الانتخابات النيابية اللبنانية: صناديق الاقتراع تعاقب حزب الله وحلفاءه.. ما المعادلة الجديدة؟

الانتخابات النيابية اللبنانية: صناديق الاقتراع تعاقب حزب الله وحلفاءه.. ما المعادلة الجديدة؟


17/05/2022

تلقى حزب الله، القوة السياسية والعسكرية الأبرز في لبنان، صفعة مدوّية بظهور النتائج للانتخابات البرلمانية في البلاد، مع خسارة حلفائه عدداً من المقاعد في أول استحقاق يعقب سلسلة من الأزمات التي تعصف بالبلاد منذ عامين.

ووفق ما أظهرته النتائج النهائية للانتخابات التي أعلن وزير الداخلية بسام المولوي الدفعة الأخيرة منها اليوم الثلاثاء، مُني حزب الله المدعوم من طهران، بخسارة مدوّية، بحصوله وحلفائه على 62 مقعداً في البرلمان اللبناني، ما يعني فقدهم  للأغلبية داخل البرلمان. 

وكان الحزب يحتفظ مع حلفائه بقرابة 70 مقعداً من إجمالي 128 في البرلمان المنتهية ولايته، وفق ما أورده موقع "سكاي نيوز".

وأظهرت النتائج احتفاظ حزب الله وحليفته حركة أمل، الحركة الشيعية التي يتزعّمها رئيس البرلمان المنتهية ولايته نبيه برّي، بكامل المقاعد المخصّصة للطائفة الشيعية (27 مقعداً) في البلاد، لكن حليفه المسيحي التيار الوطني الحرّ بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون، فلم يتمكن من الاحتفاظ بكامل مقاعده، بعدما كان يملك أكثرية مسيحية في البرلمان.

نتائج مدوّية

في وقت سابق، كشفت النتائج الأولية سقوط شخصيات سياسية وازنة، على رأسها رئيس "الحزب الديمقراطي اللبناني" بزعامة طلال أرسلان المدعوم من "حزب الله"، ونائب رئيس البرلمان إيلي فرزلي.

كما فشل نواب سابقون مقرّبون من حزب الله وداعمته دمشق في الاحتفاظ بمقاعدهم على غرار نائب الحزب القومي السوري الاجتماعي أسعد حردان عن المقعد الأرثوذكسي في إحدى دوائر الجنوب والذي يشغله منذ عام 1992، وفق وكالة "مونت كارلو".

في حين تمكّن رئيس "حزب القوات اللبنانية" سمير جعجع من انتزاع الأكثرية النيابية المسيحية من غريمه رئيس "التيار الوطني الحر"، بفوزه بأكثر من 20 مقعداً.

مُني حزب الله بخسارة مدوّية، بحصوله وحلفائه على 62 مقعداً في البرلمان اللبناني

وكانت "القوات" فازت وحدها بـ15 مقعداً في انتخابات 2018، مقابل 21 للتيار الوطني الحرّ.

ومن شأن توسّع كتلة القوات أن يخلط الأوراق عشية استحقاقات عدّة، أولها انتخاب رئيس للبرلمان الجديد ثم تكليف رئيس للحكومة وصولاً الى الانتخابات الرئاسية بعد أشهر، بالنظر إلى خصومتها الشديدة مع حزب الله وحلفائه.

صعود قوى المعارضة

وفازت لوائح المعارضة المنبثقة عن التظاهرات الاحتجاجية ضد السلطة السياسية التي شهدها لبنان قبل أكثر من عامين بـ13 مقعداً على الأقل في البرلمان الجديد.

و12 من الفائزين هم من الوجوه الجديدة ولم يسبق لهم أن تولوا أي مناصب سياسية، في بلد يقوم نظامه السياسي على المحاصصة الطائفية. ومن شأن هؤلاء أن يشكلوا مع نواب آخرين مستقلين عن الأحزاب التقليدية كتلة موحدة في البرلمان

وحصدت أحزاب ومجموعات معارضة أفرزتها التظاهرات الشعبية مقاعد في دوائر عدّة، أبرزها في دائرة الجنوب الثالثة التي عادة ما تكون كلّها من نصيب لائحة مشتركة بين حزب الله وحلفائه.

 فشل نواب سابقون مقرّبون من حزب الله وداعمته دمشق في الاحتفاظ بمقاعدهم على غرار نائب الحزب القومي السوري الاجتماعي أسعد حردان عن المقعد الأرثوذكسي في إحدى دوائر الجنوب والذي يشغله منذ عام  1992

وتمكّن في هذه الدائرة المرشّح المستقلّ الياس جرادة، وهو طبيب عيون معروف في منطقته، من الفوز بمقعد، وكذلك فعل فراس حمدان، وهو محامٍ شارك في الدفاع عن ناشطين ضدّ السلطة أوقفتهم قوات الأمن خلال الاحتجاجات وأصيب بجروح خطرة خلال مشاركته في واحدة من تلك التظاهرات.

ويمكن للفائزين المعارضين والمستقلّين أن يشكّلوا كتلة برلمانية موحّدة، تكرّس نهجاً مختلفاً في العمل البرلماني، بمعزل عن القوى السياسية التقليدية في بلد يقوم نظامه السياسي على محاصصة طائفية وتغليب منطق الصفقات.

3 رسائل

ويرى أنطوان حداد، الأكاديمي والباحث في السياسات العامة، أنه يجدر التوقف عند الرسائل التي، ربما، أراد الناخبون اللبنانيون توجيهها عبر صناديق الاقتراع.

ويقول حداد، في مقالة له على موقع "المدن"، أنّ الرسالة السياسية الأولى من دون منازع هي خسارة حزب الله الأكثرية في مجلس النواب؛ إذ إنّ نتائج الدوائر ذات الأغلبية السكانية الشيعية، التي أقفلت إقفالاً أمنياً محكماً معززاً بحملة ترهيب وتخوين غير مسبوقة، لا يمكن الاعتداد بها من حيث دقة تعبيرها عما يعتمل داخل صدور الناس هناك.

ويضيف: "وحدها دائرة الجنوب الثالثة استطاعت الإفلات من التعليب المسبق للنتائج، نتيجة تنوعها الطائفي وحنكة وأصالة من أداروا المعركة هناك. في المقابل، هذه الانتخابات سددت ضربة محكمة للحليف المسيحي الأول لحزب الله. الناخبون المسيحيون جردوا ذاك الشريك العضوي، ومن دون أي التباس، من مركز الصدارة الطائفية التي تمتع بها لسنوات، وذلك لصالح غريمه التاريخي، حزب القوات اللبنانية".

 الأكاديمي والباحث في السياسات العامة، أنطوان حداد

 تلك الصدارة المسيحية لطالما شكلت، وفق حداد، رافعة التيار العوني الأساسية للمطالبة برئاسة الجمهورية. والأهم من ذلك، هي شكلت الركيزة الميثاقية لحزب الله كي يطبق سيطرته على القرار السياسي للدولة اللبنانية، بعدما كانت عناصر قوته تستند فقط إلى ثنائية السلاح واحتكار التمثيل المذهبي للشيعة.

ويشير الكاتب إلى أنّ عودة التعددية إلى التمثيل السياسي للمسيحيين في لبنان، التي تمت تحت وقع الانهيار العام المتدحرج منذ 3 أعوام والتي لم يعد حزب الله يملك وسائل وأسلحة كافية لوقفه، سيكون لها تأثير مباشر على كافة محطات الروزنامة السياسية اللبنانية للمرحلة المقبلة والحافلة بالمواعيد، من تأليف الحكومة إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية الخريف المقبل.

يمكن للفائزين المعارضين والمستقلّين أن يشكّلوا كتلة برلمانية موحّدة، تكرّس نهجاً مختلفاً في العمل البرلماني، بمعزل عن القوى السياسية التقليدية في بلد يقوم نظامه السياسي على محاصصة طائفية وتغليب منطق الصفقات

أما الرسالة المهمة الثانية، بحسب حداد، فأتت من الدوائر ذات الأغلبية السنّية، من بيروت وصيدا وطرابلس، حيث إن اعتكاف الحريري عن المشاركة في الانتخابات لم يملأه حلفاء حزب الله كما كان يخشى أو يتمنى البعض، تمثيل هؤلاء انحسر إلى حدود رمزية فيما التمثيل الجديد في تلك المناطق توزع بين أطراف من تيار الحريري السياسي العريض، ومعارضين له من القوى التقليدية المتجددة، خصوصاً في صيدا، والمجموعات المنبثقة من انتفاضة 17 تشرين والمنعتقة من العبء الطائفي والمذهبي، خصوصاً في بيروت، مشيراً إلى أن القاسم المشترك بينها جميعاً أنها كانت في الأصل أو باتت الآن على مسافة سياسية كبيرة من حزب الله، تصل لدى بعضها إلى درجة الخصومة المباشرة.

والرسالة الثالثة، جاءت وفق الكاتب، من المجتمع اللبناني العابر للطوائف والانتماءات الأولية، حيث إن من تجرؤا على المبادرة والمغامرة والمخاطرة من تلك القوى، وتنكبوا مسؤولية إطلاق المبادرات القاعدية في مناطقهم ودوائرهم الانتخابية، من تحلى بالشجاعة الجسدية والأدبية من هؤلاء، من ضحى بوقته وأمواله الخاصة وبعضهم لا يملك من متاع هذه الدنيا إلا القليل، هؤلاء لم يذهب عناؤهم سدى، وفق وصف حداد الذي يقول: إن اللبنانيين التواقين إلى لبنان جديد منعتق من الطائفية والزبائنية والتبعية للمحاور الخارجية، داخل البلاد وخارجها، هبوا لانتخابهم بكثافة غير مسبوقة.

ويؤكد أنهم سيشكلون حتماً علامة فارقة في المجلس الجديد، علها تعوض بقيمتها المعرفية والأخلاقية، ولو جزئياً، عن يباس الكتل الصماء الخاضعة لمشيئة الزعيم الأوحد التي ما زال يتشكل منها هذا البرلمان.

المعادلة الجديدة

ويرى الأستاذ الجامعي ومحلل الأمن القومي في شبكة "فوكس نيوز"، وليد فارس، أنّ "المعارضة السيادية لـ"حزب الله" سيطرت على عدد كبير من المقاعد النيابية، مما يسمح لها بامتلاك فيتو سياسي إستراتيجي، وربما قد تتمكن من انتزاع أكثرية بسيطة عبر تحالفات، أو لا، ولكنها باتت رقماً صعباً في المعادلة الوطنية داخل البلاد".

المعارضة السيادية لـ"حزب الله" سيطرت على عدد كبير من المقاعد النيابية

ويضيف في مقاله المنشور على موقع "الإندبندنت"، أنه "من الضروري الإدراك بأنّ هذه المعادلة داخل المجلس النيابي، ما لم تنجح في إنتاج حكومة سيادية بحتة، وليس مشتركة مع الميليشيا، ستبقى محاصرة من قبل المؤسسات الأمنية الواقعة تحت نفوذ الحزب، وسائر المؤسسات. لذا، فالأولوية للكتلة السيادية الجديدة يجب أن تكون قيام كتلة كهذه، وبسرعة، قبل أن تغرق في بحر المفاوضات البرلمانية، وتسقط في الوحول السياسية اللبنانية، لا سيما أنها تتألف من أحزاب وتجمعات وشخصيات منفردة، وليس تنظيماً واحداً".

أما الأولوية الثانية وفق الكاتب "فيجب أن تكون بتغيير قيادة المجلس النيابي، إذا كانت قادرة رقمياً، أو أن تستحصل على التزام بتطبيق القرار 1559، إذا دخلت في تحالف لقيادة البرلمان.الهدف الثالث فهو طبعاً تأليف حكومة سيادية، إما بأكثرية وإما بتحالف". 

 أنطوان حداد: نتائج الدوائر ذات الأغلبية السكانية الشيعية، التي أقفلت إقفالاً أمنياً محكماً معززاً بحملة ترهيب وتخوين غير مسبوقة، لا يمكن الاعتداد بها من حيث دقة تعبيرها عما يعتمل داخل صدور الناس هناك

يذكر أنّ هذه الانتخابات هي الأولى بعد انهيار اقتصادي صنّفه البنك الدولي من بين الأسوأ في العالم منذ عام 1850 وبعد احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد السلطة، وانفجار مروّع في 4 آب (أغسطس) 2020 في مرفأ بيروت أودى بأكثر من مئتي شخص ودمّر أحياء من العاصمة.

وجرت الانتخابات وسط انهيار اقتصادي بات معه أكثر من 80% من السكان تحت خط الفقر وخسرت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها أمام الدولار، ولامس معدل البطالة نحو 30%.

وتعدّ نسبة الاقتراع التي بلغت 41 % ثالث أدنى نسبة مسجّلة في لبنان منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975-1990).  

ويقول الباحث والأستاذ الجامعي كريم بيطار لوكالة "فرانس برس": "أعتقد أنّ الامتناع عن التصويت مرتبط جزئياً بالإحباط من الطبقة السياسية والشعور بأنه لن يحصل أي تغيير كبير في الوضع الاقتصادي". ويرتبط كذلك بامتناع مناصري رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري عن الإقبال على صناديق الاقتراع، وفق بيطار، بعدما أعلن قبل أشهر عزوفه وتياره السياسي الأكثر تمثيلاً على الساحة السنيّة، عن خوض الاستحقاق.

 مواضيع ذات صلة:

نتائج الانتخابات وضعت لبنان أمام خيارين أمرّهما... "حلو"

لبنان: حزب الله يلوح بالحرب الأهلية... ومنظمة "لادي" تتحدث عن خروقات الحزب

النتائج النهائية للانتخابات النيابية اللبنانية: حزب الله يتجرع الهزيمة... ومفاجآت أخرى




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية