السلام بين السودان وإسرائيل: براغماتية داخلية أم إملاءات خارجية؟

السلام بين السودان وإسرائيل: براغماتية داخلية أم إملاءات خارجية؟


27/09/2020

خلّف نظام الإنقاذ البائد في السودان تركة ثقيلة من المشكلات الداخلية والخارجية لوارثيه من المجلس الانتقالي، بشقّيه المدني والعسكري؛ فداخلياً أزمة اقتصادية طاحنة، واضطراب أمني، وفشل شبه تامّ في البنية التحتية، وحركات تمرد، وخارجياً؛ عُزلة دولية، وانفصال عن النظام الدولي، وعقوبات دولية بسبب دعم الإرهاب.

فكان على سودان ما بعد البشير مواجهة هذه التركة، والرجوع للمجتمع الدولي، عبر المفاوضات مع الولايات المتحدة لرفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي خطوة تفتح الطريق نحو إعادة دمج البلاد في الاقتصاد العالمي، وتلقّي القروض والمنح والاستشارات من المؤسسات المالية الدولية.

بسبب سياسات الإنقاذ أصبح السودان دولة هشّة في الاقتصاد والأمن، وأدركت حكومة الثورة ضرورة دمج السودان مع المجتمع الدولي من خلال مناقشة قضايا محورية، تسبّبت في عزل السودان

وخلال المفاوضات مع واشنطن؛ طُرحت قضية العلاقات بين السودان وإسرائيل، ثم التقى رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، مع نتانياهو في أوغندا، وزار وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، الخرطوم وبحث الملف مع رئيس الحكومة، عبد الله حمدوك، ثم التقى البرهان وفداً أمريكياً في أبو ظبي.

وينقسم الرأي السوداني حول قضية السلام؛ فهناك من يرفضها، وهناك من يراها ضرورة لإعادة تقديم السودان للمجتمع الدولي في ثوب جديد، يضع مصلحة السودان أولاً، دون تنازل عن دعم الحقّ الفلسطيني.

لقاء أبو ظبي

اختتم وفد سوداني زيارته إلى العاصمة الإماراتية، أبوظبي، يوم الأربعاء 23 أيلول (سبتمبر) الجاري، بعد لقاءات منفصلة مع المسؤولين في الإمارات، ووفد رسمي أمريكي كان في زيارة لأبوظبي.

الشيخ محمد بن زايد مستقبلاً الفريق البرهان في زيارة سابقة لأبو ظبي

وناقش السودان مع الوفد الأمريكي قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب، الدعم الأمريكي الاقتصادي، وقضية السلام مع إسرائيل.

وقال بيان مجلس القيادة الانتقالي السوداني عن الزيارة: "اتسمت المباحثات بالجدية والصراحة، وناقشت عدداً من القضايا ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها قضية رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب".

اقرأ أيضاً: المستشفى الإماراتي السوداني الميداني يبدأ مهامه في ولاية نهر النيل

وعن مناقشة السلام مع إسرائيل، قال البيان: "هذا وقد بحثت المحادثات عدداً من القضايا الإقليمية، وفي مقدّمتها مستقبل السلام العربي الإسرائيلي، الذي يؤدي إلى استقرار المنطقة ويحفظ حقّ الشعب الفلسطيني في إقامة دولته، وفق رؤية حلّ الدولتين، والدور الذي ينتظر أن يلعبه السودان في سبيل تحقيق هذا السلام".

اقرأ أيضاً: أبوظبي تسهم في رفع اسم السودان من "الدول الراعية للإرهاب"

ونشر  المستشار الإعلامي للبرهان، العميد دكتور الطاهر أبو هاجة، مقالاً على صفحة وزارة الدفاع، قال فيه: "ما قام به السيد الرئيس ووفده في الإمارات خلال الأيام الماضية لا يتضمن أسراراً ولا أجندة عسكريين ضدّ مدنيين، وإنما نوايا صادقة وإرادة قوية ومحاولة جادة وتفكير خارج الصندوق لإيجاد حلول خلاقة مبدعة تخرج علاقاتنا الخارجية من "البئر" التي ألقيت بداخلها ردحاً من الزمان، لقاءات أبوظبي لها ما بعدها، وهي ليست استسلاماً لأحد، أو بيعاً للقضية الفلسطينية، وإنما محاولة جادة، كغيرها من المحاولات، لتأسيس وبناء علاقات خارجية جيدة حكيمة، تستوعب المستجدات وتجيب عن كلّ الأسئلة التي تتحدث عن وضع السودان من عالم اليوم".

براغماتية سودانية

وبحسب ما ذكره العميد أبو هاجة؛ فإنّ السياسة هي فنّ الممكن، ومن هنا يمكن قراءة الموقف السوداني من السلام مع إسرائيل؛ فبدايةً هناك تغيرات كبرى تجري في المنطقة، وإعادة ترتيب للعلاقات العربية - الإسرائيلية، في ظلّ التحديات الجديدة التي تواجه العرب؛ من خطر إيراني تركي، والإرهاب المتولّد عن الإسلام السياسي، وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين.

الصحفي إبراهيم ناصر لـ"حفريات": إسرائيل لا تريد السودان قوياً. التطبيع خيار براغماتي، وإسرائيل لا تريد للسودان أن يتعافى من الأزمات، فهذا مبدأ تتخذه تجاه كلّ الدول العربية

إلى جانب أنّ مقاطعة إسرائيل تحوّلت من موقف في إطار صراع عربي - إسرائيلي إلى قضية يُتاجر بها محور إيران - تركيا - الإسلام السياسي، وانخرط السودان لعقود ضمن هذا المحور، خلال حكم الإنقاذ البائد بقيادة عمر البشير، ممّا يجعل مناقشة الموقف من إسرائيل في حزمة واحدة مع رفع السودان من قائمة رعاة الإرهاب له وجاهة لدى الإدارة الأمريكية.

وزير الخارجية الأمريكي بومبيو خلال زيارته التاريخية للسودان

وبناء على ذلك؛ فعلى السودان أن يتفهّم هذا الواقع ببراغماتية، ويبدو أنّ القيادة العسكرية والمدنية السودانية تتفهم ذلك.

وتعليقاً على ذلك؛ يقول الكاتب والمحلل السياسي السوداني، خالد بابكر أبو عاقلة: "السودان يمرّ بمرحلة تشكّل مفصلية، وكلّ القضايا توضع على طاولته؛ لذلك نجد قضية التطبيع مع إسرائيل جنباً إلى جنب مع قضية إنقاذ الاقتصاد المتداعي، ومع محاولات السودان الخروج من العزلة ورفع اسمه من قائمة الدول الراعية للإرهاب، التي أقعدت به وجعلته في ذيل قائمة الدول الأفريقية من حيث الخدمات والتنمية".

اقرأ أيضاً: هل تكفي المعالجة الأمنية لحلّ أزمة الدولار في السودان؟

ويردف أبو عاقلة لـ "حفريات": "الثورة التي أطاحت بحكم البشير المستبد لها أجندتها الخارجية؛ فهي كما تريد تحقيق سلام داخلي تريد أيضاً تحقيق سلام خارجي، وأن تخطو في طريق تطبيع دولي شامل.

والسودان في حالة اندفاع قوي من أجل إعادة علاقاته الخارجية، وترميم اتصالاته مع البنوك والصناديق الدولية؛ لذلك لا بدّ من أن يجد مسألة التطبيع مع إسرائيل في طريقه لإعادة تلك الاتصالات والعلاقات".

اقرأ أيضاً: لماذا اختار إخوان السودان الانحياز إلى حزب التحرير المتطرف؟

ويطرح الصحفي السوداني، إبراهيم ناصر، قراءة مشابهة، ويقول: "بسبب سياسات الإنقاذ أصبح السودان دولة هشّة في الاقتصاد والأمن، وأدركت حكومة الثورة ضرورة دمج السودان مع المجتمع الدولي من خلال مناقشة قضايا محورية، تسبّبت في عزل السودان، وفي هذا السياق تأتي قضية التطبيع مع إسرائيل".

ويتابع ناصر لـ "حفريات": "نظام الإنقاذ كانت له اتصالات على مستوى الأمن مع إسرائيل، لكنّ شعاراته منعته من التواصل علناً، وناقش التطبيع معها، والآن التواصل مع إسرائيل يأتي في إطار مقاربة ربما تُسهم في مسألة حفظ كيان الدولة، إضافة إلى جلب الاستثمارات والمساعدات الأمريكية، فهناك حديث عن مساعدات أمريكية بقيمة 7 مليارات دولار".

رئيس الوزراء حمدوك في لقاء مع بومبيو

ولا يبدو الصحفي ناصر متفائلاً من السلام مع إسرائيل؛ ويرى أنّها لا تريد السودان قوياً، ويقول: "التطبيع خيار براغماتي، وإسرائيل لا تريد للسودان أن يتعافى من الأزمات، فهذا مبدأ تتخذه تجاه كلّ الدول العربية، ولا أظنّ أن السودان سيستفيد كثيراً، ربما مكاسب عينية، وممكن أن يحدث تطبيع في بعض المجالات، مثل تطبيع مصر، أي أن يكون تواصلاً على مستوى القيادات دون تحقيق اختراق شعبي".

إملاءات خارجية

وبشكل واقعي؛ فمن حقّ الإدارة الأمريكية وضع شروطها في إدارة علاقاتها الخارجية، بما يخدم مصالحها، وعلى الطرف الآخر أن يحاول التوصل لصيغة تُحقق مصالحه مع أمريكا، بشكل يوازن بين سيادته والواقع.

اقرأ أيضاً: الأسلحة التركية.. إرهاب عابر للحدود يهدد أمن السودان وإثيوبيا

ويُواجه السودان مُطالبات أمريكية بالسلام مع إسرائيل، ولا يمكن القول إنّها إملاءات خالصة، بل لها وجاهة، نتيجة التورّط السوداني السابق مع المحور الذي يُوظّف العداء مع إسرائيل للهيمنة على المنطقة.

ويرى المحلل السياسي أبو عاقلة؛ أنّ التطبيع الآن أصبح قضية عربية وليست إسرائيلية، يقوده العرب بأنفسهم ويحاولون خلق مقدمة له قبل أن تنضم بقية الدول العربية في نهاية المطاف.

اقرأ أيضاً: ما حقيقة علاقة التغيّر المناخي والسدّ العالي بفيضانات السودان؟

وبناء على الطرح السابق؛ فإنّ وجود الاتجاه العربي لبناء إستراتيجية جديدة في المنطقة تستوعب إسرائيل دون تفريط في الحقّ الفلسطيني، يجعل ربط واشنطن التطبيع برفع اسم السودان من قائمة الإرهاب يدخل تحت باب الانضمام لإستراتيجية جديدة يجني السودان من خلالها فوائد كبيرة، لا مجرد إملاءات من قوة عظمى.

السلام بين المدنيين والعسكريين

ويبدو من قراءة تحركات المكونين المدني والعسكري الحاكمين؛ أنّ العسكريين أجرأ على قبول السلام، ولتحليل موقف الطرفين يقول الصحفي السوداني ناصر: "أظنّ أنّ البرهان وحمدوك لا يختلفان في التطبيع من حيث المبدأ، لكنّ الاختلاف مع التعاطي وتسويق القضية في الداخل، حمدوك يرى أنّ التواصل الآن مخلّ بمبدأ المرحلة الانتقالية، وأنّ حكومة الثورة ليس من اختصاصها مناقشة ذلك، لكنّه موافق من حيث المبدأ".

من كارثة السيول التي ضربت السودان

بينما يرى المكوّن العسكري أنّ الفرصة الحالية لن تتكرر، فهناك تجاوب أمريكي لمساعدة السودان، ودعم عربي في التفاوض، وعبّر عن ذلك مقال المستشار الإعلامي للبرهان، وجاء فيه: "نعم نحتاج كلّ الخطوات إلى تفويض كامل، لكنّ انتظار التفويض في كثير من القضايا الحساسة والملحة ربما يضيع بعض الفرص المتاحة، والفرص لا تتكرر، الكثير من القضايا تحتاج إلى "وزنة" وتعقّل، دونما تعجّل مضرّ".

اقرأ أيضاً: السودان: آمال وشكوك حول مستقبل اتفاق جوبا للسلام

ويشير إبراهيم ناصر إلى أنّ "المكوّن العسكري يعاني من مشكلة غياب الحاضنة السياسية، لذلك يعوّل على كسب المشروعية الدولية والإقليمية التي تتاح بالتطبيع، بما يحققه من تحسين صورتهم أمام العالم".

الموقف الشعبي

يغلب على السودانيين الرفض للسلام مع إسرائيل، إلا أنّ هناك تغيّر اً ملحوظاً في هذا التوجه، ويُلاحظ ذلك في نقاشات كثير من الأفراد الذين يريدون توظيف السلام في إنقاذ البلاد من الانهيار الاقتصادي.

ويقرأ الصحفي إبراهيم ناصر ذلك بقوله: "هناك اهتمامات أخرى للمواطن لكنّ قضية فلسطين مركزية، وربما يلين الموقف الشعبي نتيجة التأزم الاقتصادي، ولا ننسى أنّ إسرائيل كان لها دور في تفجير الوضع الداخلي، انفصال الجنوب، دعم الحركات المسلحة، وقصف مناطق في الخرطوم".

اقرأ أيضاً: هل تُرفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب قريباً؟

ومن جانبه، يقول المحلل السياسي أبو عاقلة: "التطبيع سلك طريقاً طويلاً، ومن المؤكد أنّ معارضته لن تكون بالحدّة نفسها التي حدثت مع مصر، والتطبيع بالنسبة إلى الشعب السوداني ارتبط بإزالة السودان من قائمة الإرهاب الدولية، وإنقاذ الوضع المعيشي المتردي ولذلك لا أتوقّع معارضة تُذكر له أو خروج مظاهرات في الشوارع، إذا تبعه تحسّن، ولو كان طفيفاً، في أوضاع المواطنين المعيشية ".

عناصر النظام البائد

ويستغلّ عناصر النظام البائد التقارب في ملف السلام مع إسرائيل للحشد ضدّ حكومة الثورة، رغم أنّ نظام الإنقاذ كان له علاقات مع إسرائيل.

وحول ذلك، يقول الصحفي إبراهيم ناصر: "عناصر النظام البائد يتصيدون وأخطاء الحكومة الحالية وهفواتها، لتوظيفها في تأليب الشارع ضدّها، ونجحوا بصورة نسبية في قضية تعديل المناهج، ومناقشة قضية العلمانية؛ لذلك سيوظفون السلام مع إسرائيل بشكل كبير ضدّ الثورة".

اقرأ أيضاً: بعد السودان... هذا ما فعلته الفيضانات في الجزائر

ويرى أبو عاقلة؛ أنّ تشويه الثورة هدف عناصر النظام البائد، دون مراعاة لمصلحة الشعب، فالسلام مع إسرائيل سيجلب معونات مالية ضخمة، ورفع اسم السودان من رعاة الإرهاب، لكنّ هؤلاء يسبحون عكس التيار، ويرفضون أيّة خطوة يمكن أنّ تُحسب جيدة في ملف الحكومة الانتقالية.

ويضيف: "هم في السابق، مثلاً، كانوا داعمين وبشدة لرفع الدعم عن السلع، لكنّهم الآن يرفضون هذه الخطوة التي يعرفون فائدتها وأهميتها في تقوية الجنيه السوداني وتقليل نسبة التضخم وتهريب السلع إلى الدول المجاورة".

وفي شباط (فبراير) الماضي؛ التقى رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، في أوغندا، وبحثا معاً ملفّ العلاقات بين الدولتين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية