الخطأ الفادح من مجلة الأزهر في حق فلسطين..كيف وقع ولماذا؟

 الخطأ الفادح من مجلة الأزهر في حق فلسطين..كيف وقع ولماذا؟

الخطأ الفادح من مجلة الأزهر في حق فلسطين..كيف وقع ولماذا؟


09/01/2024

تحظى مجلة الأزهر -التي يصدرها مجمع البحوث الإسلامية- باهتمام واسع، لما تمثله من قيمة علمية كبيرة، فهي من أعرق المجلات التى اضطلعت بدور كبير فى تشكيل العقل المصري والعربي، بما حوته من بحوث ومقالات ثرية، وينتظر القُراء أول كل شهر عربي المجلةَ والإهداءَ الصادر معها، وهو عبارة عن كتابين يصدران مجاناً مع المجلة؛ كتاب تُصدره هيئةُ كبار العلماء بالأزهر الشريف، وكتاب يصدره مجمع البحوث الإسلامية، وكلها كتب تحظى بالقبول، كما حظيت بمقدمات مفيدة للدكتور نظير عياد، رئيس تحرير المجلة، أمين عام مجمع البحوث الإسلامية، وتسدّ المجلة خانةً في المكتبة المصرية والعربية، والقول إنّ أخطاء المجلة تقلل من قيمتها قول فيه إجحاف وظلم لتاريخ طويل للمجلة، التي تولى قيادتها قامات علمية كبرى من أمثال العلامة محمد فريد وجدي، ومحمد رجب البيومي، وحمدي زقزوق، كل ما هناك هو وجوب التنبه للأخطاء، حتى تظل المجلة لها تقديرها.

أخطاء متكررة

يحدث أن تقع المجلة في أخطاء قد يرى القارئ أنّها تمثل استهتاراً، وقد كتبت مقالاً طويلاً في جريدة (الوطن) المصرية حول قيام أحد أساتذة الأزهر بسرقة مقال بنصه وفصه للدكتور المرحوم محمد رمضان البوطي، ونشره باسمه، ثم جاءت مجلة الأزهر في الشهر الذي يليه، وقدمت اعتذاراً عن الخطأ، لكنّها أرجعت الأمر إلى خطأ فني بوضع اسم الدكتور الأزهري مكان الدكتور البوطي، علماً أنّ البوطي لا يكتب في المجلة.

عدد مجلة الأزهر

ومن هذه الأخطاء إصدار كتاب لشخص سبق أن عمل عضواً في مكتب الإرشاد وعضواً في الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان، وإن كان الكتاب نفسُه ليس فيه مشكلة، ومن ذلك أن تقرأ موضوعاً في الفهرس غير مدرج داخل المجلة، مثل: مقال "أيام لها تاريخ... يوم سقطت غرناطة" للأستاذ عبد الله كمال، وهو غير موجود في المجلة، ومثل: تكرار الموضوع مرتين، مثل موضوع: "ذكرى المولد النبوي الشريف" للدكتور (السيد محمد السيد عبد النبي) الذي جاء مرة فى الصفحة رقم (624) والصفحة رقم (609)، ولا شك أنّ الأخطاء الفنية لا يتحملها المجلس العلمي للمجلة، إلا من باب المراقبة والمتابعة، وأن تكون قضية المجلة وما فيها تشكل همَّاً واهتماماً للقائمين عليها، لأنّ المجلة تعكس صورة للأزهر الشريف.(1)

قصة كتاب عارف باشا الذي صدر مع مجلة الأزهر

كتاب الأستاذ عارف باشا اسمه (تاريخ القدس) صدرت إحدى طبعاته عن دار المعارف بالقاهرة عام 1951، وبذل فيه مؤلفه جهداً وهو يقوم بتغطية شاملة لتاريخ القدس منذ عصورها القديمة، ثم أعادت مجلة الأزهر طباعته كهدية مجانية مع عددها الأخير، وعارف باشا مؤرخ فلسطيني، ولد في القدس عام 1892، وتخرج في كلية الآداب بجامعة إسطنبول عام 1913م، وعمل ضابطاً في الجيش العثماني، وتم أسره من روسيا عدة أعوام، ثم عاد إلى القدس، وعيّن رئيساً لبلدية القدس في الفترة 1951 ـ 1953، ثم تولى إدارة متحف الآثار الفلسطيني عام 1967 م، وتوفي عام 1973م في فلسطين.

وكتابه (تاريخ القدس) وزعته مجلة الأزهر هدية ضمن عددها السادس، الصادر في كانون الأول (ديسمبر) 2023 ـ كانون الثاني (يناير) 2024، تحت اسم (الموجز في تاريخ القدس)، مع كتاب آخر عنوانه: (الصهيونية العالمية) للأستاذ الكبير عباس العقاد، وهذه الكتب تأتي ضمن سلسلة الموقف الوطني والديني والإنساني من الأزهر الشريف تجاه القضية الفلسطينية، فأخرج القائمون على المجلة هذا الكتاب، ظناً منهم أنّه يدعم القضية الفلسطينية، ويؤكد على حق الشعب الفلسطيني، مع أنّ الكتاب تبنّى وجهة النظر اليهودية التي تقول بأحقيتهم في القدس والمسجد الأقصى، بزعم أنّ هيكل سليمان موجود تحت المسجد الأقصى، وأنّ النبي سليمان عبد الأوثان.

جاء في الكتاب ما يؤكد مزاعم الصهيونية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، ففي الصفحتين (34 و35) تحدث الكتاب عن مكان هيكل سليمان، وأنّه تحت المسجد الأقصى، وطعن الكتاب في نبوة النبي سليمان، وعصمته، وخروجه عن الإسلام، فقال: (وفي أواخر حكمه مال إلى عبادة الأوثان وبنى بيتاً لها "يقصد معبداً للأوثان" على الجبل الكائن أمام الهيكل)، ومن أول من تنبه لأخطاء الكتاب الدكتور قناوي محمد، وفي الكتاب مخالفات أشد، وقد أثار صدور هذا الكتاب غضباً بين الأوساط الأزهرية وغير الأزهرية من أخطائه الفادحة.

كيف وقع الخطأ؟ مقدمة غريبة من رئيس التحرير

البعض يُحمِّل (مجلس التحرير العلمي) المسؤولية، باعتبار أنّه موكل إلى بعض أعضائه مهام متعددة بجوار المجلة، جعلت من الصعوبة التفرغ والاهتمام بالمجلة وإصداراتها، وتنقية كتبها المهداة معها، والتنوع في استكتاب أساتذة كبار، بدلاً من الاكتفاء بمقالات مجموعة محددة من المقربين، وإن كان هذا الرأي له وجاهته، لكنّه يصطدم بأنّ مجمل إصدارات المجلة من كتب ومقالات وبحوث كانت وما زالت غاية في الأهمية والنفع.

صفحة من الكتاب

 لكن ممّا أثار علامات استفهام ما قاله الدكتور "نظير عياد" رئيس تحرير المجلة، وأمين مجمع البحوث الإسلامية؛ فخلال تقديمه للكتاب قال: "إنّ المؤلف أجاب أجوبة شافية عن الهيكل المزعوم"،! وهذا يدل على أنّه قدَّم للكتاب دون أن يطَّلع عليه!

يقول الباحث في التاريخ الأستاذ وسيم العفيفي في تحقيق منشور بموقع (الميزان): "أبشع شيء فيما حدث أنّ الدكتور نظير عياد، رئيس التحرير، قدّم للكتاب بشكل يدعو للتساؤل: عمّا إذا كان قرأ الكتاب أم لا! فخلال تقديمه للكتاب قال: "إنّ المؤلف أجاب أجوبة شافية وكافية عن الهيكل المزعوم وحقيقته وأسئلة أخرى، وفق منهجية علمية ورؤية موضوعية، والمقصد الرئيس لليهود هو عودة بني إسرائيل لفلسطين، وعودة أورشليم لحكم إسرائيل، وبناء الهيكل، وأمام هذه الادعاءات وزيفها كان لا بدّ من مرجع علمي موثوق نعمد إليه في بيان مدى صحة هذه الادعاءات وزيفها، ورغم كثرة المؤلفات وتعددها التي يمكن التعويل عليها، إلا أنّ إدارة المجلة رأت الاعتماد على هذا الكتاب". 

وإن فتحت الكتابَ، فلن تجد في متن الكتاب ولا حواشيه شيئاً من هذا، بل على العكس تماماً، فالكتاب لم يتكلم عن الهيكل، ولم ينفِ وجوده، ولم يبيّن زيف الادعاءات الإسرائيلية، بل ذكر رواية أنّ الهيكل موجود تحت المسجد الأقصى.

تعقيبات حول الكتاب والفكرة

الأستاذ الدكتور صالح المسلوت، أستاذ التاريخ بكلية اللغة العربية بالزقازيق بمصر، ورئيس القسم سابقاً، له دراسة قديمة تتناول كتاب (تاريخ القدس)، قدم فيها نقداً علمياً للكتاب، مشيراً إلى ما في الكتاب من أخطاء منهجية وتاريخية، واصفاً الكتاب (باللّامنهج التاريخي) في فصوله الـ (8)، مستدركاً بأنّ هذا الوصف ليس هجوماً على صاحب الكتاب، الذي له احترامه وتقديره، لكنّ الكتاب فيه أخطاء أقلّ ما توصف به أنّها ضد حقائق التاريخ.

يقول الأستاذ عارف باشا في صفحة (16): "ويظهر أنّ داود ندم على عمله، إذ راح الشعب ينفض من حوله بعد عملية الإحصاء هذه، ولكي يرضي شعبه أبدى رغبته في بناء هيكل، ليكفّر عن ذنبه، وشرع في بناء الهيكل، ولكنه مات 1015 قبل الميلاد، ولمّا مات داود بنى ابنه الهيكل، وهو البناء الكائن تحت المسجد الأقصى، وفي أواخر حكمه مال سليمان إلى عبادة الأوثان، وبنى بيتاً له على الجبل الكائن أمام الهيكل من الشرق".

يعقِّبُ الدكتور المسلوت على هذا بقوله: المؤلف لم يرجع إلى بحوث الأساتذة اليهود أنفسهم بخصوص الهيكل، كما أنّ نقض نظرية ما يُسمّى الهيكل لم تقف عند الباحثين المسلمين وحدهم، بل تعدتها إلى الباحثين اليهود، وهو ما لم يطلع عليه أو تجاهله الأستاذ عارف في كتابه، فقد نشرت مجلة (جيروساليم ريبورت) تصريحاً لعالم الآثار اليهودي (إسرائيل فلنكشتاين)، قال: إنّ علماء الآثار اليهود لم يعثروا على شواهد تاريخية وأثرية تدل على وجود الهيكل، ووجود الهيكل خرافة، وفي دراسة لمجموعة من علماء الآثار الإسرائيليين، منهم الباحث الإسرائيلي (زئيف هير تسوج) الأستاذ في قسم آثار وحضارة الشرق الأوسط القديم في جامعة تل أبيب، أكد أقوال الباحث (فلنكشتاين)، وفي 18 كانون الثاني (يناير) 2001م أعلن عالما الآثار اليهوديان (مائير بن دوف) و (هرتسك) أنّه لا وجود لأيّ أثر للتاريخ العبري في منطقة الحرم الشريف بالقدس"، ومع ذلك لم يلتفت المؤلف لهذه الشهادات، على الرغم من رجوعه إلى مصادر تاريخية إسلامية في كتابه!.

مؤلف الكتاب عارف العارف

الدكتور حسين الجرادي، الباحث الأكاديمي المصري، والمستشار العلمي بالأوقاف الكويتية، له دراسة حول الموضوع، توصل فيها إلى أنّ هذه الأفكار جزء من سلسلة طويلة ممتدة عبر أعوام لتزييف التاريخ، بجهل أو بعلم، من يساريين وعلمانيين، وبعض الجهلة بنقل كلامهم، وضرب نموذجاً بكتاب (قصة الحضارة) لمؤلفه ول. ديوارنت، حيث قال: "إنّ فلسطين هي أرض اليهود الموعودة منذ أقدم الدهور، واليهود هم شعب إبراهيم عليه السلام، وإنّ الله قد وعدهم هذه الأرض بعد إخراج الكنعانيين منها، وليس ببعيد أن يكون مكان الهيكل هو المكان الذي يشغله الآن الحرم الشريف في المسجد الأقصى".(2)

ويتابع: وممّا يؤكد أنّ هذه سلسلة مكتملة الأركان في التزييف، ما جاء أيضاً في كتاب: (الشرق الخالد... مقدمة في تاريخ وحضارة الشرق الأدنى منذ أقدم العصور حتى عام 323 ق.م) للدكتور عبد الحميد زايد، أنّ "النبي داود كان متآمراً، وجعل الدين اليهودي هو الديانة الرسمية لدولة إسرائيل، وأنّ هيكل سليمان مكانه تحت قبة الصخرة في بيت المقدس"، كما أنّ الموسوعة العربية الميسرة، التي أشرف عليها مؤرخ كبير في مقام الدكتور شفيق غربال، سارت على الخط نفسه، ففي صفحة (1001) تقول عن النبي سليمان -عليه السلام-: "هو ابن داود، نبي وملك اليهود، وفي عهده بُني الهيكل".

كيفية استدراك الخطأ

الكتاب وصل لأيدي الكثيرين، نظراً لسعره الزهيد، فسعر المجلة بالكتابين لا يتجاوز (5) جنيهات، والاستدراك يكون من خلال إعادة إصدار الكتاب مرة أخرى، مرفقاً بدراسة وافية وتحقيق كامل، يفند كل الادعاءات الموجودة فيه، ويؤكد أنّ هذا هو رأي الأزهر الشريف، وأنّ ما حدث من إصدار الكتاب دون رد وتعقيب خطأ تعتذر عنه المجلة.

كما اقترح تحقيق موقع (الميزان) قيام المجلة بنشر الدراسة التي كتبها الدكتور محمود عبده، رئيس قسم التاريخ والحضارة السابق، بكلية اللغة العربية بأسيوط، وجاءت دراسته بعنوان: (الهيكل اليهودي... الرواية اليهودية والمنطق التاريخي)، وقد أجيزت الدراسة من اللجنة العلمية المحكمة، ونُشرت في مجلة الكليّة، العدد الـ (29) ج4، كانون الأول (ديسمبر) 2010.

أين كتب محاربة التطرف؟

هناك تساؤلات حول اللجنة المختصة بترشيح الكتابين الصادرين مع المجلة كل شهر، فهي لجنة علمية لا نشكك في جهودها، وهذا يظهر من الإصدارات المتنوعة، ففيها جهود مضنية في اختيار الكتب المنشورة، بإشراف وجهد من الدكتور نظير عياد، لكن تظل علامات الاستفهام حول عدم إصدار الكتب التي تقوم بتفكيك الفكر المتطرف، وهي كتب كثيرة، صدرت من علماء الأزهر قديماً وحديثاً، وصدرت من مفكرين وكتّاب آخرين، فقضية محاربة الفكر المتطرف وتفكيكه والرد عليه، ومواجهته فكرياً، قضية ليس لها نصيب من إصدارات المجلة، وتلك ملحوظة لا تقلل من قيمة المجلة وأهمية ما تصدره كما قلنا، لكن ينبغي استدراكها.

هوامش:

(1) يراجع هذا: https://lokmetaesh.blogspot.com/2014/01/blog-post.html?m=1

(2) ترجمة محمد بدران، ج2، مجلد1، إصدار الإدارة الثقافية بجامعة الدول العربية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية