الحداثة وعقلنة الخطاب الإسلامي

الحداثة وعقلنة الخطاب الإسلامي


14/02/2018

أزمة الحداثة، وما صحبها من رِهانات الخطاب الإسلامي بين المادة والعاطفة، وكيف يتم تحديث ما يُجزم فيه بغياب العقلانية، وهل الملاءمة التأويلية للخطاب الديني مع المعطيات الأساسية للعلم تُعد تحديثاً أم تدليساً لقيمة لا تخضع للمقاييس المتعارف عليها للتحديث؟ ولماذا تختزل الحداثة الفكرية في مجال قراءة النصوص التأسيسية وإزاحة الموضوعات التقليدية، وعقلنة المقدس إنْ صح التعبير؟ فقبل معالجة الخطاب الإسلامي الذي وصل لمرحلة الشيخوخة وصولاً طبيعياً نحن نحتاج إليه لإدخال العقل المسلم والمجتمع المسلم للحداثة بنسخة غير مُغرّبة.

فالثورة الثقافية ليست بالضرورة طريقاً مُعبداً لإدراك وحدة التاريخ ووجهته، وما يستلزمه ذلك من الارتماء في بحر هذه الحركة العامة التي تُسمى العقلنة والتحديث؟ وأين هو المشروع الإسلامي لإحداث نقلة نوعية حداثية إسلامية خالصة ولا سيما أن الذاكرة التاريخية كقيمة ثابتة لم تعد رهان الأجيال الشابة التي تمثل جل سكان العالم الإسلامي، ويعد التراث الإسلامي للكثير منهم هرطقات تحد من انطلاقاتهم نحو المستقبل ليصبح الواقع المعاش والخيال العلمي قريب التحقيق هو جوهر العقلنة لهم، ويعتقد الكثير منهم أننا أمة تعيش حالة انهزامية نتواصل من خلالها بالمستقبل بأدوات اتصال من الماضي، ولذلك تصل الرسالة مشوشة وغير مستساغه!

فمن خلال نوافذ ضيقة لا تُؤسس للبحث العلمي، والركون الكلي إلى منطلق دعائي لكسب وقتي يقابله انحباس حضاري في جوهر المعرفة بين الجهل والتجهيل، حيث لم يصل التطوير إلى بنية العقل المسلم والترويج للسلفية بأنها سفينة سيدنا نوح التي ستحمينا من طوفان العصرنة والعولمة هي طروحات عقيمة تعيق بدورها إعمال العقل كإحدى الوسائل المعرفية، وليس غاية في حد ذاته وبين نسخة ليبرالية وعلمانية ونفعية رأسمالية وسلفية ومتطرفة..إلخ، لا يزال الفرد العادي في المجتمع مُغيباً في صراعات تعتبره غير جدير بأن يكون فاعلاً في تبني نسخته الشخصية أو نسخة مختلفة برؤية لا تنتمي للأطر المغلقة للتصنيف، وهو إقصاء يرتكبه الحداثيون باسم العقل، كما يرتكبه السلفيون المتشددون باسم إرث مقدس لجميع العصور.
فالتراث أصبح بمضامين أيديولوجية، وهناك أزمة في علاقة المسلمين بالإسلام بنسخته المسيسة تاريخياً، وينشغل المسلمون بالدعاية العلمية للدين بدلاً من إنتاج المعرفة، والمساهمة في إنجازات العلوم الحديثة واعتبر البعض أن الإقرار بالإعجاز العلمي في القرآن قد يكون بديلاً للبحث العلمي، لكن يبدو أن هذا حدث عندما وجد المسلمون أنفسهم يتأخرون بقرون خلف بقية العالم المتطور معرفياً، فأتوا بمسميات تقول للجماهبر: نحن لا نحتاج للبحث العلمي، وكلما يصل غيرهم لنتائج بحثية واكتشافات مبهرة، يأخذ المسلمون تلك النظريات وينسبونها لآيات في القرآن يؤولونها لتتناسب مع ما جاء في النظرية العلمية، وكأن القرآن يحتاج للعلم، لكي نثبت بأنه كلام الله الخالد.

وابتلي الإسلام بظاهرة قتل الحي ليحيي تراث الميت، وقوانين تؤصل للتراجع لتحقق التقدم في معادلة غريبة وسلطة جبرية تفرض على جميع أفراد المجتمع نسختها الرسمية من الدين، ورفض الآخر بالمطلق إذا لم يُقر بأن الإسلام كما يرونه هم فقط، وأسطورة الإسلام الصحيح، فأي تحديث بعد ذلك لخطاب معاصر والأسس التي بني عليها غير عصرية، ولذلك ما نحتاجه كي نخرج من هذه الدوامة يتمحور حول عملية بناء آخر موازٍ للخطاب التاريخي والمجدد، ويكون هو خطاب إنساني إسلامي وعولمة بنسخة إسلامية.

فكيف فهمَ وفسّر الدين المجتمعات السابقة، وطبق الدين في مكة والمدينة وباقي العواصم الإسلامية بعد الفتوحات فيه الثابت والمتغير، ويبقى السؤال كيف يحدث ما مرجعتيه التاريخ وحتى لو أعدنا كتابة التاريخ وهو ما حدث مرات عديدة منذ بداية الإسلام ليومنا هذا، فمعظم الحركات الإسلامية التي ظهرت عبر التاريخ هي محاولات بائسة لفرض نسخه موحدة للتراث.

ويعتقد البعض أن تحديث الخطاب الديني عبث، وأنه أشبه بمحاولة إحياء لميت شبع موتاً. أما أن نقول تنقية الدين من المسلمات التي أقرها البشر لربما أقرب للصحة وخاصة إذا كانت التنقية تعني إزالة ورمي المخلفات غير الصالحة للاستخدام، والتي تحتمل الصواب والخطأ لطبيعة منبعها البشري، ولذلك يجب أن يتعامل مع التراث الديني كتراث يصلح منه ما يراه المسلمون صالحاً للعصر، وليس كثوابت دينية، وهنا الإشكالية في سياق التفكير المعاصر، والاعتراف بأن التراث لا يحتاج للعقلانية وفق ما نراه نحن اليوم عقلانياً، ولكن المزج الإيجابي بين نقاط القوة في الحداثة والتراث ضمن مخاض الحوار بمسارات تصب في صالح الإنسان بصورة عامة، في ولادة توافقية في خطاب بين الاستنساخ والاستنبات.

سالم سالمين النعيمي-عن"الاتحاد"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية