وأنّ الأخيرة ترغب في أن تفتح السعودية مجالها الجوي للرحلات القطرية، عوضاً عن استخدامها مجال إيران الجوي، ما يعود على الأخيرة بملابين الدولارات .

ونقلت وكالة بلومبيرغ الأمريكية، عن مصادر مطلعة لم تسمها، أنّ السعودية وقطر اقتربتا من التوصل لاتفاق أولي؛ لإنهاء الخلاف المستمر منذ أكثر من ثلاثة أعوام، بيد أنّ كافة المؤشرات تؤكد أنّ التوصل لاتفاق أوسع، يشمل كافة دول المقاطعة، لم يزل بعيد المنال، على خلفية استمرار النقاط الخلافية التي قام عليها قرار المقاطعة من قبل أبوظبي والقاهرة، سيما علاقات الدوحة الاستراتيجية بكل من طهران وأنقرة.

اقرأ أيضاً: الكويت: الشيخ مشعل الأحمد في ولاية العهد.. ما الدلالات؟

وزير الخارجية السعودي، الأمير فيصل بن فرحان، قال في تغريدة على صفحته بموقع تويتر: "ننظر ببالغ التقدير إلى جهود دولة الكويت الشقيقة، لتقريب وجهات النظر حيال الأزمة الخليجية، ونشكر المساعي الأمريكية في هذا الخصوص، ونتطلع إلى أن تتكلل بالنجاح لما فيه مصلحة وخير المنطقة"، مضيفاً: "حققنا تقدماً كبيراً تجاه حل الأزمة الخليجية، في الأيام الأخيرة، واقتربنا من التوصل لاتفاق بين جميع دول الخلاف".

اقرأ أيضاً: الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح ولياً للعهد في الكويت... تعرّف اليه

بينما اعتبر وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر أنّ "بيان دولة الكويت خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية". متوجهاً بالشكر للجهود الكويتية والأمريكية في هذا الصدد.

الدوافع السعودية والتوازنات الإقليمية

يرى السفير فوزي العشماوي، مساعد وزير الخارجية السابق، أنّ مساعي أمير الكويت الراحل، والتي واصلها الأمير الحالي، مدعومة بجهود مكثفة من إدارة ترامب، من خلال صهره ومستشاره جاريد كوشنر، أثمرت عن قرب التوصل لاتفاق، ربما ينهي الخلاف السعودي القطري.

اقرأ أيضاً: الكويت أمام مهمّات أبرزها اختيار ولي العهد.. ما الأسماء المحتملة؟

ويشير العشماوي إلى ملاحظة عدم صدور أيّ تعليق، حتي الآن، من أبوظبي أو القاهرة أو المنامة، وهي العواصم الثلاث الأخرى، الأطراف مع الرياض في مقاطعة وحصار قطر، وهو ما يقع في تقديره الخاص عند احتمالات ثلاثة: "الأولى إمّا أنّ السعودية تعمل بمفردها، أو أنّها تتفاوض بالنيابة والتنسيق مع الأطراف العربية الثلاثة الأخرى، أو أنّ الأمر كله لا يعدو كونه أحد بالونات الاختبار التي تصعد وتنطفئ سريعاً في المنطقة".

ويضيف مساعد وزير الخارجية الأسبق، في تصريحات خصّ بها "حفريات"، أنّ دوافع الرياض من المصالحة مع قطر كثيرة، أهمها "إغلاق جبهة مناوئة مهمة، وقطع خيوط العلاقة الخاصة بين إيران وقطر، بل وربما استخدام التأثير القطري في إقناع إيران والحوثيين بعدم تكرار الهجمات الكثيرة، التي تعرضت لها منشآت ومصالح سعودية، دون رد أمريكي مؤثر".

العلاقات القطرية الإيرانية تمثل أحد مرتكزات الخلاف مع الرياض؛ إذ لن تتخلى الدوحة عن العلاقات مع طهران، وهو الأمر الذي سيزعج الرياض كثيراً

ومن المرجح أيضاً، وفق العشماوي، أنّ الرياض لا تتحرك بمفردها، بل بالتنسيق مع الأطراف الخليجية الأخرى، وربما أيضاً مع مصر؛ إذ ليس من المنطقي أن تسعي الرياض لإصلاح علاقتها مع الدوحة، وفي ذات الوقت إفساد علاقاتها المهمة مع الأطراف الثلاثة الأخرى في مقاطعة قطر، أو تعريض هذه العلاقات للخطر، بالتصرف منفردة دون التشاور والتنسيق معها، وهو إن حدث، سيعد خطأ استراتيجياً فادحاً يصعب تخيل وقوع الرياض فيه.

اقرأ أيضاً: تعرّف إلى أمير الكويت الجديد الشيخ نواف الأحمد

 وفيما يخص الرؤية الأمريكية، يذهب تقدير السفير فوزي العشماوي، إلى أنّ ادارة ترامب تبدو حريصة على إحكام الحصار على إيران، ووضعها في ركن العدو الوحيد والمنبوذ بالمنطقة، ما يستدعي قطع علاقات الصداقة والتنسيق بين قطر وإيران، وتكوين محور إقليمي يضم مجلس التعاون الخليجي المتسق والموحد، ما يضمن حصاراً كاملاً وخانقاً لإيران، كما أنّ توجيه الضربات لطهران، وآخرها اغتيال محسن زادة، يحرق الأرض أمام إدارة بايدن، ويجعل خطواتها المقبلة تجاه طهران، محكومة بتوجه معين، يقطع الطريق أمام أيّ عودة محتملة للاتفاق النووي، أو رفع الحصار والعقوبات عنها، والأرجح أنّ كل هذه الأطراف تراهن على أنّ مصر لن تمانع أو ترفض أو تعيق هكذا توجه، وتتبقى هنا التساؤلات المشروعة عن ردود فعل ايران، وهل تقف مكتوفة الأيدي؟ أم تتحرك وتحرك عملاءها وحلفاءها، وهل يتبع المصالحة مع الدوحة تحسناً في العلاقات مع أنقرة؟ وكذا ردود فعل روسيا والصين والاتحاد الأوروبي، وهي القوي الدولية التي لا يمكن إنكار تأثيرها المهم، حتى وإن كان يأتي دوماً بعد التأثير والنفوذ الأمريكي.

مناورات الدوحة والتزامات الرياض

 في  الخامس من شهر حزيران (يونيو) العام 2017، شيدت دول المقاطعة جدارها العازل، بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع الدوحة، ورافق ذلك إجراءات اقتصادية، وغلق للحدود البرية والبحرية والجوية مع قطر، ومع الثاني والعشرين من حزيران (يونيو) من العام نفسه، وضعت دول المقاطعة قائمة بثلاثة عشر طلباً، وحددت لها مهلة عشرة أيام لتنفيذها، جاء في مقدمتها الحد من علاقات الدوحة بطهران، وإغلاق قناة الجزيرة، وإغلاق القاعدة العسكرية التركية على الأراضي القطرية، بيد أنّ قطر أكدت في تموز (يوليو) 2017 أنّ هذه المطالب غير واقعية وغير قابلة للتطبيق .

شرعت الكويت في القيام بدور الوساطة الدبلوماسية، بغية تجاوز الخلاف بين دول المقاطعة وقطر، وأعلن أمير الكويت الراحل، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، في أيلول(سبتمبر) من نفس العام، استعداد قطر لبحث المطالب الخليجية، والجلوس على مائدة المفاوضات، غير أنّ قطر حينها أعلنت أنّ مطالب دول المقاطعة تمس سيادتها، وأنّها أضحت من الماضي .

اقرأ أيضاً: تفكيك شبكة غسيل أموال لحزب الله في الكويت... تفاصيل

من جانبه، يذهب الدكتور سامح الجارحي، الأكاديمي المصري المتخصص في الشؤون الإيرانية والتركية، ودراسات آسيا الوسطى والشرق الأوسط، إلى أنّ هناك عدداً من المبادرات من أجل حل الأزمة الخليجية، بيد أنّ الاختلافات في وجهات النظر بين الدول العربية المقاطعة ودولة قطر، لا تزال قائمة وحاضرة.

ويرى الجارحي في حديثه لــ "حفريات" أنّ هذه المحاولات ستبوء بالفشل، وذلك بسبب إصرار قطر على نهجها في دعم الإرهاب، حيث لن تقدم الدوحة أيّة مبادرات من أجل حلحلة الأزمة الخليجية، وإعادة العلاقات مع الرياض بشكلٍ خاص، لافتاً إلى أنّ العلاقات القطرية الإيرانية، تمثل أحد مرتكزات الخلاف مع الرياض؛ إذ لن تتخلى الدوحة عن العلاقات مع طهران، وهو الأمر الذي سيزعج الرياض كثيراً.

اقرأ أيضاً: حزب الله يقض أمن الخليج: الكويت تفكك شبكة لغسيل الأموال

 أمّا النقطة الخلافية الثانية بين الرياض والدوحة، فتتمثل، وفق الجارحي، في إغلاق الدوحة لقناة الجزيرة والمنصات الإعلامية، والتي تراها الرياض ودول المقاطعة أحد أهم منصات دعم التطرف الموجهة ضد هذه الدول، وهو الأمر الأشبه بالمستحيل، حيث تعتبر الدوحة قناة الجزيرة والأدوات والمنصات الإعلامية الأخرى، من أهم مرتكزاتها الاستراتيجية، من أجل التوغل في عدد من المشروعات الإقليمية والدولية.

في حين تتمثل النقطة الخلافية الثالثة بين الرياض والدوحة، في إيقاف دعم الدوحة لجماعة الإخوان المسلمين، وهي نقطة ربما تكون غير جوهرية للرياض، التي لم تتضرر من جماعة الإخوان مثلما تضررت مصر، ويطرح الخبير في شؤون آسيا الوسطى والشرق الأوسط السؤال الأكثر إلحاحاً في هذا الشأن:  هل ستضحي الرياض بأهم مرتكز أساسي ورئيس في علاقاتها الخارجية وسياستها الخارجية وأمنها القومي مع القاهرة، من أجل التصالح مع الدوحة؟ وبالتالي هل تتنازل عن بند تخلي قطر عن دعمها لجماعة الإخوان المسلمين؟

ويرى الجارحي أنّ النقطة الخلافية الرابعة، تتمثل في دعم الدوحة للجماعات المتطرفة في الإقليم والعالم، وعلى رأسها حزب الله اللبناني المُصنَّف إرهابياً، مؤكداً أنّ الدوحة لن تتخلى عن دعمها للتنظيمات المتطرفة في الإقليم، بسبب الشراكة الثلاثية بينها وبين إيران وتركيا، من أجل تأجيج الصراعات في الشرق الأوسط، حيث يعد دعم الدوحة لهذه التنظيمات، أحد أهم مرتكزاتها الاستراتيجية، لتحقيق طموحها التوسعي بمعاونة إيران وتركيا.

اقرأ أيضاً: أمراء الكويت... من التأسيس إلى التنمية حتى الازدهار

وتبقى النقطة الخلافية الخامسة، في سبيل عودة العلاقات بين الدوحة والرياض، وهي إغلاق القاعدة العسكرية التركية في قطر، من أهم النقاط الخلافية، التي يرى الجارحي، أنّها تصطدم بأزمتين رئيستين بين السعودية وتركيا، وهما قضية اغتيال الصحفي السعودي المقيم في تركيا، جمال خاشقجي، وأزمة المقاطعة السعودية للمنتجات التركية، فالقضية الأولى لا يمتلك أردوغان إغلاقها بسبب الحملات الحقوقية من الداخل، والقضية الثانية لن يتنازل عنها أردوغان، إلا إذا تم تعويض تركيا عن الخسائر الاقتصادية الناجمة عن المقاطعة السعودية لها، وهو أمر ليس بجديد على أردوغان، الذي يجيد الابتزاز السياسي والاقتصادي، في مجمل علاقاته الخارجية.

اقرأ أيضاً: برلمان الكويت يصوّت على "التركيبة السكانية"

ويختتم الاكاديمي المصري، الجارحي، حديثه لـ"حفريات" قائلاً: "إنّ مبادرات التقارب بين الرياض والدوحة محدودة، ومحفوفة بالمخاطر، حيث لن تقدم الدوحة أيّة تنازلات في ملفات شديدة الأهمية، من أجل التقارب مع الرياض، ولن تضحي الرياض بعلاقاتها الاستراتيجية مع كل من القاهرة وأبو ظبي، بسبب إعادة علاقاتها مع الدوحة، وهو الأمر الذي أعتقد أنه سيطول كثيراً".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية