السياسة الرخوة لبايدن تلقي بظلالها على مستقبل الاتفاق النووي

السياسة الرخوة لبايدن تلقي بظلالها على مستقبل الاتفاق النووي


07/04/2021

تبدو المحادثات الجديدة بخصوص الاتفاق النووي الإيراني، في فيينا، خطوة جديدة ولافتة، باتجاه حلحلة الأزمة المتفاقمة بين إيران والولايات المتحدة، والتي دخلت في متوالية صراعات وتعقيدات متفاوتة، منذ الانسحاب الأمريكي، عام 2018، أثناء إدارة الرئيس دونالد ترامب، بينما لا تزال تداعياته مستمرة، حتى اللحظة الراهنة، وتبرز ضغوطاتها على المفاوضات القائمة. 

بايدن سيقود إلى سياسة مرتخية وغير فاعلة ليس فقط مع إيران، ولكن مع ملفات عديدة، مثل العلاقات مع الصين وروسيا، وسد النهضة

الاتفاق الذي تسعى الإدارة الأمريكية الجديدة نحو إحيائه، مؤخراً، يقع بين مستجدات سياسية وإقليمية عديدة، فضلاً عن الأمور الإجرائية الأخرى ذات الصلة، حسبما يشير مراقبون، ومن بينها أزمة الثقة بين واشنطن وطهران، خاصة بعد سياسة العقوبات المتشددة التي نفذها ترامب، ثم التصعيد الخشن الذي بلغ ذروته مع مقتل قائد فيلق القدس، قاسم سليمان، مطلع العام الماضي.

ويضاف إلى ذلك، جملة خلافات حول صيغة الاتفاق الجديد الذي تتحرى الولايات المتحدة تنفيذه مع إيران، والذي يتضمن ضم أطراف إقليمية جديدة، من بينها السعودية والإمارات، ووضع نهاية للنشاط الميداني الإيراني في المنطقة، والمتمثل في دعم الميليشيات المدعومة من الحرس الثوري في عدد من بؤر الصراع، وكذا إعادة النظر في برنامج الصواريخ الباليستية.

وبينما تأتي العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران، على قمة أولويات جدول اجتماع فيينا، إلا أنّ الناطقة الرسمية بلسان البيت الأبيض، جين ساكي، لم تكشف أيّ تفاصيل حول الإجراءات المتوقعة بخصوصها، في تصريحاتها الصحفية، عشية المحادثات الذي تجمع إيران بمجموعة 4+1، وقالت ساكي إنّ "الدبلوماسية عادة ما تأخذ وقتاً" وتابعت: "ليست لدي توقعات كم من الوقت ستستغرقه الدبلوماسية لإعادة إحياء الاتفاق النووي، لكننا نركز في هذه المحادثات، غير المباشرة، على القضايا الأساسية؛ وهي التأكيد على الخطوات النووية التي يتعين على إيران القيام بها وفقاً لالتزاماتها، وأيضاً الخطوات التي يجب أن تتخذها الولايات المتحدة حتى يمكن العودة إلى الاتفاق". 

وقال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده: "نحن لا نهتم بالوعود أو الإشارات الإيجابية والسلبية التي صدرت منذ تولي بايدن منصبه؛ ما يهمنا هو عمل حقيقي من أمريكا"، وأضاف: "رفع العقوبات الأمريكية، أو بعبارة أخرى: طريقة تنفيذ التزامات الطرف الآخر، سيكون على جدول أعمال الاجتماع".

اقرأ أيضاً: الحوثي يستشعر الخطر... ما علاقة الاتفاق النووي الإيراني؟

إيران لا متفائلة أو متشائمة

ومن جانبه، قال عباس عراقجي، مساعد وزير الخارجية الإيراني إنّ "العودة إلى الاتفاق النووي تتضمن خطوة واحدة فقط"، موضحاً أنّ هذه الخطوة تتمثل في "رفع كافة أشكال العقوبات"، وأردف: "لن نقبل بأيّ مقترح يقوم على العودة إلى الاتفاق وفق مبدأ خطوة مقابل خطوة، وشرط إيران للعودة إلى الاتفاق النووي هو امتثال واشنطن أولاً بتعهداتها، ورفع العقوبات، ومن ثم، فإنّ طهران ستقوم بالتحقق من ذلك، وتعود إلى التزاماتها".

وأضاف عراقجي: "لن تكون هناك أيّ مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة مع أمريكا في فيينا.. وإيران ستبدأ مسار العودة إلى الاتفاق النووي في حال تمكنت الدول 4+1 من إقناع واشنطن بشروطها (أي شروط إيران)".

وبخصوص طبيعة المحادثات المتوقعة في اجتماع فيينا، قال مساعد وزير الخارجية الإيراني إنّ "المحادثات في فيينا ستكون فنية بالكامل، وأنّ طهران ستناقش العقوبات التي ينبغي إلغاؤها، والإجراءات الواجب اتباعها وترتيبها"، مضيفاً: "نحن سنتباحث مع الدول 4+1 في اللجنة المشتركة للاتفاق النووي، وسنبلغهم بمطالب وشروط طهران للعودة إلى الاتفاق".

الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني د. هاني سليمان، لـ"حفريات": الملف النووي الإيراني أضحى مرتهناً بملفات سياسية وإقليمية أخرى بين الطرفين

وفي محاولة لإحياء المفاوضات حول الاتفاق النووي، بعثت الولايات المتحدة، بممثل عنها في اجتماع فيينا، أمس (الثلاثاء)، وهو روب مالي، المبعوث الأمريكي الخاص بشؤون إيران، حسبما أوضح الناطق الرسمي بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، والذي قال إنّ "وفد الولايات المتحدة في محادثات فيينا سيقوده المبعوث الخاص للبلاد المعني بشؤون إيران، روب مالي"،  وأضاف: "لا نقلل من نطاق التحديات التي تواجهنا. هذه أيام أولى من العملية التفاوضية. لا نتوقع تحقيق انفراجة مبكرة أو فورية لأننا تعتقد أن هذه المناقشات ستكون صعبة".  

دبلوماسية بايدن 

ولفت الناطق الرسمي بلسان الخارجية الأمريكية إلى أنّ المحادثات في فيينا سوف تتم بواسطة فرق عمل ينظمها الأوروبيون، ومن بين القضايا الرئيسية التي ستتم مناقشتها في فيينا "الإجراءات التي ينبغي على إيران اتخاذها للعودة للامتثال للاتفاق النووي، وخطوات تخفيف العقوبات التي ينبغي للولايات المتحدة القيام بها"، مؤكداً أنّ "إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لا تتوقع حالياً محادثات مباشرة مع إيران لكنها ما زالت منفتحة على ذلك".

وعليه، قال الناطق الرسمي بلسان الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، إنّ إيران "ليست متفائلة ولا متشائمة بخصوص نتائج المحادثات النووية" وتابع: "لسنا متفائلين ولا متشائمين بشأن نتيجة هذا الاجتماع الآن، لكننا على ثقة من أنّنا على المسار الصحيح. وإذا أثبتت أمريكا أنّ لديها الإرادة والجدية والصدق، فقد يكون ذلك مؤشراً إيجابياً لمستقبل أفضل لهذا الاتفاق وتطبيقه بالكامل في نهاية المطاف".

وأردف: "نجد أنّ هذا الموقف واقعي وواعد. يمكن لهذا الموقف أن يشكل بداية تصحيح المسار السيئ الذي أوصل الدبلوماسية الى طريق مسدود. نحن نرحب بهذه التصريحات".

عضو اللجنة المصرية للشؤون الخارجية أحمد أنور

ولذلك؛ لا يتوقع عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، الدكتور أحمد أنور،  حدوث أيّة نتائج إيجابية أو انفراجة في المباحثات الإيرانية مع الغرب، والتي تشارك فيها الولايات المتحدة، بشكل غير مباشر، ويضيف لـ"حفريات": "هناك استمرارية في المزايدات السياسية الإيرانية، والتي أعلنت، قبل بدء المباحثات، بيوم واحد، أنّها قامت برفع تخصيب اليورانيوم، وهو ما يعد استمراراً آخر باتجاه خرق بنود الاتفاق، ووضع المزيد من التعقيدات أمام المفاوضات القائمة".

ما احتمالات تراجع نفوذ واشنطن؟ 

ويرى أنور أنّ الجانب الإيراني مايزال يستخدم كافة الفرص المتصلة بالملف النووي، في سبيل دعم سياساته، المحلية والخارجية، ومن ثم تعزيز مصالحه، لافتاً إلى "اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، المزمع إجراؤها في حزيران (يونيو) المقبل، والتي، على ما يبدو، تواجه معضلات جمة، في ظل ضعف المشاركة المتوقعة، كما حدث في السابق بالانتخابات البرلمانية، قبل عام تقريباً، ومحاولات السيطرة من الحرس الثوري على المشهد الانتخابي وعسكرة الرئاسة، وبالتالي، فإنّ الأصوات المتشددة والراديكالية داخل إيران تعمد إلى دغدغة مشاعر المواطنين، رغم أنّ الولايات المتحدة لم تستخدم أي أدوات خشنة، حتى الآن، سواء سياسية أو ميدانية وعسكرية، بل على العكس، هناك إطلاق لبعض الأموال الإيرانية المجمدة، بالإضافة إلى غض الطرف عن الضربات التي يقوم بها ذراع إيران المسلح في اليمن ضد السعودية".

الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني الدكتور هاني سليمان

يتفق والرأي ذاته، الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني الدكتور هاني سليمان، والذي يلفت إلى أنّ الملف النووي الإيراني أضحى مرتهناً بملفات سياسية وإقليمية أخرى بين الطرفين، ويوضح لـ"حفريات: "استخدام إدارة جو بايدن للدبلوماسية المرنة، توحي للطرف الإيراني، حتى الآن، بأنّه ليست هناك نوايا للصدام أو تصعيد المواقف باتجاهها؛ وهذه استراتيجية غير واقعية لأنّها ستجعل المنطقة ساحة مفتوحة أما الأطماع الإيرانية، كما ستجعل فرص عدم الاستقرار ممتدة، وبالتالي، فإنّ بايدن سيحاول مواجهة ضغوط الجمهوريين، عبر الحافظ على مساحة التفاوض والدبلوماسية الممكنة مع إيران".

اقرأ أيضاً: توافق أمريكي أوروبي حول السلاح النووي الإيراني... هل يرضخ نظام الملالي؟

ويردف سليمان: "أعتقد أنّ ذلك سيقود بايدن إلى سياسة مرتخية وغير فاعلة ليس فقط مع إيران، ولكن مع ملفات عديدة، مثل العلاقات مع الصين وروسيا، وكذا تفاعله مع قضايا إقليمية ودولية حساسة، مثل أزمة سد النهضة. وكل ذلك إجمالاً ستكون مخرجاته تراجع لمكانة وتأثير واشنطن في السياسة الدولية، وبالتبعية، مزيد من التراجع في مواجهة إيران".

الصفحة الرئيسية