السودان وتاريخ من الانقلابات

السودان

السودان وتاريخ من الانقلابات


21/09/2021

يعد الوضع السياسي الداخلي السوداني معقداً ومركباً للغاية، فارتباط الأحزاب بحركات دينية مختلفة هو أمر بديهي في المجتمع السوداني؛ نظراً إلى طبيعة تكوين الحياة السياسية الأولى قبل وبعد الاستقلال، فالإرث السياسي الاجتماعي، كما يقول الدكتور حسن علي الساعري، في كتاب "السودان الواقع وآفاق المستقبل"، مرتبط دائماً بالحركات الدينية على نحو ما؛ فحزب الأمة يقف خلفه الأنصار وحزب الأشقاء (الوطني الاتحادي لاحقاً) يقف خلفه الطريقة الختمية.

الإرث السياسي الاجتماعي للسودان منذ تكوين الحياة السياسية الأولى سمح لرجال القوات المسلحة بالعمل بالسياسة

هذا الإرث سمح لرجال القوات المسلحة العمل بالسياسة، لهذا ظلّ التداخل بين السياسيين والعسكريين في الشأن العام السوداني مبرراً كافياً للتدخل العسكري في الحياة السياسة السودانية، ويمكن رصد بداية تلك العلاقة من طبيعة تنشئة الضباط السودانيين في الكلية الحربية، حتى أنّهم شاركوا، العام 1924، في المظاهرات التي عمّت أرجاء السودان ضدّ المستعمر الإنجليزي، وتمت محاكمة الطلاب عسكرياً، وأغلقت الكلية الحربية وقتها، وأعيد فتحها العام 1936، واستمرت علاقة الضباط بالسياسة قائمة، ولم تتغير.
بمعنى؛ أنّ استيلاء رجال القوات المسلحة على السلطة في السودان هو استمرار للعملية السياسية، واستجابة للأوضاع السياسية المتردية، وهذا يعني أنّ الدافع الرئيس للانقلابات السودانية ليس السمات التنظيمية للقوات المسلحة، أو المظالم الشخصية للضباط، لكن في الغالب تتم الانقلابات في السودان كمسار سياسي بديل يعوض الفشل السياسي الحزبي، والوصول إلى أفق مسدود.

اقرأ أيضاً: السودان... تفكيك دولة "الإخوان" العميقة

في الغالب تتم الانقلابات في السودان كمسار سياسي بديل
"حفريات" ترصد في هذا التقرير محاولات الانقلابات العسكرية في السودان، الناجحة منها والفاشلة:
1- محاولة انقلاب العام 1957
نال السودان استقلاله عن الحكم الثنائي المصري البريطاني، في الأول من كانون الثاني (يناير) 1956، وحكم السودان مجلس سيادة، برئاسة عبد الفتاح محمد المغربي، وعضوية محمد أحمد ياسين، وأحمد محمد صالح، ومحمد عثمان الدرديري، وسرسيو إيرو واني، وتولى رئاسة الوزراء الزعيم إسماعيل الأزهري، لمدة ستة أشهر، ثم تولّى عبد الله خليل رئاسة الوزراء، كممثل لحزب الأمة، قاد هذه المحاولة مجموعة من ضباط الجيش والطلاب الحزبيين بقيادة عبد الرحمن إسماعيل كبيدة، ضدّ حكومة عبد الله خليل، كان دافع كبيدة هو حسم الارتباك في إدارة المشهد السياسي والحكم، باءت هذه المحاولة بالفشل، وحكم على عبد الرحمن ورفاقه بالسجن، ولم يخرج إلا مع الانقلاب التالي.

2- انقلاب 17 تشرين الثاني (نوفمبر) 1958
عندما تفاقمت الخلافات بين الأحزاب السودانية داخل نفسها، وفيما بينها، لم يكن هناك مفر من انقلاب 1958، وهو أول انقلاب عسكري ناجح في تاريخ السودان، قام بإيعاز من حكومة عبد الله خليل وحزب الأمة، وباركه القادة الدينيون في ذلك الوقت، لأكبر جماعتين دينيتين: السيد عبد الرحمن المهدي زعيم الأنصار، والسيد علي الميرغني، زعيم طائفة الختمية، قاد الانقلاب الفريق إبراهيم عبود، الذي شكّل حكومة عسكرية برئاسته، حكمت السودان لمدة 7 أعوام، أوقف فيها العمل بالدستور، وألغى البرلمان، وقضى على نشاط الأحزاب السياسية، ومنح المجالس المحلية المزيد من السلطة وحرية العمل، وعارضته معظم الأحزاب السودانية، ثم اندلعت ثورة شعبية عارمة، تطالبه بمغادرة الحكم، في تشرين الأول (أكتوبر) 1964، وسلم السلطة لسرّ الختم الخليفة، وتولى البلاد إسماعيل الأزهري، فيما يعرف بأيام الديمقراطية. 
3- انقلاب 25 أيار (مايو) 1969
عاد المدنيون للسلطة بعد انتخابات العام 1965، لكن نتائج الانتخابات غير الحاسمة دفعت الأحزاب إلى اللجوء إلى التحالفات، الأمر الذي أدى إلى قيام حكومات غير مستقرة، وبعد ثلاثة أعوام من الديمقراطية، فشلت الأحزاب في التوافق والانسجام فيما بينها، مما عرّض البلاد لحالة من الفوضى، وعزّز ذلك تنامي مشاكل البلاد الاقتصادية والبطالة ونقص السلع الاستهلاكية والتمرد في جنوب البلاد، مما مهّد لنجاح الانقلاب الذي قاده العميد  جعفر محمد نميري، ومجموعة من الضباط المحسوبين على الحزب الشيوعي والقومي العرب انقلاباً، فاستلم السلطة، وأسس على الأثر نظامه الذي امتد 16 عاماً.
4- محاولة انقلاب 19 تموز (يوليو) 1971
عرف بانقلاب هاشم العطا، وهو أحد رفقاء النميري في انقلابه المشهور، استولى جزئياً على العاصمة الخرطوم لمدة يومين، لكن استطاع النميري أن يعيد سلطته ويقوم بمحاكمة الانقلابيين فيما عُرف بمحاكمة الشجرة، التي طالت كلاً من زعيم الحزب الشيوعي السوداني آنذاك: عبدالخالق محجوب، ومساعده الأيمن الشفيع أحمد الشيخ، وبابكر النور، وآخرين من المدنيين، ومن الضباط: قائد الانقلاب هاشم العطا، وعشرات من الضباط والجنود.

 هاشم العطا
5- محاولة انقلاب العام 1975
وقعت محاولة انقلابية أخرى فاشلة، في الخامس من أيلول (سبتمبر)، بقيادة الضابط حسن حسين، ولقلة عدد الضباط المشاركين في الانقلاب، تمّت السيطرة عليه، وإصابة المقدم حسن حسين أثناء محاولته الاستيلاء على مقر القيادة العامة، ولقي الانقلابيون، وعلى رأسهم المدبر حسين، حتفهم رمياً بالرصاص، أو شنقاً حتى الموت، واتهم جعفر النميري الأحزاب بمساندة هذا الانقلاب الفاشل.
6- محاولة انقلاب 2 تموز (يوليو) 1976
حاولت القوى السياسية المعارضة لنظام النميري التي كانت تنطلق من ليبيا قلب نظام الحكم، وأوكلت المهمة للعميد في الجيش، محمد نور سعد، بمشاركة واسعة من عناصر المعارضة، تسللت إلى الخرطوم عبر الحدود مع ليبيا، وقد تعامل نظام النميري مع المحاولة بعنف غير مسبوق، بعد أربع محاولات انقلابية فاشلة، لم يتعرض نظام النميري بعد ذلك لأية محاولة انقلابية، حتى عصفت به ثورة شعبية عارمة، في 6 نيسان (أبريل) 1985، عُرفت بـ"انتفاضة أبريل". كان النميري وقتها في أمريكا، وأعلن الفريق أول سوار الذهب انتهاء حكم دولة مايو، واستلامه الحكم لفترة انتقالية، وبالفعل أجرى انتخابات ديمقراطية، وسلم الحكم لسلطة مدنية منتخبة.
استولى عمر البشير على السلطة العام 1989 بمساعدة "الجبهة الإسلامية القومية"

7- انقلاب 30 حزيران (يونيو) 1989
استلمت الأحزاب الحكم من سوار الذهب، العام 1986، لكن –كعادتها- أهدرت الفرصة في النزاعات السياسية؛ لذا اتسمت الحكومات بعدم الاستقرار نسبة لطبيعتها التحالفية، وشهدت تلك الفترة تسييساً واستقطاباً حاداً، واستمر تعطيل الحكومة عن القيام بواجباتها تجاه الشعب.

في الغالب تتم الانقلابات كمسار سياسي بديل يعوض الفشل السياسي الحزبي والوصول إلى أفق مسدود

وفي شباط (فبراير) 1989، أصدر مئة وخمسون من ضباط الجيش، بقيادة رئيس هيئة الأركان، الفريق فتحي أحمد، مذكرة طلبت من الحكومة التركيز على السياسة الخارجية وأثرها على القضايا الوطنية، ومنع التدهور الاقتصادي والتضخم وارتفاع الأسعار، ومنع تكوين المليشيات، والحدّ من الانفلات الأمني، والتحذير من تفكّك المجتمع السوداني وانتشار الفساد، ومن تأثير الصراع المسلح في دارفور، لكن لم تنتبه الحكومة إلى خطورة الموقف إلا بعد تحرك وحدات من القوات المسلحة، بقيادة الفريق عمر البشير، وبمساعدة الإسلاميين في السودان المتمثلين بحزب "الجبهة الإسلامية القومية" الذي كان يتزعمه حسن الترابي.
8- محاولة انقلاب رمضان العام 1990
تم كشف تنظيم بقيادة اللواء عبد القادر الكدرو، واللواء الطيار محمد عثمان حامد، بهدف القيام بمحاولة انقلاب على حكم البشير، وإعادة الحياة الديمقراطية في السودان، وإلغاء كافة المراسيم الصدارة عن السلطة العسكرية، منذ الثلاثين من حزيران (يونيو) 1989، وإقرار وثيقة دستورية تحدّد هياكل الحكم الديمقراطي، وتؤكد على مبادئ كفالة الحريات الأساسية، واستقلال القضاء، وسيادة حكم القانون، والفصل بين السلطت التشريعة والتنفيذية والقضائية، واستقلال مؤسسات التعليم العالي، ومراكز البحث العلمي، والحركة النقابية وبقائها موحدة وديمقراطية.
انتهت هذه المحاولة الانقلابية بإعدام 28 ضابطاً في الجيش، أبرزهم قائدا الانقلاب، وغلب على المشاركين في الانقلاب الفئات الشبابية ( 30 – 40 عاماً) وقلة عدد الرتب القيادية العليا، مما شكّل حلقة مفقودة بين قادة الأسلحة والوحدات العسكرية وبين الانقلابيين.
9- محاولة انقلاب العام 1992
كانت هذه المحاولة الانقلابية فاشلة أيضاً، وتزعمها العقيد أحمد خالد، ولا يوجد تفاصيل كثيرة عنها.
10- محاولة انقلاب العام 2004
تحدثت الحكومة حينها عن محاولة انقلابية، ونسبته إلى حزب المؤتمر الشعبي المعارض.
عزل البشير 2019
استقر الحكم لعمر البشير وللإسلامويين، واستبدّ بهم الأمر، حتى ضجّ الناس منهم، ومن أيديولوجيتهم، وخرج الشعب السوداني يطالب بإسقاط البشير وحكومته، وإلقاء القبض على كلّ من أفسد الحياة السياسية السودانية، وبعد أشهر من الاحتجاجات؛ أعلن وزير الدفاع السوداني، عوض بن عوف، عزل الرئيس عمر البشير واعتقاله، وبعد يوم تنازل عن رئاسة المجلس الرئاسي الانتقالي، وسلم الراية للفريق الركن، عبد الفتاح البرهان، وجاء تدخل الجيش بعد أشهر من احتجاجات شعبية تصاعدت ضد غلاء الأسعار.
الآن، والسودان على أعتاب مرحلة جديدة؛ يبقى السؤال: هل سيستمر الدوران الثلاثي الملازم لتاريخ السودان، والذي يمكن اختصاره في ثلاثية: مظاهرات شعبية وحكم انتقالي، مرحلة الديمقراطية وانتخابات حرة، انقلاب وحكم عسكري، هذا ما ستسفر عنه الأيام القادمة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية