
مع الذكرى الـ (43) لتدشين حركة النهضة (فرع إخوان تونس)، والذي يصادف 6 حزيران (يونيو)، فإنّ المآل السياسي والمجتمعي بل والتنظيمي الذي تقع تحت وطأته، يبدو كاشفاً عن المصائر والنتائج الحتمية لجماعة الإخوان، حيث تدخل في سباق مرير للوصول إلى الحكم، ومن ثم تصطدم بالسلطة والأنظمة الحاكمة على خلفية ممارساتها العنيفة والفاشية، كما في تجربتي مصر وتونس في العشرية السوداء بعد ما عُرف بـ "الربيع العربي"، غير أنّ الجماعة راهناً وإثر هذا العقد، تفاقمت أوضاعها بصدامها مع المجتمع الذي ساعد في نبذها وألح على انحسار دورها وهتف "يسقط حكم المرشد".
ذكرى مشؤومة
وفي تلك الذكرى التي تبدو مشؤومة بالنسبة إلى قطاعات عريضة اليوم بتونس، وصفت حكم الترويكا بأنّه كان بمثابة "عشرية سوداء"، حاولت النهضة البحث عن تموضعات في المجال العام، وأصدرت بيانها الذي طالبت فيه بالإفراج عن "المعتقلين السياسيين"، وهم متهمون في قضايا إرهاب وتحريض. ودعت "مكونات الحركة الديمقراطية التونسية إلى الالتقاء من أجل فرض توفير شروط الانتخابات الحرة والنزيهة".
في التجربة التونسية، ومنذ القرارات الاستثنائية للرئيس التونسي قيس سعيّد، فإنّ حركة النهضة يتكشف دورها المشبوه في تفكيك مؤسسات الدولة، لا سيّما الأمنية والقضائية، وتخضع قيادات الحركة المنتمية لتنظيم الإخوان، وعلى رأسهم زعيمها راشد الغنوشي، بشبكة تنظيماته الخارجية والدولية إلى المساءلة القانونية حول عدة قضايا مرتبطة بتسييس القضاء وإتلاف بعض مواد التحقيق في قضايا الاغتيالات، تحديداً حادثة محمد البراهمي وشكري بلعيد، ناهيك عن تسفير الشباب في مناطق النزاع والتوتر بليبيا وسوريا.
القضية المتهم فيها الغنوشي وصهره وقيادات أخرى من التنظيم والمعروفة بـ"التآمر على أمن الدولة"، والتي تم اختتام التحقيقات فيها قبل أيام قليلة، صرح الناطق بلسان المحكمة الابتدائية في تونس محمد زيتونة أنّ قاضي التحقيق تولى الانتهاء من التحقيقات في قضية التآمر المنشورة ضد قيادات الإخوان. وتشمل لائحة الاتهامات الغنوشي، وصهره رفيق عبد السلام، فضلاً عن ماهر زيد ويوسف النوري وأحمد مشرقي ومحمد الصامتي ومقداد الماجري. وتابع: "بعد توجيه تهمتي ارتكاب مؤامرة للاعتداء على الأمن الداخلي والاعتداء المقصود منه تبديل هيئة الدولة وحمل السكان على مهاجمة بعضهم بعضاً، طبقا لأحكام الفصلين (68 و72) من المجلة الجزائية، وإحالتهم تبعاً لذلك على أنظار دائرة الاتهام بمحكمة الاستئناف بتونس".
لهذا، قال الرئيس التونسي: إنّ الحوادث التي تشهدها البلاد مؤخراً لمحاولة بعث استقطاب سياسي وإحداث حالة من الانقسام المجتمعي قبل الانتخابات، لا تبدو جماعة الإخوان بريئة منها تماماً، حيث إنّها تسعى نحو القفز على أيّ حراك شعبي وتوجيهه لحساب أجندتها ومصالحها الضيقة لعودتها إلى الحكم وخصومتها مع قيس سعيّد، بينما لا تكشف عن نشر الشائعات للهدف ذاته فضلاً عن التشويش.
ابتعاث الفوضى
وفي لقاء جمع قيس سعيّد بوزير الداخلية التونسي خالد النوري، أوضح أنّ النهضة تسعى لبث الفوضى وزعزعة الاستقرار "لغايات انتخابية مفضوحة". وقال إنّ "عدداً من هذه الأحداث لا هي طبيعية ولا هي بريئة، والهدف منها زعزعة الاستقرار وبثّ الفوضى لغايات انتخابية مفضوحة". وشدد على "ضرورة مضاعفة الجهود بهدف التصدي لكل أنواع الجريمة، في ظل الاحترام الكامل للحقوق وللحريات ولكرامة الذات البشرية". وطالب الرئيس التونسي بـ "مزيد من اليقظة، وتحميل المسؤولية كاملة لمن يقف وراءها بهدف افتعال الأزمات".
في حديثه لـ (حفريات)، يوضح الكاتب والسياسي التونسي ناصر التليلي أنّه ينبغي الأخذ بعين الاعتبار أنّ مشروع الإخوان المسلمين الكلاسيكي الذي تمّت "صناعته في مطلع القرن الـ (20) قد انتهى، وهذا معروف للجميع، وهو تركيبة بريطانية، ومن ثم تحول إلى رخصة، وقد أخذته الولايات المتحدة واستفادت منه وكانت له (3) مهام؛ وهي العمل على الوجدان الشعبي للمسلمين، ويشكل أغلبية في المنطقة، وأن يدخل مفهوم أنّ الوطن هو حفنة تراب عفن مقولة سيد قطب المؤسس الثاني للجماعة، وكل ذلك بارتباطات استخبارية في دوائرها المختلفة لأهداف عديدة سياسية محلية وإقليمية، وهذه المهمة الوظيفية القديمة لم تعد قائمة. ومن بين تلك المهام التي تتولى الجماعة تحقيقها تبديد أيّ محاولة للتقدم والتطوير، وتفتيت المجتمع من خلال تعميم الطائفية والنزعات الهوياتية، وإحداث بلبلة، وهذه المهام الأخيرة مستمرة إلى اليوم".
ويشير الكاتب والسياسي التونسي إلى أنّ الإخوان ساهموا تاريخياً في أدوار وظيفية باتت معروفة، وهي مواجهة الشيوعية بالمنطقة وتمدد الاتحاد السوفييتي بالمنطقة، وذلك عبر نشر شائعات أو اتهامات "التكفير" التي تلاحقهم. والسياق التونسي لا يكاد يختلف، خلق كتل "قطعانية لم تعد تنفع معهم الإخوان في تونس، وهناك تحالف مع عصابات تنهب البلاد وتمد خيوط مصالحها مع الأطراف الخارجية، والإخوان اصطفوا في تونس لتلبية خدمات بعض الأطراف التي لها مصالح مشبوهة بالبلاد وجعلها لقمة سائغة، وليس تونس فقط وإنّما لعدد من البلدان، وتحديداً في منطقة الساحل وأفريقيا عبر الجيوب الإخوانية، وجاءت تجربة قيس سعيّد مع آخرين من رجال الدولة والنخب الوطنية لتنهي هذا الوضع المأزوم، وسعيّد له امتداد شعبي هائل، وهذا الامتداد يتصدى ويشكل حائط صد أمام الشائعات الإخوانية، ويحول دون حدوث عمليات التخريب ومحاولات الهدم التي تسعى لها عناصر النهضة بشكل محموم، لكنّها أخفقت جميعاً. وزيارة قيس سعيّد للصين وانفتاحه الإقليمي والدولي يؤكد أنّ الرئيس التونسي يمضي في مهمته، وأنّ المشروع الإخواني انتهى".
يتفق والرأي ذاته الباحث التونسي الجمعي قاسمي الذي لم يتردد في حديث له بأنّ غالبية التونسيين لديهم إجماع تام على أنّ المرحلة التي حكم فيها إخوان تونس تراكم فيها الفساد بشكل ممنهج، وأصاب قطاعات عديدة تتخطى المجال المالي والاقتصادي إلى السياسي والمجتمعي، وبالتالي فالمجتمع بكافة فئاته يرفض أيّ عودة لهم، وباتت الحركة منبوذة محلياً وإقليمياً ودولياً، موضحاً لـ (حفريات) أنّ الملفات التي تبرز "فساد قادة حركة النهضة هي أمام القضاء، وما تزال تتكشف جرائم عديدة، الأمر الذي يحتاج إلى إرادة سياسية صلبة وقوية لن تتحقق سوى بالدعم المجتمعي المصطف ضد أيّ عودة للإخوان".
ويردف: "ما نشهده اليوم من ملاحقات قضائية ضد عدد كبير من رموز هذه الحركة الإخوانية، وخاصة منهم أولئك الذين تسلّموا في فترات سابقة حقائب وزارية مهمة، ما زال بحاجة لتوسيع دائرته ليشمل بالفعل قضايا الفساد المتعددة التي لم تُفتح ملفاتها بعد".