يوماً بعد آخر، يتضح المخطط الاستعماري للعثمانيين الجدد في سوريا، فرغبة أنقرة لا تتوقف على تمويل التطرف وزراعة الفوضى في شمال بلاد الشام، بل إن هذه التحركات ما هي إلا وسائل في يد رجب إردوغان من أجل تحقيق حلمه الأكبر بإحياء إمبراطورية العثمانيين المقبورة عبر ضم الشمال السوري بالكامل إلى تركيا، ويبدو أنه لم يجد أفضل من منظمة الذئاب الرمادية لتقوم بدور طليعة الغزو العثماني الجديد.
الذئاب الرمادية (ألكو أوجاق)، منظمة قومية متطرفة تعتمد الإرهاب والعنف في نشر أيديولوجيتها القائمة على العنصرية التركية، وتعد التنظيم المسلح لحزب الحركة القومية، الحليف البرلماني لحزب "العدالة والتنمية" الحاكم بقيادة إردوغان، الأخير عمل على مزج الأفكار القومية العنصرية بأفكار العثمانية الجديدة ذات الطابع الديني المتشدد، لينتج عنها الإردوغانية القائمة على أفكار عدوانية تسترجع ميراث الغزو واحتلال الدول المجاورة.
فمنذ استفتاء 2017 الذي انتقل بتركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي، خرجت إلى العلن العلاقة بين حزب العدالة والتنمية الحاكم، ومجموعة الذئاب الرمادية المصنفة إرهابية في الولايات المتحدة وروسيا والدول الأوروبية.
لم يجد إردوغان أفضل من مهاويس الذئاب الرمادية لتنفيذ مخططاته في سوريا، فالمنظمة تمتلك نحو نصف مليون عضو موزعين على 1700 فرع في مختلف مدن تركيا، ورغم أنها مصنفة كمنظمة إرهابية دوليًا، إلا أن إردوغان لم يجد غضاضة في استخدامها لتنفيذ مآربه في سوريا.
تكليف بالإرهاب
المرصد السوري لحقوق الإنسان رصد في فبراير 2018، تواجد ميليشيات الذئاب الرمادية في مدينة عفرين السورية التي تحتلها تركيا منذ مطلع العام 2018 في أعقاب عملية "غصن الزيتون"، تواجد العناصر المتطرفة في الشمال السوري جاء بناء على تكليف مباشر من أنقرة، بهدف تفريغ شمال سوريا من تركيبته السكانية من العرب والأكراد، ما يسهل من عملية زرع التركمان من أجل تتريك مدن الشمال السوري.
مشاركة الذئاب الرمادية في الحرب السورية رصدها المركز الأوروبي لحقوق الإنسان، الذي أكد أن المنظمة التركية الإرهابية تساند التركمان في سوريا بالمساعدات العسكرية والمقاتلين من أعضاء حزب الحركة القومية، وقُتل العديد منهم في معارك مع الجيش السوري.
بل إن الذئاب الرمادية شاركت في حادثة إسقاط القاذفة الروسية في ٢٤ نوفمبر ٢٠١٥، حين قُتل الطيار أثناء هبوطه بالمظلة بنيران فصائل تركمانية تعمل تحت قيادة ألب أرسلان جيليك، وهو مواطن تركي، وعضو في الذئاب الرمادية، والذي لاحقته السلطات الروسية وطلبت من تركيا تسليمه بعد ورود معلومات عن إخفائه من قبِل استخبارات إردوغان في إزمير.
فيلق الساحل
صحيفة انتظار التركية قالت في تقرير لها فبراير 2016، إن أنقرة استخدمت ميليشيات الذئاب الرمادية بجانب ميليشيات داعش والنصرة والعصابات المسلحة الموالية لأنقرة، من أجل السيطرة على الشمال السوري، ولو على حساب دماء المواطنين الأبرياء.
لذا لم تكن مفاجأة أن يشارك كبار قيادات حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" في جنازة الإرهابي سلامي أينور، رئيس منظمة "الذئاب الرمادية" في مدينة جريسون عام 2014، وجاءت المشاركة الحزبية "تعبيراً عن الوفاء لما أداه أينور لإردوغان كممثل للتركمان في سوريا" حسب تصريحات عائلته في ذلك الوقت.
بعدها بدأت الخيوط في التكشف سريعا، إذ تأكد أن التنسيق بين تلك الميليشيات وأنقرة يمر عبر الاستخبارات التركية (MİT ) التي بدأت التنسيق مع قائد لواء شهداء التركمان عادل أورلي، فظهرت أنباء عن لقاء أعضاء الاستخبارات مع أورلي بجانب أعضاء آخرين من حزب الحركة القومية والذئاب الرمادية في إسطنبول عام 2014.
حسب "انتظار" اتضح أن هذا اللقاء كان ضمن جهود أنقرة لتوحيد ميليشيات التركمان تحت مظلة واحدة تقود باقي الميليشيات والعصابات الأخرى التابعة لها من أجل إرهاب الأهالي بشمال سوريا، لتحقيق التغيير الديموغرافي المنشود بعيداً عن أية محاسبة دولية أو عقوبات قد تطال الجيش التركي، في حالة ارتكابه لها بشكل مباشر.
عرفت تلك الجبهة بـ "فيلق الساحل"، والذي ضم لواء جبل التركمان وميليشيات منتصر بيلاه والسلطان محمد الفاتح، وفرقة السلطان سليم يافوز، وكتيبة "المغيرون 1071"، وغيرها من التنظيمات التي كونت ما عرف بفيلق الساحل الثاني في اجتماع تم بأنقرة يوليو 2015.
وضعت أنقرة يدها على قيادة فيلق الساحل عندما منحتها لأعضاء الذئاب الرمادية قيادته، فكان عضو المنظمة أحمد أرنافوت هو القائد العام ومعه بشار مولا، وكل من عمر عبدالله وعادل أولي كقادة ميدانيين، وكلهم مرتبطون بعمليات قتل وجرائم مع جبهة النصرة الإرهابية.
مؤامرة احتلال
بعد نجاح الأكراد في إحباط هجوم داعش على تل أبيض مايو 2015، بدأت أنقرة تروج لقيام الأكراد بتطهير عرقي ضد الأقلية التركمانية، لتجد مبرراً للترويج عبر وسائل الإعلام الموالية، بشأن اتخاذ قرار بتدخل عسكري تركي عبر مشاركة قوات الجيش بجانب 5 آلاف مقاتل من جيش التركمان الذي قامت بتكوينه جهاز الاستخبارات التركي، والحجة الجاهزة هي حماية الأقلية التركمانية.
انتظار" قالت إن الهدف من الدفع بالذئاب الرمادية على رأس ميليشيات أنقرة، كان هدفه ليس فقط تنفيذ المخطط التركي في شمال سوريا، بل استخدامهم كورقة مغازلة من قبل لإردوغان لإقناع حزب الحركة القومية، بمساعيه لتغيير نظام الحكم في تركيا من البرلماني إلى الرئاسي، وذلك بظهور الرئيس التركي كرجل يستهدف الأكراد أعداء القوميين الأتراك التاريخيين.
إردوغان أطلق آلته الإعلامية كنوع من الغطاء لميليشيات الذئاب الرمادية، إذ بدأت حملة لمحاربة ما وصف بـ "الإبادة الجماعية لمناطق التركمان على يد نظام الأسد والروس"، ودعت للإعداد لما سمته بـ"معركة الوطن"، وتحت هذا القصف الإعلامي بدأت تحركات الميليشيا على الأرض لتكتسح المناطق الريفية الواقعة بين هاتاي التركية واللاذقية السورية، عبر التعاون مع جبهة النصرة، من أجل تنفيذ عمليات تطهير عرقي ضد العلويين والأكراد.
وعند انتهاء المهمة بدأت في الانسحاب أمام قوات الجيش التركي، وكانت نقطة الدعم اللوجستي ومعسكرات تلك التنظيمات على حدود محافظة هاتاي التركية، بمنطقة يايلا داغ حيث يتمركز فيلق الساحل.
عفرين في قبضة الذئاب الرمادية
وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان المعارض في عام 2019 انتهاكات تلك المنظمة في مدينة عفرين، ابتداءً من مرحلة الغزو حين ظهر أعضاء من المنظمة بجانب متطرفين وهم يقومون بتشويه وإهانة جسد إحدى المقاتلات الكرديات بعد مقتلها عام 2018.
الانتهاكات شملت كذلك عمليات اختطاف لطلب الفدية مقابل إطلاق سراح المختطفين ونهب للمنازل وللسكان وفرض الإتاوات وقطع أشجار الزيتون، وكل ذلك تحت سمع وبصر قوات الجيش التركي التي ترفض حتى كتابة تقارير أو شكاوى بحق هؤلاء لتوثيق ما يرتكبونه ضد السكان.
حسب المرصد وبعد خضوع المدينة لقصف عنيف لمدة 60 يوماً، والقيام بالمذابح ضد المدنيين واستهداف المستشفيات والمدارس والمزارع، قامت أنقرة بتوطين الموالين لها وعائلات الجهاديين الذين يتم طردهم وهزيمتهم من مناطق الغوطة الشرقية وريف دمشق وجنوب سوريا وريفي حمص وحماه، على حساب نحو 350 ألفاً من سكان المدينة ذات الأغلبية الكردية، في ظل عمليات النهب والسرقة والإغارة على المنازل والممتلكات التي تقوم بها ميليشيات أنقرة ويتقدمهم الذئاب الرمادية.
شعار الذئاب بدلاً من التعليم
لم تكن تهديدات أولجاي كلافوز رئيس منظمة الذئاب الرمادية السابق عام 2016 باستعادة أمجاد الأجداد في حلب إلا مقدمة لخطة تعدها تركيا لنشر دعايتها واستعادة حلم الخلافة الضائع على حساب جيرانها العرب. كلافوز وحسب صحيفة قرار صرح أثناء إرسال شاحنات المساعدات لميليشيات أنقرة في سوريا: "لا يمكن ترك ميراث أجدادنا في سوريا وفي حلب، للأسف يعاني أهالينا وأصدقاؤنا من القتل لمدة 6 سنوات بفعل الحرب الجارية هناك، لا يمكن أن نصمت على هذا الأمر".
كان لابد من استهداف أجيال سوريا الجديدة لتحقيق هذا الأمر، فقد أفادت صحيفة في دي سي ، أن المنظمة فرضت على أطفال إحدى دور الأيتام في عفرين ترديد العبارات العنصرية ورفع الشعار الخاص بالمنظمة، وأظهرت مقاطع الفيديو التي تم تداولها أثناء افتتاح دار الأيتام في منطقة بلبول بعفرين السورية تعليم المدرسين والمشرفين الأتراك للطلاب القيام بشعار المنظمة.
وفي سياق آخر وإمعاناً في سياسة اغتصاب الأرض، أفادت الصحيفة أن تركيا في العام الجاري قامت بالبدء في بناء سور حول مدينة عفرين تمهيداً لضمها بشكل نهائي وعزلها عن باقي الأراضي السورية، ومنع عودة مئات الآلاف من النازحين الأكراد لمنازلهم مرة أخرى، بعد أن تركوها على إثر الحملة العسكرية التركية على المدينة.
تحدث موتلو تشفير أوغلو أحد المحللين الأتراك المتخصصين في الشأن الكردي أن هذا الأمر يأتي تمهيداً من أنقرة لضم عفرين والاستيلاء عليها حيث قال: "منذ العام الماضي حين سيطرت تركيا على عفرين بواسطة قواتها والميليشيات الحليفة لها وتتم إدارة المدينة بواسطة السلطات المحلية في محافظة هاتاي الحدودية."
تشفير أوغلو أشار أيضاً إلى أن ذلك يأتي لحماية القوات التركية التي تشهد خسائر جراء مقاومة قوات تحرير عفرين، حيث قال: "مصادر أخرى أوضحت لنا أن هذا السور يأتي كذلك لضمان أمن القوات التركية بعد تزايد عمليات استهداف قوات تحرير عفرين (HRE) للأتراك حيث عانوا من خسائر في الأوانة الأخيرة شملت جنوداً و ضباطاً وعناصر من الميليشيات الحليفة".
عن "عثمانلي"