الدور الغامض لكوريا الشمالية في الشرق الأوسط

الدور الغامض لكوريا الشمالية في الشرق الأوسط

الدور الغامض لكوريا الشمالية في الشرق الأوسط


كاتب ومترجم جزائري
06/02/2023

ترجمة: مدني قصري

باعت كوريا الشمالية أسلحة لعدد من دول الشرق الأوسط على مدى عقود، ويقول المحللون إنّ بيونغ يانغ لا تزال مورّداً رئيسياً للأسلحة لدول المنطقة - لا سيما إيران والجهات الفاعلة غير الحكومية، وأحياناً لحلفاء الولايات المتحدة.

قال بروس بيشتول، أستاذ العلوم السياسية في جامعة أنجيلو ستيت Angelo State University  الذي كتب الكثير عن تجارة الأسلحة في كوريا الشمالية "لا تزال إيران تعتمد بشدة على كوريا الشمالية في أسلحتها التقليدية، تماماً كما فعلت أثناء الحرب الأهلية السورية".

دور كوريا الشمالية الغامض في سوق السلاح بالشرق الأوسط.

"الكثير من هذه الأسلحة يذهب إلى وكلاء مثل الحوثيين وحزب الله والميليشيات الإيرانية. لكنّ المقاتلين الإيرانيين يستخدمونها أيضاً. يظل الدافع الرئيسي لتعاون بيونغ يانغ مع طهران مالياً وليس أيديولوجياً. في الثمانينيات صدّرت كوريا الشمالية إلى حدّ كبير أسلحة رخيصة وغير متطورة إلى البلدان النامية. ما يصل إلى 90٪ من هذه الأسلحة ذهبت إلى إيران وليبيا خلال تلك الفترة.

عندما انهار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 أصبحت بيونغ يانغ يائسة ومعزولة بشكل متزايد. مع اقتراب اقتصادها من حافة الهاوية صارت أكثر استعداداً لبيع أسلحة متطورة إلى الشرق الأوسط لكسب المال. خلال هذه الفترة عرضت إسرائيل استثمار مبلغ هائل في الاقتصاد الكوري الشمالي المتعثر مقابل حصولها على ضمانات من بيونغ يانغ بعدم بيعها  صواريخ بعيدة المدى لأعداء إسرائيل في الشرق الأوسط. لكن لم تتحقق الصفقة أبداً، على الأقل جزئياً بسبب المعارضة الشديدة من قبل واشنطن المرتابة.

عرض عسكري لقوات كورية شمالية

وقال بيشتول: "أصبحت صادرات بيونغ يانغ إلى الشرق الأوسط بعد عام 1991 أكبر بكثير من تلك التي كانت خلال الحرب الباردة". في الثمانينيات أنجزت كوريا الشمالية مبيعات أسلحة ضخمة لفائدة إيران، بما في ذلك الأسلحة التقليدية وصواريخ سكود B / C. ولكن منذ عام 1991 واصلت كوريا الشمالية بيع الأسلحة لإيران، كما بنت فيها منشآت لتصنيع الصواريخ.

كما باعت كوريا الشمالية أيضاً صواريخ إيران نو دونغ Iran No Dong، وصاروخ موسودان Musudan وقِطع من صاروخ تايبو دونغ Taepo Dong، وتعاونت معها، حسب بيشتول، في مشاريع مثل دافع الصواريخ 80 طناً ton rocket booster 80 - على الأرجح صاروخ باليستي عابر للقارات (ICBM). اشترت سوريا صواريخ سكود سي وسكود دي من كوريا الشمالية "بالإضافة إلى أسلحة كيماوية"، بحسب بيشتول. على الرغم من تمتع بيونغ يانغ وطهران بسنوات من التعاون العسكري إلا أنّ بيشتول يقول إنّ الإشاعات حول تبادل التكنولوجيا بين البلدين "غير صحيحة تماماً". وأضاف "كوريا الشمالية هي البائع وايران هي المشتري". إنّ برامج صواريخ كوريا الشمالية - خاصة تلك التي تشتري منها إيران - متقدمة جداً على برامج صواريخ إيران".

عملاء خارج سيادة الدول

ليس سراً أنّ أسلحة كوريا الشمالية غالباً ما تنتهي بين أيدي جهات فاعلة غير حكومية في الشرق الأوسط، واليمن خير مثال.

في عام 2022 استولت البحرية الأمريكية على سفينة شحن كورية شمالية تحمل 15 صاروخاً باليستياً من نوع سكود في طريقها إلى اليمن. كانت هذه الشحنة هي الأحدث في سلسلة من عمليات التسليم التي بدأت في التسعينيات، عندما طلبت صنعاء صواريخ من بيونغ يانغ.

في عام 2015، بعد وقت قصير من تدخل المملكة العربية السعودية في الحرب الأهلية في اليمن بدأ الحوثيون بإطلاق صواريخ باليستية كانوا قد استولوا عليها في الترسانة العسكرية اليمنية السابقة. كانت الصواريخ على الأرجح هي نفسها تلك التي سلمتها بيونغ يانغ في وقت سابق – مشتق سكود الذي باعته كوريا الشمالية للجيش اليمني هو صاروخ Hwasong.

يظل الدافع الرئيسي لتعاون بيونغ يانغ مع طهران مالياً وليس أيديولوجياً. الكثير من هذه الأسلحة يذهب إلى وكلاء مثل الحوثيين وحزب الله والميليشيات الإيرانية

بينما كانت هذه الأسلحة الكورية الشمالية موجّهة للجيش اليمني السابق فقد سعت بيونغ يانغ أيضاً إلى تسليح الحوثيين مباشرة في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض على اليمن. في عام 2019 كشفت لجنة من خبراء الأمم المتحدة أنّ كوريا الشمالية زوّدت "المتمرّدين الحوثيين في اليمن بالأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة والمعدات العسكرية الأخرى" باستخدام تاجر أسلحة سوري كوسيط.

سعت بيونغ يانغ أيضاً إلى "تزويد الجماعة بمجموعة واسعة من الأسلحة التقليدية والصواريخ البالستية".

مبيعات لحلفاء أمريكيين

كما اشترت قوى أخرى في الشرق الأوسط، متماشيةً نظرياً مع المصالح الأمريكية، أسلحةً كورية شمالية، بعضها من وقت قريب نسبياً.

في عام 2017 تم الكشف عن رجال أعمال مصريين طلبوا 30 000 قنبلة صاروخية من بيونغ يانغ ( كوريا الشمالية واحدة من أكبر مصدري الأسلحة الخفيفة في العالم ) بموجب اتفاقية بقيمة 23 مليون دولار باسم الجيش المصري.

دفعَ إرسال هذه الشحنة إدارة ترامب إلى تجميد 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر. في ذلك الوقت قالت القاهرة إنها "قد قطعت جميع العلاقات العسكرية مع كوريا الشمالية" والتي يعود تاريخها إلى حقبة الحرب الباردة.

 أسلحة كوريا الشمالية غالباً ما تنتهي بين أيدي جهات فاعلة غير حكومية في الشرق الأوسط

قال سكوت كارداس، المحلل في شؤون آسيا والمحيط الهادئ في مؤسسة RANE Risk Intelligence وهي شركة استخبارات حول المخاطر "تقيم مصر علاقات وديّة مع كوريا الشمالية، ولكن من المرجح للغاية أنّ المصريين لا يستوردون أسلحة من كوريا الشمالية، وفاءً بوعدهم في عام 2017، لأنّ مصر ستخسر أكثر بكثير مما يمكن أن تكسبه من خلال شراء أسلحة كوريا الشمالية وانتهاك العقوبات".

ويعتقد كارداس أنّ إيران قد ترغب في العمل مع كوريا الشمالية لتطوير برنامجها للصواريخ الباليستية، مما يمنحها المزيد من الخيارات على صعيد التصعيد".

وأضاف أنّ إيران لن تعتمد على كوريا الشمالية في مجال الأنظمة أو المواد، ولكنها تسعى للاستفادة من خبراتها ومستشاريها لتطوير برامجها الخاصة.

مع استمرار مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية إلى المنطقة فإنّ كارداس يشك في أن تكون بالحجم الذي كانت عليه في العقود الأخيرة.

محلل عسكري: من المرجح أن تنخفض مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية إلى الشرق الأوسط، ولكن من الصعب تتبّع مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية بسبب عدم الشفافية

وقال كارداس "من المرجح أن تنخفض مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية إلى الشرق الأوسط، ولكن من الصعب تتبّع مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية بسبب عدم شفافية اتفاقيات الأسلحة هذه".

وأضاف كارداس "البلدان التابعة للأمن الأمريكي من غير المرجح أن تنتهك العقوبات، لأنها ستخسر أكثر بكثير مما ستكسبه إذا انتهكت العقوبات الأمريكية".

منافسة كوريا الجنوبية

مع انخفاض مبيعات الأسلحة الكورية الشمالية إلى الشرق الأوسط تستمر مبيعات كوريا الجنوبية في الزيادة. لقد حققت سيول بالفعل مبيعات أسلحة كبيرة في المنطقة.

على سبيل المثال مدفع هاوتزر T-155 Firtina التركي ذاتي الدفع نسخةٌ متغيّرة مرخَّصة لنظام كوريا الجنوبية K9 Thunder. شهدت طائرة T-155 معارك كثيرة في العمليات التركية عبر الحدود في سوريا والعراق على مدى العقد الماضي. كما أنّ دبابة Altay الرئيسية التي تقوم تركيا بتطويرها، وهي أوّل دبابة من صنع تركيا نسخة متغيّرة مطابقة أيضاً للدبابة الكورية الجنوبية K2 Black Panther.

في السنوات الأخيرة حصل العراق على عشرين طائرة تدريب من طراز T-50 Golden Eagle من كوريا الجنوبية. ومن المتوقع أن تزيد مبيعات الأسلحة من سيول إلى الشرق الأوسط في السنوات القادمة.

في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) سافر ولي العهد السعودي القوي محمد بن سلمان إلى كوريا الجنوبية وأعرب عن استعداده لتوسيع التعاون العسكري الثنائي. كما اقترح الرئيس الكوري الجنوبي أن تتمكن الرياض وسيول من إنتاج أسلحة على الأراضي السعودية بشكل مشترك.

تُزوّد كوريا الجنوبية مشتري معداتها بعمليات نقل تكنولوجية كبيرة، إذ تتيح لهذه البلدان بناء هذه الأنظمة أو متغيراتها بشكل مستقل – كما فعلت تركيا مع T-155 وتفعله الآن مع Altay. كما أبدت الرياض استعدادها لتطوير صناعة الأسلحة المتواضعة، مما يجعلها أقل اعتماداً على الواردات الأجنبية. وبالتالي لن يكون من المستغرب زيادة التعاون العسكري بين البلدين.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية