العراق: هل تتمكّن قوى "تشرين" من هزيمة العلمانيين وتحجيم الإسلاميين؟

العراق: هل تتمكّن قوى "تشرين" من هزيمة العلمانيين وتحجيم الإسلاميين؟


17/03/2021

 فيما يعدّ دعاة العلمنة الكلاسيكية ذواتهم السياسية بدائل من الممكن أن تحلّ محلّ سلطة الإسلاميين عبر صناديق الاقتراع المقبلة، فاجأتهم "انتفاضة تشرين"، التي أيّدوها، بظهور أحزاب جديدة من المرجّح أن تزاحمهم في الانتخابات القادمة على مساحة الأغلبية الصامتة من الجمهور العراقي المتذمر من قوى السلطة الحاكمة في البلاد. 
ويرجّح مراقبون سياسيون، إمكانية تغيير ملامح الخريطة المدنية في الموسم الانتخابي المقبل، بصعود جيل "تشرين" السياسي، وضمور قوى العلمنة الكلاسيكية، التي فشلت في أكثر من انتخابات تشريعية وبلدية في تقليص نفوذ الإسلاميّين في السلطة على مدار 17 عاماً. 

الجمهور العراقي يتهم مجمل الأحزاب القائمة منذ التغيير في 2003 بالتقصير، وهذا الاتهام لا ينال من الإسلاميّين فقط؛ بل من العلمانيّين أيضاً
 

وسجلَ لدى المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، نحو 60 حزباً وتجمّعاً، تحت عناوين "تشرين" لخوض الاستحقاق التشريعي المقبل، في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) من العام الجاري. وكانت الحكومة المؤقتة، برئاسة مصطفى الكاظمي، قد حدّدت في وقت سابق، السادس من حزيران (يونيو) المقبل، موعداً للانتخابات المبكرة، لكنّها عدلت عنهُ فيما بعد "لأسباب فنية"، بحسب قول المفوضية.

اصطفاف طائفي يقلص كتلة إياد علاوي في البرلمان من 21 نائباً إلى نائبين ليبراليين فقط

وتأتي الانتخابات التشريعية المبكرة، على خلفية "انتفاضة تشرين"، في بداية الشهر ذاته من عام 2019، المطالبة بتغيير الطبقة السياسية وإصلاح الأوضاع الاقتصادية، الأمر الذي أدّى إلى إسقاط حكومة عادل عبد المهدي بعد موجة عنف عارمة راح ضحيتها 37 ألف شخص بين قتيل وجريح.       

خريطة العلمنة الكلاسيكية 
لم تكن العملية السياسية، التي انطلقت بعد عام 2003 في العراق، خالية للقوى الإسلامية دون القوى العلمانية، بل شاركت الأخيرة بكلّ قواها داخل العملية، وفي مختلف السلطات، وفقاً لنسبة حضورها السياسي والانتخابي ومن ثم النيابي.  الانتصارات الإسلامية في مختلف الدورات النيابية جاءت بعد سيطرة حضور مدني لافت في سلطة مجلس الحكم الانتقالي (2003-2004)، والحكومة المؤقتة برئاسة إياد علاوي (2004-2005)، والجميع يعلم أنّ ذلك الحضور لم يكن وفقاً لنتائج الانتخابات التي أتت لاحقاً، بل بحسب التعيين الأمريكي والتحاصص السياسي بين القوى التي شاركت الأمريكيين بعملية إسقاط نظام صدام حسين والمشاركة في مؤتمرات المعارضة العراقية قبلها.  

أستاذ العلوم السياسية د. محمد الموسوي لـ"حفريات": زعيم التيار الصدري يرى في تحالفه مع الشيوعيين والمدنيين نوعاً من التمدّد الوطني والخروج من بوتقة الطائفية

ومن أبرز القوى والشخصيات العلمانية العراقية التي شرعت بالحضور السياسي، سواء منذ بداية العملية السياسية أو إلى حدٍ وقتٍ متأخر منها، هي: حركة الوفاق الوطني العراقي (بزعامة إياد علاوي)، والحزب الشيوعي العراقي، وحزب الأمة العراقي (بزعامة النائب السابق مثال الألوسي)، والتحالف المدني الديمقراطي (وهو تحالف يضمّ شخصيات ليبرالية ونخب أكاديمية)، وحزب الشعب للإصلاح (بزعامة النائب فائق الشيخ علي)، والحركة المدنية العراقية بزعامة النائبة السابقة شروق العبايجي)، ومجمل تلك القوى لم تصل لـ 30 مقعداً من أصل 325 نائباً في الدورتين التشريعيَّتين، الحالية والسابقة.

ضريبة التحالف الشكليّ مع الإسلاميّين 
يواجه اليسار العراقيّ، المتمثل في الحزب الشيوعيّ، أزمة في إثبات وجوده على صعيد الانتخابات المقبلة، ومكمن هذه الأزمة يعود إلى تحالفه الانتخابي السابق مع التيار الصدري (أكثر تيارات الإسلام السياسي مناكفة للقيم المدنية)، والسير معاً تحت يافطة "سائرون للإصلاح"، وكان الحزب الشيوعي قد راهن على هذا التحالف باعتباره تحالف "البروليتاريا" من الجهة الطبقية التي تربطه مع القاعدة الصدرية، بحسب ما قاله أستاذ العلوم السياسية في جامعة النهرين، الدكتور محمد الموسوي. 

نائبا الحزب الشيوعي رائد فهمي وهيفاء الأمين اللذان أعلنا استقالتيهما من البرلمان العراقي على خلفية الاحتجاجات في البلاد

وأبلغ الموسوي "حفريات"؛ بأنّ "زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، كان يرى في تحالفه مع الشيوعيين والمدنيين نوعاً من التمدّد الوطني والخروج من بوتقة الطائفية، ومحاولة منهُ لمسح الذاكرة الميليشاوية عنهُ وعن تيارهِ أيام الحرب الطائفية في (2006-2007)، وقد نجح الصدر في ذلك، بعد تسويق الشيوعيّين له بأنّه زعيم تغييري إصلاحي مختلف عن الماضي القريب". 

اقرأ أيضاً: العراق: الكاظمي يستعرض إنجازات حكومته وسط غضب شعبي

وتابع: "الصدريّون تعاملوا مع الشيوعيّين في الكتلة النيابية بحسب حجمهم في الكتلة، وهو مقعدان من مجموع 52 مقعداً صدرياً، مما جعل وضع الحزب الشيوعي في خانة التبعية لقرارات التحالف الذي يقاد بقرار أحادي صادر من مقتدى الصدر حصراً، وهو مما لا يرتضيهِ الحزب الشيوعي في كواليسه". 
اليسار ومقتلة سائرون  
ومع اندلاع "انتفاضة تشرين" المندّدة بحكومة عادل عبد المهدي، التي يقودها ائتلاف سياسي بين تحالفيْ سائرون بزعامة مقتدى الصدر، والفتح بزعامة هادي العامري (تحالف ولائي لإيران)، أعلن الحزب الشيوعي استقالة نائبيهِ من البرلمان وباقي أعضائه من مختلف المجالس المحلية في المحافظات. 
وعن تلك الخطوة، يعلّق الباحث في علم الاجتماع السياسي لطيف حامد؛ بأنّ "قرار الحزب الشيوعي جاء كمحاولة لإنقاذ نفسه أمام الشارع المحلي الذي راح يتهم الأحزاب الحاكمة بالفساد ونهب ثروات البلاد والإيغال بدماء الشباب المشارك في الاحتجاجات"، ويستدرك حامد متسائلاً: "لكن هل حاول الحزب العودة إلى صفوف الجماهير الناقمة، كما كان فعلَ في احتجاجات 2011 و2015 و2018؟". 

اقرأ أيضاً: قصف قاعدة أمريكية في العراق... من وراءه؟ وكيف سترد واشنطن؟

ويؤكد الباحث لـ "حفريات"؛ أنّ "تشرين العام الماضي أثبتت عكس ذلك، جراء تسلل الشيوعيين إلى التظاهرات تحت عناوين مدنية مضمرة، لا تحت عناوينهم الحزبية؛ لأنّ تجربة (سائرون) أردت اليسار العراقي قتيلاً أمام الجمهور الناقم على السلطة، على الرغم من الجهود الإعلامية للشيوعيين في تبرير تجربتهم مع الصدريين"، لافتاً إلى أنّ "سير الحدث الاحتجاجي العنيف لم يسمح لتلك الجهود بالنجاح". 

تشتّت نيابيّ وغياب الرؤية 

لم تأتلف الكتل العلمانية في البرلمان العراقي في كتلة نيابية واحدة؛ مما عرضهم للتشتت وعدم الانسجام في الأداء النيابي والسياسي بشكلٍ عام، كما أنّ بعض الكتل انهارت بسبب انضمام أعضائها لكتل مذهبية مقابل المال السياسي، ومن هذه الكتل: "ائتلاف الوطنية" بزعامة إياد علاوي، وهي كتلة خرجت من الانتخابات الأخيرة بـ 21 نائباً موزعين على محافظات شيعية وسنية، لكنّ أغلب النوّاب السُنّة المنضوين في كتلة علاوي، غادروها بسبب اصطفاف طائفيّ سياسيّ خاضهُ قادة الكتل السنّية من أجل تدعيم موقفهم النيابيّ، والحصول على مكاسب من الحكومة الجديدة بمعية الحلفاء الشيعة من الإسلاميّين؛ ما جعل كتلة "ائتلاف الوطنية" تتكوّن من نائبَين فقط. 

هل تقلب قوى انتفاضة تشرين المعادلة الانتخابية على العلمانيين والإسلاميين المشاركين في العملية السياسية منذ 17 عام؟
أما كتلة "حزب الشعب للإصلاح" فنائبها الوحيد فائق الشيخ علي، يعمل منفرداً وضمن خطاب يتصف "بالشعبوية" في مناهضتهِ للإسلام السياسيّ الحاكم، وهو ما جعله يختلف كثيراً عن خطاب الليبراليين أمثال النائب السابق وائل عبد اللطيف، والنائبة السابقة شروق العبايجي، زعيمة الحركة المدنية العراقية، مع غياب واضح للنائب عن التحالف المدني الديمقراطي، علي زيني، الذي غادرَ إلى مقرّ إقامتهِ في لندن. معلناً في بيان رسميّ عدم القدرة على التغيير  في البرلمان ذي الأغلبية الإسلامية الطائفية. 

شبيبة تشرين ينتفضون سياسياً 
وَلَدَتْ "انتفاضة تشرين" عدة أحزاباً سياسية جديدة يقودها شباب الانتفاضة في مدن جنوب العراق ووسطه، وأغلب تلك الأحزاب ترفع لواء الدولة المدنية، مما يجعلها تدخل في ندّية سياسية مع طرفي العلمنة الكلاسيكية والإسلام السياسي معاً.  
ويقول الناشط التشريني عن محافظة الديوانية، أحمد الشويلي، لـ "حفريات"؛ إنّ "الجمهور المحلي اليوم يتهم مجمل الأحزاب العراقية القائمة منذ التغيير في 2003 بالتقصير، وهذا الاتهام لا ينال من الإسلاميّين فقط؛ بل من العلمانيّين أيضاً"، مبيناً أنّ "الخطاب السلبي الجماهيري ضدّ مختلف الأحزاب وتحميلها سببية الأوضاع في البلاد، يضع العلمانيين والإسلاميين على حدّ سواء من المسؤولية، فضلاً عن ارتياح إسلامي بسيط لعدم تحميلهِ المسؤولية وحده".

اقرأ أيضاً: المعنى الحقيقي لزيارة البابا فرنسيس للعراق

وبيّن أنّ "العمومية في الاتهامات لن تمكّن العلمانيين من الدفاع عن أنفسهم في مقابل الإسلاميّين، لما يمتلكه الإسلام السياسي من وسائل إعلام وجمهور مؤدلج تمكّنهُ، على أقل التقادير، من المحافظة على جمهوره فقط"، مشيراً إلى أنّ  "القوى العلمانية تعوّل دائماً على الأغلبية الصامتة والمزدرية للأداء الحكومي طيلة سنوات التغيير، وتلك الأغلبية اليوم أصبحت ترفض مجمل الحضور السياسيّ لكلّ القوى المشاركة في العملية السياسية الجارية في العراق"، مؤكداً "دخول التنظيمات التشرينية الجديدة بقوة على خطّ الإصلاح السياسي القادم". 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية