العلاقات بين الهند وإيران وتحولاتها... تقارب أم مواجهة؟

العلاقات بين الهند وإيران وتحولاتها... تقارب أم مواجهة؟


20/09/2021

تُعتبر الهند وإيران من أهم وأكبر الدول على مستوى إقليمَيْ جنوب وغرب آسيا، وبينما تُعتبر الهند، بحكم تعداد سكانها ومساحتها وحجم اقتصادها، من القوى الكبرى على مستوى العالم، فإنّ إيران تُعتبر قوة متوسطة ومن أهم القوى على مستوى غرب آسيا والشرق الأوسط، ما يجعل التعاون والتواصل بين الدولتين أمراً لا بدّ منه بغية تحقيق مصالحهما، وهو ما يتعزز بحكم الروابط الثقافية والحضارية - التاريخية، وكذلك مع القرب الجغرافي النسبي، في حين يبرز عدد من العوامل التي تكبح وتحدّ من فرص تطوّر وتعزيز العلاقات بين البلدين.

مصالح جيوسياسية... ممر استراتيجي ومساعٍ متعثّرة

رغم اتساع مساحتها الشاسعة، إلا أنّ موقع الهند، باعتبارها شبه جزيرة محاطة بالبحار والمحيطات من 3 جهات، يبقي علاقاتها مع الدول الواقعة إلى شمالها، وخاصّة الصين وباكستان، في إطار من الصراع والخلافات، وهو ما جعلها تواجه حالة من العزلة الدائمة على مستوى منطقة وإقليم جنوب آسيا، وعن المناطق والأقاليم الأخرى في آسيا وبالتحديد إلى الشمال منها، وخاصّة عزلها عن أفغانستان ومنطقة وسط آسيا.

أبرمت إيران والهند في شباط 2018 اتفاقاً لتأجير وتطوير جزء من ميناء تشابهار الإيراني

وتُعتبر منطقة وسط آسيا - ومعها أفغانستان - منطقة استراتيجية بالنسبة إلى المصالح الهندية، نظراً لما تحتويه من فرص اقتصادية، تجارية واستثمارية، أمام الشركات والصناعات ورؤوس الأموال الهندية، إضافة إلى احتوائها على كميات مهمة من الموارد المعدنية واحتياطات الطاقة التي يمكن استيرادها أو استثمارها.

ومع تزايد التوجه الصيني نحو دول آسيا الوسطى وأسواقها ومواردها، وتزايد الإدراك والقلق الهندي لخطورة خسارة المنطقة لصالح نفوذ غريمتها الصين، تزايد التوجه والمبادرة نحو الوصول إلى آسيا الوسطى، وكان الخيار الأقرب والوحيد لذلك هو من خلال تطوير موانئ وممرات عبر إيران.

تمثّل إيران  الخيار الأقرب أمام الهند من أجل التواصل التجاري مع دول آسيا الوسطى

وبذلك فإنّ التوجّه الهندي نحو تعزيز الشراكة مع إيران يأتي بالأساس كضرورة لمواجهة المنافسة الإقليمية في آسيا الوسطى وأفغانستان، وقد ازداد الحرص الهندي على تفعيل الممر الإيراني نحو آسيا الوسطى عقب اتجاه باكستان لتطوير ميناء جوادر بالتعاون مع الصين، والذي يتيح لغريمتها باكستان تطوير علاقاتها مع دول آسيا الوسطى كذلك، في حين أنّ الأموال والبضائع الهندية ما تزال محبوسة وغائبة إلى حد بعيد عن آسيا الوسطى.

ومن هذا المنطلق اتجهت الهند لتطوير جزء من ميناء تشابهار الإيراني (الواقع في أقصى جنوب الساحل الإيراني)، بهدف نقل البضائع القادمة من الموانئ الهندية إلى إيران، ومن ثم باتجاه أفغانستان ودول آسيا الوسطى. وبعد رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران عقب التوصّل للاتفاق النووي مع مجموعة (5+1)، أبرمت إيران والهند في شباط (فبراير) 2018  اتفاقاً لتأجير وتطوير جزء من ميناء تشابهار الإيراني بقيمة (85) مليون دولار.

اقرأ أيضاً: هل يمكن لتركيا والهند أن تتقابلا وجهاً لوجه في أفغانستان؟

وقد بدأت الهند بالفعل في استخدامه في العام 2017 لتصدير شحنات من القمح إلى أفغانستان، إلا أنّ تجديد فرض العقوبات الأمريكية على إيران أواخر العام 2018 أبطأ جهود تطوير الميناء وأوقفها. وبعد وصول الرئيس بايدن إلى الرئاسة في واشنطن وعودة التفاؤل لاستئناف مسار محادثات الاتفاق النووي، وصلت في آذار (مارس) 2021 معدّات من الهند إلى الميناء تضم رافعات ثقيلة بتكلفة (7.5) مليون دولار.

منصّات بحرية في حقل "فرزاد - ب" اكتشفته في العام 2008 شركات الطاقة الهندية

وشَمِلت المخططات الهندية توجهاً لتطوير وبناء طرق جديدة وسكك حديدية في إيران تتجه شمالاً باتجاه أفغانستان وتركمانستان. ووفق مذكرة تفاهم وُقعت عام 2016 بين شركة "IRCON" الهندية للسكك الحديدية، و"CDTIC" الإيرانية لتطوير المواصلات، تقوم الشركة الهندية بتقديم الخدمات المطلوبة لبناء خط سكة حديد تشابهار - زاهدان (أقصى شرق إيران، قرب الحدود مع أفغانستان)، بحيث يشكّل هذا الخط جزءاً من ممر النقل والمواصلات تم النصّ عليه ضمن اتفاقية ثلاثية من العام 2016 بين الهند وإيران وأفغانستان، ويمتدّ الخط إلى مدينة "زارانج" الأفغانية، إلّا أنه وبسبب العقوبات الأمريكية التي تجدد فرضها على إيران في العام 2018 فإنّ هذا الاستثمار بقي متعثراً، وفي تموز (يوليو) من عام 2020 مضت إيران قدماً في تشييد الخط من جهتها على نحو مستقل عن الاستثمار الهندي.

الشراكة في قطاع الطاقة

تُعتبر الهند ثالث أكبر مستورد للطاقة في العالم، وتشكّل إيران أحد مصادر الطاقة الأساسية للهند، وبعد رفع العقوبات عن إيران في العام 2015 استعادت إيران تدريجياً موقعها كثالث مُصدّر للنفط إلى الهند، ولتصبح الهند في العام 2018 أكبر مشترٍ للنفط الإيراني بعد الصين. إلا أنه، مع دخول العقوبات الأمريكية على النفط الإيراني حيّز التنفيذ في تشرين الثاني (نوفمبر) 2018، قلّصت الهند مشترياتها من النفط الإيراني إلى النصف تقريباً، وتراجعت إيران تدريجياً من المرتبة الـ3 للدول المصدرة للنفط للهند إلى المرتبة الـ12، وقد واجهت الهند وإيران صعوبات في دفع أثمان النفط بسبب العقوبات على البنوك الإيرانية والمتعاملين معها.

اقرأ أيضاً: الهند تستغيث بمصر لمواجهة كورونا... ما القصة؟

وحاولت الدولتان تعزيز تعاونهما على صعيد الطاقة لتمتد إلى مجال الاستثمار في استكشاف حقول النفط والغاز، وفي عام 2008 اكتشفت شركات هندية بقيادة شركة الطاقة الهندية "أو.إن.جي.سي فيديش" حقل "فرزاد - ب" للغاز. وفي عام 2018 فازت الشركة الهندية بعقد تطوير الحقل الذي وصلت قيمته إلى (1.8) مليار دولار أمريكي، وذلك قبل تجديد فرض العقوبات الأمريكية على إيران، لكنه بعد انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في أيار (مايو) 2018 من الاتفاق النووي الإيراني، وفي أيار (مايو) 2021 أعلنت وزارة الطاقة الإيرانية تعثر الاستثمار الهندي ووقّعت الوزارة إثر ذلك عقداً مع مجموعة "بتروبارس" الإيرانية لتطوير الحقل.

تضم الهند ثاني أكبر تجمع للشيعة في العالم بعد إيران، بتعداد يبلغ قرابة 40 مليون نسمة

وعلى مستوى آخر، برزت الطموحات المشتركة لإنشاء خط أنابيب غاز يمتد من إيران باتجاه الهند، فكان هناك مشروع لمد خط أنابيب تحت البحر ينقل الغاز الإيراني من ميناء تشابهار الإيراني إلى ميناء بوربندر الهندي، إلا أنه بقي في طي المخططات، وخاصّة بعد تجديد العقوبات الأمريكية على إيران، وقد سبقه مشروع مد أنبوب غاز من حقل "بارس" الإيراني إلى الهند عبر باكستان، المعروف بـ "مشروع السلام"، وكان من المقرر الانتهاء منه في العام 2010، لكنّ الضغوط الأمريكية على باكستان، إضافة إلى التوترات بين الهند وباكستان، أدت إلى بقائه معطّلاً.

تبدلات في خريطة التحالفات... ومحاور متناقضة

تتسارع التحولات الاستراتيجية على مستوى قارة آسيا، وخاصة فيما يتعلق بتسارع تمدد النفوذ الصيني، وكانت آخر حلقات هذا التمدد المبادرة والتوجه الصيني نحو تعزيز العلاقات مع باكستان والاستثمار بالبنى التحتية فيها، ومن ثم جاء عقد الاتفاق الاستراتيجي في العام 2021 مع إيران عبر إبرام صفقة شراكة اقتصادية لمدة 25 عاماً، تتضمن مشاريع واستثمارات بقيمة تبلغ 400 مليار دولار.

من لقاء الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني ورئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي في شباط 2018

ومقابل هذا التطوّر في العلاقات الإيرانية - الصينية، والباكستانية - الصينية، وبحكم أنّ الصين غريم ومنافس تقليدي للهند على المستوى الدولي ومستوى قارة آسيا، فإنّ الهند تعمل على تنمية علاقاتها مع دول الخليج العربي، وخاصة مع المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ما انعكس مباشرةً عبر تزايد مستوى التبادل التجاري وتعداد العمالة والاستثمارات المتبادلة مع كلتا الدولتين، وذلك بالتزامن مع تنامي الشراكة الاستراتيجية بين الهند والولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن استمرار تطور علاقات الشراكة والتعاون مع إسرائيل، إذ إنه ومنذ العام 2014 ازداد الترابط الهندي الإسرائيلي بصعود حزب "بهارتيا جاناتا" اليميني، وتعززت هذه العلاقات من خلال اتفاقيات اقتصادية وعسكرية وزيارات متبادلة بين رئيسي وزراء الهند وإسرائيل، نارنيدا مودي، وبنيامين نتنياهو.

وبما أنّ صعود الصين يشكّل تهديداً على توازن القوى الدولية، ومع تزايد شعور الولايات المتحدة بالقلق إزاء تمدد الصين الاقتصادي في قارّة آسيا، فإنّ الاستراتيجية الأمريكية تتجه نحو تطوير علاقات شراكة ممتدة من غرب آسيا وجنوب غرب آسيا (الشرق الأوسط، وخاصّة إسرائيل ودول الخليج العربي) وصولاً إلى جنوب آسيا (الهند تحديداً)، بحيث تكون مرتبطة مع علاقات الشراكة والتحالف في شرق آسيا (تايوان واليابان وكوريا الجنوبية خاصّة)، وبذلك فإنّ هذه الخرائط الجديدة المتشكّلة من التحولات على مستوى التحالفات باتت تضع كُلّاً من الهند وإيران في محورين متباينين، وهو ما يترك أثره بالتالي على توتير وإضعاف مستوى العلاقة بين البلدين.

مشتركات ثقافية وحضارية

ما يُعزّز فرص تطوير العلاقات بين الهند وإيران ويزيد من أسباب المحافظة عليها عند مستويات إيجابية هو العوامل الثقافية والدينية المشتركة، وخاصّة أنّ نسبة مهمّة من مسلمي الهند هم من الشيعة، ما يجعل الهند تضم ثاني أكبر تجمع للشيعة في العالم بعد إيران، بتعداد يبلغ قرابة 40 مليون نسمة، وتُعتبر "لكهنؤ" المركز العلمي والروحي للشيعة في الهند، وهم يذهبون سنوياً بأعداد كبيرة في زيارات للأماكن المقدسة في إيران والعراق، إضافة إلى ذهاب الآلاف من الطلاب إلى الدراسة في إيران، إذ أصبحت مدن "قُمْ" و"مشهد" الإيرانية، في أعقاب الثورة الإسلامية، مركزاً مهماً للدراسة الشيعية.

تشوتا إمامبارا... حسينية شيعية في مدينة لكهنؤ الهندية

بالإضافة إلى ذلك، يبرز دور العامل التاريخي - الحضاري في تعزيز العلاقات والصلات بين البلدين، إذ إنّ اللغة الفارسية كانت هي اللغة الرسمية للهند خلال عصر سلطنة مغول الهند (1526-1857)، وطوال عصور تأثرت المعارف والعلوم الهندية بالحضارة والمعارف الفارسية ونقلت عنها وظلت على تواصل وتفاعل معها، وهو ما استمر حتى قدوم الحكم البريطاني للهند ونهاية دولة المغول؛ إذ تعرّض التراث الإيراني في الهند خلال مرحلة الحكم البريطاني للتراجع، وخاصة مع إحلال اللغة الإنجليزية بدلاً من الفارسية لغةً رسمية للبلاد، وخلال الحقبة المعاصرة تجددت المساعي والجهود لإحياء واستئناف التواصل الحضاري والتبادل الثقافي بين البلدين.

وبذلك، فإنه ورغم ما يجمع بين البلدين من فرص وعوامل محفزة للتقارب وتطوير علاقة شراكة استراتيجية، إلا أنّ حسابات العلاقات الدولية والصراع الدولي ظلّت السبب الأهم في تعطيل تطوّر العلاقات بين الهند وإيران.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية