الجدار الإسرائيلي "الذكي" يجعل غزة أكبر سجن في العالم

الجدار الإسرائيلي "الذكي" يجعل غزة أكبر سجن في العالم


23/12/2021

لم يكتفِ الاحتلال بحصار قطاع غزة منذ 15 عاماً، وشنّ 5 حروب، استهدفت البشر والحجر والشجر، أثّرت في سائر نواحي الحياة، بل راح يدشّن جداراً فولاذياً "ذكياً" تحت الأرض وفوقها، يقع  بداية من الحدود المصرية، ويحيط بقطاع غزة، حتى يبرز في البحر الأبيض المتوسط بطول 65 كيلومتراً، ومزوَّداً بأدوات مراقبة، فعشرات الهوائيات ومئات الكاميرات والرادارات تقع على هذا الحصن المبني من 140 ألف طنّ من الحديد والفولاذ.

ويدعي الاحتلال الإسرائيلي أنّه تمّ بناء هذا الجدار  لمحاصرة حركة حماس، والقضاء على الأنفاق الأرضية التي عملت على بنائها منذ عدة سنوات، واستخدامها لأغراض عسكرية خلال الحروب الإسرائيلية الأربعة على القطاع، ومع وجود جدار معدني تحت الأرض، سيكون من الصعب حفر أنفاق لخارج غزة.

إقرأ أيضاً: مدير المسجد الأقصى لـ"حفريات": رحلات المدارس الإسرائيلية تكريس للرواية التوراتية المزعومة

ويحتوي هذا العائق الأرضي  على نظام أسلحة يمكن التحكُّم بها عن بُعد، وحاجز بحري بأدوات مراقبة يمكنها أن تكتشف أيّة توغلات في الطريق البحري، وفق ما قال الجنرال العميد عيران عوفير؛ الذي كُلِّف بقيادة البناء، ويعدّ من أعقد المشاريع التي بنتها مؤسسة الدفاع على الإطلاق.

المواطن عبد الرحمن حمادة لـ "حفريات": يدّعي الاحتلال أنّه أقام هذا الجدار لأهداف أمنية، لكنّه فعلياً أثّر في نفسيتنا؛ إذ أصبحنا نشعر بأننا داخل أكبر سجن مفتوح بالعالم

وأعلنت "إسرائيل" الانتهاء من بناء الجدار عبر مراسم احتفالية، حضرها وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، ورئيس هيئة الأركان العامة للجيش الإسرائيلي، ومدير عام وزارة الجيش فضلاً عن مسؤولين آخرين رفيعي المستوى.

وقال الناطق باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية؛ إنّ الحاجز يتضمن أجهزة استشعار تحت الأرض، وسياجاً ذكياً فوق الأرض يزيد ارتفاعه عن 6 أمتار، وحاجزاً بحرياً يشمل وسائل لكشف التسلّل في البحر، ونظام سلاح يتمّ التحكم فيه عن بعد، ومجموعة من الرادارات والكاميرات، إضافة إلى غرف القيادة والتحكم.

إقرأ أيضاً: محللون لـ "حفريات": العمليات الفردية ردّ فعل ضد جرائم إسرائيل

وذكر أنّه شارك في بنائه أكثر من 1200 عامل، وتمّ استخدام 140 ألف طن من الحديد والصلب في بناء الحاجز.

ويخالف الجدار، وبشكل صريح، البند (54) من البروتوكول الأول المرفق لاتفاقيات جنيف من العام 1977، والذي يحظر "مهاجمة، أو تدمير، أو إبعاد، أو منع، استخدام المرافق الحيوية للسكان المدنيين، بما في ذلك مخازن الغذاء، الحقول الزراعية ومرافق تزويد مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الريّ والتربة الزراعية".

التأثير على حماس عسكرياً

وفي هذا السياق، يقول الكاتب والمحلل السياسي، أكرم عطاالله، لـ "حفريات" إنّ "الاحتلال الإسرائيلي يعدّ نفسه الآن أقوى من السابق، بعد بناء الجدار الأمني الذكي، ولا يمكن أن يقع خسائر في صفوف جيشه، كالتي وقعت في حرب عام 2014، وإنهاء المشكلة من جذورها، والتأثير على قدرة حماس العسكرية، وأنّه الآن بإمكان الجيش الإسرائيلي أن يخوض مواجهات عسكرية مع الفلسطينيين، دون أن يُسّجل خسائر في صفوفه، وذلك وفق زعم قادة الاحتلال".

يزعم الاحتلال الإسرائيلي أنّه تمّ بناء هذا الجدار لمحاصرة حركة حماس، والقضاء على الأنفاق الأرضية التي عملت على بنائها منذ عدة سنوات

الجدار الأمني الذي  انتهى الاحتلال الإسرائيلي من بنائه حديثاً، يؤثر على قدرة حماس العسكرية والأمنية، وفق عطاالله "خاصّة أنّ الأنفاق الأرضية كانت إحدى أهمّ الوسائل التي استثمرت بها الحركة جيداً، وتمكّنت، خلال حرب عام 2014، من أن تحدث قدر من الخسائر في صفوف قوات الاحتلال، وهذا سوف يمنعها من استخدام تلك الأنفاق مجدداً، بعد أن أنفقت عليها كثيراً".

ولبناء الجدار الفولاذي على حدود غزة له "بُعد ديني وعنصري وانعزالي، وهو يكمل مشهد السجن الكبير، الذي يقبع داخله ما يزيد عن مليوني نسمة، يعانون من ظروف معيشة قاسية، فهو يزيد من أوجاع سكان قطاع غزة بلة، ويضعهم في إحباط كبير، ويعدّ مؤشراً خطيراً بأنّه لا يوجد حلّ لمعانتهم".

بُعد سياسي

وبحسب عطاالله فإن الجدار الذكي له بعد سياسي، وهو  إخلاء مسؤولية الاحتلال الإسرائيلي عن قطاع غزة، وتكريس انفصال غزة عن الضفة الغربية ومدينة القدس، ومنع حل الدولتين، و عدم قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967.

إقرأ أيضاً: الاحتلال يستعد لتنفيذ أكبّر عملية تطهير عرقي في القدس

وعن الخطر البيئي الناتج عن بناء العائق الأرضي، شرق قطاع غزة، يقول المختص في مجال البيئة والتربة، نزار الوحيدي، لـ "حفريات": "هذا الجدار يقطع التواصل بين مصادر تغذية الخزان الجوفي من الاتجاه الشرقي، والمعلوم بالضرورة أنّ تغذية الخزان في منطقة وسط حتى شمال القطاع، تأتي من الشرق بالانسياب تحت السطحي من جبال، ومرتفعات شمال الخليل وحتى جنوبه، وبلوغ الجدار للأعماق المذكورة يقطع هذا التواصل، ويمنع تغذية الخزان ويسبّب مشكلة كبيرة".

المختص في مجال البيئة والتربة نزار الوحيدي، لـ "حفريات": الجدار يعدّ حصاراً للكائنات البرية والزواحف والثديات والحيوانات البرمائية؛ ويقطع التواصل بين مصادر تغذية الخزان الجوفي

ويرى أنّ بناء هذا الجدار "يعدّ حصاراً للكائنات البرية والزواحف والثديات والحيوانات البرمائية؛ إذ إنّ إغلاق الحدود والتحكّم في الأودية التي تمرّ عبر غزة، وأهمها وادي غزة، قطعاً للتواصل بين الكائنات الحية بين شرقي السور وغربه، وحرماناً لتلك المخلوقات من مراعيها، ومواطن تكاثرها".

يعتبر سكان غزة أنّ الجدار مضاعفة لمعاناتهم، وإحكام الخناق عليهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي

ورغم مخالفة هذا الجدار للقانون الدولي، إلا أنّه لم يلقَ أيّة معارضة من الأمم المتحدة، وفي حال قدمت شكوى بالمحافل الدولية ضدّ بناء هذا الجدار لم يسمع لها أحد، وسوف تُقبل ذريعة الاحتلال بأنّه جدار أمني بهدف الدفاع عن النفس، والحفاظ على الأمن، وهذا مخالف لأبسط المعلومات عن أضرار هذا المشروع، فهو  متعدّد الأهداف التخريبية، ويضرّ بغزة، أمنياً وبيئياً ومائياً واقتصادياً.

وينوّه الوحيدي إلى أنّ بناء الجدار الفولاذي حول قطاع غزة لم يمنع الاعتداءات المتكررة على القطاع، ولم يوقف إطلاق النار على المزارعين، وسوف يستمر الاحتلال بتجريف أراضي المزارعين، ورشّ المبيدات عليها بشكل مستمر.

وعبّر سكان قطاع غزة عن استيائهم الشديد من بناء الجدار الذكي على حدود غزة، معتبرين ذلك مضاعفة لمعاناتهم، وإحكام الخناق عليهم من قبل الاحتلال الإسرائيلي.

ويقول عبد الرحمن حمادة، لـ "حفريات": "يدّعي الاحتلال الإسرائيلي أنّه أقام هذا الجدار لأهداف أمنية، لكنّه فعلياً أثّر في نفسيتنا؛ إذ أصبحنا نشعر بأننا داخل أكبر سجن مفتوح بالعالم، دون أن يتدخل أحد لإخراجنا منه".

يواصل حديثه: "بعد الانتهاء من بناء هذا الجدار، والذي استمر لثلاث سنوات ونصف، أصبحت غزة محاصرة بجدار وأسلاك شائكة مزودين بعشرات المئات من الكاميرات، والمستشعرات والرادارات، التي ترصد حركة أهالي القطاع ذريعة حماية أمن دولة الاحتلال".

وكتبت  الصحفية الفلسطينية، هدى بارود، عبر حسابها على فيسبوك، هذا الخبر لن يهزّ شعرة في رأس هذا العالم، لن يحرّك إصبعاً من مكانه للاعتراض حتى داخل الأراضي الفلسطينية، فالمسألة، بحسبها، محسومة منذ وقتٍ لا بأس به، والمعادلة كانت واضحة".

وأضافت: "احرم الفئران الثائرة من الطعام، وهدّد حياتهم، ثم بعد كلّ عملية إبادة جماعية ضع للمتبقين منهم معونات غذائية و100 دولار، وافتح أمامهم مساحة من البحر لا تزيد عن 12 ميلاً، وإن ثاروا احرمهم من تلك المزايا، وكرّر العملية حتى يُسلّمون بها وكأنّها دين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية