الحزام الإخواني في آسيا.. تحالف وظيفي عابر للمذهبية مع إيران

الحزام الإخواني في آسيا.. تحالف وظيفي عابر للمذهبية مع إيران

الحزام الإخواني في آسيا.. تحالف وظيفي عابر للمذهبية مع إيران


11/01/2024

سامح إسماعيل

أخذت العلاقة الوظيفية بين “الإخوان المسلمين”، ونظام الملالي في إيران، بُعداً استراتيجياً جديداً، في ضوء الأحداث المأزومة في قطاع غزة، حيث سعت الجمهورية الإسلامية إلى كسب أرضٍ جديدة، في محيطها الجيوستراتيجي، من خلال التّمدد شرقاً نحو العمق الآسيوي، وهو ما أدركته الأذرع الإخوانية سريعاً، وعملت على الاشتباك معه والاستفادة منه قدر المستطاع، حيث لعبت الجماعة دوراً وظيفياً؛ عملت من خلاله على فتح نوافذ جديدة لطهران، في باكستان وماليزيا، وذلك بالتنسيق مع ذراعها الدعوى في الجمهورية الإسلامية، والمتمثّل في “جماعة الدعوة والإصلاح”.

ويمكن القول إن إيران انتبهت منذ وقت غير قليل، إلى الدور الوظيفي الذي يمكن للأذرع والأحزاب السياسية الإخوانية أن تلعبه لصالحها، كبنية حاملة للقوى الناعمة الإيرانية، في مقابل توفير ملاذات آمنة، ومسارات خفية للأوعية المالية الإخوانية، ما دفعها في البداية، إلى احتضان ذراع إخواني هام ومؤثر داخل أراضيها، يمتمثّل في “جماعة الدعوة والإصلاح”، التي يرأسها عبد الرحمن بيراني، وهو أحد أبرز وجوه التنظيم الدولي للإخوان، وعضو مجلس أمناء “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين” في قطر.

ويمارس بيراني عدة أدوار وظيفية في الداخل والخارج، ففي الداخل يحرص الرجل على كسب ولاء الأقلية السُّنية لنظام الملالي، واحتواء الحركات السُّنية المعارضة، وتطويقها أيديولوجياً؛ بتقديم نموذج سنّي للإسلام السياسي على النهج الإخواني، شديد التماهي مع نموذج الملالي. وعلى الصعيد الخارجي، يلعب بيراني عدّة أدوار محورية؛ لمدّ جسور الصلة بين النظام الإيراني والأذرع الإخوانية، حيث كان أحد أبرز مهندسي التحالف الاستراتيجي بين حركة “حماس” و”الحرس الثوري الإيراني”، كما يمثّل قنطرة دينية قوية بين النظام الإيراني والذراع الدعوي للإخوان في قطر.

استقطاب الإخوان في باكستان

استغل عبد الرحمن بيراني علاقاته القوية داخل التنظيم الدولي للإخوان؛ ليجذب أكثر أذرع الجماعة راديكاليةً، مستغّلاً الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة، وبالفعل نجح الأمين العام لـ”جماعة الدعوة والإصلاح”، في استقطاب أمير الجماعة الإسلامية الباكستانية، سراج الحق، الذي قام بزيارة تاريخية إلى إيران، وزار ضريح الخميني، “مشيداً بدور الحرس الثوري في دعم القضية الفلسطينية، متجاوزاً التعصب المذهبي التاريخي؛ من أجل دعم دوره السياسي في الداخل الباكستاني، والاستعانة بإيران لتقديمه إلى العالم الإسلامي؛ كمناضل على طريق تحرير القدس”.

أمير الجماعة الإسلامية، استقبل القنصل العام الإيراني في باكستان، مهران مهديفر، في مقر الجماعة الإسلامية في المنصورة، في 28 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، في حضور نائبه لياقت بالوش، مهندس ملف العلاقات مع إيران، وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الباكستانية الإيرانية، وتطورات القضية الفلسطينية، والقضايا ذات الاهتمام المشترك.

وبحسب مصادر خاصّة، تلقّى سراج الحق رسالة من عبد الرحمن بيراني، يستطلع فيها رأيه في حضور اجتماع تنظيمي رفيع المستوى، يعقده الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في الدوحة، في الأسبوع الأول من كانون الثاني/ يناير الجاري، ضمن وفود عربية وإسلامية، وهو ما رحّب به سراج الحق، الذي طلب مساعدته في تنظيم لقاء موسّع مع الجالية الباكستانية في الدوحة، ووعد المسؤول الإيراني بنقل رغبته للسلطات القطرية، والمساعدة في تلبية طلبه.

في المقابل، أشاد أمير الجماعة الإسلامية بدور إيران في مساعدة الفلسطينيين في قطاع غزة، وقال إن الأمة الإسلامية كلّها تقّدر هذا الدور، كما طلب من الجمهورية الإسلامية العمل على بناء تحالف استراتيجي يضم: باكستان وإيران وأفغانستان.

وبالفعل، نجح بيراني في دعم موقف سراج الحق داخل “الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين”، ووّجه الاتحاد دعوة إلى زعيم الإخوان في باكستان، للمشاركة في اجتماع عاجل لتدارس مآلات القضية الفلسطينية. وضمّ وفد الجماعة إلى جانب سراج الحق، مسؤول الشؤون الخارجية للجماعة الإسلامية، آصف لقمان قاضي، ونائب الأمين العام حافظ ساجد أنور.

أمير الجماعة الإسلامية نجح في توظيف الزيارة لصالحه، ومارس دوراً دعائياً كبيراً، حيث التقى بوفود إسلامية من إيران وقطر وتركيا ولبنان وأفغانستان، لكنّ المكسب الأكبر كان نجاح إيران في إقناع السلطات القطرية بتسهيل لقاء جماهيري بين سراج الحق والجالية الباكستانية في الدوحة.

سراج الحق هاجم في اللقاء قرار مجلس الشيوخ الباكستاني بتأجيل الانتخابات التشريعية، المقرر عقدها في 8 شباط/ فبراير المقبل، والتي تعوّل عليها الجماعة كثيراً، من أجل الظهور بقوة في المشهد السياسي، وأكد أن الجماعة ستضغط بكل قوة؛ من أجل إقامة الانتخابات، كما هاجم الأحزاب الباكستانية، وطالب بمنح الباكستانيين في الخارج حق التصويت، وتخصيص مقاعد لهم في البرلمان، واستعرض كذلك دور الجماعة في نصرة قضية فلسطين.

الطريق إلى الشرق الأقصى يمرّ عبر “إخوان” ماليزيا

في خطوة ربما جاءت مفاجئة، شارك “الحزب الإسلامي الماليزي” (باس)، الذراع السياسية “للإخوان المسلمين” في ماليزيا، ضمن فعاليات مؤتمر طهران الدولي حول فلسطين، الذي انعقد في في 23 كانون الأول/ ديسمبر الفائت، ونظّمته وزارة الخارجية الإيرانية في العاصمة طهران.

ويُعد الحزب الإسلامي في ماليزيا، أحد أبرز الأحزاب السياسية في البلاد، ويهيمن على عدة ولايات، أبرزها ولاية كلانتان (دار النعيم) والتي يحكمها منذ عقود، وللحزب كذلك نفوذ قوي في ولاية سلاجور (دار الإحسان) الصناعية، وله كتلة نيابية قوية تنتشر في مجالس الولايات والبرلمان، كما يُعد عبد الهادي أوانج، رئيس “الحزب الإسلامي”، من الشخصيات النافذة في المجتمع الماليزي، بالإضافة إلى كونه مبعوثاً خاصاً لرئيس الوزراء الماليزي، لشؤون الشرق الأوسط.

وبحسب مصدر خاص، فإن عبد الرحمن بيراني، الأمين العام لـ”جماعة الدعوة والإصلاح”، أرسل مقترحاً إلى الخارجية الإيرانية، بدعوة أوانج إلى المؤتمر، وبرّر ذلك بأهمية بناء علاقات قوية في الداخل الماليزي، وأن الحزب الإسلامي يمثّل رأس حربة فعّال؛ لتغيير ما وصفه بالصورة المشوّهة حول الجمهورية الإسلامية في الشرق الأقصى.

الدعوة حملت مفارقة غريبة، حيث إن الخارجية الإيرانية كانت قد وجّهت بالفعل دعوة إلى نظيرتها الماليزية، وأرسلت ماليزيا وفداً دبلوماسياً برئاسة نائب وزير الخارجية محمد الأمين، وعضو مجلس النواب، ليدانغ سيد إبراهيم، وعدد من السياسيين. وبناءً على اقتراح بيراني، وجّهت الخارجية الإيرانية دعوة منفصلة “للحزب الإسلامي الماليزي”؛ لتصبح ماليزيا ممثلة بوفدَين في المؤتمر!

“الحزب الإسلامي الماليزي” أرسل ممثلَين اثنين هما: إدريس أحمد، نائب رئيس الحزب، ومحمد خليل عبد الهادي، مسؤول العلاقات الدولية في الحزب. وألقى إدريس أحمد كلمة رئيس الحزب، وفيها “أثنى على دور إيران الثابت في نصرة القضية الفلسطينية، كما أعلن دعم الحزب وتأييده لحزب الله في إيران، بالإضافة إلى حركتي حماس والجهاد الإسلامي في فلسطين. مطالباً العالم الإسلامي بالعمل بإخلاص مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، من أجل تحرير فلسطين”.

كانت إشادة الحزب الإسلامي الماليزي بـ”حزب الله” اللبناني، الموالي لطهران، لافتة، حيث قال إدريس أحمد في كلمته إن “حزب الله أجبر إسرائيل على التراجع عن الحدود اللبنانية، وأن الحزب إذا قرّر أن يفتح جبهة جديدة، فإن إسرائيل سوف تدفع الثمن غالياً”، كما زعم أن تصعيد الهجمات الإسرائيلية على الجنوب اللبناني، هي مجرد محاولة يائسة لتعطيل “حزب الله” في الجنوب.

لم يكتفِ إدريس أحمد بذلك، وإنما ذهب إلى أبعد مدى في دعم وتأييد وكلاء وميليشيات إيران في الشرق الأوسط، حيث أشاد بنشاط جماعة “الحوثي” اليمنية في مياه البحر الأحمر، وبالهجوم على السفن الغربية في المياه الدولية، وقال إن “إجراءات الولايات المتحدة لحظر جماعة أنصار الله الحوثي في اليمن، جاءت عقِب هجوم القوات اليمنية على سفن تجارية تبحر تجاه البحر الأحمر إلى الدولة الصهيونية، أو التي لها علاقات أو مصالح مع إسرائيل”.

وبتحليل الخطاب، فإن “الحزب الإسلامي الماليزي”، استقر لديه المُضي قدماً في دعم إيران وأذرعها في الشرق الأوسط، متخلّياً عن أي محاذير سياسية، ربما يجب على أيّ حزبٍ سياسي يشارك في السلطة أن يراعيها، ويعكس هذا التوازن السياسي المفقود، طبيعة إخوانية تتجلى دائماً، وتُظهر في مجملها غلبة الأيديولوجي على السياسي، وهيمنة النزعة البراغماتية التي تفتقد دائماً إلى الذكاء السياسي.

وفي خطوة تعكس مدى اتساع مساحة التحالف بين إخوان ماليزيا وإيران، أدان “الحزب الإسلامي الماليزي”، بصورة غير مسبوقة، الهجمات التي وقعت في مدينة كرمان الإيرانية، وأصدر الحزب بياناً تضامنياً مع الجمهورية الإسلامية، في 4 كانون الثاني/ يناير الجاري، حمل توقيع رئيس الحزب، الشيخ عبد الهادي أوانج، الذي أدان ما أسماه العقل المدبّر وراء الهجوم الذي وصفه بالإجرامي.

ويمكن القول إن تحالفاً ضمنياً بين الإخوان وإيران ظهر للعلن، وأن الحِراك الإيراني في منطقة الهامش الآسيوي، يهدف إلى مدّ الطوق الإخواني الحامل لنفوذ “الحرس الثوري” الإيراني، إلى أقصى اتساع ممكن، ذلك أن الحمولة العاطفية التي يطرحها الصراع المحتدم في قطاع غزة، تمثّل فرصة تاريخية لكلا الطرفين (الإخوان وإيران) من أجل تصدّر المشهد الإسلامي، و احتكار الحديث باسم قضية فلسطين.

عن "الحل نت"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية