التجويع سياسة إخوانيّة للسيطرة على الجنوب اليمني

التجويع سياسة إخوانيّة للسيطرة على الجنوب اليمني


22/08/2021

لا يكاد يمرّ  يوم في اليمن دون أخبار عن تصاعد الغضب الاجتماعي في مناطق الجنوب، احتجاجاً على تردّي الأوضاع الاقتصادية، وانقطاع الرواتب وغياب الخدمات الأساسية، في ظلّ استمرار رفض حزب الإصلاح الإخوانيّ، الذي يهيمن على رئاسة الجمهورية، عودة الحكومة إلى عدن لتباشر مهامها في المناطق المحررة.

ويزيد الطين بلّة صدور القرارات غير المدروسة، وربما المقصودة، في الشأن الاقتصادي عن المؤسسات المالية، والتي تؤدّي إلى مزيد من الانهيار للعملة المحلية، ما يترتب عليه زيادة حجم الأعباء المعيشية على جميع المواطنين، الذين يدفعون ثمن تصدّيهم لأطماع الإخوان في الهيمنة على الجنوب.

كارثة إنسانية

حذّرت منظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية، مقرّها لندن، في تقرير حديث نشرته صحيفة "الأيام" اليمنية، من أنّ الارتفاع الحادّ في أسعار المواد الغذائية وانهيار الريال اليمني إلى أدنى مستوياته التاريخية، الشهر الماضي، يدفعان المزيد من الأطفال إلى الفقر والجوع، مع عدم قدرة الأسر على شراء الطعام في الأسواق المحلية، وأنّ أطفالاً كثيرين يعيشون على الخبز والماء فقط، ما يؤدّي إلى تفاقم أزمة الجوع وسوء التغذية المستمرة، وتقزّم نموّهم البدني والعقلي.

تعاني الأسر اليمنية من أجل تأمين الخبز للأطفال

وتتوقع المنظمات الدولية تفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، مع عجز الأمم المتحدة عن تأمين حصّة دعمها، بعد تراجع مساهمات المانحين، التي وصلت إلى 48% من المبلغ المستهدف، والمقدَّر بحوالي 3.85 مليار دولار، ولم تستطع الأمم المتحدة تأمين سوى 1.75 مليار دولار، بتعهدات من الدول المانحة في مؤتمر المانحين لليمن، في آذار (مارس) الماضي، ما يعني أنّ مساعدات الأمم المتحدة ستتقلص بواقع 52%؛ ما يزيد من الكارثة الإنسانية التي تشهدها البلاد.

توقعات بتفاقم الأزمة الإنسانية في البلاد، مع عجز الأمم المتحدة عن تأمين حصّة دعمها، بعد تراجع مساهمات المانحين التي وصلت إلى 48% من المبلغ المستهدف

وأشار تقرير منظمة "أنقذوا الأطفال"؛ إلى أنّه "مع اندلاع الصراع في اليمن، عام 2015، ارتفع سعر إمدادات شهر من دقيق القمح وزيت الطهي والفول والسكر أكثر من 250٪؛ إذ بلغت قيمتها 60 ألف ريال، في تموز (يوليو) 2021، مقارنة بـ 17 ألف ريال، في شباط (فبراير) 2015".

وزادت جائحة كورونا الأعباء الإنسانية في البلاد، سواء على المستوى الصحي وتقديم الخدمات الإنسانية وتعهدات المانحين الدوليين، ولم تُستثنِ أياً من مناطق البلاد من الآثار الكارثية، والغريب أنّه، في مقارنة بين أسعار بعض السلع الأساسية بين مناطق سيطرة الحوثيين والمناطق المحررة التي تديرها الحكومة الشرعية، يُلاحظ ارتفاع أكبر للأسعار في مناطق الشرعية، على الرغم من توافرها على إمكانيات اقتصادية أكبر، من ثروات النفط والغاز في محافظات مأرب وشبوة، واتصال رسمي ومباشر بالتجارة الدولية، وهو ما يدلّ على أنّ الحكومة الشرعية تتحمّل المسؤولية بشكل كبير عن الكارثة الإنسانية في المناطق المحررة، بشكل يكاد يفوق ما سبّبه الانقلاب الحوثي.

سياسة تجويع الجنوب

وبمقارنة الأوضاع الاقتصادية في المناطق المحررة، وفق المكوّن السياسي - العسكري الذي يديرها، وهي ثلاث مناطق؛ مناطق الشرعية في مأرب وتعز وتخضع لسلطة حزب الإصلاح الإخواني، ومناطق الجنوب ويديرها المجلس الانتقالي الجنوبي، ويشاركه حزب الإصلاح في السيطرة على محافظات حضرموت وشبوة وجزء من أبين والمهرة، والمنطقة الثالثة على الساحل الغربي، وتديرها المقاومة الوطنية، يتبين أنّ المناطق التي يديرها المجلس الانتقالي الجنوبي تشهد أوضاعاً معيشية أسوأ من المناطق الأخرى، ولا يعود ذلك إلى سياسات الانتقالي؛ إذ لا تشمل إدارته الأوضاع المعيشية والخدمات والاقتصاد، إلا عبر مشاركته في حكومة المناصفة، وفق اتفاق الرياض لعام 2019، وتتحمّل الحكومة الشرعية المسؤولية، بما لها من سلطة كاملة على الخدمات ومؤسسات الدولة، خصوصاً البنك المركزي والموانئ والمطارات والشركات العامة والضرائب والإيرادات بشكل عام.

رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اللواء عيدروس الزبيدي

وتنسحب تلك المقارنة على أسعار عدد كبير من السلع بين محافظات الجنوب، سواء التي يسيطر عليها الإخوان، والتي يديرها الانتقالي، مقارنةً بمحافظة مأرب، وتبلغ سعر عبوة البنزين أو الديزل (20 ليتر) في الجنوب 12 ألف ريال، بينما تبلغ 3500 في مأرب، بحسب تقرير نشرته صحيفة "الأيام" في 12 من الشهر الجاري.

ويستشري الفساد في الحكومة الشرعية، التي يسيطر عليها حزب الإصلاح الإخواني، الذي يشغل أحد قادته وهو علي محسن الأحمر، منصب نائب رئيس الجمهورية، وعبر سيطرة الإخوان على عدد من المناطق العسكرية المدعومة بميليشيات جرى تشكيلها كقوات موالية للإخوان، تمكّنوا من السيطرة على المناطق الغنية بالنفط والغاز في اليمن.

 وبحسب تقارير صحفية متعددة؛ لا تدخل معظم الإيرادات إلى البنك المركزي في عدن، وما يدخل إلى الخزينة يتم إيداعه في البنك المركزي بمأرب، الذي يديره الإخوان.

وفي سياق القرارات غير المدروسة للحكومة التي غادرت العاصمة عدن، ضمن مخطط الإخوان للضغط على الانتقالي الجنوبي وشعب الجنوب، تسبب قرار الحكومة برفع سعر الدولار الجمركي من 250 إلى 500 ريال، في إضراب عامّ للتجار، الذين رفضوا إخراج الحاويات من ميناء عدن، خوفاً من الاضطرابات الاجتماعية التي ستحدث مع إقرار الزيادات الجديدة، والتي لن تشمل عدّة سلع أساسية.

وتعليقاً على ذلك، قال نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح؛ "للأسف، منذ احتلال الجنوب، عام 1994، وكلّ الإجراءات المتخذة في الجنوب صبّت في اتجاه استهداف شعبنا وتدمير مؤسساته، ومنها ميناء عدن، الذي كان في منتصف القرن الماضي يصنّف كثاني أهم ميناء في العالم.

منصور صالح، نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي

وأردف، في تصريحات لـ "حفريات"؛ "هذه الممارسات ما تزال  مستمرة ومتواترة في تدمير الجنوب وزيادة معاناة شعبه ونهب ثرواته وإفشاء الفساد في مؤسساته، وهذا الوضع، للأسف، ستستمر انعكاساته على شعبنا طويلاً، ولن ينصلح إلا باستعادة دولة الجنوب وبنائه. وشعبنا اليوم يعاني  في كلّ جوانب حياته؛ الخدمات الأساسية معدومة، ويتمّ تعطيلها بتوجيهات رسمية، ومنتسبو القوات المسلحة والأمن الجنوبي دون رواتب منذ ثمانية أشهر، وانهيار العملة مستمر، والأسعار وصلت إلى مستوى لم يعد المواطن معه قادراً على تأمين متطلبات  معيشته اليومية.

وأكّد صالح؛ أنّ؛ حزب الإصلاح الإخواني يستهدف التفاف شعب الجنوب حول المجلس الانتقالي، لاستعادة دولة الجنوب، عبر حرب الخدمات التي تستهدف قوت الناس اليومي، ورغم ذلك فشعب الجنوب صامد في وجه الإخوان.

الانتقالي يبحث الخيارات

وهوت أسعار الريال اليمني أمام الدولار خلال الأسابيع الماضية، وانخفضت قيمته إلى سعر 1050 ريالاً مقابل الدولار، ما تسبّب في موجة غلاء واسعة، قرّر المجلس الانتقالي الجنوبي، على إثرها، التحرّك لمعالجة الأزمة، وشغل الفراغ الناتج عن غياب الحكومة.

وتسبّب قرار المركزي بضخّ عملة قديمة من فئة الألف ريال، ومضاربة التجار فيها، في زيادة تهاوي سعر العملة، إلى جانب استمرار المركزي في ضخّ طبعات جديدة، دون وجود غطاء نقديّ، ما أدّى إلى ارتفاع نسبة التضخّم بشكل كبير.

وفي محاولة لضبط سوق النقد، اجتمع رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، عيدروس الزبيدي، مع الصرافين ورؤساء البنوك بالعاصمة عدن، لبحث ضبط سوق الصرف، ووقف نزيف العملة، واستجاب المجتمعون بعدّة قرارات، منها: تحديد سعر صرف ثابت 941 ريالاً للدولار، في خطوة تمهّد لمزيد من ارتفاع الريال، مع استقرار الأوضاع الاقتصادية.

مسؤول في المجلس الانتقالي الجنوبي لـ "حفريات": حزب الإصلاح الإخواني يستهدف التفاف شعب الجنوب حول المجلس، عبر حرب الخدمات التي تستهدف قوت الناس اليومي

وحول خيارات الانتقالي لمواجهة الحرب الاقتصادية على الجنوب، قال نائب رئيس الدائرة الإعلامية للمجلس الانتقالي الجنوبي، منصور صالح؛ الخيارات مفتوحة، وهي في الأساس  خيارات  شعبنا، وخلال الأيام الماضية باشر المجلس  في معالجة الملفّ الاقتصادي، واتخذ جملة من المعالجات، منها اللقاء بالمعنيين، وتدارس معهم الإجراءات الكفيلة بوقف تدهور العملة، وحقق نجاحاً ملموساً في ذلك، لكنّنا نعتقد أنّ معالجة هذا الملفّ هو بشكل أساسي مسؤولية الحكومة؛ طالما أنّ كلّ الإيرادات تورد إلى البنك المركزي الخاضع لسيطرتها.

ولا يحظى القطاع المصرفي باليمن بثقة العملاء، وكانت جهات دوليّة قد أصدرت تقارير حول تبديد البنك المركزي في عدن مئات ملايين الدولارات من وديعة سعودية، فضلاً عن أنّ انقسام السياسات النقدية، وخضوع العديد من بنود موارد الدولة لسيطرة جهات داخل الشرعية، يحولان دون وجود إدارة مالية قوية، تتحكم في سعر العملة.

ومن غير المرجّح تعافي الريال اليمني بشكل كبير، في ظلّ التردّي الاقتصاديّ، وتعطّل الكثير من مداخيل الإنتاج، والاعتماد على الاستيراد، الذي يصل إلى 90% من السلع الأساسية.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية