التصعيد بين إسرائيل وحزب الله: هل يورط نصر الله لبنان بحرب جديدة؟ من المستفيد؟

التصعيد بين إسرائيل وحزب الله: هل يورط نصر الله لبنان بحرب جديدة؟ من المستفيد؟


08/08/2021

شهد الجنوب اللبناني خلال الأيام الماضية موجة تصعيد جديدة بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله اللبناني الذي أطلق عشرات الصواريخ صوب مزارع شبعا المحتلة، أعقبها رد إسرائيلي وصف بـ "المحدود" دون استبعاد إمكانية اتساعه في الأيام المقبلة. 

ومع تبنّي حزب الله عملية إطلاق الصواريخ الأخيرة، يعود الجنوب اللبناني مرة أخرى ليكون ساحة صراع إقليمية تخدم أجندات طهران وأهدافها، وتضر بلبنان الذي يرزح تحت أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية وأمنية غير مسبوقة.

خدمة لطهران

ولا يمكن فصل التصعيد الأخير في جنوب لبنان عن الحملة الدولية المتصاعدة والداعية لمعاقبة إيران جراء سلوكها غير المسؤول من الأمن والتجارة الدولية، فالأخيرة قد عادت إلى استخدام حليفها حزب الله لخلق بؤرة توتر إقليمية شديدة الحساسية والتركيب، بحيث ينشغل العالم عن مسألة معاقبة إيران على سلوكها الأمني والسياسي، وأن تكون الساحة اللبنانية مكاناً لتصفية الحسابات بينها وبين القوى الإقليمية والدولية المناوئة لها.

وتعمد طهران دائماً لاستخدام ميليشياتها المنتشرة في لبنان والعراق واليمن لإرسائل رسائل إقليمية على حساب شعوب العربية دون أن يتلقى النظام الإيراني أي خسائر مباشرة داخل أراضيه.

ويبدو أن اختيار إيران افتعال أزمة في جنوب لبنان يعود إلى عدة عوامل يمتاز به "الحقل اللبناني" من النفوذ الإيراني في دول الإقليم، بالذات في هذه المرحلة.

ومن أهم هذه العوامل أنّ لبنان مساحة احتكاك مع إسرائيل، حيث يعتقد العقل الاستراتيجي الإيراني أنّ أية مواجهة مع إسرائيل ستدفع القوى الغربية للانخراط في الأمر رغماً عنها، وهو أمر سيتطلب التواصل مع إيران، التي تعتبر نفسها الآمر الناهي على ميليشيا حزب الله.

 لا يمكن فصل التصعيد الأخير في جنوب لبنان عن الحملة الدولية المتصاعدة والداعية لمعاقبة إيران جراء سلوكها غير المسؤول من الأمن والتجارة الدولية

كذلك يعود الأمر إلى حساسية الملف اللبناني ودور ميليشيا حزب الله، حيث ثمة انقسام حاد بشأنها، بالذات من زاوية دور هذه الميليشيات في إدخال لبنان في بؤرة الصراع الدولي مع إيران، فذلك الانقسام الذي قد يتحول لمواجهات أهلية داخلية، سيكون متنفساً لإيران لابتزاز جميع الدول الإقليمية وحتى القوى الدولية من خلال لبنان.

ويرى المعارض الإيراني الأحوازي نشأت العُبيدي في حديث مع "سكاي نيوز"، أن أهم ما يميز ميليشيا حزب الله عن باقي الميليشيات الإيرانية إقليمياً هو احترافها، إذ إن هذه الميليشيا اشتغلت عليها إيران لأربعة عقود كاملة، ومنخرطة في كل أجهزة الدولة ومؤسسات الحُكم في لبنان، وتسيطر نفسياً وأمنياً على الكثير من الجماعات والقوى السياسية اللبنانية، وطبعاً بنيتها العسكرية والتزامها التنظيمي أكثر رصانة من باقي الميليشيات، لذلك فهي المرشح الأول لتكون محل اعتماد إيراني، بالذات في هذا الوقت الضاغط على النظام الإيراني.

ويشكك المراقبون في قدرة رئيس الجمهورية اللبنانية أو الحكومة والبرلمان على إيقاف أي قرار إيراني عن طريق حزب الله والذي من شأنه أن يدخل لبنان في بؤرة التوتر بين إيران والقوى الدولية، فالحاكم الفعلي للبنان هو سُلطة سلاح حزب الله.

كما يرى المحلل العسكري عمر الرداد، أنّ هذه "العملية غير معزولة عن التصعيد الإيراني مع إسرائيل على خلفية استهداف باخرة تجارية إسرائيلية في خليج سلطنة عمان الأسبوع الماضي، وما تعرّضت له سفن تجارية أخرى من عمليات قرصنة، تشير أصابع الاتهام الغربية (الأمريكية والبريطانية) إلى مسؤولية الحرس الثوري الإيراني عنها، وهو ما أكدته أوساط في إعلام الحرس الثوري الإيراني".

حادثة شويا.. صفعة داخلية جديدة للحزب

جرت العادة على أن يكون رد فعل الشارع اللبناني على تجاوزات حزب الله متراوحاً ما بين الرفض المكتوم والتأييد المطلق لمواقف وإجراءات حزب الله وميليشياته، لكن هذه المرة لوحظ رد فعل مختلف ومفاجئ؛ إذ تجاوز غضب اللبنانيين حدود الغيظ المكتوم إلى مرحلة انفجار الغضب من الحزب وميليشياته.

وبدا هذا من خلال مقطع فيديو انتشر فى وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعى يُظهر لحظة اعتراض سكان بلدة شويا فى قضاء حاصبيا لمسلحين من ميليشيا حزب الله، وصادروا راجمة صواريخ استخدمتها تلك العناصر في العملية. 

تعمد طهران دائماً إلى استخدام ميليشياتها المنتشرة في لبنان والعراق واليمن لإرسائل رسائل إقليمية على حساب الشعوب العربية دون أن يتلقى النظام الإيراني أي خسائر مباشرة داخل أراضيه

وندد الأهالي الذين تجمعوا حول الشاحنة باستخدام حزب الله لمدينة حاصبيا منصة لإطلاق صواريخه باتجاه إسرائيل.

التطور الآخر تمثل في تحرك الجيش اللبناني لتوقيف 4 أشخاص في بلدة شويا، قاموا بإطلاق الصواريخ، مشيراً إلى أنه تم ضبط الراجمة المستخدمة في العملية أيضاً.

وقال بيان للجيش إن وحدات الجيش المنتشرة على الأرض تقوم بالتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان باتخاذ التدابير الأمنية اللازمة لإعادة الهدوء إلى المنطقة.

وتكمن الدلالة المهمة هنا في أنه لأول مرة يصل تعبير الرأي العام اللبناني إلى مرحلة مواجهة الحزب الذي اعتاد قمع المعارضة الداخلية لسياسته بحجة مقاومة إسرائيل وتخوين كل من يجرؤ على التشكيك في هذه المقاومة التي يتم يتم تفعيلها عند حاجة إيران لتوجيه رسائل إقليمية.

أما موقف الجيش الوطني فقد يكون هو الآخر بداية الإعلان عن عودته بعد غياب ليكون الجيش وليس أحد الجيوش.

أفادت هيئة البث الإسرائيلية "مكان"، اليوم، نقلاً عن مصدر أمني إسرائيلي بأنه في أعقاب التصعيد على الحدود مع لبنان، أصبحت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من أيام قتال

ووصف نصرالله اعتراض سكان قرية شويا للعربة التابعة لحزبه بأنه "أمر مشين"، مضيفاً أنّ: "هناك أناساً من أهل شويا أنقذوا جزءاً من شباننا من بين أيدي المعتدين.. والحادثة في شويا وتصويرها ونشرها هو أمر مشين، وقد أظهر المقطع المصور (الذي نشره الحزب) أن الشاحنة أطلقت 20 صاروخاً من بين الوديان".

وعادة ما يثير قيام حزب الله بإطلاق الصواريخ من قرى سنّية ودرزية قريبة من الحدود استياء سكانها.

هل انتهى التصعيد؟

أفادت هيئة البث الإسرائيلية "مكان"، اليوم، نقلاً عن مصدر أمني إسرائيلي بأنه "في أعقاب التصعيد على الحدود مع لبنان، أصبحت إسرائيل قاب قوسين أو أدنى من أيام قتال".

وأشار المصدر الأمني إلى أن "الوضع في لبنان مقلق"، لافتاً إلى أن "هناك إدراكاً أنه تم فتح جبهة على الحدود"، وفق ما أورد موقع "روسيا اليوم".

كما أوضح المصدر أنّ "إسرائيل لا نية لها في التصعيد، ولكنها لن تسلم باستمرار إطلاق النار من لبنان، وهي مستعدة لكافة السيناريوهات". 

وكشفت "مكان" أنه وبحسب معلوماتها، فإنّ "حالة التأهب على امتداد الحدود مع لبنان مستمرة".

من جهته، قال حسن نصر الله، إنّ "أي غارة جوية لسلاح الجو الإسرائيلي على لبنان سيتم الرد عليها بشكل مناسب ومتناسب".

وأضاف: "كل المساحة اللبنانية ممنوع أن يتعرض لها العدو بغارة جوية، حتى في الأرض الفارغة". 

وفي تقرير تحليلي، رصد موقع "ستراتفور" الأمريكي العوامل التي تدفع إسرائيل و"حزب الله" اللبناني إلى التصعيد العسكري، وتلك التي تدفع للتهدئة، بعد تبادل القصف بين الجانبين خلال الأيام القليلة الماضية.

تجاوز غضب اللبنانيين الذين رفضوا استخدام بلداتهم وقراهم كمنصات لإطلاق الصواريخ حدود الغيظ المكتوم إلى مرحلة انفجار الغضب من الحزب وميليشياته

وقال الموقع إنّ العوامل التي تضغط على إسرائيل للتصعيد تتمثل في الحاجة إلى استرضاء ناخبين أكثر تشدداً، مما يدفع حكومة رئيس الوزراء نفتالي بينيت الجديدة لتأكيد هيمنتها العسكرية، كما أنّ الحكومة الإسرائيلية الجديدة تواجه ضغوطاً سياسية لضمان أمن الحدود الشمالية للبلاد، الأمر الذي قد يجبرها على القيام بعمليات عسكرية أو سرية أكبر لردع حزب الله وإرضاء المنتقدين المحليين.

وعن العوامل التي تضغط على "حزب الله" للتصعيد حسب الموقع، فتتمثل في احتمال أن تقرر إسرائيل شن عمليات بلبنان تدفع "حزب الله" إلى تنفيذ هجمات مضادة خاصة به، مما يعزز التصعيد العسكري بين الجانبين.

أما العوامل التي تضغط على "حزب الله" للتهدئة فتتمثل في الضغط المحلي الكبير الذي يواجهه "حزب الله" لتجنب حرب كبرى، سيما بعد الذي حدث في بلدة شويا. 

وأضاف الموقع الأمريكي أنّ شرعية "حزب الله" الداخلية تعاني تراجعاً في ظل الاقتصاد اللبناني المنهار، ناهيك عن أنّ معظم قوات "حزب الله" ما تزال منتشرة في سوريا كجزء من الحرب الأهلية هناك، مما يزيد من تقويض حافزه للانخراط في حرب واسعة النطاق ضد إسرائيل.

ويعلق الموقع بأنّ خيارات خفض التصعيد موجودة لكلا الجانبين، مما يدفعهما للتراجع عن حافة صراع كبير.

وأضاف أنه إذا توقف "حزب الله" عن المزيد من الهجمات الصاروخية وكبح جماح المسلحين الفلسطينيين الذين كانوا يهاجمون شمال إسرائيل، فستكون هذه الأخيرة أقل تحفزاً للقيام بعملية عسكرية أو سرية أكبر في لبنان يمكن أن تشعل حرباً كبيرة.

بالإضافة إلى ذلك، يقول الموقع، إنه يمكن للحكومة الإسرائيلية أن تشن هجمات مضادة إضافية في سوريا، حيث تعرضت قوات "حزب الله" للقصف من جانب إسرائيل من قبل دون إشعال فتيل حرب، وعلى الأرجح، قد تقرر إسرائيل أيضاً أنّ الجولة الحالية من قصفها البري والجوي كافية لردع "حزب الله".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية