تواصل إسرائيل تنفيذ اعتداءاتها على مناطق سيطرة النظام السوري في دمشق، وتحديداً تلك المواقع (شبه العسكرية) التي تخضع لنفوذ العناصر الميليشياوية التابعة للحرس الثوري الإيراني، غير أنّ القصف العسكري المكثف الذي طال مؤخراً المنشآت المدنية مثل؛ مطاري دمشق وحلب الدوليين، فضلاً عن المواقع العسكرية التي يجري فيها تخزين وتطوير الأسلحة، يؤشر إلى إستراتيجية إسرائيلية لمنع أيّ نشاط عسكري واستخباري لوكلاء طهران في المنطقة.
إسرائيل تعلن مسؤوليتها عن ضرب مطار حلب
مطلع الأسبوع الجاري، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد: إنّ بلاده تعمد إلى "منع إيران من إنشاء قواعد إرهابية في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وخاصة في سوريا"، وتابع: "لن نقبل بإقامة قواعد إيرانية أو قواعد ميليشيات على حدودنا الشمالية".
وخلال الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء الإسرائيلي، أوضح لابيد أنّه "إذا هبطت طائرات هدفها بالكامل تشجيع الإرهاب، فمن المحتمل أن تتضرر قدرة الحركة الدولية لسوريا أيضاً". ولا يكاد يختلف تصريح لابيد عمّا قاله مسؤولون آخرون في الحكومة الإسرائيلية؛ حيث إنّ رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست رام بن باراك أكد على ضلوع إسرائيل في عملية استهداف مطار حلب، وقال: "إنّ سبب مثل هذه الهجمات إيصال رسالة إلى الأسد".
واللافت أنّ إسرائيل تضع نصب عينيها التطورات التي تجري على مستوى المفاوضات النووية لإحياء "خطة العمل المشتركة" بين واشنطن وإيران، وكذا علاقتها بالنشاط الإقليمي لإيران بالمنطقة. وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي: "أجرينا حواراً سرّياً ومكثفاً (مع فرنسا وألمانيا وبريطانيا)، وقدّمنا لهم معلومات استخبارية حديثة حول النشاط الإيراني في المواقع النووية"، مشدداً على وجود خطة لتدشين وثيقة تعاون إستراتيجي واقتصادي وأمني مع الدول الأوروبية الـ (3).
كما ألمح لابيد إلى أنّ تل أبيب تقوم بتنفيذ حملة سياسية قصوى بغية تجميد الاتفاق النووي، ومنع رفع العقوبات الأمريكية عن طهران.
رسائل إسرائيلية
وفي حديثه لـ"حفريات"، يقول الباحث السياسي في دراسات السلام وحلّ النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري ببريطانيا الدكتور زارا صالح: إنّ القصف الإسرائيلي على المواقع التي تتموضع فيها إيران عسكرياً بسوريا، وكذا عناصرها الولائية، يأتي في سياق إستراتيجية استهداف الوجود العسكري الإيراني ومحاربته، الأمر الذي تم الاتفاق عليه بين مستشاري الأمن القومي لأمريكا وروسيا وإسرائيل، خلال الاجتماع الثلاثي في إسرائيل عام 2019، بالإضافة إلى التوافق على بقاء بشار الأسد وفي الوقت ذاته إعطاء "الضوء الأخضر" لإسرائيل لتنفيذ ضرباتها بسوريا من خلال فتح موسكو المجال الجوي في مناطق نفوذها للطيران الإسرائيلي لشنّ الهجمات ضد الأهداف الإيرانية.
القصف الأخير لسوريا يؤشر إلى إستراتيجية إسرائيلية لمنع أيّ نشاط عسكري واستخباري لوكلاء طهران في المنطقة
التصعيد الأخير للضربات الإسرائيلية ضد الأهداف الإيرانية، ومنصات الصواريخ، وترسانته العسكرية في سوريا، يعكس رسائل مباشرة مفادها عدم قبول إسرائيل للاتفاق المرتقب بين أمريكا وإيران بخصوص إحياء الاتفاق النووي، وفق صالح، ومن ثم رفع العقوبات عن طهران؛ وهذا ما ترفضه تل أبيب بشدة.
ويتابع الباحث حديثه: "وهذه رسائل متكررة إلى الأسد من قبل إسرائيل بخصوص علاقته مع إيران التي تستخدم الأراضي السورية لخدمة مشروعها الطائفي التوسعي، الأمر الذي تعتبره تل أبيب، وفق تصنيفها، بمثابة خطر وجودي لها. ولعل الإقرار الإسرائيلي، ولأول مرة، باستهداف المصالح العسكرية الإيرانية في محيط مطار حلب ومواقع أخرى، يعكس حجم الرفض الإسرائيلي لعودة الاتفاق النووي بين الغرب وإيران".
وبسؤال الباحث السياسي في دراسات السلام وحلّ النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري ببريطانيا عن الموقف الروسي من هذه الحوادث، يجيب: "رغم أنّ إسرائيل تحاول دوماً تجنب استهداف مواقع النظام السوري، إلا أنّها تعلم حجم التوغل الإيراني في مناطق "الأسد"؛ وهذا ما يقلق موسكو بدرجة كبيرة؛ لأنّ الأخيرة ترى في إيران المنافس الإستراتيجي لها في سوريا، رغم التوافق المؤقت بينهما في أستانة، ولهذا نشاهد غضّ طرف روسي عن الضربات الإسرائيلية التي تستهدف المواقع الإيرانية والميليشيات التابعة لها في سوريا".
مصالح موسكو
ويتابع صالح: "روسيا بدورها لها مصلحة إستراتيجية في إضعاف الدور الإيراني في سوريا، خاصة وهي تدرك مدى تأثير إيران على نظام الأسد بعدما أصبحت تتمفصل في العديد من الأمور الداخلية، السياسية والميدانية والعسكرية".
إذاً، القصف الإسرائيلي المتواصل على عدة مواقع في سوريا، خاصة المطارات ومقرات تطوير وتصنيع الأسلحة، يعود إلى عام 2017، وهذا العام شهد تنامي الصراع والتنافس الإسرائيلي الإيراني على مساحات تواجد (طهران) الجغرافية والجيوسياسية في سوريا، حسبما يوضح الصحفي السوري زياد الريس.
المرصد السوري: اعتقال عشرات العسكريين في دمشق وحلب بشبهة التعاون مع "جهات معادية" في إشارة إلى إسرائيل
هذا الصراع يتعلق بمحاولة إيران وحلفائها (حزب الله) الوصول إلى الشريط الحدودي مع إسرائيل، وأدلجة السكان هناك لتحويلهم إلى موالين منهجياً وفكرياً وسياسياً لمشروعها الطائفي، وفق الريس، وذلك حتى يكون بمقدور إيران السيطرة على القرار الشيعي تحت مزاعم "المقاومة"، وذلك باعتبار كلمة مقاومة تعني الانتصار النهائي والحتمي في أيّ صراع أو نقاش سياسي فكري، وبالتالي، يصنف أيّ معارض كـ"عميل" و"مأجور".
ويردف الريس لـ"حفريات": "يمنح هذا الحضور الإيراني في سوريا القوة عن طريق اللعب بالأوراق بين القوى الدولية في المنطقة، ومن ثم، استغلال وجود أتباع ووكلاء لها بالقرب من الشريط الحدودي لتحقيق الضغط على الأطراف المختلفة".
وبالعودة إلى الأهداف الإسرائيلية من ضرب المواقع الإيرانية، يقول الريس: "لا تقوم إسرائيل باستهداف الوجود الإيراني، أو وجود حزب الله؛ بل يقتصر الاستهداف على شحنات أسلحة أو مراكز تطوير هذه الأسلحة قبيل وصولها إلى لبنان أو قبيل وصولها إلى الحدود السورية مع إسرائيل. وغالباً ما يتركز الاستهداف في المواقع التي تتواجد فيها عناصر من المخابرات الجوية السورية التي بات من المعروف أنّ هذا الجهاز الأمني مخترق لصالح إسرائيل، وهو من يقوم بإرسال إحداثيات الشحنات ونوعيتها إلى تل أبيب؛ فالمعلومات التي تعتمد عليها الأخيرة لتنفيذ ضرباتها ليست مجرد توقعات أو نتيجة مراقبة عبر الأقمار الصناعية أو اختراق الاتصالات، إنّما معلومات مباشرة وميدانية. تحقق إسرائيل مؤخراً انتصارات شعبوية بعد أن كانت سوريا لعقود الجهة التي تبعث بمخاوف جمة للإسرائيليين.
يتفق مع الرأي ذاته المحلل السياسي السوري درويش خليفة، الذي يرى أنّ "الضربات الإسرائيلية في الأيام الأخيرة باتت تسجل حالات ووقائع متزايدة"، موضحاً لـ"حفريات" أنّ استهداف مواقع مثل مطاري حلب ودمشق الدوليين ومحيطهما، يعني أنّ إسرائيل تتواصل مع ضباط داخل جيش النظام السوري، وتثق بمعلوماتهم، ولذلك تأتي الضربات موجهة وموجعة للميليشيات الإيرانية وحزب الله اللبناني.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن، فإنّ العشرات من ضباط وصف ضباط في قوات النظام، في دمشق وحلب، تم التحقيق معهم واعتقالهم بشبهة التعاون مع "جهات معادية"، في إشارة إلى إسرائيل. وقد خضعوا للتحقيق بتهمة إعطاء إحداثيات لإسرائيل، بعد الضربات الأخيرة التي استهدفت مطاري حلب ودمشق ومناطق في محيطهما. وطالت الاعتقالات ضباطاً في الدفاع الجوي وآخرين من مرتبات الوحدات العسكرية المحيطة بمطاري حلب ودمشق، وضابطاً وعنصرين في قطعة عسكرية بمصياف، وعناصر في قطع عسكرية بطرطوس، وذلك بناءً على معلومات من جهاز استخبارات "حزب الله" اللبناني.
زارا صالح: القصف الإسرائيلي يأتي في سياق ما تم الاتفاق عليه بين مستشاري الأمن القومي لأمريكا وروسيا وإسرائيل
ومن ناحية أخرى، الاضطرابات السياسية داخل إسرائيل تفرض على القادة السياسيين إثبات قوة تصريحاتهم من خلال استهداف إيران وميليشياتها في مناطق نفوذها الإقليمي، حسبما يشير خليفة، وخصوصاً في المناطق المتاخمة لحدودها في العمق السوري.
وبما أنّ التقارير الاستخباراتية والصحفية تتحدث عن سيطرة إيرانية تامة على حلب، فإنّه من المتوقع أن يتم استهداف المطار والمستودعات المحيطة به، حيث يتم تخزين الصواريخ والمسيّرات الإيرانية فيها، حسبما يقول خليفة.
ويرجح المحلل السياسي السوري أن يتم تعطيل جميع المطارات التي تستخدمها شركات الطيران الإيرانية في سوريا خلال المدة المقبلة، مع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه الضربات سوف تتصاعد مع قرب العودة إلى الاتفاق النووي بين واشنطن وطهران.