الجزائر: ما حقيقة علاقة الطاهر وطار وجماعات الإسلام السياسي؟

الجزائر: ما حقيقة علاقة الطاهر وطار وجماعات الإسلام السياسي؟

الجزائر: ما حقيقة علاقة الطاهر وطار وجماعات الإسلام السياسي؟


17/08/2023

في الذكرى الـ (13) لرحيل الأديب الجزائري الطاهر وطار، 15 آب (أغسطس) 1936 ـ 12 آب (أغسطس) 2010، عاد الحديث عن حقيقة علاقة إسلاميي الجزائر وصاحب رواية "الشهداء يعودون هذا الأسبوع"، فما القصة؟

يشير الأديب الجزائري أمين الزاوي إلى أنّ "وطار هو ابن النظام، ولكنّه كان دائماً في هذه العلاقة على اختلاف، فقد اختلف مع الرئيس الراحل هواري بومدين، وكتب رواية (الزلزال) في نقد مشروع الثورة الزراعية في السبعينات، كما اختلف مع الحزب الحاكم جبهة التحرير، فكتب رواية ا(لزنجية والضابط).

وغداة وفاة الرئيس هواري بومدين حزن وطار كثيراً، وحين سُئل ردّ: "برحيل بومدين، فقدت من كان يحرّضني على الكتابة، وفقدت خصماً نبيلاً كان محرّكاً لغريزة الكتابة بجمالية"، مع الإشارة إلى أنّ وطار تطرّق إلى إشكالية العلاقة بين المثقّف والسلطة في رواياته (تجربة في العشق) و(اللاز) و('قصيدٌ في التذلّل).

وإذا كان وطار قد قام في رواية (عرس بغل) 1983 بفضح التاريخ الرسمي للدولة الإسلامية، فإنّ وطار، صاحب شعار "لا إكراه في الرأي"، اعتمد موقفاً مثيراً للجدل إبّان عشرية الإرهاب الدموي الذي كابدته الجزائر بين عامي 1992 و2002، حين رفض وطار الإقرار بمصطلح "الإرهاب"، مرتضياً تبنّي ما سمّاه "العنف والعنف المضاد"، بشكل خالف رأساً القسم الأكبر من نخب الجزائر، ممّا دفع الكثير من خصوم وطار لاتهامه بـ "محاولة تبرير" المجازر التي ارتكبتها مجموعات الإرهاب، وتسبّبت في مقتل ربع مليون جزائري.

اعتمد وطار موقفاً مثيراً للجدل إبّان عشرية الإرهاب الدموي الذي كابدته الجزائر بين عامي 1992 و2002، حين رفض وطار الإقرار بمصطلح "الإرهاب"، مرتضياً تبنّي ما سمّاه "العنف والعنف المضاد"، بشكل خالف رأساً القسم الأكبر من نخب الجزائر

وسبق لأمين الزاوي التصريح: "في لحظة من لحظات صعود المد الإسلاموي، بدأ وطار في مغازلة هذا المد، وبرز ذلك في روايته الولي الصالح يعود إلى مقامه الزكي"، علماً أنّ وطار فجّر لغطاً عارماً إثر موقفه من اغتيال مواطنه الشاعر والروائي والصحفي الطاهر جعوط في 2 حزيران (يونيو) 1993، فقد علّق آنذاك: "اغتيال جعوط خسارة لأطفاله، خسارة لعائلته، وخسارة لفرنسا بكل تأكيد".

الأديب الجزائري أمين الزاوي

وشدّد البروفيسور السعيد بوطاجين على أنّ وطار أوضح له: "الطاهر جعوط صديق حميم وأحد مؤسسي الجاحظية من الذين أعتزّ بهم. لقد أدليت بذلك التصريح في حالة نفسية متدهورة، أنت تعرف مواقفي، والمشكلة مع الفرنكوفيليين الذين استولوا على مفاصل الدولة، بما في ذلك وزارة الثقافة التي غدت خاصة بهم".

وأفاد بوطاجين: "لا يمكن أن نتصور أنّ وطار كان مرتاحاً لتصفية أحد الكتّاب المقربين منه. لقد استفادت عدة جهات من التصريح، وكانت تلك الكلمات كافية لجعله إرهابياً في نظرهم، بدليل أنّ الصحافة المفرنسة في الجزائر اعتبرت وفاته لا حدث".

خصومٌ لا أعداء  

شدّد الإعلامي بوعلام رمضاني على أنّ "وطار ظاهرة إبداعية لن تتكرر، وسلبياته كإنسان لا تنقص شيئاً من شخصيته الفذة"، مضيفاً: "لم يكن ضد الدين كما يفعل بعض أتباعه المراهقين إيديولوجياً، والذين أخرجوه من التاريخ بسبب خلافات شخصية أو فكرية".

وتابع: "في وطن يحترم أمثاله، لا يحاسب وطار عن قراءته للأزمة السياسية التي عرفتها الجزائر في التسعينيات، ولا عن قوله مبالغاً في تقديري على طريقته: "جعوط خسارة لفرنسا".

وكشف رمضاني أنّ وطار الذي مات شيوعياً، قال له حرفياً: "الإسلاميون ليسوا أعدائي"، والقصد أنّهم كانوا "خصومه"، مردفاً: "جلّ المنتسبين لتوجه وطار اليوم، والذين يلعبون دور المفكرين يسارياً... لا يفرّقون بين الخصم والعدو".

بوطاجين: "عشت أعواماً مع الطاهر وطار، وكان موقفه من الإسلاميين واضحاً، لكنّه ظل محاوراً محترماً لهم، وقريباً من بعض هؤلاء، وكانوا يحبّونه لحكمته وعبقريته

من جانبه، أيّد بوطاجين ما قاله رمضاني، مسجّلاً: "الممثلون والتنويريون الذين يعبثون بروح الأمّة "يلعبون دور المفكر يسارياً". كان وطار خصماً للإسلاميين، ومحاوراً أو صديقاً لمجموعة من هؤلاء. وفي الوقت الذي يدنّس فيه المفكرون المراهقون القرآن، كان وطار أول من أسس إذاعة القرآن. الفرق كبير جداً، وخرافي".

وبشأن ما انتاب مرحلة ما بعد إلغاء نتائج تشريعيات كانون الثاني (يناير) 1991"، أفاد بوطاجين: "قال لي وطار بعد وقف المسار الانتخابي الذي اعتبره اعتداءً على خيارات الشعب: عمك الطاهر شاوي، لكنّه ديمقراطي"، مستطرداً أنّه كان يتعين على "صعاليك الفكر والباحثين عن الأموال والولاءات قراءة ما كتبه عنهم الأكاديمي التونسي محمد المزوغي".

وذكر بوطاجين: "عشت أعواماً مع الطاهر وطار، وكان موقفه من الإسلاميين واضحاً، لكنّه ظل محاوراً محترماً لهم، وقريباً من بعض هؤلاء، وكانوا يحبّونه لحكمته وعبقريته، ومن هؤلاء عبد القادر حشاني القيادي السابق في جبهة الإنقاذ الإسلامية المحظورة".

إدانة وتحامل

يستذكر بوطاجين بحنين الزمن الأول لجمعية الجاحظية التي أسّسها وطار، مركّزاً على أنّ "شعار من دخل الجاحظية فهو آمن"، كان نافعاً، قبل أن يتحول إلى إدانة، بعدما جرى اتهام وطار بـ "التنسيق مع الإسلاميين"، خاصة في علاقته بالشاعر مصطفى محمد الغماري، وبالقيادي الإسلامي عبد القادر حشاني (1956 ـ 1999).

ويؤكد بوطاجين أنّ تأسيس وطار إذاعة القرآن الكريم في 12 تموز (يوليو) 1991 كان حجّة اتكأ عليها الغرماء لاتخاذ مواقف مناوئة من وطار الذي اعتبر من الإسلاميين، مع أنّه كان صديق المخرج الهاشمي شريف (1939 ـ 2005) الأمين العام لحزب الطليعة الاشتراكية، وكثير من الشيوعيين.

البروفيسور السعيد بوطاجين

وتطرّق بوطاجين إلى التحامل الذي مارسه الفرنسي (تريستانلو بريلييه) في مؤلفه (الجزائر، الكتاب في العشرية السوداء) 2018، حيث كتب: "إنّ وطار كان ذا ميول واضحة إلى الجماعات المتطرفة التي تصالح معها، لذلك كان الإسلاميون ينظرون إليه كشيوعي معتدل. لقد وقف معهم ضد النظام، وضدّ الديمقراطيين، لينجو من الاغتيال".

ولفت بوطاجين إلى أنّ "الطرح نفسه تواتر في أوساط بعض النخب الجزائرية، لتستغله عدة جهات، ومنها أطراف فرنسية كانت لها مقاصد من وراء التهجم عليه نصرة للموالين لها، سياسياً وثقافياً".

من جانبه، اعترف الوجه الإخواني الجزائري عبد الرزاق مقري (62) عاماً بـ "قابلية التعايش" لدى الطاهر وطار، ونقل على لسان الشيخ كمال أبو سنّة حكايته مع الفقيد: "أذكر في بداية التسعينيات من القرن الماضي جمعني المجلس بالأستاذ الروائي المعروف الطاهر وطار-غفر الله لنا وله- في مكتبه بجمعية الجاحظية، ودار بيني وبينه حوار طويل وصريح وجدتُ في الرجل قابلية للتعايش مع الآخر، وقد حمل مع ثلة من العاملين معه شعار:"لا إكراه في الرأي"، ويومها أهديته كتابي الذي صدر لي في ذلك الوقت: (نظرات في واقع المرأة والعمل الإسلامي النسوي المعاصر)، وقد علّق الرجل بعد تصفحه للكتاب بقوله وهو يبتسم: "أنت إذن "إسلماوي"!.

وأضاف أبو سنّة: "قلت له وأنا أضحك من هذا المصطلح الذي باضه الشيطان في عقل بعض العلمانيين من دعاة الاستئصال، وفرّخوه ليضربوا به كل داعٍ إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، حتى وإن كان يلبس البذلة الإفرنجية ويضع ربطة العنق:" يا أستاذ الطاهر، أنت أديب كبير ودارس في (الزيتونة)، هل يوجد في العربية هذا الوزن "إفعلاوي"؟ إنّني أفتخر أنّني "مسلم"، وكفى، وقد قال ربي وربك في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ}، سورة آل عمران (102).

مواضيع ذات صلة:

ما مسؤولية الإخوان في إدارة الجبهة الاجتماعية بالجزائر؟

كيف ينظر إخوان الجزائر إلى أزمة النيجر؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية