الاستعراض المائي للحرس الثوري: رسالة لواشنطن أم لدول الخليج؟

الاستعراض المائي للحرس الثوري: رسالة لواشنطن أم لدول الخليج؟

الاستعراض المائي للحرس الثوري: رسالة لواشنطن أم لدول الخليج؟


06/09/2023

رغم التهدئة بين إيران ودول الخليج، بل والمفاوضات القائمة بين طهران والولايات المتحدة، مؤخراً، على عدة ملفات، منها الإفراج عن خمسة معتقلين أمريكيين من مزدوجي الجنسية مقابل تحرير الأموال المجمدة بفعل العقوبات الأمريكية (حوالي ستة مليارات دولار)، إلا أنّ تصعيد الحرس الثوري في المياه الخليجية لا يتوقف. عسكرة الممرات المائية وتعطيل أو بالأحرى تهديد الملاحة الدولية يبدو هدفاً استراتيجياً لدى النخبة العسكرية والجناح الأصولي المتشدد في نظام الملالي.

استثمار "آيات الله" لذاكرة المقاومة

مطلع الأسبوع، صرح نائب قائد المنطقة الثانية لسلاح البحر في قوات الحرس الثوري الإيرانية، العميد حيدر هنريان مجرد، أنّ "رئيس علي دلواري استشهد في الدفاع عن معتقداته وقاتل العدو دفاعاً عن إيران وكرامتها".

ونقلت وكالة أنباء "فارس" الإيرانية، عن العميد هنريان قوله إنّ سلاح البحر في قوات الحرس الثوري قام باستعراض" اقتدار" في مياه الخليج، بالقرب من القوات الأمريكية الموجودة فيه، وذلك بالتزامن مع الذكرى 108 لمقتل "رئيس علي دلواري" الذي تصدى للاستعمار البريطاني قبل نحو قرن أو أكثر.

وعرج نائب قائد المنطقة الثانية لسلاح البحر في الحرس الثوري على "المواقف الجهادية"، على حد تعبيره، التي نفذها "الشهيد علي دلواري" بوجه الاستعمار البريطاني، حتى قتل في العام 1915، وقال إنّ "شهداء" منطقة الخليج يسلكون نهجه.

وفي حديثه لـ"حفريات"، أوضح الباحث المصري المختص في العلوم السياسية الدكتور عبد السلام القصاص، أنّ الممارسات الإيرانية، تحديداً البحرية وفي منطقة الخليج، و"الاحتكاك بالولايات المتحدة والقوات الأجنبية المتواجدة هناك، تعد رسالة لعدة أطراف، منها دول الخليج، وكذا القوات العسكرية، سواء البريطانية أو الأمريكية. وقد سبق لإيران أن كشفت عن تحالف بحري إيراني خليجي، الأمر الذي كان يهدف إلى بعث رسالة مباشرة مفادها رغبة الملالي في طرد أيّة قوة أجنبية وتحقيق أمن الملاحة الدولية من خلال تحالف آخر يضم دول الخليج وجنوب آسيا بما فيها دول الساحل في الأجزاء الشمالية من المحيط الهندي. يكشف ذلك عن صراع أوسع على قيادة العالم بين بكين وواشنطن في ظل دعم الصين لمبادرة إيران البحرية".

عبد السلام القصاص: ممارسات إيران تبعث رسالة لعدة أطراف

ويشير القصاص إلى أنّ الحوادث بين إيران ومختلف القوى في الخليج تكاد لا تتوقف، منذ عام 2018، إثر انسحاب الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب من الاتفاق النووي، وانخراط طهران في سياسة عدائية "لضرب مصالح واشنطن في المنطقة، بل وتهديد حلفائها بالشرق الأوسط. ومع زيادة طهران لقدراتها النووية وخرق بنود الاتفاق النووي الذي انسحب منه ترامب، انخرطت في عمليات عنف قصوى من خلال القرصنة البحرية واحتجاز السفن النفطية، وانتهى الأمر بمهاجمة المنشآت النفطية في السعودية".

عسكرة الممرات المائية

وفي تطور لافت، قال الناطق بلسان الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، الاثنين الماضي، إنّ إيران قامت باستدعاء القائم بالأعمال السويسري باعتباره راعي المصالح الأمريكية في إيران، وذلك بعد ضبط شحنة نفط إيرانية.

وبحسب وكالة الأنباء الإيرانية "إرنا"، اعتبر كنعاني ضبط شحنة النفط الإيرانية خطوة "غير مثمرة"، لافتاً إلى أنّ الولايات المتحدة تبدي اهتمامها بالحوار المباشر مع إيران، من جهة، ثم تواصل فرض عقوبات جديدة ومصادرة شحنات النفط الإيرانية، من جهة أخرى.

عسكرة الممرات المائية وتعطيل أو بالأحرى تهديد الملاحة الدولية يبدو هدفاً استراتيجياً لدى النخبة العسكرية والجناح الأصولي المتشدد في نظام الملالي

وهدد كنعاني بأنّ الحادثة "لن تمر دون رد"، وقال إنّ "تصرفات الولايات المتحدة تتعارض مع اتفاق تبادل السجناء الأمريكيين مع إيران".

وبسؤال الباحث المصري المختص في العلوم السياسية، الدكتور عبد السلام القصاص، عن مبادرة إيران بتشكيل تحالف بحري في سياق التهدئة الإقليمية وتناقضها التام مع مواقفها وسياساتها، بل وخطابها حيث عمد وزير الخارجية الإيراني تسمية الخليج بـ"الفارسي" أثناء لقاء نظيره السعودي، منتصف آب (أغسطس) الماضي، أجاب: "هذه المبادرة لا تبدو جديدة بل هي قديمة ويمكن القول إنّها ورقة لعبت بها الحكومات الإيرانية المتعاقبة بداية من أكبر هاشمي رفسنجاني مروراً بمحمد خاتمي وحتى حسن روحاني. وهي تعكس رسائل بأنّ الأمن البحري في مياه الخليج لا يحتاج إلى نفوذ قوى أجنبية والتي ستصبح هدفاً لإيران تهدد مصالحها".

يتفق والرأي ذاته، قائد القوة البحرية في الحرس الثوري علي رضا تنكسيري الذي سبق وقال إنّ "أمن الخليج ليس بحاجة إلى الولايات المتحدة". وشدد على أنّ "أيّة سفينة تريد المرور عبر مضيق هرمز، يجب أن تبلغنا بجنسيتها ونوع حمولتها ووجهتها بالفارسية، وإذا لم تفعل ذلك فسوف نلاحقها".

سياسة المماطلة والخداع

وقبل أيام، أعلن رئيس دائرة القضاء بمحافظة هرمزكان، جنوب إيران، مجتبى قهرماني، عن "احتجاز سفينة محملة بوقود مهرب في مياه الخليج". وذكر قهرماني أنّه تم "اعتقال أربعة أشخاص على صلة بهذه القضية، وكشف وضبط شحنة تزيد عن 50 ألف لتر من الوقود المهرب كانت على متن هذه السفينة عند احتجازها"، موضحاً أنّه "سيتم بعد الإجراءات القانونية اللازمة بحق هذه السفينة، تحديد العقوبات والغرامة اللازمة، ومصادرة شحنة الوقود المهربة لمصلحة الشركة الوطنية لتوزيع المشتقات النفطية".

وقال قائد المنطقة الثانية التابعة لبحرية الحرس الثوري الإيراني، العميد رمضان زيراهي، إنّ "هذه الناقلة كان تحظى بدعم عسكري أمريكي". وتابع: "بفضل اليقظة والدقة والسلوك المهني والقوي لقوات بحرية الحرس الثوري، فشلت الممارسات غير القانونية وغير المهنية للأمريكيين في الخليج".

الباحث المصري عبد السلام القصاص لـ"حفريات": مبادرة طهران لعبت بها الحكومات الإيرانية المتعاقبة بداية من هاشمي رفسنجاني مروراً بخاتمي وحتى روحاني

إذاً، حوادث "زعزعة الاستقرار" في الخليج ليست أمراً عرضياً أو استثنائياً من جانب إيران، إنّما تقع ضمن "أوراق ضغط" عديدة تستثمرها الحكومة الإيرانية لتحقيق مصالحها البراغماتية، وفق الباحث المصري في العلوم السياسية الدكتور سامح مهدي، الذي أوضح لـ"حفريات" أنّ "حسابات النظام الإيراني الاستراتيجية تميل إلى الهيمنة القصوى على الممرات المائية الدولية في قبضتها العسكرية، وبخاصة في ظل التحولات الجيوسياسية القائمة على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية. فسلاح النفط يضغطها نتيجة خسائر جمّة بفعل العقوبات وعدم قدرتها على الوصول إلى عوائدها النفطية. بالتالي، فإنّ السلاح ذاته يشكل ضغوطات متفاوتة على أوروبا فيما تعمد طهران إلى ابتزازها به".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية