الحكومة العراقية بين مطرقة ميليشيات إيران وسندان الضغوط الأمريكية

الحكومة العراقية بين مطرقة ميليشيات إيران وسندان الضغوط الأمريكية


07/10/2020

ضغوط أمريكية ودولية متزايدة على الحكومة العراقية، لحماية مقار البعثات الدبلوماسية الدولية، وقواعد التحالف الدولي وأرتاله، وإلا ستنقل واشنطن بعثتها الدبلوماسية إلى مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، وتنتقل معها بعثات دولية أخرى، خصوصاً بعد تعرّض موكب السفير البريطاني لانفجار عبوة ناسفة في بغداد منتصف الشهر الماضي.

اقرأ أيضاً: كيف استقبل العراقيون لقاء مبعوثة أممية مع قائد في الحشد الشعبي؟

وتقف ميليشيات شيعية، موالية لإيران، وراء هذه الهجمات، التي لم تنقطع منذ عام 2018، وشهدت زيادة في أعدادها عقب اغتيال واشنطن لقائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب قائد الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، مطلع العام الجاري.

قادة من الميليشيات الموالية لإيران أثناء الهجوم على السفارة الأمريكية

ورغم التهديد الأمريكي؛ إلا أنّ الحكومة العراقية لا تستطيع كبح جماح هذه الميليشيات، كونها ليست عصابات خارجة عن القانون، أو جماعات إرهابية مثل داعش، بل هي جزء من النظام السياسي، ولها تمثيل برلماني، ودور في تشكيل الحكومة، وحاضنة شعبية، إلى جانب القوة العسكرية والمالية، والدعم الإيراني.

ومن ناحية أخرى، لن تُقدم واشنطن على نقل بعثتها الدبلوماسية، لأنّ ذلك يعني الاعتراف الكامل بهزيمتها أمام إيران، وإخلاء الساحة كاملةً أمامها.

هجمات لا تنقطع

لا يكاد يمر يوم دون خبر عن إطلاق صواريخ الكاتيوشا وقذائف الهاون على المنطقة الخضراء، في بغداد، التي تضمّ مقار حكومية وبعثات دبلوماسية، ومنها السفارة الأمريكية والبريطانية.

ويشهد الطريق الذي يربط المنطقة بمطار بغداد الدولي هجمات دائمة، بزرع وتفجير عبوات ناسف، تستهدف المواكب الدولية.

يثير تغلغل الميليشيات داخل مؤسسات الدولة العراقية شكوكاً كبيراً حول قدرة الحكومة على مواجهتها، وربما لا تملك الحكومة سيطرة حقيقة سوى على جهاز مكافحة الإرهاب

وتتعرض الأرتال والمواكب والقواعد العسكرية للولايات المتحدة والتحالف الدولي، إلى هجمات متكررة، من قبل ميليشيات شيعية، موالية لإيران.

وعقد رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، اجتماعاً مع سفراء وقائمين بأعمال 25 دولة أجنبية وعربية، من بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا، وبعثة الاتحاد الأوروبي، ومصر والسعودية والأردن، في 30 أيلول (سبتمبر) الماضي، بناءً على طلب  البعثات الأجنبية، لمناقشة أمن البعثات والمقار الدبلوماسية.

وكانت الولايات المتحدة قد هدّدت قبل أيام بنقل سفارتها إلى مقر قنصليتها في مدينة أربيل، عاصمة إقليم كردستان، ما لم تتصدَّ الحكومة العراقية للهجوم الدائم عليها.

وأصدر الدبلوماسيون الـ 25، بياناً أكّد على دعم العراق، واحترام سيادته واستقراره وأمنه.

مصطفى الكاظمي في لقاء السفراء الأجانب والعرب

وأكد بيان مكتب الكاظمي عن الاجتماع "حرص العراق على فرض سيادة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، وحماية البعثات والمقرات الدبلوماسية".

وشدد البيان على أنّ "المعتدين على أمن البعثات الدبلوماسية يسعون إلى زعزعة استقرار العراق، وتخريب علاقاته الإقليمية والدولية".

اقرأ أيضاً: "راجع آخذ حقي".. العراقيون في الشوارع لإحياء ذكرى ثورة تشرين

وتعيلقاً على ذلك، يقول الصحفي العراقي، سيف صلاح الهيتي: "المسؤولون عن القصف ينتمون لفصيل شيعي عراقي مقرب من إيران، وزاد هجماته في ظلّ التوتر بين طهران وواشنطن، منذ اغتيال قاسم سليماني، وأبو مهدي المهندس، في ضربة جوية أمريكية، ردّت عليها إيران، بعد خمسة أيام، بإطلاق صواريخ باليستية على قاعدتين عسكريتين تستضيفان جنوداً أمريكيين في العراق".

ويتابع الهيتي لـ "حفريات": "هناك ميليشيات غير خاضعة للحكومة، تسيطر على مناطق من المنطقة الخضراء، ولا تحترم وضعيتها، وكذا الحال في مطار بغداد الدولي، ولذلك تتعرض البعثات والأرتال العسكرية لهجمات دائمة".

أيادي التخريب الإيرانية

وتوالي معظم الميليشيات الشيعية إيران، ومنها قوات الحشد الشعبي، وتعمل كأداة لتنفيذ أجندة إيران في العراق، عبر محاربة النفوذ الأمريكي، والهيمنة على المشهد السياسي، ورهن القرار العراقي لخدمة مصالح طهران، لا سيما فيما يتعلق بتحويل العراق إلى ساحة خلفية للالتفاف على العقوبات الأمريكية.

الصحفي العراقي سيف صلاح الهيتي لـ"حفريات": واشنطن لن تغلق سفارتها أو تنسحب من العراق، وما تزال في جعبتها خيارات عدة، بعضها سيكون قاسياً على الحكومة والفصائل المنفلتة

وحول ذلك، يقول الصحفي العراقي، عمر الجنابي: "الميليشيات جزء من المؤسسات العراقية؛ البرلمان، الحكومة، القوى الأمنية، وتحظى باعتراف أمريكي ودولي، فكثير منها تأسّس وتدرّب بدعم مباشر وغير مباشر من قوات التحالف الدولي، والحكومة العراقية، والحشد الشعبي هو جزء من هذه الميليشيات".

ويردف الجنابي: "حزب الله العراقي الذي تتهمه أمريكا بالوقوف وراء الهجمات لديه ثلاثة ألوية في الحشد، وكذلك حركة النجباء، وسيد الشهداء، وعصائب الحقّ، المتهمين بارتكاب جرائم طائفية".

وتعرّض مطار أربيل لقصف صاروخي، عقب ساعات من لقاء الكاظمي مع الدبلوماسيين الأجانب والعرب، واتهمت حكومة إقليم كردستان الحشد الشعبي بالمسؤولية عن الحادث، ونفى الأخير ذلك.

اقرأ أيضاً: العراق: لماذا أجمع القادة السياسيون على خطورة استهداف السفارة الأمريكية؟

ويرى الصحفي الجنابي؛ أنّ قصف مطار أربيل رسالة من إيران لواشنطن بألا مكان أمن في العراق لقواتها وبعثاتها، سواء في بغداد أو مكان آخر.

ويقول: "إيران اخترقت محافظة نينوى، ولها ميليشيات تعمل فيها، رغم غياب الحاضنة الشيعية في المحافظة".

وفي خطوة تصعيدية؛ استهدفت الميليشيات رتلاً عسكرياً للتحالف الدولي في محافظة الديوانية، بهجوم صاروخي، ما تسبّب في إلحاق أضرار بحاوية، دون وقوع إصابات أو قتلى.

وبحسب الصحفي الجنابي؛ فالهجوم بصاروخ على رتل عسكري هو تطور نوعي، فمن قبل كانت الهجمات مقتصرة على زرع العبوات الناسفة، على خطّ سير الأرتال العسكرية، ما يعني تصعيداً ضدّ واشنطن من إيران وميليشياتها

الحكومة عاجزة

ويثير تغلغل الميليشيات داخل مؤسسات الدولة شكوكاً كبيراً حول قدرة الحكومة على مواجهتها، وربما لا تملك الحكومة سيطرة حقيقة سوى على جهاز مكافحة الإرهاب، الذي أسندت إليه مهام الحملات الأمنية، ومكافحة الفساد.

اقرأ أيضاً: بعد أربعة عقود من الدم: هل انتهت الحرب العراقية الإيرانية؟

وحول ذلك، يقول الصحفي الجنابي: "الحكومة عاجزة أمام الميليشيات، وهناك شاهدان على ذلك، مؤخراً؛ الأول عندما اعتقلت الحكومة 14 شخصاً من كتائب حزب الله العراقية، فيما عُرف باسم خلية الكاتيوشا، ثم أُجبرت على الإفراج عنهم لاحقاً، بعد أن اقتحمت كتائب حزب الله المنطقة الخضراء، وهدّدت الحكومة، ثم قامت هذه الكتائب في تحدي واضح للدولة بإحراق صور للكاظمي، ونشرها عبر مقاطع فيديو على الإنترنت".

ويضيف الجنابي: "الشاهد الثاني هو انسحاب جهاز مكافحة الإرهاب من منطقة إحدى العشائر، أثناء بحثه عن الناشط السياسي المُختطف، سجاد العراقي، بعد اعتراض عشائر موالية للميليشيات، بحجة تفتيش بيت شيخ عشيرة، وقدّمت الحكومة اعتذارها، وأوقفت عملية البحث".

ومن المشكوك فيه أن يكون للحكومة قدرة على التغلب على الميليشيات، التي حصلت على عتاد عسكري كبير من مخازن الجيش، ومن خلال الدعم الذي تلقته أثناء العمليات العسكرية ضدّ داعش.

الحلّ المستحيل

وأقصى ما تستطيع الحكومة العراقية تحقيقه هو الضغط على الميليشيات لإيقاف الهجمات، وطلب وساطة إيران في ذلك، وما هو يبدو مرجحاً.

اقرأ أيضاً: الأحزاب والمحاصصة.. حصان طروادة في قيامة العراق

ويدعم ذلك، الصحفي عمر الجنابي، بقوله: "ربما يتوقف استهداف السفارة الأمريكية؛ بسبب الضغوط القوية، إلى جانب أنّ إيران لا تحبذ المضي في استهداف البعثات الدبلوماسية، خاصةً بعد انفجار عبوة ناسفة في موكب السفير البريطاني".

ويرى الصحفي العراقي، سيف صلاح الهيتي؛ أنّ واشنطن لن تغلق سفارتها أو تنسحب من العراق، وما تزال في جعبتها خيارات عدة، بعضها سيكون قاسياً على الحكومة والفصائل المنفلتة، والكرة الآن في ملعب الكاظمي.

ويضيف الهيتي: "سحب السفارة الأمريكية من بغداد آخر ما تفكر فيه واشنطن؛ لأنّه يذكر بانسحابهم عام 1975 من فيتنام، والذي ترتّب عليه التهام فيتنام الشمالية لدولة فيتنام الجنوبية التي كانت مدعومة من واشنطن، ومن غير المعقول أن تكرّر أمريكا ذلك في العراق، وتترك إيران تبتلعه، ولكن يبدو أنّ واشنطن تخطط لشيء آخر، لا سيما أنّ ظروف الانتخابات الأمريكية تدفع ترامب للوصول إلى نصر معيّن يستفيد منه انتخابياً".

وحول الحلّ الناجع للأزمة، يرى الصحفي الجنابي أنّه لا حلّ سوى بتدخّل قوي، لحلّ الميليشيات، والحشد الشعبي، وتشكيل عملية سياسية جديدة، لا تشترك فيها الميليشيات والأحزاب الفاسدة، وكل من يوالي دول إقليمية، خصوصاً إيران، إلى جانب وقف استغلال إيران للعراق في الالتفاف على العقوبات الأمريكية، عبر نهب خيرات البلد، وتحويله إلى سوق استهلاكي لمنتجاتها.

 وفي مطلع العام الجاري؛ تعرّضت السفارة الأمريكية لمحاولة اقتحام، وردّت بعدها واشنطن بقصف موكب قائد فيلق القدس الإيراني، عقب خروجه من مطار بغداد الدولي، بصحبة نائب قائد الحشد الشعبي، ما أسفر عن مقتلهما، وعدد من المرافقين. وتعرضت السفارة الأمريكية لهجمات صاروخية عدّة، وأصاب صاروخ مطبخ السفارة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية