القيادة الإماراتية الرشيدة.. ركن التسامح الركين

القيادة الإماراتية الرشيدة.. ركن التسامح الركين

القيادة الإماراتية الرشيدة.. ركن التسامح الركين


29/05/2023

عبدالله ماجد آل علي

في نوفمبر 2021، كتب صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، على حسابه بموقع التواصل «تويتر»: «نتمنى للمحتفلين بديوالي (مهرجان الأضواء) السعادة والبهجة.. ونأمل أن يعم الخير والسلام العالم»، وكتب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في المناسبة نفسها: «باسم شعب الإمارات، نهنئ كل من يحتفل بعيد ديوالي. أتمنى لهم عيداً سعيداً».  و«ديوالي» هو عيد ديني هندوسي، يحتفل به الهندوس والسيخ، وتمتد طقوسه خمسة أيام، وتشهد دولة الإمارات خلال أيامه الخمسة احتفالات واسعة للجالية الهندية، تجتذب إلى فعالياتها المبهجة كثيرين ممن ينتمون إلى جنسيات وثقافات أخرى.
وتُقدِّم التغريدتان رسالة بليغة المعاني لكل مواطني الدولة والمقيمين على أرضها وللعالم بأسره، بأن تعزيز كل صور التسامح وتقديره من الأولويات القصوى للقيادة الرشيدة. كما أن تغريدة صاحب السمو رئيس الدولة تختصر في كلماتها الموجزة أيضًا معنى مهمًّا، وهو الارتباط الوثيق بين التسامح من جهة والخير والسلام في العالم بأسره من جهة ثانية، إذ تُفتح الأبواب واسعة أمام التفاهم والتقارب والتواصل والحوار، سواء بين الجماعات الثقافية المختلفة داخل الدولة الواحدة، أو بين الدول والشعوب التي تختلف ثقافاتها وخلفياتها الحضارية، وفي ظل التقارب والتفاهم يجد السلام طريقه ممهَّدة بما يحقق الخير للجميع.
وما كتبه صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم يمثل امتدادًا لإرث والد الأمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي اعتبر التسامح جزءًا لا يُجتزأ من العقيدة ومن كمال إسلام المسلم وإيمانه، إذ يقول طيب الله ثراه: «نحن مسلمون ولا نتسامح؟! هذا أمر غريب، إن المؤمن يجب أن يكون رحيمًا ومتسامحًا أما القاسي فهو الذي لا يرحم». وعلى دربه المضيء سار المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رحمه الله، الذي قال بمناسبة إطلاق مبادرة «عام التسامح» إن «ترسيخ التسامح هو امتداد لنهج زايد.. وهو قيمة أساسية في بناء المجتمعات واستقرار الدول وسعادة الشعوب» مضيفًا، رحمه الله، أن «أهم ما يمكن أن نغرسه في شعبنا هو قيم وإرث زايد الإنساني.. وتعميق مبدأ التسامح لدى أبنائنا». وشارك في هذه الدعوة المتواصلة إلى التسامح أصحاب السمو أعضاء المجلس الأعلى للاتحاد حكام الإمارات، من خلال أقوالهم الملهمة ومتابعتهم الحثيثة لكل المبادرات والجهود التي شهدتها الدولة منذ سنوات طويلة.
هذا النهج من اهتمام القيادة في الدولة بتعزيز التسامح منذ تأسيسها، يمكن فهم تأثيره بطريقة صحيحة إذا نظرنا إلى العلاقة الفريدة بين القيادة والشعب، كما تبدو من خلال المؤشرات والتصنيفات العالمية المرموقة، ومن أهمها «مؤشر إيدلمان للثقة» الذي تُصدره واحدة من المؤسسات الكبرى والمرموقة عالميًّا في مجال قياس الرأي العام. ووفقًا لتقارير «إيدلمان» التي تقيس الثقة في القيادة في أكثر من مئة وخمسين دولة في العالم، فقد احتلت دولة الإمارات في تقارير السنوات الخمس الأخيرة المركز الأول أو الثاني في ثقة الشعب بالحكومة، ويؤكد احتفاظ الدولة بمركزها المتصدر عالميًّا رسوخ الثقة بين المواطنين وقيادتها، وما تحظى به من ديمومة واستمرارية تُظهرها مؤشرات وتصنيفات عالمية أخرى عديدة، وتتبدى في كل مظاهر الحياة في الدولة.
ويرجع اختيار «الثقة» لتسليط الضوء عليها في هذا المقام، إلى المكانة التي أصبحت تحتلها في الفكر السياسي الحديث، ودور القيادة في إقناع مواطنيها بما تطرح من أفكار وتحمُّسهم لها مادامت تحظى بثقتهم. ولقد خصص المفكر والمنظر السياسي الأشهر فرانسيس فوكوياما واحدًا من كتبه لهذه الظاهرة، تحت عنوان «الثقة: الفضائل الاجتماعية وتحقيق الازدهار»، وهو كتابٌ مهمٌّ تُرجم إلى اللغة العربية أكثر من مرة، ويقول فوكوياما فيه: «إن القانون والعقود التجارية والعقلانية توفر كلها أسسًا ضرورية - لكنها غير كافية - لاستقرار المجتمعات ما بعد الصناعية وازدهارها، ولا بدَّ أن تمتزج بقيم التكافل الاجتماعي والالتزام الأخلاقي والثقة المتبادلة والإحساس بالواجب تجاه المجتمع، وهي خصال تنبع من العادات والتقاليد والأعراف لا من الحسابات العقلانية المجردة»، وقد عبّر سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان بوضوح عن  هذه الفكرة حين قال إن "قيمة التسامح سمت لتغدو هوية وطنية إماراتية تجري في شرايين هذه الأرض حتى الأبد".
والحقيقة أن هذا النوع من «الثقة المتبادلة» يتجسد في أكمل صوره في العلاقة التي استقرت منذ قرون بين القيادة والشعب في دولة الإمارات، وهو ما يمثل أحد مكامن قوتها ورسوخها. ولذا كان تبني قيادة الدولة التسامح مبدأً ومنهجًا، هو المدخل إلى التزام شعبي واسع به، لأن توجيهات القيادة ورسائلها في دولة الإمارات تتحول بفعل «الثقة» و«الإحساس بالواجب تجاه المجتمع»، وفق تعبير فوكوياما، إلى برامج عمل يلتزم بها الجميع، ويحرصون عليها أشد الحرص، ويرفضون أي خروج عن مقتضياتها.
وهذه الاستجابة التلقائية والطوعية ترتكز بدورها إلى أن القيادة الرشيدة ليست جهة فوقية تُصدر تعليماتها من أعلى، وهي حين تضع الرؤى والاستراتيجيات تستند إلى البصيرة والحكمة التي صقلتها التجارب والخبرات السياسية في بيوت تتوارث الحكم منذ قرون، لكنها تستند إلى عامل آخر لا يقل أهمية، وهو أن القيادة تُعبِّر تمام التعبير عن ثقافة الجماعة وقيمها وتقاليدها المتوارثة، ومن بينها قيمة التسامح. ويتعلق الدفع بأحد الموضوعات إلى مركز متقدم على قائمة الأولويات والأسبقيات بالظروف المتغيرة إقليميًّا وعالميًّا، وبمقتضيات الحال التي تمنحه أهمية خاصة في وقت بعينه، بمعنى أن التسامح ذاته قيمة إماراتية يحترمها المجتمع ويتحلى بها منذ القدم، لكن التركيز عليها أصبح أكثر إلحاحًا في ظل ظروف من بينها تمدد جماعات التعصب والتطرف والإرهاب ونشاطها المحموم خلال العقدين الأخيرين، ويستوى في ذلك التنظيمات التي تتستر زورًا بالإسلام، أو تنظيمات اليمين المتطرف في الغرب وما تطرحه من خطابات عنصرية كريهة، وهو ما يهدد الدول والمجتمعات ويُنذر بعواقب سلبية في المنطقة والعالم.
ومن المؤكد أن أي كتابة لتاريخ المنطقة سوف تتوقف مليًّا أمام الدور الذي اضطلعت به القيادة الرشيدة لدولة الإمارات في إطلاق دعوة التسامح في وقتها الملائم تمامًا، وتبنِّي أبناء الإمارات جميعًا لهذه القيمة السامية، وتصدُّرهم الصفوف من أجل الدفاع عنها، والتصدي لدعوات الكراهية والتنابذ والفرقة. وهذا الطريق الذي اختطته القيادة الرشيدة هو الأقدر على الخروج بالمنطقة من دائرة العنف والصراع التي خلفت وراءها دولًا ممزقة، وحروبًا أهلية مستعرة، ومئات الملايين من الفقراء والبؤساء والمشردين واللاجئين، بينما يفتح التسامح الباب واسعًا أمام حوار متواصل مع العالم، وتوسيع لمساحات الفهم المتبادل، والبحث عن الصيغ والمعادلات التي تنطوي على حياة أفضل تستحقها المنطقة وشعوبها.

عن "موقع 24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية