المبعوثون الأمميون إلى ليبيا مفرطون في التفاول. لماذا؟

المبعوثون الأمميون إلى ليبيا مفرطون في التفاول. لماذا؟

المبعوثون الأمميون إلى ليبيا مفرطون في التفاول. لماذا؟


20/03/2023

يبدو المبعوث الأممي إلى ليبيا عبد الله باتيلي مفرطاً في تفاؤله بشأن تنظيم انتخابات عامة في البلاد بحلول نهاية العام الجاري. ربما تكون تلك هي الحماسة التي طبعت سابقيه في هذا المنصب، والتي سرعان ما تتحطم على صخرة العقبات التي يزخر بها الواقع الليبي.

يتطلب الذهاب إلى الانتخابات تهيئة البلاد لذلك الهدف، فهي في حد ذاتها ليست حلاً سحرياً، وما محاولة طرحها من طرف مبعوثين أمميين كحل إلا كمن يضع العربة أمام الحصان.

مبادرة باتيلي

تهدف مبادرة باتيلي التي أطلقها خلال إحاطته أمام مجلس الأمن الدولي، نهاية الشهر الماضي، إلى الجمع بين مختلف الأطراف الليبية المعنية، بمن فيهم ممثلو المؤسسات السياسية وأبرز الشخصيات السياسية وزعماء القبائل، ومنظمات المجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلون عن النساء والشباب، بهدف الوصول إلى انتخابات عامة بنهاية العام الجاري.

وتتضمن تيسير اعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجراء الانتخابات في 2023. وفي لقاءات لاحقة تحدث باتيلي من طرابلس عن مبادرته، وأعاد توجيه سهام النقد إلى مجلسي النواب والدولة، المسؤولين عن إصدار القاعدة الدستورية. لم يقف باتيلي عند النقد بل تجاوز ذلك بالتهديد إلى خلق كيان سياسي جديد بهدف تيسير عملية التوصل إلى قاعدة دستورية.

ومن طرابلس، اتّهم باتيلي المجلسين بالتحرك فقط حين طرح مبادرته، وطالبهما ألا يستغرقا عاماً آخر من أجل التوافق على القاعدة الدستورية، التي ستبحثها لجنة (6+6) التي اتفق عليها المجلسان، بعد نجاحهما في إقرار التعديل الدستوري الثالث عشر بشأن النظام السياسي.

عبد المنعم اليسير: تنفيذ البنود الكاملة لوقف إطلاق النار

تضمن التعديل الدستوري تحديد النظام السياسي للبلاد، وتحديد صلاحيات السلطة التشريعية والتنفيذية. وتتكون التشريعية من مجلسين؛ النواب، والشيوخ، ويعرفان باسم (مجلس الأمة)، وتتكون التنفيذية من رئيس الجمهورية الذي يكلف رئيس الوزراء، فضلاً عن بنود أخرى تضمنها التعديل. وبحسب التعديل، يشكل مجلسا النواب والدولة لجنة مشتركة (6+6) لوضع خريطة طريق تتفق على قوانين الاستفتاء والانتخابات (الوثيقة الدستورية)، التي ستعرض للاستفتاء الشعبي، وفق تصريحات لرئيس مجلس النواب، عقيلة صالح.

وكان صالح تحدث عن تشكيل لجنة من 45 عضواً (النواب 15، الأعلى للدولة 15، مختصين ومستقلين 15) تختار سلطة تنفيذية جديدة، تنحصر مهمتها في تهيئة البلاد للانتخابات، وتحقيق مصالح المواطنين.

أثبتت قوى الأمر الواقع في ليبيا قدرتها على امتصاص حماسة المبعوثين الأمميين والدوليين من جانب وعدم نجاعة فرضية المبعوثين بأنّ الحلّ يكمن في الانتخابات فقط

ورغم لهجة الحزم من المبعوث الأممي، والدعم الأممي والغربي الكبير الذي حصل عليه في مبادرته، وطرحه لإقامة الانتخابات، إلا أنّ هناك عوائق كبيرة تواجه ذلك المسعى. لم تكن مبادرة باتيلي هي الأولى من نوعها لحلحلة الجمود الذي تعيشه البلاد، إذ سبقتها في العام 2015 توقيع الاتفاق السياسي (اتفاق الصخيرات)، وفي العام 2020 توقيع وقف إطلاق النار، ثم ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف العام 2021.

يشي مصير تلك المبادرات السابقة بما ينتظر تحركات المبعوث الجديد باتيلي، بعد أنّ أثبتت قوى الأمر الواقع في ليبيا قدرتها على امتصاص حماسة المبعوثين الأمميين والدوليين من جانب، وعدم نجاعة فرضية المبعوثين الأمميين بأنّ الحلّ يكمن في الانتخابات فقط.

التحديات والمعوقات

تتمثّل أهم العقبات التي تواجه مسعى إقامة انتخابات نزيهة مقبولة من الجميع في الفوضى القانونية والدستورية، والانقسام المؤسساتي خصوصاً الأمني والعسكري، والتدخلات الدولية والإقليمية، والوجود العسكري الأجنبي، والانقسام المجتمعي.

يرى المتحدث باسم مجلس شيوخ ليبيا، عبد المنعم اليسير، بأنّ المنطقة الغربية في ليبيا خاضعة لهيمنة ميليشيات متغولة متعددة الهوية، بعضها تتحكم في العاصمة ومؤسسات الدولة بقوة السلاح.

وذكر لـ"حفريات" بأنّ المجتمع الدولي والنخب الأجنبية والمحلية غير مهتمين بهذا الوضع الأمني المتردي، الذي لن يسمح بحدوث انتخابات نزيهة. وأضاف بأنّ الجميع يخشون التطرق إلى موضوع الفوضي، ولا يتحدثون عن تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار، الذي نصّ على تفكيك ودمج الميليشيات وإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة الأجانب وتوحيد المؤسسة العسكرية.

وكانت الأطراف المتصارعة على طرابلس في حرب العام 2019، وقعت اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في تشرين الأول (أكتوبر) 2020، بين الجيش الوطني بقيادة المشير خليفة حفتر المدعوم من مجلس النواب، وحكومة الوفاق الوطني السابقة بقيادة فائز السراج.

سعد الدينالي: المبعوث الأممي مفرط في التفاؤل

ولم يتحقق شيء من بنود الاتفاق سوى تجميد القتال المسلح، بعد أنّ تحولت المعركة لصالح حكومة الوفاق بفعل التدخل العسكري التركي بالجنود والمرتزقة لصالحها، ثم إعلان مصر عن خطها الأحمر (سرت - الجفرة). ومنذ ذلك بقي الوضع العسكري كما هو، مع إحراز تقدم محدود في ملف تبادل الأسرى.

وأفاد السياسي الليبي، بأنّ اعتقاد المبعوث الأممي وداعميه بأنّ انتخاب سلطة تنفيذية وتشريعية جديدة كفيل بإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة غير واقعي. واستطرد عبد المنعم اليسير باستعراض تجارب الانتخابات النزيهة التي أخفقت أمام قوى الأمر الواقع، ومنها انتخابات المؤتمر الوطني لعام 2012، وانتخابات مجلس النواب لعام 2014. وألقى باللوم على الميليشيات التي أرغمت المؤتمر الوطني بالترهيب والاعتداء على الخضوع لها، ثم قامت بطرد مجلس النواب المنتخب حين لم يأتي وفق مصالحها.

إلى جانب ذلك، تعاني ليبيا من أزمة قانونية ودستورية، ربما تؤدي إلى صدور أحكام بإبطال مساعي الانتخابات، وهي الحجة الكافية لأنّ يعتمد عليها أي من أطراف الصراع لاتخاذ المواقف التي تدعم مصالحه.

السياسي الليبي سعد الدينالي لـ"حفريات": الأرضية الليبية غير مهيأة وغير جاهزة للانتخابات ونحتاج على أقل تقدير عامين من العمل المنضبط لتهيئة الأرضية القانونية والأمنية.

يقول رئيس مكتب الاستشارات السياسية بالحزب الاتحادي الوطني سعد الدينالي، بأنّ البلاد تواجه تحديات قانونية في ظل وجود مجلسين تشريعيين، لا يمكن تجاوزهما بشكل عبثي. وشدد لـ"حفريات" على ضرورة اتكال المبعوث الأممي على صيغة قانونية مقنعة تلتزم بالاتفاق السياسي، ولن يحدث ذلك دون اتفاق المجلسين، رغم فقدانهما الشرعية الشعبية.

كما أشار الدينالي إلى عقبة قانونية أخرى، وهي هيئة صياغة الدستور المنتخبة، والتي شكلت دستور تطالب بعرضه للاستفتاء، رغم الاعتراضات الواسعة بشأنه. وأفاد بأنّ شرعية الهيئة مستمدة من الاتفاق السياسي، وهي عقبة أخرى يجب إيجاد مخرج لها قبل الذهاب نحو الانتخابات، كي لا تكون ذريعةً لأطراف لعدم الاعتراف بالنتائج.

انتخابات مهددة

بفرض نجاح باتيلي مع مجلسي النواب والدولة في التوصل لقاعدة دستورية، وحلّ الإشكالات القانونية والدستورية، فلا يعني ذلك أنّ القوى الأجنبية الفاعلة في ليبيا ستقبل بانتخابات لا تحافظ على مصالحها.

من المؤكد أنّ تلك القوى ستستخدم نفوذها العسكري والأمني، الذي يمتد حتى جميع مفاصل المؤسسات الحكومية، لضمان فوز مرشحين يحافظون على مصالحها. يقول السياسي عبد المنعم اليسير، لا تكفي فقط نوايا المبعوث الأممي الطيبة للوصول إلى الانتخابات، بل يجب حدوث توافق أممي دولي لتهيئة البلاد لتلك العملية، حتى لا تكون مثل سابقاتها.

يذهب اليسير إلى أنّ البداية تكون بصدور قرار ملزم من مجلس الأمن الدولي بدعم من الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، بشأن تنفيذ البنود الكاملة لوقف إطلاق النار، مع تضمنه عقوبات دولية على الدول التي تعرقل ذلك. دون البدء بذلك، يرى أنّ أي رئيس ينتخبه الشعب لن يستطيع استعادة الاستقرار والأمن في ربوع البلاد؛ لأنّ الجهات المناوئة له المدعومة من قوى إقليمية لن ترضى إلا برئيس يكون عميلاً لها، ويحقق مصالحها.

وبحسب السياسي الليبي، فإنّ تركيا عبر قواتها العسكرية ومرتزقتها في الغرب الليبي لن تقبل بأي رئيس يطالبها بالخروج، ويهدد مصالحها وأطماعها الواسعة في البلاد، التي تعتبرها مستعمرة تركية.

التواجد العسكري الأجنبي العائق الأول أمام الانتخابات

 

من جانبه، يرى السياسي سعد الدينالي، أنّ طرح المبعوث الأممي بعقد انتخابات خلال هذا العام مفرط في التفاؤل. وقال "الأرضية الليبية غير مهيأة وغير جاهزة. نحتاج على أقل تقدير عامين من العمل المنضبط لتهيئة الأرضية القانونية والأمنية".

وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2020 وقع أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة (5+5)، برعاية بعثة الأمم المتحدة اتفاق وقف إطلاق النار، والذي لم تر أهم بنوده النور بعد.. تضمن الاتفاق خروج جميع المرتزقة والمقاتلين الأجانب من الأراضي الليبية براً وبحراً وجواً في مدة أقصاها ثلاثة أشهر من تاريخ التوقيع، وتجميد العمل بالاتفاقيات العسكرية الخاصة بالتدريب في الداخل الليبي وخروج أطقم التدريب إلى حين استلام الحكومة الجديدة الموحدة لأعمالها.

بالإضافة إلى تشكيل قوة عسكرية محدودة العدد من العسكريين النظاميين لمراقبة تنفيذ وقف إطلاق النار، والشروع في عملية حصر وتصنيف المجموعات والكيانات المسلحة بجميع مسمياتها على كامل التراب الليبي، ومن ثم إعداد موقف عنها، وتفكيكها ووضع آلية وشروط إعادة دمج أفرادها وبشكل فردي إلى مؤسسات الدولة. فضلاً عن ترتيبات حول منع خطاب الكراهية المتبادل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية