الروائية سلوى بكر لـ"حفريات" بعد اتهامها بازدراء الأديان: انتهت معارك الأفكار

الروائية سلوى بكر لـ"حفريات" بعد اتهامها بازدراء الأديان: انتهت معارك الأفكار


01/06/2022

أثار لقاء تلفزيوني للروائية المصرية سلوى بكر حالة من الجدل في المشهد العام في مصر قبل أيام، بعد تصريحها بضرورة إلغاء عملية تحفيظ القرآن للأطفال في سنّ مبكرة، تحديداً في مدارس الإخوان المسلمين، وجاء حديثها ضمن محاور مختلفة وضعتها لضبط عملية التعليم التي رأت أنّها حجر الزاوية في مواجهة الفكر المتطرف.

حديث سلوى بكر ربما لم يقدم جديداً على مستوى الأفكار المطروحة، والتي سبق أن قدّمها طه حسين في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر"، لكن، وعلى الرغم من ذلك، عُدَّت تصريحاتها شديدة الجرأة، في ظلّ حالة من تسلّف المجتمع في مصر، بعد عام 2011، تسلّف امتدّ إلى المشهد الثقافي الذي احتدّ على الروائية في طرحها، وخرج مدافعاً عن تحفيظ القرآن للأطفال، ورأى بعضهم أنّ حديث بكر هو حرب ضدّ الدين، وقد تواجه الروائية تهمة ازدراء الأديان بعدما تقدّم أحد المحامين المصريين بشكوى ضدّها إلى النيابة العامة.

تسلّف المثقف المصري

هجمة جانب ليس بالقليل من المشهد الثقافي المصري على طرح سلوى بكر حول عدم ضرورة تحفيظ القرآن للأطفال دفعت إلى السطح تساؤلاً حول وضع المثقف في مصر، وتحولاته من الدفاع عن قضايا التنوير ورفض الهيمنة الدينية على التعليم والثقافة، إلى مهاجم للرؤى نفسها التي طرحها من قبل مثقفين انتموا إلى المشهد نفسه قبل عقدين من الزمان.

مسألة تسلّف المثقف المصري ترجعها سلوى بكر إلى غياب تعدد الخطابات الثقافية داخل المجتمع منذ عقود طويلة، تعود إلى الثمانينيات والتسعينيات، مشيرةً إلى أنّ ذلك الغياب أثّر على المثقف فأصبحت بنيته الثقافية بنية أحادية الثقافة في المجمل "رغم ما يزعم أحياناً من أغطية ثقافية يغلّف بها مشروعه وتبدو شديدة الحداثية، وهي في جوهر الأمر غير حداثية".

وتوضح سلوى بكر، في تصريح لـ "حفريات"، أنّ التعليم في مصر راكم نسيجاً معرفياً ثقافياً ماضوياً بكل أشكاله؛ "الماضوية ضاربة بأطنابها على المشهد الثقافي بشكل كبير جداً ومنذ فترة طويلة. إذاً بنية المثقف الآن لم تعد قابلة لفكرة التعدّد والاختلاف، ولم تعد ذات طابع موضوعي قابل لطرح الأفكار والتعامل معها على نحو تحليلي تفنيدي".

دور المثقف في المجتمعات

تشير بكر إلى أنّ السياقات العامة السياسية والاجتماعية لها دورها في تسلف المثقف: "قديماً كان هناك مشروع قومي بشكل أو بآخر، مشروع لطرد الاستعمار، مشروع للنهوض المجتمعي، مشروع يتعلق بالتعليم أو الثقافة أو الصناعة، كلّ هذه الأشياء مجتمعة كانت تشكّل تياراً يأتي من خلاله ويتحرك فيه المثقف المصري فاعلاً مع هذا المشروع وقادراً على الدفع بجملة من الأفكار في هذا المشروع؛ لأنّ دور المثقف في المجتمع هو طرح أفكار".

توضح بكر: "المثقف ليس دوره المشاركة في مظاهرة أو مسيرة، فتلك مسألة يقوم بها سائر المواطنين، إنّما عندما نتأمل دور المثقف الأساسي سنجد أنّه متعلّق بطرح الأفكار في مجال من المجالات، أفكار تتعلق بالفنّ التشكيلي أو السينما أو التعليم، إلى آخره".

جدل واسع في المشهد العام في مصر بعد تصريحات في لقاء تلفزيوني بضرورة إلغاء عملية تحفيظ القرآن للأطفال في سنّ مبكرة، تحديداً في مدارس الإخوان المسلمين

وتشير بكر إلى أنّ هذا الدور غائب منذ فترة عن المثقف المصري: "لا أظنّ أنّ هناك فكرة طرحت تستحق التوقف تدفع بحركة المجتمع إلى الأمام، فإحدى إشكاليات التراجع في بنية المثقف الفكرية هي التراجع عن دوره. الملاحظ مثلاً أنّ معظم الصحافة الثقافية، بكلّ محتوياتها، تفتقد إلى فكرة الحوار الثقافي، الحوار بين فكرة وفكرة، ربما آخر حوار نذكره هو الذي كان بين الدكتور عبد العزيز حمودة والدكتور جابر عصفور في مجلة "أخبار الأدب"، وقبلها معركة الشعر الحديث بين العقاد وصلاح عبد الصبور، ومعركة طه حسين ومحمود أمين العالم وعبد العظيم أنيس، أما الآن فلا أحد يدخل معركة أفكار".

اختراق مؤسسات العقل المصري

الباحث عصام الزهيري يرى أنّ الحالة السلفية في خطاب "مثقفين" حالة تستحق التوقف، لافتاً إلى أنّها "مسألة تظهر من حين لآخر بشكل يبدو للبعض مفاجئاً أو صادماً، كما ظهر في سياق معارضتهم للدكتورة سلوى بكر".

يشير الزهيري، في تصريح لـ "حفريات"، إلى أنّ "جماعات الإسلام السياسي عموماً، والإخوان والسلفيين على الأخص، نجحوا خلال العقود الماضية في تحقيق اختراق لهياكل ومؤسسات العقل المصري على العموم، وفي مقدمتها مؤسسة التربية والتعليم، ولمؤسسة الثقافة والإعلام على الأخص".

الزهيري: الحالة السلفية في خطاب "مثقفين" حالة تستحق التوقف

يضيف الزهيري: "بدأت حروب تصفية وتهميش للفنانين والمثقفين، وضخّ دماء مغايرة في شرايين الهياكل الثقافية والأدبية، وبفضل التنظيم والامتثال والقدرة على التلون المعروفة لدى أبناء تيار الإسلام السياسي، بدأت تتشكّل شبكات قوية تكمن تحت غطاء سميك من النفاق الديني وادعاء احترام المقدس، وهدفها الأوحد دائماً حصار الفكر والعقل وقيم العقلانية والاستنارة والابداع، مع تشويه وتهميش نماذج الثقافة والفكر الحقيقية لصالح نشر ثقافة العنف والتصحّر".

ويلفت الزهيري إلى أنّ اتساع ذلك التواجد للمثقف السلفي ذهب بالثقافة بعيداً عن مقاربة قضايا الفكر وترسيخ قيم الوطنية والتمدّن، حيث "بات يستخدمها كما لو كانت بوقاً دعائياً موجّهاً لأيديولوجيته المتصحّرة، ويعتقد أنّه بذلك يضطلع بـ "رسالة مقدسة" هي "حماية الإسلام" وشنّ الحرب على قيم العقل والثقافة بكلّ تجلياتها الوطنية والتنويرية والحداثية".

الروائية سلوى بكر لـ"حفريات": بنية المثقف الآن لم تعد قابلة لفكرة التعدّد والاختلاف، ولم تعد ذات طابع موضوعي قابل لطرح الأفكار والتعامل معها على نحو تحليلي تفنيدي

يرى الزهيري أنّ تصريح سلوى بكر "عزف على جرح المثقف السلفي، سواء من جهة كشف واقع الاختراق الحاصل لمؤسسات الدولة الثقافية والتربوية، أو من جهة كشف عدوانية المثقف السلفي ضدّ العلم والعقل وبراءة منهما ولاءً للتلقين والاتباع، والنظر إليهما بعين التأثيم والتجريم والتكفير".

يرفض الزهيري اعتبار ردود أفعال جانب كبير من المثقفين ضدّ تصريحات سلوى بكر نوعاً من التردي والعودة للوراء: "مقارنة سريعة بين واقع الوعي والثقافة المصرية اليوم في معركتهما الوجودية ضدّ حصار السلفية والإرهاب والإسلام السياسي، ووضعهما منذ عقدين أو ثلاثة ينبئ بالعكس وبحدوث تغيّر واختلاف كبير في الأوضاع، فلو كنا بقينا في أوضاع مماثلة لما كان عليه الحال قبل عقدين أو ثلاثة للاقى مثقفون كثيرون، ربما بالعشرات، لا قدّر الله، ما يزالون يخوضون بنجاح حقيقي معركة مستقبل الوطن والثقافة بيننا اليوم، مصيراً يشبه مصير الشهيد الدكتور فرج فودة أو الدكتور نصر حامد أبو زيد".

مواضيع ذات صلة:

بين حرية التعبير وازدراء الأديان

سيف "ازدراء الأديان" يشهر في وجه حجّاج: حرية التعبير في القفص

10 شخصيات عربية وإسلامية تمّ تكفيرها..هل تعرفها؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية