"القاعدة" ينافس "داعش" في ميانمار.. فهل نحن جاهزون لاستقبال العائدين؟

"القاعدة" ينافس "داعش" في ميانمار.. فهل نحن جاهزون لاستقبال العائدين؟


25/07/2022

في سياق الصراع المستمر في ميانمار (بورما)، والذي تحول من قتال بين الجيش الحكومي، والحركات الانفصالية في ولاية راكين (أراكان)، إلى حرب تطهير عرقية ضدّ أقلية الروهينجا المسلمة، أصبحت ميانمار واحدة من أبرز ساحات الجهاد الإسلاموي المعاصرة، وتحت وطأة الصراع العرقي، والاضطهاد الديني الذي يواجهه المسلمون، بالتزامن مع نهج المذابح والترحيل القسري الذي يمارسه جيش ميانمار ضد الروهينجا، رفع الجهاديون رايات الثأر، وتاجر المتطرفون بالقضية؛ لكسب المزيد من الشعبية داخل العالم الإسلامي، بهدف تجنيد المزيد من المتحمسين للجهاد، سواء داخل معسكرات اللاجئين أو في سائر البلدان.

قضية الروهينجا تكشف تناقضات الإخوان

كعادتها استغلت جماعة الإخوان المسلمين قضية الروهينجا، لتطلق عدة بيانات وتصريحات، استنكرت فيها صمت الحكومات الإسلاميّة، وتخاذل المجتمع الدولي، ودعت الجماعة في أكثر من موضع إلى نصرة المسلمين في ميانمار، وفتح باب الجهاد، كما دشنت الجماعة حملات مكثفة في الفضاء الرقمي، استخدمت فيها لجان التنظيم صوراً من سوريا والعراق ومناطق أخرى من العالم تعرضت في وقت سابق لكوارث طبيعية، وادعت أنّها تخص الروهينجا، الأمر الذي دفع مراقبين إلى اتهام الإخوان بإفساد قضية عادلة، والتشويش عليها باستخدام الصور المفبركة، والأخبار الكاذبة.

 

أعلن المتحدث باسم كتيبة المهدي، أبو لوط المهاجر، بشكل رسمي، الولاء للخليفة الثاني لتنظيم داعش أبو إبراهيم الهاشمي القريشي

 

لم ينته الأمر عند هذا الحد، ففي أعقاب الانقلاب العسكري في ميانمار، والذي أطاح بحكم زعيمة المعارضة أونغ سان سو تشي، دعّم الإخوان المسلمون الانقلاب، وزفّت اللجان الإلكترونية الخبر، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، باعتبار أنّ ما تم، يأتي في سياق نصرة الإسلام، والانتقام الإلهي من حكومة سو تشي، في تناقض صارخ مع ما تروج له الجماعة من رفض للانقلابات التي تزعم أنّها وقعت ضحية لها، في مصر وتونس، وهي الآن تغض الطرف عن قتل عشرات المتظاهرين المؤيدين لرئيسة الحكومة المنتخبة، والتي زجّ بها الانقلابيون في السجن.

كتيبة المهدي ذراع داعش في ميانمار

مع كل هذا الزخم الجهادي، وفي تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2020، ظهرت على ساحة الصراع في ميانمار، جماعة جهادية مسلّحة، أطلقت على نفسها اسم كتيبة المهدي في بلاد الأراكان، وأصدرت الحركة مجلة باللغة الإنجليزية، صدر عددها الأول بعنوان: "دعوة إلى الهجرة"، نصّ في 40 صفحة، على وجوب القتال لنصرة المسلمين، والهجرة، من أجل تحويل أرض الكفر إلى  دار إسلام، وطالبت الحركة سائر المسلمين بالهجرة إلى أرض الجهاد، وتقصد ميانمار، لنصرة الإسلام والمسلمين، وقتال البوذيين بوصفهم مشركين، حيث قال زعيم الحركة، أبو داود الأركاني: "ندعو المسلمين لأداء الهجرة إلى بلاد الأراكان؛ لمساعدة إخوانكم ودين ربكم". كما حرّضت الحركة على أتباع البوذية في أنحاء العالم، وهاجمت المسلمين المنتمين إلى جيش التحرير القومي، وكلّ الفصائل القومية الانفصالية، التي تقاتل جيش ميانمار بدافع الاستقلال، زاعمة أنّ الصراع في جوهره بين معسكري الكفر والإيمان، ووصفت هؤلاء المسلمين بـ"المنافقين".

في أعقاب الانقلاب العسكري في ميانمار دعّم الإخوان المسلمون الانقلاب

وسرعان ما بايعت كتيبة المهدي تنظيم داعش، حيث أعلن المتحدث باسم كتيبة المهدي، أبو لوط المهاجر، بشكل رسمي، الولاء للخليفة الثاني لتنظيم الدولة الإسلامية، أبو إبراهيم الهاشمي القرشي، ونشر ذلك في مجلة صوت الهند، التي يصدرها فرع ولاية الهند التابع لداعش، ما يشير هذا إلى وجود تعاون بين التشكيلات الجهادية المختلفة، التي  تعمل في الهند وسريلانكا وبنغلاديش، وذلك بحسب تقرير إخباري نشر على موقع (European eye on Radicalization) الإخباري.

التنافس بين القاعدة وداعش

 تقارير دولية متعددة، عبّرت عن مخاوفها، آنذاك، من أن يكون ظهور جيش المهدي في ميانمار، دافعاً لتنظيم القاعدة للدخول إلى حلبة التنافس، الأمر الذي قد ينعكس بالضرورة على بنية الساحة الجهادية في الشرق الأقصى؛ إذا قرر تنظيم القاعدة، الذي يتنافس مع تنظيم داعش على صدارة الجهاد العالمي وقيادته، تكثيف جهوده في الساحة الآسيوية بشكل عام، حيث إنّ الأمر سوف يتجاوز بالضرورة ساحة القتال في ميانمار، إلى إندونيسيا، وماليزيا، وغيرها من البلدان المجاورة.

 

في هذا السياق الجهادي المحموم يأتي لواء المجاهدين، الذي تشكّل من جنسيات متعددة، حيث انضم إليه متطوعون من ميانمار وبنغلاديش وإندونيسيا وباكستان، وآخرون من دول عربية وإسلامية

 

وبالفعل، أمسك تنظيم القاعدة بطرف الخيط، ففي 13 آذار (مارس) العام 2021، بثّت مؤسسة السحاب، التابعة لتنظيم القاعدة، مقطع فيديو، يتناول الوضع في ميانمار، وتضمن المقطع رسالة صوتية من زعيم التنظيم، أيمن الظواهري، قال فيه: "هذه الحكومة البوذية الإجرامية التي دللها الغرب، لن تردعها إلّا القوة، وسوف تدفع ثمن عدوانها داخل ميانمار وخارجها". مضيفاً: "جرح مسلمي الروهينجا، هو جرح الأمة برمّتها". متوعداً بضرب مصالح ميانمار، أينما كان تنظيم القاعدة قادراً على القيام بذلك.

وبحسب صحيفة بليتز البنغالية، الناطقة بالإنجليزية، دخلت جماعات جهادية أخرى على خط الأزمة؛ لسحب البساط من جيش إنقاذ الروهينجا، والفصائل القومية الأخرى، على سبيل المثال، ظهر على الساحة حزب التحرير، وهو حركة راديكالية، تسعى إلى إعادة تأسيس الخلافة الإسلامية، حيث أصدر الحزب بياناً في العام 2017، جاء فيه: "أمريكا الصليبية قاتلة المسلمين في العراق وأفغانستان وسوريا وحول العالم، تعمل مع حليفتها حكومة مودي (المقصود ناريندار مودي رئيس وزراء الهند)، وتستعين بفتاة الديمقراطية الذهبية، الحائزة على جائزة نوبل، أونغ سان سو كيي، من أجل فرض سيطرتها الإقليمية على هذه المنطقة الاستراتيجية". وزعم الحزب أنّه فور استعادة الخلافة الإسلامية، سوف يأمر الخليفة بالجهاد لإنقاذ الروهينجا وتحرير أراكان، وإعادتها إلى ظل الخلافة.

العائدون من ميانمار

في هذا السياق الجهادي المحموم، يأتي لواء المجاهدين، الذي تشكّل من جنسيات متعددة، حيث انضم إليه متطوعون من ميانمار وبنغلاديش وإندونيسيا وباكستان، وآخرون من دول عربية وإسلامية، وينشط اللواء الجهادي حالياً، على جبهات القتال المحتدمة في أركين، ما ينذر بأزمة كامنة، قد تتفجر بعودة هؤلاء إلى بلدانهم، حيث إنّ الدول العربية، لم تضع إلى الآن إستراتيجية فاعلة، لاستقبال العائدين من سوريا والعراق، وقبلها أفغانستان وألبانيا والبوسنة.

ظهر على الساحة حزب التحرير، وهو حركة راديكالية، تسعى إلى إعادة تأسيس الخلافة الإسلامية

جدير بالذكر أنّ حركة شباب المجاهدين في الصومال، أعلنت مراراً عن دعمها للروهينجا، كما حثّت الحركة الإسلامية الأوزبكية، المنتسبة إلى تنظيم القاعدة، على الجهاد ضد البوذيين، وحرضت على استهداف مصالح بورما والصين في أنحاء العالم، وكذلك أعلنت جماعة الأحرار التابعة لطالبان باكستان، عن فتح مراكز التدريب الخاصّة بها للروهينجا، كما أعربت الجماعات الجهادية في بنغلاديش، التي ينتمي بعضها إلى القاعدة، والبعض الآخر إلى تنظيم دلاعش، عن دعمها للروهينجا، والانخراط في الجهاد ضدّ البوذيين، وأطلق أمير داعش في بنغلاديش، أبو إبراهيم الحنيف، الدعوة إلى الجهاد، معتبراً بلاده نقطة الانطلاق الرئيسيّة إلى ميانمار.

وكان أبو بكر البغدادي، قد دعا في وقت مبكر من العام 2014، إلى الجهاد في ميانمار، متوعداً بالانتقام من البوذيين، وتكررت هذه الدعوات من قبل الناطق باسم داعش، أبو محمد العدناني.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية