الختم السابع يرسم مصير حكم الملالي في إيران

الختم السابع يرسم مصير حكم الملالي في إيران

الختم السابع يرسم مصير حكم الملالي في إيران


16/01/2023

في رائعة المخرج السويدي إنغمار برغمان، الختم السابع، يعود الشاب أنطونيوس إلى بلاده، ليجد ملك الموت في انتظاره من أجل أن يقبض روحه، وفي محاولة يائسة من الشاب للهروب من مصيره؛ يضع حياته في مقابل مباراة للشطرنج مع ملك الموت، إن ربحها؛ تركه الأخير للحياة.

مقامرة لن يخسر فيها أنطونيوس على أيّ حال، فلربما يربح في نهايتها عمراً جديداً. هنا قد تفتح المقامرة اليائسة باب أمل جديد في النجاة، ويصبح الدخول فيها فوزاً في حدّ ذاته، حتى لو تطلّب الأمر صفقة مع الشيطان.

الموت للدكتاتور أمنية الأحياء

"الموت للديكتاتور"؛ صرخة يتردد صداها في كل أنحاء إيران منذ عدة أشهر، وعلى الرغم من ردّ الفعل الوحشي الذي قابل به النظام التظاهرات الاحتجاجية، تؤكد مقاطع الفيديو التي ترصد الحراك الثوري في المدارس والجامعات والشوارع والميادين، من طهران إلى الأهواز، أنّ حكم المرشد الأعلى بات يسير نحو نهايته.

ربما لم تكشف الثورة بعد في إيران عن الشروط الموضوعية اللازمة لإسقاط النظام، وهي: التنظيم، والاستراتيجية، والقائد الكاريزمي. لكن هناك جملة من السيناريوهات المأزومة، يدرك النظام الإيراني جيداً أنّه سوف يواجهها على المدى الطويل؛ بسبب تزايد حدة المقاومة الشعبية، وظهور الانقسامات داخل الحكومة نفسها، مع استمرار الانهيار الاقتصادي. إلى جانب ذلك، فإنّ الكثير من أبناء المناطق الراقية في إيران، قد يميلون إلى الانضمام إلى ثورة حقيقية، إذا بدا لهم أنّ الإطاحة بالنظام باتت وشيكة.

"الموت للديكتاتور" صرخة يتردد صداها في كل أنحاء إيران منذ عدة أشهر

يقول تشارلز كورزمان، أستاذ علم الاجتماع في جامعة نورث كارولينا، ومؤلف كتاب "الثورة التي لا يمكن تصورها في إيران": إنّ "القيادة والتنظيم والاستراتيجية، ليست شروطاً أساسية لنجاح الثورة، فغالباً ما تظهر هذه العناصر وتتولد تلقائياً أثناء الثورات"، مستشهداً بأنّ آية الله الخميني لم يكن شخصية معروفة خارج الإطار الديني، لكنّه تحول إلى زعيم في نهاية العملية الثورية، وليس ببدايتها. بعبارة أخرى، قد تبدأ الثورات بدون  قائد أو منظمة أو استراتيجية، لكنّها نادراً ما تنجح، ما لم تظهر بعض هذه السمات على الأقل.

يعرف النظام في إيران هذه الحقيقة جيداً، وعليه فقد شرعت الأجهزة الأمنية في تحديد قادة الاحتجاج المحتملين، واعتقالهم أو التخلص منهم بأيّ شكل من الأشكال. ولهذا السبب أيضاً اعتقلت إيران أكثر من (15) ألف متظاهر، وحكمت على (20) منهم على الأقل بالإعدام، وأعدمت علناً عدداً من الشخصيات الشعبية الكاريزمية.

تؤكد مقاطع الفيديو التي ترصد الحراك الثوري في المدارس والجامعات والشوارع والميادين، من طهران إلى الأهواز، أنّ حكم المرشد الأعلى بات يسير نحو نهايته

يعتقد المراقبون والخبراء أنّ قوات خامنئي قد لا تكون قادرة على استخدام قواعد اللعبة القديمة نفسها لقمع ما أصبح انتفاضة وطنية مستدامة. يقول سعيد قاسمي نجاد، محلل شؤون إيران في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، ومقرها الولايات المتحدة، لموقع "عرب نيوز" الناطق بالإنجليزية: إنّه يعتقد أنّ نظام خامنئي أصبح يعيش في الوقت الضائع.

طيلة العقود الماضية، تزامن العنف الجسدي والجنسي، وعمليات الإعدام والاعتقالات الواسعة، في صفوف من يطالبون بالتغيير في إيران، مع وعود بتحسين البيئة الاقتصادية والاجتماعية، ومع ذلك، ربما يكون هذا التكتيك قد استكمل مساره أيضاً، وتضاءلت احتمالات إعادة استخدامه. يقول قاسمي نجاد: إنّ "استخدام القوة الغاشمة أصبح الخيار الوحيد للنظام. لم ينجح الأمر حتى الآن، وحتى إذا نجح مؤقتاً، كما رأينا على مدى الأعوام الـ (5) الماضية، فإنّ كل جولة من الاحتجاجات تتبعها جولة أكبر". ويتوقع قاسمي أنّ "هناك عوامل مختلفة سوف تقرر مصير الجمهورية الإسلامية في العام 2023، على سبيل المثال، وفاة المرشد الأعلى، أو حدوث هجوم عسكري على المنشآت النووية".

وضع اقتصادي مأزوم

بينما كانت طهران، فيما مضى، قادرة على الصمود في وجه مثل هذه العواصف، بمزيج من إراقة الدماء، وخفة الحركة السياسية في الداخل، فإنّ الوضع الاقتصادي السيّئ، الذي يواجهه الإيرانيون في جميع مناحي الحياة، ربما يكون هو التهديد الوجودي الرئيسي الذي يواجه النظام الحاكم في إيران.

يؤكد تقرير حديث صادر عن معهد دراسة الحرب، ومقره واشنطن العاصمة، أنّ الاقتصاد الإيراني بدأ يدخل فترة من الاضطراب الكبير، فقد دعا المحتجون عبر وسائل التواصل الاجتماعي الإيرانيين إلى سحب مدخرات حساباتهم المصرفية على وجه السرعة، وشراء الذهب في الأيام الأخيرة.

شرعت الأجهزة الأمنية في تحديد قادة الاحتجاج المحتملين واعتقالهم أو التخلص منهم بأيّ شكل من الأشكال

يقول فريد كاجان، مدير مشروع التهديدات الحرجة في معهد أمريكان إنتربرايز: إنّ التراجع الحاد للعملة الإيرانية أدّى إلى تضخم غير مسبوق، ممّا يضع ضغوطاً خطيرة على النظام المصرفي. وعليه، تجبر اتجاهات الاقتصاد الكلي، المقترنة بالاحتجاجات، نظام خامنئي على إعادة التفكير في الطريقة التي يمكن من خلالها النجاة من مصير السقوط المدوي.

ووفقاً لكاجان، يدرك النظام الإيراني أهمية الحفاظ على ملاءة القطاع المصرفي، المرتبط بشكل كبير بعناصر النخبة في الحرس الثوري الإيراني، والصناديق الخيرية المسماة "بونياد"، التي أثرت عن طريقها عائلات النخبة الحاكمة الرئيسية، التي يعتمد عليها خامنئي. وعليه، فإنّ طهران "يمكن أن تواجه احتمال الاضطرار إلى استخدام احتياطياتها من العملة الصعبة لإنقاذ البنوك، وقد يمتد رد فعل النظام على الاحتجاجات، في نهاية المطاف، ليصل إلى تجميد الحسابات المصرفية والسحب، كجزء من نهج ربما يفلح في مدّ عمر النظام لبعض الوقت.

مقامرة مع الشيطان

يبدو أنّ النظام الإيراني قرر يائساً استلهام أحداث الختم السابع، والدخول في مباراة شطرنج مع ملك الموت، لعلّه يحصل على فرصة أخرى للحياة.

يدرك خامنئي أنّ المحرك الاقتصادي هو الذي يبقي النظام واقفاً على قدميه، لكنّه في حالة إيران يبدو متشابكاً مع التطلعات الجيوسياسية الأوسع للملالي، وبالتالي فإنّ بيع وتصدير طائرات الشاهد بدون طيار لدعم آلة الحرب الروسية في أوكرانيا، قد يساعد في إنقاذ الوضع الاقتصادي البائس، وتمكين النظام من البقاء، وسط اضطرابات داخلية استثنائية، بحسب تصريحات قاسمي نجاد لـ"عرب نيوز".

يؤكد تقرير حديث صادر عن معهد دراسة الحرب، ومقره واشنطن العاصمة، أنّ الاقتصاد الإيراني بدأ يدخل فترة من الاضطراب الكبير

يرى البعض أنّ شروع إيران في دعم الحملة الروسية على أوكرانيا، يبدو نوعاً من الانتحار السياسي، لكنّها المقامرة بعينها التي لا بديل عنها، والتي كادت تجرف في طريقها باكستان، لولا تدخل الدولة العميقة، وإزاحتها عمران خان في الوقت المناسب.

وإلى الآن، استخدمت روسيا حوالي (660) طائرة بدون طيار، إيرانية الصنع من طراز شاهد، وبحسب الجنرال فاديم سكيبيتسكي، نائب رئيس المخابرات الأوكرانية، فإنّ موسكو أبرمت عقداً مع إيران لتوريد نحو (1750) طائرة، لافتاً إلى أنّ دفعة جديدة ربما تصل إلى (300) طائرة مسيّرة سوف تصل كجزء من هذا العقد. وأكد مسؤولون أمريكيون أنّهم على علم بالتقارير التي تفيد بأنّ روسيا وإيران تحاولان بناء منشأة لإنتاج مشترك للطائرات بدون طيار في روسيا.

تتحرك طهران بخفة على رقعة الشطرنج، بشجاعة اليائس الذي لم يعد يملك ما يخسره، إلى جوار حليف روسي أكثر تهوراً. لكنّ مقامرة أخرى في الداخل، قرر النظام الولوج فيها، بمواصلة القمع الدموي في مواجهة الاحتجاجات، والذهاب بالمواجهة مع الشعب إلى الحافة، وممارسة استراتيجية تكسير العظام والجماجم، والكف عن محاولات امتصاص الغضب الشعبي.

يدرك خامنئي أنّ المحرك الاقتصادي هو الذي يبقي النظام واقفاً على قدميه

وفقاً لجويد رحمن، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان، اعتقل النظام الإيراني أكثر من (14) ألف متظاهر، بحلول أوائل تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، ومن بين هؤلاء المعتقلين نشطاء حقوقيون، ومحامون وصحفيون وطلاب.

وفي مطلع تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي صدّق رئيس القضاء الإيراني غلام حسين محسني إجئي على التطبيق الواسع لعقوبة الإعدام، كعقوبة على الاحتجاج السلمي العادي، وشرعت الأجهزة الأمنية في إعدام الثوار بالفعل، لكن هل أثمرت سياسة تكسير العظام عن نتائج إيجابية لصالح النظام؟

تبدو النتائج على عكس ما توقعت الأجهزة الأمنية، ومثلما نجح الأوكرانيون في اصطياد الطائرات الإيرانية في سماء بلادهم، نجح الشعب الإيراني في الصمود والمواجهة، وربما تنقلب رقعة الشطرنج قريباً، ويسقط النظام إلى حيث لا رجعة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية