
رياض بوعزة
وصلت تونس إلى مرحلة محورية في مسيرتها بعد 14 سنة من تداعيات سقوط النظام السابق. فوفقا للعميد عماد مماشة الناطق الرسمي باسم الإدارة العامة للأمن الوطني، لم تعد البلاد تؤوي أيّ بقايا للجماعات الإرهابية. هذه الإشارات إيجابية، فبقدر ما تحمله من تطمينات سواء للمواطنين أو للخارج، بقدر ما تؤكد نجاح الجهود الدؤوبة لقواتها الأمنية وأجهزتها الاستخباراتية لتحقيق الاستقرار الأمني المهم في نهاية المطاف للتنمية.
أظهر التدهور الحاد في الوضع الأمني منذ عام 2015، وكذلك في ليبيا المجاورة، الصعوبات التي واجهتها أجهزة الأمن في الحفاظ على الاستقرار وحماية الناس والممتلكات. إضافةً إلى ذلك، أدى فشل الحكومات المتعاقبة قبل 2019 في تنفيذ الإصلاحات الضرورية مع تنامي الاستياء الاجتماعي، إلى إبطاء تقدم تونس نحو التنمية الاقتصادية، مما زاد بدوره من الهشاشة وتعرضها لمجموعة متنوعة من التهديدات، على سبيل المثال، من خلال جعل البلد بؤرة ساخنة لتجنيد عناصر إرهابية.
لكن بعد عشر سنوات من ذلك التاريخ يمثل تصريح العميد عماد مماشة بأنه “لم تعد هناك فلول للجماعات الإرهابية،” والذي جاء على هامش الذكرى 48 لتأسيس الفوج الوطني لمجابهة الإرهاب ويصادف يوم 15 أبريل من كل سنة نقلة نوعية في الخطاب الأمني، وهو يعكس ثمار الجهود المتواصلة لمكافحة الإرهاب وتعزيز الاستقرار المنشود في ظل الاستقرار السياسي الراهن.
هذا الإنجاز المهم الذي شاركت فيه كل الأطراف الأمنية أو العسكرية سواء وزارة الداخلية أو وزارة الدفاع هو مؤشر حقيقي على طيّ صفحة سوداء عاشتها تونس ودفع ضريبتها الاقتصاد والشعب جراء حسابات سياسية داخلية وأخرى جيوسياسة خارجية، فضلا على الصدمات الخارجية التي تقدر دولة مثل تونس استيعابها سريعا.
لا يُعد التحسن الأمني الملحوظ تتويجا لسنوات من الجهود المبذولة لمكافحة الإرهاب وتعزيز النظام العام فحسب، بل هو تتويج وطني في حد ذاته وذلك بالنظر إلى حالة الفوضى التي سادت في العشرية الماضية ببلد كان يمثل أحد أبرز الأسواق والوجهات في قارة أفريقيا وحوض المتوسط. بعبارة أخرى قطار التنمية المنشودة بات عند منعطف هزيمة الإرهاب. يُمثل هذا التحسن أيضا إشارة قوية للمجتمع الدولي.
ليس من المنطقي لأيّ أحد كان الآن التشكيك في هذا الكلام أو الركوب عليه لتحقيق مآرب أخرى ضد الدولة. لندع ذلك جانبا، وننظر إلى زاوية أخرى، فأنت عندما تريد إنشاء مشروعك في بلد ما أو تفكر في زيارته ستنظر إلى قائمة طويلة من المؤشرات أبرزها أن يكون السوق المستهدف لا يعيش أيّ أزمات قد تولّد المخاطر وتهدد الأرواح أو الأموال.
سيكون هذا الأمر عاملا حاسما في ترسيخ ثقة المستثمرين الدوليين وشركات السياحة. المستثمرون يبحثون دائما عن بيئات مستقرة سياسيًا وأمنيا، وتصريح مثل هذا يعطي رسالة قوية بأن تونس تسير في الاتجاه الصحيح رغم الصعوبات، مما قد ينعكس على زيادة الاستثمارات في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والعقارات.
كيف يدعم الاستقرار الأمني جذب الاستثمارات. ببساط يعمل ذلك على تقليل المخاطر وتحسين مناخ الأعمال ويبني علاقات دولية أفضل عبر القيام بتوسيع الشراكات التجارية والاستثمارية، لأنه عندما تقل التهديدات الإرهابية يرتفع تصنيف البلاد لدى المؤسسات المالية الدولية ووكالات التصنيف الائتماني.
بالنسبة إلى السياحة التي عانت كثيرا في السنوات الماضية بسبب الوضع الأمني هي أيضا عادت بقوة وتسعى إلى تحطيم الأرقام القياسية المسجلة. اليوم، مع تحسن الوضع واستقرار الأوضاع، يمكن أن نشهد عودة قوية للزوار، خصوصًا من أوروبا، ما يعني دخلاً بالعملة الصعبة وزيادة فرص العمل.
يعدُّ الاستقرار حجر الزاوية في التنمية لأيّ دولة. ومع القضاء على خطر الإرهاب بفاعلية، ستصبح تونس الآن في وضع يسمح لها بتهيئة بيئة أكثر ملاءمة للاستثمارات الأجنبية المباشرة وتعزيز السياحة الدولية والمنافسة رغم ظروفها الضاغطة. يعزز هذا الشعور المتجدد بالأمان ثقة المستثمرين والمسافرين على حد سواء، مما يُمهد الطريق لزيادة تدفقات رأس المال، وتوفير فرص العمل، وتنويع القطاعات.
بدأت الآثار الإيجابية لهذا الاستقرار تتضح بالفعل. فمن تعزيز ثقة المستثمرين بقطاعات رئيسية مثل الطاقة المتجددة والتكنولوجيا والبنية التحتية، إلى إحياء جاذبية تونس السياحية على الساحة العالمية، فإن الإمكانات الاقتصادية هائلة. والأهم من ذلك، أنه يُرسي أساسًا متينًا للنمو الشامل، مُتيحًا فرصًا جديدة في المناطق المهمشة والتي كانت في السابق عرضة للخطر.
إن الأمن والتنمية ليسا هدفين منفصلين، بل هما وجهان لعملة واحدة. يجب على الإستراتيجية الناجحة أن تُعالج كليهما في آن واحد، من خلال سياسات فعالة ومؤسسات قوية. قد تكون تونس حققت الشق الأول من المعادلة، لكن عليها تحقيق الشق الثاني الأكثر صعوبة.
تونس اليوم نموذج تجريبي للعلاقة بين الأمن والتنمية والتعاون بين الجهات الفاعلة الدولية في منطقة شهدت فوضى “الربيع العربي” الفاشل، أكثر منها نموذجا محتملا للانتقال الديمقراطي، نظرا إلى ضرورة دعم التنمية الديمقراطية من خلال إجراءات تنموية ملموسة، ومساعدات مالية ودعم أمني أكبر.
هذا فعليا ما ينتظره التونسيون اليوم من قيادة تصرّ على إصلاح الخراب الذي خلفه سياسيون لم يهتموا لتونس أو لأهلها، مهما كانت العراقيل، بتغليب المصلحة الوطنية العليا فوق الحسابات الضيقة التي تم تطويقها وبحزم حتى تنعم الأجيال القادمة بمكتسبات اقتصادية جديدة سنحتاج إلى سنوات أخرى حتى نقيّم نجاحها من عدمه.
العرب