الدستور التونسي الجديد.. هل يؤدي إلى القطيعة السياسيّة مع الإخوان المسلمين؟

الدستور التونسي الجديد.. هل يؤدي إلى القطيعة السياسيّة مع الإخوان المسلمين؟


16/06/2022

في تونس يتواصل الجدل حول مواد الدستور الجديد، في ظل تباين الآراء، وتداخل الرؤى، بالتزامن مع تأكيد الصادق بلعيد منسق الهيئة الاستشارية الوطنية، على أنّه "ستتم المحافظة في الدستور الجديد، على الدور الاجتماعي للدولة، ولن يتم المساس بحقوق التونسيين".

بلعيد لم يؤكد إلغاء الهوية الإسلامية لتونس في الدستور الجديد، مؤكداً أنّه "سيتم التنصيص على هذا المبدأ الأساسي، في المكان المناسب في نص الدستور، وليس من الضروري التنصيص عليه في الفصل الأول". مضيفاً: "الإسلام هو تحديد لعلاقة الإنسان بخالقه، على غرار الديانات الأخرى، كما أنّه لا توجد مزايدة على أنّنا أمة عربية إسلامية". مستطرداً: "لأول مرة في تونس، وفي تاريخ الدساتير المقارنة، سيتم الاهتمام بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية في الدستور، وهو ما سيميزه عن باقي دساتير العالم".

وكشف بلعيد، في حوار مع التليفزيون الرسمي الثلاثاء، أنّ رئيس الجهورية سوف يتولى اختيار وتعيين رئيس الحكومة بعد الانتخابات، وليس الحزب الفائز بالأغلبية، كما ينصّ دستور 2014، بينما يظل مجلس النوّاب "على مستوى دوره التشريعي فقط، في حين سيكون دور رئيس الجمهورية بالمقابل، أعلى من الهياكل الدستورية والهياكل الحزبية". وأضاف: "سيتم إلغاء الهيئات التي تم إحداثها سابقاً، مقابل إحداث هيئات دستورية جديدة متوازنة".

حركة النهضة تنادي بمقاطعة الاستفتاء

من جانبها، أعلنت حركة النهضة التونسيّة، الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين، في بيان رسمي صدر عن مكتبها التنفيذي، الإثنين الماضي، التمسك بدستور العام 2014، ومقاطعة الاستفتاء على الدستور الجديد للبلاد، المقرر في 25 تمّوز (يوليو) المقبل، زاعمة أنّ الاستفتاء "لا هدف له؛ إلّا تزوير إرادة الشعب؛ لإضفاء شرعية مفتعلة على منظومة حكم فردي استبدادي".

الصادق بلعيد: رئيس الجهورية سوف يتولى اختيار وتعيين رئيس الحكومة بعد الانتخابات

حركة النهضة استنكرت ما أسمته بـ"مساعي الانقلاب؛ لتمرير مشروع الدستور وتزوير إرادة الشعب؛ باستفتاء فاقد لكافة معايير النزاهة والشفافية، عبر هيئة انتخابات منصبة وفاقدة لأيّ استقلالية في عملها".

الحركة الإخوانية حاولت من جديد توظيف الدين لصالح أجندتها السياسيّة؛ حيث استنكرت ما زعمت أنّه "المساس بالهوية الإسلامية في الدستور الجديد"، ونددت "بإثارة قضايا حسمها الشعب منذ الاستقلال، وضمنها في الفصل الأول والثاني من دستور الثورة، واستنكرت كذلك ما وصفته بــ "المحاولات الرخيصة والخطيرة؛ لتوظيف هذه القضايا في إقصاء المخالفين". محذرة في الوقت نفسه من "محاولات المساس بثوابت الشعب، وهويته العربية والإسلامية ومدنية دولته".

 

رضا لاغة: هناك رغبة في الطعن والتشكيك في مصداقية الهيئات المستقلة؛ بهدف عدم الخروج من عنق الزجاجة، واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في الدولة التونسيّة

 

ويبدو أنّ حركة النهضة استشعرت الخطر، ففي حال منع توظيف الدين في المسار السياسي، سوف تفقد الحركة قدرتها على الحشد والتعبئة، وممارسة الابتزاز الديني، الأمر الذي يفقدها بشكل نهائي، القدرة على العودة إلى المشهد السياسي.

جدل بلا معنى وهوية محسومة

بدورها أكدت وفاء الشاذلي، عضو لجنة صياغة الدستور، أنّ صياغة الدستور الجديد لن تتوقف على أحد، ولفتت إلى أنّ اللجنة تواصل أعمالها بدأب، وتعهدت بتجهيز النسخة الأولية للدستور في غضون أسبوعين.

الشاذلي لفتت إلى أنّ التصريحات المتعلقة بشأن "استبعاد المادة الخاصّة بأنّ الإسلام هو الدين العام للبلاد، أثارت جدلاً كبيراً، وردود أفعال متفاوتة، خاصّة من قبل من يتاجر بالدين، وهناك من يستغل الأمر، خاصّة في ظل وجود أقليات غير مسلمة". كما أكدت أنّ مسودة الدستور، حتى الآن، لا تتضمن أيّ بنود تمنع الإضراب، وأنّ البعض قام بتفسير التصريحات على هواه، لإثارة اللغط، وإحداث نوع من التوتر.

وفاء الشاذلي: اللجنة تواصل أعمالها بدأب

وفي تصريحات لقناة الغد، أكد الأكاديمي والباحث السياسي، خالد عبيد، أنّ "الجدل المتعلق بمسألة الديانة، لا يجب النظر إليه هكذا، باعتبار أنّ مسألة الهوية في تونس محسومة، فتونس لديها هويتها العربية الإسلامية".

بدوره، ردّ رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في تونس، فاروق بوعسكر، على الاتهامات التي تطلقها حركة النهضة، حيث قال في لقاء خاص مع قناة الغد، إنّ "الهيئة جاهزة تنظيمياً ولوجستياً لتنظيم الاستفتاء على الدستور". مؤكداً أنّ التشكيك المتلاحق في استقلاليتها لا يعدو كونه مزايدة سياسية.

حازم القصوري: الدستور الجديد سيكون حاسماً في القطيعة مع الإخوان المسلمين، مؤكداً أنّ تونس تمر بمرحلة انتقالية مهمة، بعد مخاض طويل، نحو انتهاج مسار جديد وحقيقي تجاه التغيير السياسي

وخلال اللقاء نفسه، قال الدكتور رضا لاغة، عضو المكتب السياسى لحركة الشعب التونسية، إنّ "بو عسكر لديه مسؤولية وطنية ثقيلة، باعتبار أنّ تونس تسعى للعبور للجمهورية الجديدة، مما قد يؤدي إلى حالة احتقان سياسي، ومحاولات عرقلة من قبل قوى سياسية بعينها". مضيفاً: "هناك رغبة في الطعن والتشكيك في مصداقية الهيئات المستقلة؛ بهدف عدم الخروج من عنق الزجاجة، واستمرار حالة عدم الاستقرار السياسي في الدولة التونسيّة".

من جهته، قال الناشط التونسي المتخصص في القانون الدولي، حازم القصوري، في تصريحاته التي خصّ بها "حفريات"، إنّ الدستور الجديد سوف يكون حاسماً في القطيعة مع الإخوان المسلمين، مؤكداً أنّ تونس تمر بمرحلة انتقالية مهمة، بعد مخاض طويل، نحو انتهاج مسار جديد وحقيقي تجاه التغيير السياسي، لتصحيح طريق ثورة شباب تونس، التي انطلقت في 17 كانون الأول (ديسمبر) 2010، وللأسف سرقها الإخوان المسلمون، قبل أن يقوم الرئيس قيس سعيّد، بانتهاج مسار تصحيحي، لا مكان فيه للإخوان.

حازم القصوري: إرادة الشعب التونسي وحدها، هي التي سوف تحسم المعركة

القصوري أثنى على أعضاء لجنة صياغة الدستور، باعتبارهم من أبرز فقهاء القانون الدستوري، مثمناً كلّ ما تواتر حول ملامح الدستور الجديد، باعتباره الركيزة الأساسيّة لبناء الجمهورية الجديدة، وأداة حاسمة لقطع الطريع أمام الفوضى التي أحدثها الإخوان المسلمون في الواقع السياسي التونسي، وكذلك حلفاؤهم من الحركات الإسلاموية، من خلال تحرير المشهد السياسي من المتاجرة بالدين الإسلامي؛ عبر منع توظيف الشعارات الدينية في الانتخابات، مؤكداً في الوقت ذاته أنّ إرادة الشعب التونسي وحدها، هي التي سوف تحسم المعركة، التي وصفها بالمصيرية، مع حركة النهضة والمتحالفين معها، وأنّ انتصار إرادة الشعب؛ تعني استكمال مسار التصحيح السياسي، الذي بدأته الثورة التونسيّة، واستكملته إجراءات 25 تمّوز (يوليو) الماضي.

مواضيع ذات صلة:

لماذا يعارض اتحاد الشغل التونسي مسار قيس سعيّد؟

تعديل الدستور التونسي.. لماذا ترفضه حركة النهضة الإخوانية؟

عن أية عواقب كارثية يتحدث محافظ البنك المركزي التونسي؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية