الانهيار الأفغاني ... أوروبا تخشى دفع الثمن

الانهيار الأفغاني ... أوروبا تخشى دفع الثمن


30/08/2021

أسعد عبود

الانهيار الأفغاني كشف مجدداً العجز الأوروبي عسكرياً. أميركا هي التي قررت الحرب قبل عشرين عاماً وأوروبا التحقت بها. وأميركا نفسها هي التي قررت الانسحاب من دون التشاور مع شركائها، على رغم أنهم دفعوا أثماناً بشرية ومادية خلال العقدين الماضيين.

لم يكن في وسع القادة الأوروبيين سوى توجيه انتقادات مبطنة وغير مباشرة لقرار الرئيس الأميركي جو بايدن الانسحاب بهذه السرعة من أفغانستان، في وقت سقطت حكومة كابول قبل 15 يوماً من الموعد المحدد لسحب آخر جندي أميركي من هذا البلد في 31 آب (أغسطس) الجاري. واتخذت الأمور منحى مأسوياً مع تكدس الرعايا الأجانب والأفغان الذين تعاونوا مع القوات الأطلسية في مطار كابول، تمهيداً لإجلائهم في سباق مع الوقت، بعد دخول "طالبان" إلى العاصمة الأفغانية بلا قتال.

اليوم، يتساءل القادة الأوروبيون جدياً، هل "أميركا عادت" فعلاً؟ وفق ما كان يكرّر بايدن في خطبه منذ اليوم الأول لوصوله إلى البيت الأبيض، في شعار يناقض شعار الرئيس السابق دونالد ترامب "أميركا أولاً"، والذي ألحق أضراراً بالغةً بالعلاقات عبر ضفتي الأطلسي.

المسار الذي سلكته قضية أفغانستان، لا يدل على أن بايدن يكترث أكثر من ترامب لمسألة التشاور مع الحلفاء في الملفات الدولية التي تشكل تحدياً مشتركاً للولايات المتحدة والحلفاء على حد سواء. الانسحاب "المتسرع" من أفغانستان على حد وصف الكثير من المسؤولين الأوروبيين، غذى الشكوك لدى زعماء أوروبا بمدى التزام واشنطن فعلاً، بالقضية الأوكرانية على سبيل المثال، في حال تطورت الأمور إلى مواجهة مع روسيا. هل أميركا مستعدة للوقوف إلى جانب أوكرانيا وعدم تركها فريسة لطموحات فلاديمير بوتين؟

وبعد الانهيار الأفغاني وتسلّم "طالبان" الزمام، ستتحمل أوروبا عبء موجات لجوء جديدة. وتسري مخاوف من أن عودة "طالبان"، ستشجع التنظيمات الجهادية الأخرى على شن هجمات على أهداف في دول أوروبية، فضلاً عن أن أفغانستان قد تعود لتشكل ملاذاً لتنظيم "القاعدة" بينما تنظيم "داعش" موجود فيها منذ سنوات من خلال "ولاية خراسان" التي بايعت التنظيم.

إذاً، أوروبا تخشى أن ينعكس عليها الانسحاب الأميركي من أفغانستان، مزيداً من اللاجئين والتعرض لهجمات إرهابية. وما يزيد في قتامة المشهد، أن الدول الأوروبية الرئيسية: بريطانيا وفرنسا وألمانيا، لا تستطيع أن تتنكب دوراً عسكرياً مستقلاً في أفغانستان من دون أميركا.

ورئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، قالها بصراحة أمام البرلمان الأسبوع الماضي، إن "الغرب لا يمكنه المضي بهذه المهمة التي تقودها الولايات المتحدة (في أفغانستان) من دون خدمات لوجستية أميركية، ومن دون القوة الجوية الأميركية ومن دون قوة أميركا".

أمام هكذا واقع، من المفترض أن يحفّز ما جرى في أفغانستان، القادة الأوروبيين، على المضي في خيارات عسكرية مستقلة عن الخيارات الأميركية، كي لا يدفعوا أثماناً باهظة نتيجة القرارات الأميركية التي يبدو أنها تتجه أكثر نحو عدم الأخذ في الاعتبار مصالح الحلفاء الأكثر قرباً من الولايات المتحدة.

واللافت، أن بايدن بعد الحدث الأفغاني، أرسل نائبته كمالا هاريس في جولة على آسيا لتطمين شركاء أميركا هناك بأن واشنطن لن تتخلى عن التزاماتها حيال منطقة آسيا - المحيط الهادئ، في مواجهة الصعود الصيني. أما بالنسبة إلى أوروبا، فاكتفى بايدن بمكالمات هاتفية مع زعمائها.

وهكذا تغدو أفغانستان فرصة أمام أوروبا كي تثبت أن في إمكانها التكيف مع التجاهل الأميركي المتزايد. ولا يمكن ترجمة ذلك إلا باعتماد توجّه نحو ما بات يطلق عليه في الغرب "الاستقلال الذاتي" عسكرياً، درءاً لتبعات القرارات الصادرة من البيت الأبيض.

سيكون الدرس الأفغاني، نقطة إنطلاق لمراجعات أوروبية جدية للعلاقات مع الولايات المتحدة.

عن "النهار" العربي

الصفحة الرئيسية