السيمونيّة الجديدة والجَهل المقدّس

السيمونيّة الجديدة والجَهل المقدّس

السيمونيّة الجديدة والجَهل المقدّس


13/06/2024

 

مع انتشار وسائل الميديا، ظهرت هويات وفِئات تهتمّ بالشأن المسيحيّ، مطلقين على أنفسهم لَقب "حماة الإيمان والتقليد"، وهذه ألفاظ وألقاب مستحدثة لا ترتقي منها مقالاتهم وأحاديثهم إلى ما يخصّ الأمور اللّاهوتية الدراسيّة في علم اللّاهوت بشيء. 

فصيلُ "حماة الإيمان والتقليد" لا يفتّش في الكتب، ولا يقرأ ولا يريد أن يقرأ، بل هو مرتاح ومكتفٍ ببعضٍ من طقوس ونصوص وموروثات وضعيّة، وضعها أشخاص في التاريخ قابلين للخطأ والصواب. 

إنّ نقطة التصادم مع هذا التيار الناشز هي التعليم. فبعضُ القائمين منهم بسلطان على التعليم من على المنابر، ومن يتصدّرون المشهد الكنسيّ رسمياً، بحاجة أوّلاً إلى أساسات تلمذة الروح وأخلاق التعليم. فمنذ نصف قرن وأكثر يقتصر التعليم والوعظ والقيادة على أصحاب الجبب، وكأنّه الزّي الأوحد لعمل الرّوح القدس في جماعته المقدسة. وما أن يلتصق أحدهم بـ "المايك" حتى تمتلئ الدنيا ضجيجاً وصَخباً بسبب ترهات الكلام والتشويه في تعاليم العهد الجديد. 

وما أن يريد أحدهم أن ينخرط في رتب هذه المؤسسة الهيرارخية، وتكون جلّ مؤهلاته إمّا أنّه يحفظ الألحان، وإمّا أنّه متخرج من تنشئة إكليركية تقليديّة، حتى تُعطى له قيادة الرعايا دون أدنى مُقومات الشخصية القيادية، أو حتى ثقل الدراسة اللّاهوتية الواعية.

فنجد هؤلاء يأخذون مراكز القيادة ومنابر الوعظ والتعليم المشوّه في الكنائس متحكمين بالجماعة الكنسيّة، ومتخذين قرارات تؤثّر على عائلات بأكملها، هذا إن لم يتدخلوا في حلّ المشاكل الأُسريّة والشخصيّة؛ من منطق أنّه لابس "الجبّة". هذا المنطق الذي فشل فشلاً ذريعاً، وأدّى إلى تفكّك الكنيسة الكاثوليكية في العصور الوسطى. 

لكنّنا لا نحبّ قراءة التاريخ واستخلاص العِبر منه لنتعلم صياغة الخبرات واللّاهوت والروحانيّة في الأزمنة المعاصرة. فآفة أهل حارتنا، كما يقول الأديب الكبير نجيب محفوظ، هي عَدم القراءة والبحث، فشعبنا يميل إلى الاستماع دون البحث والتدقيق. "ويلٌ لكم أيّها النّاموسيّون! لأنّكم أخذتم مفتاح المعرفة. ما دخلتم أنتم. والدّاخلون منعتموهم" (لوقا 11: 52). 

وها هي "السّيمونيّة" قد اخترقت الكنائس وتربعت على العروش؛ متلطيّة وراء شعارات واهية وكليشيهات بائدة ممارسة التقوى الزائفة، التي باتت انحرافات قاتلة تؤدي بالكنيسة ككلّ إلى التزمت الديني والتخلّف اللّاهوتي، والانحدار بسرعة إلى عمق الجهل والتفاهة والسقوط الروحي والإداري. 

لقد بتنا أمام العالم والأمم أضحوكة؛ بسبب انجرافنا وتصديقنا لموروثات متخلّفة، باتت فتاوى وآفات وتُرهات ثقيلة على الجماعة والمؤسسة الكنسيّة.

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية