الصومال: هكذا تخطّط قطر لانتخاب فرماجو لفترة رئاسيّة جديدة

الصومال: هكذا تخطّط قطر لانتخاب فرماجو لفترة رئاسيّة جديدة


16/11/2020

تشهد السّاحة السياسيّة الصوماليّة خلافات حادّة؛ بين فريق الرّئيس فرماجو والمعارضة، ويدعم كلّ منهما عدداً من رؤساء الولايات الخمس.

واحتلّ الخلاف حول طريقة الانتخاب حيّزاً كبيراً، خلال الفترة الماضية، بين رأيين؛ الاقتراع المباشر، كما طالب الفريق الأوّل، أو الانتخاب وفق النّظام العشائريّ 4.5، وفق الفريق الثاني.

ويحمل هذا الخلاف في جوهره الصّراع على من سيحكم الصّومال، والعلاقة بين الحكومة الفيدراليّة والولايات المستقلّة نسبياً، بموجب النظام الفيدراليّ العشائريّ في البلاد.

وبينما بدا أنّ الفريق الثاني حقّق انتصاره بإجبار فرماجو على التراجع عن مطلبه، بعد أن أقرّه في مجلس النوّاب، وقبل بالانتخاب وفق النظام العشائري 4.5، إلا أنّ فرماجو التفّ على النظام الديمقراطيّ، عبر التدخّل في انتخابات برلمانات الولايات، لضمان وصول حكّام ومرشّحين موالين له إلى مجلس النوّاب.

اقرأ أيضاً: هل باتت قطر سبباً رئيسياً في أزمات الصومال؟.. دراسة جديدة تجيب

وذلك بتشكيل اللجان الانتخابيّة، الإقليميّة والفيدراليّة، المشرفة على اختيار نوّاب البرلمان، الذي يختار رئيس البلاد، من عناصر المخابرات والموظفين والموالين له.

ولم يكن بإمكان فرماجو إدارة هذا المشهد لصالحه، لولا الدّعم القطريّ الكبير، عبر رجل قطر، رئيس المخابرات الصوماليّة، فهد ياسين، والذي كان من قبل مراسلاً لقناة الجزيرة.

الانتخابات الإقليمية في هيرشبيلي

اختتمت ولاية هيرشبيلي انتخاباتها الإقليميّة في الحادي عشر من الشهر الجاري، باختيار عبد الله حسين "غودلاوي"، رئيساً للولاية، من قبل البرلمان، بعد حصوله على 86 صوتاً، مقابل 13 لمنافسه عبد الرحمن جمعالي عثمان.

اقرأ أيضاً: خلية إرهابية بقبضة الأمن الصومالي.. اعترافات خطيرة

وانتُخب يوسف أحمد هغر "دبغيد"، محافظ إقليم هيران السابق، نائباً لرئيس ولاية هيرشبيلي، بعد حصوله على 87 صوتاً، من أعضاء البرلمان، مقابل 12 لمنافسه محمد محمود عبدلي.

وقبيل ذلك؛ انتخب برلمان الولاية عبد الحكيم لقمان حاج محمد، لرئاسة البرلمان، بعد حصوله على 77 صوتاً، مقابل 21 لمنافسه محمد محمود إبراهيم "غودر"، مع بطلان صوت واحد.

ويتكوّن برلمان الولاية من 99 مقعداً، يتمّ اختيارهم عبر لجان انتخابية إقليمية، يعيّنها رئيس الولاية، لتختار أعضاء البرلمان من المرشحين من العشائر، وفق النظام الانتخابي 4.5.

ويمنح النظام السابق القبائل الأربع الكبرى في البلاد حصّة واحدة لكلّ منها، ويبقى النصف لبقية العشائر الصغيرة، والتي تقدَّر بالعشرات.

وشهدت الولاية خلافات حادّة بين الرئيس السابق، رئيس الولاية محمد عبدي واري، وفريقه، مع فريق آخر، بقيادة الرئيس المنتخب، عبد الله حسين غودلاوي، والذي شغل منصب نائب رئيس هيرشبيلي السابق، وهو ما يعدّ صراعاً مصغّراً لما يجري في البلاد؛ حيث إنّ الفريق الأول يعارض فرماجو، بينما الثاني يؤيده.

 

حضر المال القطري في المشهد السياسي الصومالي منذ ما قبل انتخابات 2016، التي حصدتها قطر لصالح مرشّحها، الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو

ورأى فريق واري؛ أنّ نظام الانتخاب العشائري يحدّد لكلّ منصب كبير شخصاً من عشيرة محددة، على أن يتمّ التداول في الدورات اللاحقة، بينما  عارض فريق غودلاوي ذلك، وأكد أنّ المناصب القيادية متروكة لجميع العشائر للتنافس عليها.

ومن النظرة الظاهرية؛ يبدو الرأي الثاني أقرب للديمقراطية، لكنّ الوضع الصومالي لديه معادلة مختلفة، تقوم على حكم ديمقراطي عشائري، تتقاسم بموجبه المناصب وفق الصيغة العشائرية، منعاً لتكرار تجارب الحروب الأهلية، وهي الصيغة التي أثبتت نجاحها منذ عام 2012، عقب إقرار الدستور.

اقرأ أيضاً: هل يستعيد الحوار السياسي رشده في الصومال؟

ويقدّم هذا الصراع مثالاً للصراع الأكبر على مستوى الدولة؛ بين الرئيس الحالي، فرماجو، والمعارضة التي تضمّ رموزاً كبيرة، بينها رؤساء ورؤساء وزراء سابقون.

وكان فرماجو قد طالب بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وفق نظام الاقتراع الحرّ، لكنّه تراجع عن مطلبه تحت الرفض الشديد لمعظم السياسيين والأحزاب والعشائر، وولايتي جوبالاند وبونت لاند.

ولم يكن الصومال مهيّئاً لعقد انتخابات بنظام الاقتراع العام المباشر، في ظلّ ضعف الأمن، وسيطرة حركة الشباب المجاهدين على مساحات شاسعة من جنوب وغرب البلاد، وتهديدها للأمن داخل العاصمة، مقديشو. فضلاً عن عدم توافر الكوادر المؤهّلة لإجراء الانتخابات، وغياب الموارد المالية والتقنية المطلوبة.

اقرأ أيضاً: الصراع الصومالي الكيني.. كيف يخدم حركة الشباب الإرهابية؟

ويعود سبب تمسّك فرماجو بالنظام السابق إلى رغبته الشديدة في تجاوز المعارضة، وضمان الفوز بفترة رئاسية ثانية، وإحكام قبضته على البرلمان والولايات. ويضمن تطبيق هذا النظام، في ظلّ الظروف الراهنة، النجاح في حصد الأصوات في المناطق الآمنة التي تخضع لسيطرة حكومة فرماجو، علاوةً على عدم تمكّن معظم العشائر المعارضة من التصويت، إلى جانب سهولة توجيه الناخبين.

 

الباحث الصومالي محمد يوسف محمود لـ "حفريات": قطر تقدّم دعماً ماليّاً غير محدود، عن طريق فهد ياسين، مدير المخابرات لشراء ولاء شيوخ القبائل

وعقب إخفاق فرماجو، ومن ورائه قطر، عبر رجلها فهد ياسين، في إقناع المعارضة والولايات بالاقتراع المباشر، تحوّلت خطتهم إلى التحكم في انتخابات الولايات، وتشكيل اللجان الانتخابية، التي تختار النواب في البرلمان، لضمان وصول الموالين لهم، بالتالي؛ ضمان تصويتهم للرئيس.

وكانت ولاية هيرشبيلي قد شهدت مظاهرات، في 21 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، احتجاجاً على إجراء الانتخابات، وتدخل الحكومة المركزية، وعدم حلّ الخلافات القبلية قبيل الذهاب إلى تشكيل البرلمان الثاني للولاية.

ورغم تشكيل البرلمان، واختيار رئيس الولاية ونائبه، إلا أنّ الانقسام ما يزال يهدّد الولاية، نتيجة لعدم حلّ الخلافات العميقة بين المكوّنات العشائرية.

المال القطريّ

ويحضر المال القطريّ في المشهد السياسيّ الصوماليّ، منذ ما قبل انتخابات عام 2016، والتي حصدتها قطر لصالح مرشّحها، الرئيس الحالي محمد عبد الله فرماجو.

وعيّن فرماجو مراسل قناة الجزيرة السابق، فهد ياسين، رئيساً للمخابرات العامة، استجابة للمطالب القطرية، ليصبح ياسين رجل قطر، والحاكم الفعلي للصومال.

وفي عهد فرماجو تمت الموافقة على إقامة القاعدة العسكرية في البلاد، عام 2017، وأحكمت قطر وتركيا القبضة على المؤسسات الأمنية في البلاد.

ودخل المال القطري في الصراع حول نظام الانتخاب، وحين أخفقت قطر في تمرير ذلك، نتيجة للمعارضة القوية من ولايتَي بونتلاند وجوبالاند؛ لجأت إلى الخطة البديلة، وهي التحكّم في انتخاب أعضاء البرلمان الفيدرالي، لضمان انتخاب فرماجو.

اقرأ أيضاً: هل تتخلى قطر عن "فرماجو" حفاظاً على وجودها في الصومال؟

وحول ذلك، يقول الباحث الصومالي في الشؤون السياسية، محمد يوسف محمود: "تسيطر الحكومة الاتحادية على رؤساء ولايات جنوب غرب الصومال، وغلمدغ، وأخيراً سيطرت على هرشبيلي، لكنّها عاجزة عن السيطرة على ولايتَي بونتلاند وجوبالاند، بسبب قوة الحكومات الإقليمية فيهما، ورفضها لسياسات فرماجو الداخلية والخارجية".

أعرب منتدى الأحزاب الوطنية المعارض عن استيائه وتنديده بضمّ عناصر من وكالة المخابرات والأمن القومي وموظفي الدولة المدنيين إلى اللجان الانتخابية ولجنة حلّ الشكاوى الانتخابية.

ويردف محمود، لـ "حفريات": "ومن خلال ذلك؛ عيّن رئيس المخابرات، فهد ياسين، موظفين حكوميين وعناصر مخابرات وموالين له في اللجان الانتخابية الإقليمية لهذه الولايات الثلاث، إضافة إلى مخالفة الرئيس فرماجو للدستور وتعيينه أعضاء اللجنة الانتخابية الممثلة لأرض الصومال، بدلاً من ترك اختيارها لرئيس مجلس الشيوخ، وفق الاتفاق السياسي الأخير".

وأثار تعيين الرئيس لممثلي أرض الصومال (صوماليلاند)، التي أعلنت الاستقلال من طرف واحد، صراعاً كبيراً بين رئيس مجلس الشيوخ الفيدرالي، المنتمي لأرض الصومال، عبدي حاشي عبد الله، الذي طالب بالسماح للمنحدرين من أرض الصومال، باختيار ممثليهم في مجلس النواب.

وتنبع أهمية السيطرة على نواب صوماليلاند في أنّهم كفّة راجحة في التصويت البرلماني على انتخابات الرئيس.

وعن ذلك، يقول الباحث محمد يوسف محمود: "هيرشبيلي وجلمدوغ وجنوب الغرب كلّ أعضائهم تمّ اختيارهم من القصر الرئاسيّ، ما يعني أنّ رؤساء هذه الولايات يتلقّون الأوامر من الرئيس، ولا يستطيعون الرفض، ولهذا السبب احتجّت الأحزاب المعارضة، بمن فيهم الرؤساء السابقون، مثل حسن شيخ محمود، والرئيس شيخ شريف".

ويتابع الباحث الصومالي: "يرى المنافسون لفرماجو أنّ حظوظهم تتضاءل في عملية استمالة الأعضاء الجدد في البرلمان القادم، وتنبع أهمية نواب صوماليلاند، كونهم من يحدّد من يجلس على كرسيّ الرئاسة، فهم بمثابة الولايات المتأرجحة في الانتخابات الأمريكية".

المخابرات والانتخابات

وتحدّثت مصادر إعلامية وسياسية عن تدخّل السفير القطري، حسن حمزة، بشكل مباشر، في إدارة المشهد السياسي الصومالي بالاجتماع مع زعماء العشائر، وشراء الولاءات، وهو دور يكُمل خطط فهد ياسين.

ويقول الباحث الصومالي: "شراء الذمم عبر المال الخليجي هو من يصنع الفارق في الانتخابات البرلمانية والرئاسية في الصومال، وقطر تقدّم دعماً مالياً غير محدود، عن طريق فهد ياسين، مدير المخابرات، وهذه الأموال مكّنت الحكومة الحالية من شراء ولاء شيوخ القبائل، وضمان موافقتهم على تعيين نوّاب برلمانيين من موظفي الحكومة والمخابرات ليصوّتوا لفرماجو في الانتخابات القادمة".

اقرأ أيضاً: هل يسير الرئيس الصومالي على خطى أردوغان للانفراد بالسلطة؟

ويضيف: "يبلغ ثمن صوت النائب في البرلمان بين 30 - 50 ألف دولار، وفي انتخابات 2016؛ دفعت قطر 8 ملايين دولار لانتخاب فرماجو، وتكرّر ذلك مؤخراً في ولاية هيرشبيلي؛ حيث أدار فهد ياسين الانتخابات بشكل مباشر، وتمّت عملية تعيين نواب تابعين للحكومة من عناصر استخباراتية، ثمّ نصّبوا رئيس البرلمان، ونائبه، واختارو الرئيس ونائبه، وجميعهم من الموالين بشدّة لفرماجو".

وكان حزب ودجر قد ندّد بالتدخّل الحكومي في الانتخابات في هيرشبيلي، ودعا الأطراف إلى عدم التسرّع في بناء إدارة الولاية، قبل إجراء مصالحة حقيقية وموسعة بين السكان.

وحذّر الحزب، في بيانه الذي صدر في السابع من الشهر الماضي، من استخدام بناء إدارة هيرشبيلي لتحقيق أغراض سياسية، تهدف إلى كسب أصوات نواب البرلمان الفيدرالي، المنحدرين من الولاية في الانتخابات الرئاسية الفيدرالية.

وتزامناً مع أزمة ولاية هيرشبيلي؛ اندلعت أزمة أشدّ حدّة بين الرئيس والمعارضة، حول اختيار القوائم الانتخابية، على المستويَين الإقليمي والفيدرالي، المنوط بها الإشراف على اختيار نوّاب البرلمان، ثمّ اختيار الرئيس.

وأعرب زعيم حزب ودجر السياسي، عبد الرحمن عبد الشكور، عن عدم ثقته باللجان الانتخابية على المستويين الفيدرالي والإقليمي.

وأشار في بيان صحفي؛ إلى أنّ معظم أعضاء تلك اللجان من عناصر المخابرات والأمن القومي، بينما الباقون من مؤيدي الرئيس، ومن المشهورين بالإساءة إلى المعارضة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

وفي السياق ذاته؛ أعرب منتدى الأحزاب الوطنية المعارض عن استيائه وتنديده بضمّ عناصر من وكالة المخابرات والأمن القومي، وموظفي الدولة المدنيين، إلى اللجان الانتخابية ولجنة حلّ الشكاوى الانتخابية، ووصفوا ذلك بأنّه مخالف لقوانين البلاد واتفاقية الانتخابات، ويشكّك في نيّة الحكومة إجراء انتخابات حرّة ونزيهة في البلاد.

إضافة إلى ذلك؛ اعترض رئيس مجلس الشيوخ الفيدرالي، عبدي حاشي عبد الله، على تشكيلة اللجان الانتخابية.

اقرأ أيضاً: الصومال: زعيم حزب معارض يشن هجوماً على فرماجو... ماذا قال؟

وأكّد حاشي في بيان، بتاريخ السابع من الشهر الجاري؛ على أنّ معظم أعضاء اللجان من موظفي الرئاسة الصومالية ومكتب رئيس الوزراء وعناصر وكالة المخابرات والأمن القومي، مضيفاً أنّهم لا يثقون بتلك اللّجان.

ووفق الاتفاق السياسيّ الصوماليّ، الموقَّع في مطلع تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تتمّ انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الأولى)، بين 1 و10 من كانون الأول (ديسمبر) المقبل، بواسطة برلمانات الولايات.

وتقام انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الثانية) بين 10 و27 من الشهر نفسه، ويتكوّن البرلمان الصومالي من الغرفتين الأولى والثانية، ويختار أعضاؤه رئيس البلاد.

ومن المقرَّر اختيار رئيس برلمان البلاد، وإجراء الانتخابات الرئاسية، مطلع كانون الثاني (يناير) العام المقبل.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية