باهرة الشيخلي
طلع القيادي في حزب الدعوة الإسلامي في العراق علي الأديب في لقاء تلفزيوني وهو ينتقد الدستور الذي كان حزبه مشاركا رئيسيا في تمريره وأكثر الأطراف حماسة له، والذي وضع بنوده نوح فيلدمان تحت إشراف الحاكم المدني الأمريكي بول بريمر. اتهم الأديب هذا الدستور بأنه قسّم الشعب العراقي إلی مكونات وإلی محافظات وجعل هذه المحافظات تتناحر في ما بينها من خلال مجالس المحافظات، مدخلا أعداء المشروع السياسي في المشروع السياسي نفسه باسم الديمقراطية المزيفة، التي رأيناها في الصناديق المزيفة، حسب وصفه.
وعندما سأله مقدم اللقاء: إلی أين نحن ذاهبون؟ تدفق الأديب بالإجابة بنحو سريع “إلی المجهول، إلى الأتعس فنحن تبع إلى هذه الجهة وإلى تلك وعراق من دون وطنية لا يستقر، والدستور فيه خلل من يوم أقام العراق على مكونات ثلاثة وأعطی حق الفيتو لثلاث محافظات أن تستقل علی حساب المواطنة والوطن والآن كل المكونات تدعي التهميش”.
غالب الظن أن الأديب كرّس هذا اللقاء لإطلاق رسائل عديدة، فالمعروف عنه أنه حاد الطبع ويعتمد منهجا أحاديا مغلقا ولا يطيق رأيا آخر غير رأي حزب الدعوة، وهو هنا يحاول أن يلعب دور الثعلب الماكر، إذ أن من يسمعه يحسبه صوتا ليبراليا يدعو إلى التغيير والإصلاح، وأنه اكتشف بعد 16 عاما أن هناك خللا في الدستور الذي سيمضي بالعراق إلى مستقبل مجهول.
إنها ورقة لتخفيف الضغط الداخلي، ورسالة إلى الولايات المتحدة بأن حزب الدعوة استجاب إلى الإصلاح وأنه مستعد للتخلي عن المحاصصة وهو من كرسها خلال أربع حكومات تزعمها. والظن أن إيران هي التي أملت على حزب الدعوة هذا الخطاب كوسيلة تكتيكية لاجتياز المرحلة حتى يتمكن من القفز إلى المرحلة الآتية.
لكن حزب الدعوة فضح نفسه عندما انتدب الأديب لبث رسائله السياسية. فالعراقيون يعرفون أنه أوضح نموذج للولاء الإيراني، وغلوه الطائفي لا يحتاج إلى دليل، وفشله الذريع في وزارة التعليم العالي والبحث العلمي أصبح حديث القاصي والداني ومادة لتندر العراقيين، إذ كان الأديب، كما يتناقل الناس، نموذجا في التخريب والتدمير، وقد شاع الفساد في عهده في الوزارة ووصل إلى الركب، فهو من حوّل التعليم العالي إلى “خردة”، وتحت قيادته بيعت الشهادات العليا، وقد قاد بنفسه حملات تطهير طائفية في الوزارة فأبعد خيرة الكفاءات العلمية وأحل محلهم أناسا لا يشفع لهم في احتلال مناصبهم سوى الانتماء إلى طائفته.
إن شخصا يعرف العراقيون عنه هذه المعلومات كلها ليس مناسبا أن يتولى نقل رسائل سياسية لأنه غير موثوق به ممن يوجه الحزب رسائله إليهم.
وحزب الدعوة نفسه أثبت للعراقيين من خلال الوقائع المتواترة أنه أعد خططا لإفراغ العراق من كفاءاته في إطار مخططه التخلص من منافسين مفترضين، مثلما حاول تصفية المستقلين وحارب كل صوت وطني، واغتال من يختلف معه طائفيا، من أي طائفة كان ومن أي دين، وضمنهم الليبراليون، وسعى إلى التخريب المنظم لمؤسسات الدولة من التعليم إلى الصحة، ومن الخدمات إلى التجارة والزراعة والنفط، مقابل الإثراء الشخصي الذي بلغ ذروة فساده في عرض العراق للبيع (النفط مثالا)، وبلغ الاستهتار الحزبي إلى سن قوانين الأحوال الشخصية وما يسمى مجاهدو رفحاء وغيرهما، وهو ما دفع قياديين في الحزب بعد الانتخابات الأخيرة، التي أفقدت حزب الدعوة منصب رئاسة الحكومة، إلى المُطالبة بفتح تحقيق موسع حول تراجع شعبية “الدعوة” والثراء الفاحش لعدد من المسؤولين والقيادات في الحزب وأقرباء لهم، أبرزهم رئيس الحكومة الأسبق نوري المالكي، وهو ما جعل مراقبين يعربون عن اعتقادهم أن إجراء مراجعة أو محاسبة سيزيد من ضعف الحزب داخليا وسيفجر خلافات حادة.
هذا الحزب كأنه يعيش في جزيرة منعزلة عن الواقع العراقي لأنه يدرك أن عموم العراقيين كشفوا أكاذيبه وحولوها إلى أهازيج يرددونها في تظاهراتهم، فهو مع مزاعمه بتحقيق الإنجازات الكبرى للعراق، يعرف أن لا وجود لهذه الإنجازات إلا على الورق، ومبالغها المليارية تحولت إلى جيوب قادته وأرصدتهم المصرفية، وإلا فليعلن إنجازا واحدا حققه غير حشره الملايين من المواطنين في معسكرات النزوح وتشريده ملايين أخرى داخل العراق وخارجه، فضلا عن أنه أول حزب يستخدم المفخخات والتفجيرات ضد المواطنين فهو يوصف بأنه حزب إرهابي طبقا لنظامه الداخلي الذي أقر الأسلوب العسكري في العمل الحزبي.
ومن هنا فإن الحزب، الذي بث رسائله على لسان علي الأديب لن يجني من رسائله شيئا.
عن صحيفة "العرب" اللندنية