مختارات حفريات
القوة الناعمة: حضور إماراتي وتراجع قطري
تستخدم قطر شأنها شأن الإمارات الرياضة والثقافة كقوة ناعمة لتحسين صورتها في العالم، لكن، وخلافا للإمارات فشلت الاستثمارات القطرية في تحقيق الهدف، وذلك بسبب التناقضات القطرية الواضحة، فمن توجه له الاتهامات بدعم جماعات متطرفة مثل الإخوان المسلمين لا يمكن أن يقنع الناس في الوقت نفسه بأنه داعم للثقافة والرياضة بقيمهما التي تروج للمحبة وتدعم السلام.
نظرة بعيدة المدى
عندما بدأت دول خليجية، مثل الإمارات، في التفكير في مرحلة ما بعد النفط والتخطيط لمستقبل أكثر تنوعا والاستفادة من أموال النفط في خلق فرص ومساحات أكبر تتحرك فيها الدولة، شرعت في استخدام الأبعاد الثقافية والفنية في دعم اقتصادها وتعزيز سمعة الدولة إقليميّا وعالميّا. ونجحت الإمارات في أن تعيد صياغة مصطلح القوة الناعمة وفق مفهوم خاص بها، اتبعته دول إقليمية أخرى، من ذلك قطر.
ويشكل افتتاح متحف اللوفر أبوظبي في العاصمة الإماراتية هذا الأسبوع محطة جديدة في توجهات القوة الناعمة في الإمارات. ويؤكد مراقبون أنه لا علاقة للمشروع الذي يجري العمل عليه منذ سنة 2007 بما يراه البعض جزءا من الصراع الدائر بين دولة الإمارات وجارتها قطر، فلكل واحدة توجهاتها وسياساتها وسمعتها الدولية التي تحدد نجاح مقاربتها من فشلها.
بينما اختارت الإمارات الاستثمار داخل الدولة واستقطاب الأنظار والسياح والخبراء والمثقفين والفنانين من مشارب العالم نحوها، مالت قطر أكثر نحو الاستثمار في مؤسسات خارج الدولة بغية التأثير في قرارات الدول المعنية بتلك المؤسسات، وركّزت أيضا على الاستثمار في الإعلام الموجه أساسا للمشاهدين العرب ضمن سياسة لها أبعاد بتوجهات أيديولوجية وسياسية مردها بحث قطر عن دور ونفوذ بواقع استحالة تحقيق هذا عسكريا نظرا لصغر حجمها وموقعها الجغرافي.
اختارت الإمارات الاستثمار داخل الدولة واستقطاب الأنظار والسياح والخبراء والمثقفين والفنانين من مشارب العالم نحوها
وجعلت كثرة الأحداث والمناسبات الثقافية في أبوظبي من مشاغل الشأن الثقافي جزءا من طبيعة الحياة في الإمارات، فيما تعتبر دبي، العاصمة الاقتصادية لدولة الإمارات، سباقة في مجال التحرر من النفط مقارنة مع جاراتها الخليجية بعدما تمكنت من ترسيخ موقعها على خارطة التجارة والسياحة وفي قطاع الخدمات.
وتعد الإمارات رابع أكبر منتجي الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” وتبلغ احتياطاتها المؤكدة 98 مليار برميل. وتسعى أبوظبي إلى أن تكون عاصمة ثقافية صاعدة تركز على تطوير مشاريع استراتيجية تعتمد على الهندسة الحديثة والاستدامة.
وأضحت العاصمة الإماراتية مركزا فنيا ثقافيا عالميا ينظم أكبر وأهم المهرجانات الموسيقية والسينمائية، على غرار مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الذي يستقطب أبرز نجوم الفن السابع العرب والغربيين، ومهرجان “ووماد أبوظبي” وهو فرع من أشهر مهرجان موسيقي في العالم.
تؤهل الصروح المعمارية الثقافية والفنية العاصمة الإماراتية لأن تكون قطبا ثقافيا على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فيما تعتبر دبي، العاصمة الاقتصادية لدولة الإمارات، سباقة في مجال التحرر من النفط مقارنة مع جاراتها الخليجية بعدما تمكنت من ترسيخ موقعها على خارطة التجارة والسياحة وفي قطاع الخدمات. ويعكس إنشاء مجلس القوة الناعمة لدولة الإمارات العربية المتحدة التوجه الإماراتي نحو تعزيز سمعة الدولة إقليميا وعالميا وترسيخ احترامها ومحبتها بين شعوب العالم ويختص برسم السياسة العامة واستراتيجية القوة الناعمة للدولة.
بدورها، وظفت قطر، أكبر مصدر للغاز المسال في العالم، المليارات في بناء قوة ناعمة. ولا شك في أنها نجحت في أن تحوز على موقع متقدم على الصعيد الدولي حين فازت في العام 2010 باستضافة بطولة كأس العالم لكرة القدم في سنة 2022، بينما اختيرت دبي في العام 2013 لتنظيم معرض اكسبو 2020 الدولي الضخم.
مالت قطر أكثر نحو الاستثمار في مؤسسات خارج الدولة وركّزت على الاستثمار في الإعلام الموجه للمشاهدين العرب ضمن سياسة بتوجهات أيديولوجية وسياسية
لكن، المسألة هنا لا تتعلق بالنجاح بقدر ما تتعلق باستمراريته من ناحية وبتعاطي المجتمع الدولي مع تلك الاستثمارات والإنجازات من ناحية أخرى. فاليوم، وفيما العالم يحتفي بافتتاح متحف اللوفر في أبوظبي، إحدى أعرق المؤسسات الثقافية في العالم في المنطقة العربية، تعلو الأصوات لمنع استضافة قطر كأس العالم لكرة القدم لسنة 2022، حيث سعت قطر بكل ما تملكه من أموال، إلى الحصول على هذا الشرف العالمي، الذي كان سيعني سبقا لها وللمنطقة، باعتبارها أنها أول دولة عربية تحتضن الحدث الكروي الأبرز في العالم، لكن حالت سياساتها دون تحقيق ذلك، ودون الحصول على المباركة العربية والعالمية لها.
نقطة أخرى يتطرق إليها الخبراء في قراءتهم لأسباب تفوق الإمارات في القوة الناعمة بالمقارنة مع قطر. وتتعلق هذه النقطة بالجمهور الموجهة له هذه القوة، وهنا يذكرون كمثال سياسة الاحتكار التي فرضتها مجموعة بي أن سبور، حيث فرضت على المشاهدين العرب دفع الجزية حتى يتمكنوا من متابعة مباريات فرقهم الوطنية وفرقهم الرياضية المفضلة، في المقابل تبدو المشاريع الثقافية والاستثمارات الإماراتية موجهة لبناء المستقبل. فقناة فضائية ناشيونال جيوغرافيك أبوظبي، تعد من أكثر الفضائيات العربية متابعة، ولم تخسر هذه الفضائية منذ انطلاقها سنة 2009 شعبيتها.
وقالت صحيفة لي إيكو الفرنسية، إنه في غضون عقد من الزمن، أصبحت قطر فاعلا أساسيا في عالم الرياضة، ولكن تزايد الاتهامات، لا سيما حول فوزها بتنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022، هزت هذه «القوة الناعمة»، والتي كانت تعمل بهذه الدبلوماسية الرياضية لـ«تعوض عن صغر حجم أراضيها”.
قامت قطر بشراء باريس سان جيرمان، ونادي ملقا الإسباني ورعاية قميص برشلونة ورعاية الفيفا، وكذلك تنظيم دورة الألعاب الآسيوية 2006، وكأس آسيا 2011، ودورة الألعاب العربية وكأس العالم لكرة اليد ومونديال ألعاب القوى وغيرها من البطولات، وأنفقت المليارات على كرة القدم أساسا، باعتبارها الرياضة الأكثر شعبية في العالم، لكن مختلف المحاولات معرة للانهيار بسبب تصاعد حدة الاتهامات التي توجهها بعض الدول العربية لقطر بدعم جماعات متطرفة مثل الإخوان المسلمين.
عن صحيفة "العرب" اللندنية