الجذور الليبرالية للنشاط اليميني المتطرف: الحركة المعادية للإسلام في القرن الحادي والعشرين

الجذور الليبرالية للنشاط اليميني المتطرف: الحركة المعادية للإسلام في القرن الحادي والعشرين

الجذور الليبرالية للنشاط اليميني المتطرف: الحركة المعادية للإسلام في القرن الحادي والعشرين


31/01/2023

ماتيو بوغليس

ربما يعد كتابُ «الجذور الليبرالية للنشاط اليميني المتطرف» الذي كتبه لارس اريك بيرنتزن، المحاولةَ الأكاديمية الأولى لرسم خريطةٍ لجماعات اليمين المتطرف في أوروبا، وتحليلها، من منظورٍ أيديولوجي ونظري شامل. مؤلف الكتاب هو الدكتور بيرنتزن، وهو باحثٌ متخصص في دراسات التطرف، وحاصل على الدكتوراه، في قسم السياسة المقارنة من جامعة بيرجن في النرويج، ويعمل باحثًا منتسبًا في “مركز بحوث التطرف” في جامعة أوسلو.

درس بيرنتزن الثقافة الإسلامية والهجرة في النرويج، والفكر الذي يتبناه الإرهابي النرويجي أنديرس بهرينج بريفيك. وكانت أطروحة الماجستير التي أعدها بيرنتزن هي الدراسة الأولى من نوعها للتعبئة السياسية المعادية للإسلام في النرويج. وفي عام 2018، حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من معهد الجامعة الأوروبية في فلورنسا بإيطاليا، بأطروحة عن الحركة المعادية للإسلام في الولايات المتحدة ودول أوروبا الغربية، في الفترة ما بين عامي 2001 و2017. وتتعلق النظرية التي يسعى بيرنتزن لإثباتها حول العلاقة بين التمدد المتزامن لليمين المتطرف والنشاط الليبرالي والإسلام السياسي، الذي يشكل أيضًا أحد موضوعات الكتاب.

الحركات المعادية للإسلام

في محاولةٍ لرسمِ خريطةٍ للحركات المعادية للإسلام، وتقصِّي انتشارها، يطرح المؤلف سؤالين؛ الأول: ما السماتُ التي تحدد هيكل وبنية الحركات المناوئة للإسلام؟ والثاني: كيف وإلى أي مدى تتبنى هذه الحركات قيمًا تقدمية وليبرالية؟

يقدِّم الكتاب دراسةً لأربعةِ أبعاد: الأول يبحث الخلفية والسير الذاتية لقادة اليمين المتطرف، ومُنظريه، وممثليه، بغية إعطاء القارئ أفكارًا بشأن دوافع الانضمام لهذه الحركات. والثاني هو البعد الأيديولوجي الرسمي. والثالث تحليل للشبكات التنظيمية؛ بهدف دراسة ما إذا كانت مبادرات هذه الحركات منسقة أم لا. أما البعد الرابع فيتتبع حشد المتعاطفين وتجنيدهم، لفهم إذا ما كان المجندون يلتزمون، فعلًا، بالخط الأيديولوجي الرسمي.

يرى بيرنتزن أن مدى انتشار الآراء الليبرالية للحركة المناوئة للإسلام لها تداعيات واسعة النطاق على الفهم الأساسي لماهية هذه الحركات. في تحليل الأبعاد الأربعة، يركز الكتاب على المبادرات السياسية والرموز المحورية في ست دول تعتبر معاقل لتلك الحركات هي: بريطانيا، والولايات المتحدة، وهولندا، وألمانيا، والنرويج، والدنمارك. ويتبع ذلك بتحليل إطاري للبيانات الصادرة عن إحدى عشرة مبادرة رئيسة تُعرف بخطابها المعادي للمسلمين في ألمانيا والنرويج وبريطانيا، جميعها تشكل بؤرة مركزية للنشاط المعادي للإسلام. ويشير المؤلف إلى أن النرويج كانت الدولة الأولى التي تظهر فيها منظمة معادية للإسلام بشكل علني، منظمة “أوقفوا أسلمة النرويج” (SIAN)، التي أسست في عام 2000.

اليمين المتطرف التقليدي والحديث

أما في بريطانيا وألمانيا، فالمنظمتان الرئيستان هناك هما “رابطة الدفاع الإنجليزية” و”بيجيدا”، على التوالي. ويرى بيرنتزن أن معايير النوع الاجتماعي (الجندر) الحديثة والمواقف الليبرالية الرئيسة تتعارض بوضوحٍ مع اليمين المتطرف التقليدي وآرائه الجامدة حول أدوار الجنسين. فعلى سبيل المثال، عندما يتعلق الأمر بحقوق المرأة، فإنها تتراوح ما بين “أطر الحماية” من وجهةِ نظرٍ ذكورية (نسائِنا)، و”أطر المساواة” من وجهة نظر أنثوية. ويُعرّف المؤلف هذه الثنائية الأيديولوجية بأنها تمثِّل نوعًا من غموض الإطار الاستراتيجي. ولهذا السبب، يقول بيرتزن، إن الجماعات المعادية للإسلام تتواصل مع الجماعات التي تهتم بحقوق الحيوان، والمثليين والمثليات ومزدوجي الميل الجنسي ومغايري الهوية الجنسية، وحقوق المرأة، وكذلك المبادرات الخاصة بالمحافظين المسيحيين، والموالين لليهود وإسرائيل، من أجل بناء تحالف “سلبي”. ويعتقد الباحثُ النرويجي أن الحركة المناهضة للإسلام توازن بين القيم الحديثة والليبرالية من ناحية، والقيم التقليدية والاستبدادية من ناحية أخرى. ويصف حالة التوازن هذه بأنها توازن شبه ليبرالي. ويرى أن المواقف الليبرالية تسبق إلى حد كبير المواقف الاستبدادية.

مفهوم الأهلانية

علاوةً على ذلك، يتناول بيرتزن بمزيدٍ من الشرح والتفصيل مفهوم الأهلانية أو الأصلانية nativism سياسة قائمة على حماية مصالح المواطنين وتفضيلها على مصالح المهاجرين لتعزيز الثقافة الوطنية، وإبعاد العناصر الأجنبية عنها[ وكيف أنه يختلف عن الأيديولوجيات اليمينية المتطرفة القديمة. يعتمد مفهوم اليمين المتطرف الجديد على اعتبار تصور أوسع للأهلانية، بحيث لا يتوقف على العرق أو الجنس بل يمتد إلى المواطنة والالتزام بـ “القيم الغربية”. ومن ثم هو شكل أكثر شمولية من الأهلانية التقليدية. ومع ذلك، يحذر المؤلف من أن مصطلح “اليمين المتطرف” لا يستخدم لتعريف الأيديولوجيا في حد ذاتها، ولكنه يمثل وعاء مفاهيمي مجرد للغاية يتضمن أيديولوجياتٍ يمينية متشددة ومتطرفة. وهكذا، تعتبر الأهلانية القاسم المشترك للأيديولوجيات اليمينية المتطرفة، حيث يجب أن تتألف الدولة القومية من أعضاء من المجموعة الأصلية فقط، وبالتالي فإن غير المواطنين يشكِّلون تهديدًا تلقائيًا. ويضيف المؤلف أنه إذا لم تكن الأيديولوجيا تنطوي على الأهلانية، في جوهرها الطبيعي، فلا يصح تعريفها بأنها يمينية متطرف. كيفية التمييز بين أيديولوجية اليمين المتشدد واليمين المتطرف تكمن في نهج كل منهما تجاه النظام السياسي. ففي حين أن اليمينَ المتطرف مُعادٍ للديمقراطية ومستعدٌ لاستخدام العنف لتحقيق أهدافه، فإن اليمين المتشدد، رغم انتقاده للمؤسسة الديمقراطية، يعمل ضمن حدودها.

نمو اليمين المتطرف

يُعرّف بيرنتزن معنى “معاداة الإسلام” في أبحاثه. ويشير إلى أن الجماعات اليمينية المتطرفة تعتبر الإسلام قوة سياسية وشمولية ومدمرة. ولذلك، فإنه يعرف الحركات المعادية للإسلام بأنها “تؤطر الإسلام كأيديولوجيا متجانسة وشمولية تهدد الحضارة الغربية”، في حين يرى أن مصطلح “الإسلاموفوبيا” يتضمن تأكيدًا متأصلًا على ردود الفعل العاطفية.

ويرى المؤلف أن أزمه اللاجئين، من بين عوامل أخرى، قد أسهمت في نمو حركات اليمين المتطرف في أوروبا. وهي الآن تجند وتحشد متعاطفين جدد عبر حملات دعاية عبر وطنية. ويقول بيرنتزن إن الأسباب التي تجعل الأشخاص ينضمون إلى حركات اليمين المتطرف تعتمد على التوافق الأيديولوجي وشبكة العلاقات الشخصية والصدمة الخارجية. ويحدد أربع موجات من التوسع اليميني المتطرف: عبر الإنترنت وداخل الأحزاب -من خلال التحالفات الاجتماعية وفي المجتمعات المحلية- والتضامن عبر الوطني، والدور البريطاني، وصعود منظمة بيجيدا في ألمانيا وتوسعها شرقًا.

ويدّعي المؤلف أن إعادة توجه اليمين المتطرف نحو الدفاع عن القيم الليبرالية أمر واضح. وتظهر خلاصة أبحاثه أن الجهات الفاعلة المناهضة للإسلام في النرويج، وبريطانيا، وألمانيا، تشترك في نفس إطار العمل الجماعي والأيديولوجيا. غير أن بعض الركائز الأيديولوجية لليمين المتطرف “القديم” ما زالت قائمة، ولكن في الخطاب الداخلي بدلًا من البيانات الرسمية. ولا تزال معاداةُ السامية، في الأحزاب اليمينية المتطرفة غير العنيفة، منتشرةً على نطاقٍ واسع. على سبيلِ المثال، تعرَّض الصحفي الإيطالي جاد لرنر للإهانة من قبل العديد من النشطاء اليمينيين المتطرفين في مسيرة نظمها حزب “ليجا” الذي يتزعمه ماتيو سالفيني، الذين قالوا له: “أنت لست إيطاليًا، أنت يهودي، اذهب بعيدًا!”.

وفي بلدة سكيو التي تقع شمال شرق إيطاليا، لم توافق الأغلبية اليمينية التي يدعمها حزب “إخوان إيطاليا” اليميني على اقتراح وضع نصب تذكاري يحمل أسماء ضحايا المعسكرات النازية؛ لأنها اعتبرته “مثيرًا للانقسام والكراهية”. ولا تقتصر ردود الفعل هذه على اليمين المتطرف الإيطالي فحسب، بل تمتد نحو الشرق بين الأحزاب اليمينية في المجر وبولندا، وأماكن أخرى. في هذه الحالةِ، يتداخل الإطارُ الأيديولوجي لليمين المتطرف “القديم” مع الإطار الجديد. الفارق هو أنه في الوقت الذي تُعتبر فيه مهاجمةُ الإسلام -ككل- شرعيةً وجزءًا من الخطاب السياسي الرسمي، تقتصر التعليقات السلبية عن اليهودية واليهود على المناقشات الداخلية أو الآراء الشخصية في أوساط (كثير) من المتشددين والمسؤولين.

خلاصة

ختامًا، يقدم بيرنتزن معلوماتٍ دقيقة عن تطور أيديولوجيا اليمين المتطرف، وعلاقته بالجذور الليبرالية للقيم الغربية. الكتاب يُعد دراسة مقارنة جادة لهذه الظاهرة الجديدة، ويستحق الاهتمام الأكاديمي بغية تقديم مزيدٍ من النظريات الخاصة بالتطرف السياسي، والحركات المعادية للإسلام.

عين "عين أوروبية على التطرف"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية