اللغة وكيفية الإفادة من الحُزم الرّمزية

اللغة وكيفية الإفادة من الحُزم الرّمزية


03/03/2019

قيس مجيد المولى

لا تنحو العديد من النصوص الشعرية الى إستخدام الرمز وإن استخدم فإن استخدامه يتم بالصيغ الشكلية التي تؤكد على دلالته وشيوع مفهومه، ونرى أن المهم حين استخدام الرمز كيفية إعادته ضمن أنساقه وكيف يعطي غرضا مغايرا لدلالته وفق تصور حداثوي ينسجم مع مضمون النص.
البنية العقلية في اللاوعي
لا شك بأن العقل الباطن تكون استجابته سريعة ومعمقة بأفكار ورؤى وتفاصيل حين ينجح الشاعر بإيقاد العلاقة ما بين الرمز وأشكال الوقائع السالفة والتي اختزنها العقل الباطن وهيأت الذاكرة مدخلاً لإقامة شكل من العلاقات الوهمية بين الرمز  المختار والمتناسب من مؤثراته أي أن الباطن يؤسس أنظمته وبنيويته بطريقة قد تكون من حيث المسمى شبيهة بتلك التي يقوم بها الوعي، وهنا ولربما تكمن الغرابة في قدرة اللاوعي على تنظيم مالديه من الموجودات الإثرائية لبناء وإعادة البناء بين التشكيلات الحية والتشكيلات المكبوتة.
وعلى صورة أدق نقول إن هناك بنية عقلية في اللاوعي ولسنا هنا بصدد إجراء مقارنة حول أسباب رفض سارتر لمفاهيم ليفي شتراوس التي تنسجم مع الإعتقاد بوجود تلك الأبنية والعلاقات بقدر ما نشير إلى أن الأفكار إن كانت ضمن العقل الباطن أو ضمن مفهوم الإدراك العام فإنهما يعملان باتجاهات متعددة، أي أن الفكرة هي موجودة أصلا ضمن تلك الوحدات المُرتبة ولها قاعدتها البنيوية لكن الفصل بينهما أو أوجه الإختلاف هو كيفية التعامل مع الخزين المعرفي، وكيفية تشكيل قوامه الجمالي ومتى يمكن الإفادة منه كوجه من أوجه النشاط السردي.
قدرة الرّمز على التجديد
إن الشعر يتجاوز الظواهر في بعديها الزماني والمكاني وكل ذلك التنظيم الذي ذكرناه لا يكون بديلا إطلاقيا عن حصانة الشاعر والمتلقي في ثقافته  ولغته ونشاطه التخيلي، ولعل إدراك الواقع يمكن التعبير عنه بأنه الإدراك الجزئي للعالم والإدراك لما بعد الواقع يمكن التعبير عنه بأنه الإدراك الكلي ويدخل ضمن هذا المفهوم النشاط التخيلي والتأمل المنظم والتفكير العميق، وإلى جانب ذلك تعمل المنظومات التحسسية كالعاطفة والإنفعال دورا مهما في ترسيم حدود السلوك الإنساني، فمنها من يوصف بالمسيطر عليه ومنها غير المسيطر عليه، وبأعتقادنا أن غير المسيطر عليه هو المركز الدلالي للعملية الإبداعية إن كان قد نظر اليها كونها شكلا من أشكال السحر أو الهلوسة أو الرغبات المنفلتة، ولا بد أن يقودنا ذلك الى معرفة مدى قدرة الرمز على التجديد بما يعطينا من الإغراءات واللواحق المبهمة.
كيفية الإفادة من الحزم الرّمزية
إن الرموز تتبع بعضها البعض، وتتداخل ببعضها البعض، وتشير لبعضها البعض، رغم أنها تفترق عند استخدامها منفردة في المضمون وحسب ما تقدمه من وظيفة لكن الأهم كيفية الإفادة من هذه الحُزم وتقديمها بدلالة جديدة ضمن مستجدات العقل البشري كونه يتقبل الرمز تقبله للخرافة لكنهما يشكلان قدراً امن الإفتراق في تقدير الوعي لهما وتماسهما ضمن النتاج الشعري الذي ينحو نحو الغرائبية وتكريس المجهول إذ تقدم اللغة مساحات فضلى من المناخات المتشبعة بالحيوية التي تفتح المجال للخاص والساخر بتأثير تلك التناغمية التي تمتلكها الكلمات وما تمتلكه من فيض عاطفي في استخدام الشاعر لأغراضه المتنوعة عبر وحداتها المتكاملة وما تملكه من الخاصية المميزة التي تمنح للشاعر إسلوبه الخاص به أي هويته الشخصية وفيها من قوة التناقض الباطني والتناقض الظاهري – المفارقة ما يجعلها تقدم البدائل المناسبة والسريعة.
تخطي الجمود والإفلات من القولبة
بمثابة الحلول أو بالأحرى متطلبات الانتقال من المثير إلى الأكثر إثارة تهيئ الحزم الرّمزية للشاعر أكثر من حاسة للوصول إلى متطلبات الوصول إلى المطلق في النزعة الجمالية وهو احتفاء للشاعر بعبقرية هذه الرموز ومزاجها المفعم تارة بالرضا وتارة بالهستيريا، لتقديم صورها عبر قفزاتها الرشيقة بين الأشياء إذ ذاك لا تكتف بما تعطيه وما تقدمه من تأثيرات في مكان النص وزمانه، وما تقدمه في ذاكرتها الجمعية واقتران قاموسها بطبيعتها التحولية كي تتخطى الجمود وتفلت من القولبة.

نوازع اللغة الدفينة
إن مفهوم الحداثة (modernity) هنا إستعدادها لقبول خلق لغة من لغتها وإدامة انفتاحها على الأشياء غير المرئية، حين يفيض الخيال بمتحسساتها فيمتزج العادي بغير العادي بقوة الظاهرة التماسكية فيها ذات الدلالات الصوتية.
يصف شوبنهور ذلك بقوله: "إن اللغة تشكل ترابط ذات البعض مع البعض" أي أنها لا تكتفي بالإشارة عبر تسمية الأشياء بل ترتبط بقدرات البناء الداخلي للكلمات ليتم بناء ما يتم احتياجه من مشاهد ينتظم فيها السحر وإصالة التعبير إن تمت الإساءةُ للغة أو لم يُسء إليها، إن أمكن استخدامها بما تملك من قوة فتطورها كامن فيما يراه الشاعر من حاجاته ومن نوازعه الدفينه عبر توأمة أمله ومأساته، فاللغة لدى الشاعر أحيانا لغة طبيعية وهي أحيانا لغة عاطفة وجدانية، وقد تكون أحيانا بتعبير ورد زورث اصطناعات من الترابط والزخرفة لكنها في كل ذلك لها خاصية ما في نوع جماليتهما، لها درجات في حديتها وطرائق تفجيرها.
المحتوى المتعدد الأغراض
لا شك أن تطور مفهوم العقل الباطن والإنفعال أديا لشيوع استخدام الرمزية من جهة والإستخدام السوداوي لسريات اللامرئي في مماثلة للبحث عن الكونيات وعن أشكال أخرى من التعسف الذي يزخر به الوجود تجاه الفرد كمخلوق وكقيمة، ولاشك أن هناك غاية مشتركة لمجموعة العوامل التي تمثل أدوات الإنتاج للنص ويتم الإستحكام بها من خلال العمل الفني، أي فنية تحفيز تلك المشتركات على إضافة شيء من السحر الإضافي، وإن سمي ذلك بالتناغم أو بالتناقض فهو إستثارة مستمرة للدهشة لكي يصبح كل شيء في ذلك المحتوى مهاما وفريدا، ولن تكون هناك حاجة لتفسير اللغة أو عرض سخريتها، إذ هي تستمر في تقديم عرضها الشيق بتفكيك دالاتها المألوفة وهو تحول ليس بالمقصود نحو الغموض والإلتباس رغم أنه تحول مفرح بالنسبة للشاعر كون المنتج حراً بما يصل إليه ما دامت الغاية البحث عن الجمال والوصول حد الإفراط به  ضمن اللايقينيات والأسرار والشكوك.
ولا شك، يجوز بالشعر كما الفنون الأخرى إنتهاك كل شيء بما في ذلك القناعات الأخلاقية، فليست الكلية والتناسق أساسا نهائيا للجودة إذ أن الإضطراب والفوضى مقودان مهمان يقودان إذ ما توفرت رؤيا نفسية مصاحبة من الإيحاء ببعد دلالي أعم لكل من اللغة والعاطفة في إطار المحتوى المتعدد الأغراض في النص الشعري، وقد يكون لدى البعض من الغرابة أن يكون التنظيم من خلال الفوضى والتي من خلالها يتحرر الشاعر من العديد من القيود الشعرية الموروثة ما دام الشعر هدفا لا عقلانياً وذاتيته تكمن في الضرورة لفهم خلوته الغيبية وانقطاعة في لحظة خاصة وراقية عن العالم المألوف.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية