الحرب على غزة: طوفان السوشيال ميديا يحطم السردية الإسرائيلية

الحرب على غزة: طوفان السوشيال ميديا يحطم السردية الإسرائيلية

الحرب على غزة: طوفان السوشيال ميديا يحطم السردية الإسرائيلية


30/11/2023

طوفان شبكات التواصل الاجتماعي الذي تلا "طوفان الأقصى" في السابع من الشهر الماضي، وضع القضية الفلسطينية في صدارة الإعلام الغربي للمرة الأولى طبقاً للرواية الفلسطينية وليس رواية دولة الاحتلال التي احتكرت الحقيقة دائماً.

البداية لم تكن في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بل كانت مع حرب غزة الرابعة آيار (مايو) 2021، الحرب التي شهدت تقييد المحتوى الفلسطيني واستهدافه على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، وفى العديد من الصحف ووسائل الإعلام الغربية، بالإضافة إلى حذف العديد من المصادر الفلسطينية من تلك المنصات.

ثمة أسئلة التي تم وأدها في المهد ولم يبدلها الإعلام الغربي والأوروبي طيلة الحروب السابقة، فمع بداية كل حرب جديدة في غزة تردد وسائل الإعلام الغربية العبارة الثابتة "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس" دون مراعاة الحق الفلسطيني، وهو ما عرّاه السفير حسام زملط، رئيس البعثة الفلسطينية لدى المملكة المتحدة في لقاءته المتلفزة بالقنوات الغربية فور اندلاع الحرب.

 أصبح زملط حديث منصات التواصل الاجتماعي، ففي جميع لقاءاته يكون أول سؤال يطرح عليه: "هل تدين حماس"، يرد زملط: "هل تدين تفجير إسرائيل للكنائس وقتل النساء والأطفال"، أصبح لاحقاً سؤال "هل تدين حماس" الأكثر شهرة على منصات التواصل الاجتماعي بعد تحويله إلى رسوم كاريكاتورية ما انفكت تسخر من الآلة الإعلامية الغربية.

التقييد الذي واجهه رواد منصات التواصل الاجتماعي في حرب غزة الرابعة ومن قبلها أحداث حي الشيخ جراح آيار (مايو) 2021 دفعهم للتجهز في الحرب الحالية، إذ لجأت الفصائل الفلسطينية إلى تدشين قنوات على منصة تليجرام لتغطية الحدث فور اندلاعه، وتأسست قنوات تليجرام بعد ساعات قليلة من بداية الحرب. أيضاً توجه الكثيرون إلى منصات تيك توك أو منصة إكس بسبب القيود الصارمة على منصة فيسبوك، المسألة التي دفعت المفوض الأوروبي للشؤون الرقمية، تييري بريتون، إلى توجيه رسالة إلى رئيس منصة "تيك توك"، قال فيها إنّ "المنصة يستخدمها بشكل مكثف أطفال ومراهقون. ولدى المنصة التزام خاص بحمايتهم من المحتوى العنيف، الذي يبدو أنه ينتشر على نطاق واسع على (تيك توك) من دون أيّ تدابير أمنية خاصة".

ونشرت صحيفة "الشرق الأوسط" طلب المفوضية الأوروبية معلومات من "إكس"، المسألة التي عدّها مراقبون خطوة أولى قد تدفع لفرض عقوبات وغرامات مالية على المنصة إذا انتهكت قانون المعلومات الجديد. وبحسب بيان نشرته المفوضية عبر حسابها على "إكس"، فإنّ طلب المعلومات "كان على شكل وثيقة من نحو 40 صفحة تضم أسئلة محددة". ويتوجب على منصة «إكس» الرد على الجزء المتعلق بنشر "معلومات مضللة عن الصراع بين (حماس) وإسرائيل".

منصات التواصل ورفض احتكار الحقيقة

خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات، زياد عبد التواب، يلفت إلى أنّ الوضع تغير الآن: "السوشيال ميديا وشبكات التواصل الاجتماعي لعبت الدور الذي ميز دولة الاحتلال سابقاً". 

يوضح عبد التواب في تصريح لـ"حفريات" بأنّ "وسائل الإعلام التي سيطرت عليها دولة الاحتلال كانت تتحرك في اتجاه واحد داعم للرؤية التي يتبناها الاحتلال، لكن ما حدث الآن أنّ كل مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعي أصبح مرسلاً ومستقبلاً".

البداية لم تكن في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، بل كانت مع حرب غزة الرابعة آيار (مايو) 2021

ويضيف: "في الوقت نفسه هناك تعاطف عالمي مع القضية الفلسطينية على المستوى الإنساني بغض النظر عن المستوى السياسي أو الديني، لكنّ قتل الأطفال وتهجير الناس وقطع سبل الحياة عنهم مسألة ترفضها الفطرة الإنسانية، وهنا قامت شبكات التواصل الاجتماعي بالدور الذي احتكرته دولة الاحتلال في السابق وأصبح لدينا أكثر من رواية لما يحدث وليست رواية أحادية الجانب، كما كان يحدث في الماضي".

 

خبير التحول الرقمي وأمن المعلومات زياد عبد التواب لـ"حفريات": استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تغير موازين القوى، وأن تتفوق على المحترفين في الإعلام التقليدي

 

يستطرد عبد التواب:" استطاعت شبكات التواصل الاجتماعي أن تغير موازين القوى، وأن تتفوق على المحترفين في الإعلام على مدار السنوات الماضية"، مستدركا: "خاصة عندما شعر المشتركون بالقمع الموجه ضدهم نتيجة إبداء الرأي، مع الوضع في الاعتبار أنّ شبكات التواصل الاجتماعي تتبنى رأي الاحتلال وتوصيفاته للأحداث. وبالتالي عندما يعبر مستخدمو الشبكات عن آرائهم المختلفة عن السائد في الإعلام الغربي يتم مواجهتهم بالمنع والحذف". وينوه إلى أن ذلك واجهه المستخدمون "بالتحايل على تلك المنصات لتمرير أفكارهم الداعمة للقضية الفلسطينية ما نتج عنه ذلك الانتشار الكبير للرؤية الداعمة للشعب الفلسطيني".

الإعلام في الحروب يفقد كثيراً من مصداقيته

الكاتب الصحفي شريف صالح يشير إلى أننا نتحدث عن صراع بالغ التعقيد، لا يعود إلى وعد بلفور، بل إلى الحقبة الاستعمارية والحروب الصليبية، ولعبة احتكار القوة والنفوذ بين الدول.

المصرية رحمة زين من أمام معبر رفح

ويوضح صالح في لـ"حفريات": "ما يحدث على الأرض هو قتال شرس، نتج عنه قتل الآلاف وتدمير مساجد وكنائس ومستشفيات. ثم يأتي دور الإعلام لتبرير ذلك  السلوك العدواني ومنحه الشرعية. أي أنّ الإعلام، خصوصًا في الحروب، يفقد الكثير من مصداقيته، ويتحول إلى بوق دعائي لكلا الطرفين".

 ويردف: "ومثلما تتفوق إسرائيل عسكرياً فهي كانت دائماً متفوقة في آلة الدعاية لتأطير سلوكها الاستيطاني والاحتلالي، بإطار أخلاقي مقبول لدى الغرب. وكانت وسائل الإعلام التي تدور في فلكها تعيد تعريف كل شيء مثل الإرهاب، المقاومة، الاحتلال، القانون الدولي، وفق أجندة إسرائيل السياسية".

مثلما تتفوق إسرائيل عسكرياً فهي كانت دائماً متفوقة في آلة الدعاية لتأطير سلوكها الاستيطاني والاحتلالي

ويرى شريف صالح أنّ ما سبق يتسق مع فكرة أنّ الدول الكبرى، وحتى المؤسسات والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة، كل ما يشغلها هو كيفية استعمال القوة وتنظيمها، بما يضمن مصالح اللاعبين الكبار، أكثر من الانشغال بأي شعارات أخلاقية كالعدالة وحقوق الانسان، "فدور الإعلام التغطية على كل ذلك، وتغليفه بشعارات براقة، وخلط الأوراق بين الجلاد والضحية".

ويستدرك صالح: "لكن المتغير المهم هنا أنّ الطرف الأقوى عسكرياً، لم يعد الأقوى إعلامياً، بسبب "السوشيال ميديا" وطبيعتها العنكبوتية القابلة للتقييد نسبياً، لكن تصعب السيطرة عليها مثل الإعلام التقليدي، وبفضلها تضاعف التعاطف العالمي والغربي مع الشعب الفلسطيني، وانتقدت إسرائيل بنبرة شديدة اللهجة وغير مسبوقة".

فضح مغالطات إسرائيل الكلاسيكية

نجح نشطاء "السوشيال ميديا" في فضح مغالطات إسرائيل الكلاسيكية، والاستثمار في مأساوية الصور، خصوصاً الأطفال، من ثم جاء التعاطف والتضامن مع الفلسطينيين، غير مسبوق في حجم انتشاره وتأثيره.

نجح نشطاء "السوشيال ميديا" في فضح مغالطات إسرائيل الكلاسيكية

ويشير شريف صالح إلى أنّ قوة "السوشيال ميديا" عكست ثلاث ملاحظات: "الأولى أنّ التعاطف جاء على المستوى الشعبي، أما الساسة وصناع القرار فتحركوا في النسق المعتاد. والثانية أنّ التعاطف لا يعبر عن قوة حماس، بقدر ما يعبر عن قوة "السوشيال ميديا" نفسها، فكثير ممن ساندوا وعلقوا في القنوات العالمية لا ينتمون بالضرورة لجهازها الدعائي، مثل باسم يوسف".

يستكمل صالح: "لا شك أنّ للصورة دوراً مؤثراً، وبعض الحروب تُنسى تفاصيلها ولا تتبقى منها إلا صورة. واليوم نرى عشرات الصور ومقاطع الفيديو، لأنها حرب تُدار عبر البث المباشر، أكثر من كونها تحدث في الواقع. لذلك حاولت إسرائيل فصل الإنترنت واستهداف الصحافيين، لحجب الصورة. مع ذلك فاتها أنّ التقنيات الرقمية، تتيح لأطفال، كما رأينا، أن يصبحوا صحافيين ويصوروا كل شيء بهواتفهم.

الملاحظة الأخيرة تتعلق بتوظيف الذكاء الاصطناعي لطمس الأدلة واختلاقها وتغيير مغزاها. فثمة لقطات كثيرة جرى تعديلها، ومقاطع الفيديو ربما تتكرر أو يُعاد بثها من زوايا مختلفة، ومن ثم يصعب التأكد من مصداقيتها عن طريق طرف محايد".

 

الصفحة الرئيسية