الاتحاد الأوروبي يحاول إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني لهذه الأسباب

الاتحاد الأوروبي يحاول إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني لهذه الأسباب


12/05/2022

في غمرة بحث دول الاتحاد الأوروبي عن بدائل لغاز ونفط روسيا للتخلص من اعتمادها الطويل على موسكو، برزت إيران واحدةً من أكثر البدائل ترجيحاً كونها ثالث أكبر منتج للغاز الطبيعي عالمياً، بعد روسيا وقطر على التوالي، غير أنّ ذلك يظل رهناً بنجاح مفاوضات "خطة العمل الشاملة المشتركة" حول البرنامج النووي الإيراني في فيينا، التي تواجه العديد من التعقيدات، ومن بينها ما كشف عنه رفايل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية أمس الثلاثاء.

ونقلت وكالة "رويترز" عن غروسي إعرابه عن "قلقه الشديد" إزاء عدم تعاون إيران في توقيت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي لاستئناف المفاوضات الرامية لإحياء الاتفاق الدولي المبرم مع طهران حول برنامجها النووي.

 

برزت إيران واحدة من أكثر البدائل ترجيحاً كونها ثالث أكبر منتج للغاز، غير أنّ ذلك يظل رهناً بمفاوضات فيينا

 

 وتخوض إيران مفاوضات مع بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا بشكل مباشر ومع الولايات المتحدة بشكل غير مباشر لاستئناف العمل بالاتفاق النووي المبرم عام 2015 والهادف لمنع إيران من امتلاك السلاح النووي. وبدأت هذه المفاوضات في نيسان (أبريل) 2021 لإنقاذ الاتفاق المبرم بين إيران والقوى الكبرى، ثم استؤنفت في نهاية تشرين الثاني (نوفمبر) بعد تعليقها أشهراً عدّة. وانسحبت الولايات المتحدة في عهد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، أحادياً من الاتفاق في 2018 بعد (3) أعوام من إبرامه، معيدة فرض عقوبات قاسية على إيران التي ردّت بعد عام تقريباً بالتراجع تدريجياً عن غالبية التزاماتها بموجب الاتفاق.

 آثار يورانيوم مخصب

أعلن غروسي، أمام لجان البرلمان الأوروبي عبر الإنترنت، العثور على جزيئات يورانيوم مخصب في مواقع "سرية" في إيران، مشيراً إلى أنّ إيران لم تزود الوكالة بأيّ معلومات تتعلق بهذا الأمر، ممّا يشير إلى احتمال حدوث صدام بشأن هذه القضية في حزيران (يونيو) المقبل، على حدّ قول موقع "سويس إنفو" السويسري.

رفايل غروسي، المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية

 وكانت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية قد اتفقتا في آذار (مارس) الماضي على خطة مدتها (3) أشهر تقوم على تبادل المعلومات بغرض "الانتهاء من كتابة تقرير ـ غروسي- في حزيران (يونيو) المقبل". وعلى الرغم من أنّه ليس جزءاً من الاتفاق النووي من الناحية الفنية، إلا أنّ إحدى القضايا التي تسببت في التوتر وانعدام الثقة بين طهران والغرب كانت مطالبة إيران بإغلاق تحقيق الوكالة الدولية للطاقة الذرية في جزيئات اليورانيوم التي تم العثور عليها في (3) مواقع قديمة على ما يبدو، ولكن غير معلنة.

 وقال غروسي: "أنا لا أحاول أن أنقل رسالة تنذر بالخطر بأنّنا في طريق مسدود، لكنّ الوضع لا يبدو جيداً، إيران لم تتقدم في نوع المعلومات التي نحتاجها منها."

الرصاصة الأخيرة

وصل أمس مفاوض الاتحاد الأوروبي المسؤول عن تنسيق المحادثات النووية الإيرانية في فيينا إنريكي مورا إلى العاصمة الإيرانية طهران، فيما سمّاه "الرصاصة الأخيرة" لإنقاذ الاتفاق النووي الإيراني، الذي يضم كذلك روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا وألمانيا، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية.

 

نقلت "رويترز" عن غروسي إعرابه عن "قلقه الشديد" إزاء عدم تعاون إيران في توقيت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي لاستئناف المفاوضات

 

 ومطلع الأسبوع الجاري، قال جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، في تصريحات لـ"فاينانشيال تايمز": إنّه يسعى إلى "حلٍّ وسط" لإنهاء المأزق، الذي يهدد بإفشال أكثر من عام من الجهود الدبلوماسية الأوروبية لإبرام صفقة من شأنها أن تؤدي إلى انضمام الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق 2015 مرة أخرى ورفع العقوبات عن إيران، مقابل تخفيض طهران نشاطها النووي بشكل كبير.

 ويفكر بوريل في سيناريو يتم بموجبه رفع الحرس الثوري الإيراني من قوائم الإرهاب الأمريكية، ولكن يتم الاحتفاظ به في أجزاء أخرى من المنظمة، التي لديها عدة أذرع عبر جهاز الأمن وإمبراطورية أعمال مترامية الأطراف.

أعلن غروسي أمام لجان البرلمان الأوروبي عبر الإنترنت العثور على جزيئات يورانيوم مخصب في مواقع "سرية" في إيران

 

 واقترح المحللون أنّ أحد خيارات التسوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة هو رفع التصنيف الإرهابي عن الحرس الثوري الإيراني مع إبقائه في قوة القدس، الوحدة المسؤولة عن عمليات الحرس في الخارج والتي تسلح وتدعم الجماعات المسلحة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

 وتمّ تصنيف فيلق القدس منذ عام 2007، بينما وصف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الحرس الثوري الإيراني بأنّه منظمة إرهابية في عام 2019، بعد عام من تخليه عن الاتفاق النووي.

جوزيب بوريل، منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي

 وقد فرض ترامب مئات العقوبات على إيران في إطار حملة "الضغط الأقصى" على الجمهورية، الأمر الذي ردت عليه طهران بتكثيف نشاطها النووي، وتقوم الآن بتخصيب اليورانيوم بأعلى مستوياتها على الإطلاق، بالقرب من مستوى صنع الأسلحة.

  لماذا تحاول أوروبا إنقاذ الاتفاق؟

العديد من علامات الاستفهام على محاولات أوروبا المستميتة لإنقاذ الاتفاق النووي مع إيران، غير أنّ الغموض حول هذه المحاولات قد ينتهي في ضوء تقرير أمني إيطالي للجنة البرلمانية لأمن الجمهورية الإيطالية "كوباسير"، فقد نقلت وكالة نوفا عن اللجنة قولها، في تقرير نهاية نيسان (أبريل) الماضي، أنّ "إيران قد تصبح مرة أخرى شريكاً رائداً، مع الأخذ في الاعتبار حجم حقول الغاز التي تُعدّ أراضيها غنية بها".

 وأضافت "كوباسير"، في تقرير حول تبعات الصراع الروسي الأوكراني على أمن الطاقة، "يمكن لإيطاليا أن تستفيد من العلاقات التجارية الممتازة مع هذا البلد ـ إيران- والتي يمكن أن تكون بديلاً آخر لشراء الغاز ليحلّ محلّ (الغاز) الروسي"، مشيرة إلى أنّ الصراع الروسي الأوكراني أعطى "دفعة جديدة لاستئناف الاتفاقات النووية بين الولايات المتحدة وإيران، والتي، على الرغم من معارضة إسرائيل وبعض الدول العربية، يمكن أن تؤدي إلى توازنات جديدة في لعبة الطاقة".

 ووفقاً للتقرير الإيطالي، فإنّ إيران قد "أعربت عن عزمها بناء أسطول من ناقلات وسفن الغاز الطبيعي المسال بهدف تطوير صناعة الغاز الطبيعي المسال الخاصة بها، وبالتالي قد يمثل هذا الاحتمال أيضاً فرصة للسوق الإيطالية".

 ونقل "سويس إنفو" عن غروسي قوله: "نحن، بالطبع، ما زلنا نأمل في أن يتم التوصل إلى اتفاق ما في غضون إطار زمني معقول، على الرغم من أنّنا يجب أن ندرك حقيقة أنّه يمكن إغلاق نافذة الفرصة في أي وقت."

  وفي نية على ما يبدو مبيتة للتخلص من الاعتماد على روسيا كمصدر وحيد للطاقة في أوروبا وتزامناً مع ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، شدد الاتحاد الأوروبي، في نهاية أيلول (سبتمبر) 2014، على "الحاجة الملحّة" إلى خطة لاستيراد الغاز الطبيعي من إيران.

 ونقل موقع "يوروأكتف" الأوروبي عن مسؤول أوروبي قوله، حينها: إنّ "إيران بعيدة عن صدارة أولوياتنا للإجراءات متوسطة المدى التي ستساعد في تقليل اعتمادنا على إمدادات الغاز الروسي"، مضيفاً أنّه "يمكن أن يصل الغاز الإيراني إلى أوروبا بسهولة تامة، ولا سيّما أنّ هناك تقارباً سياسياً واضحاً بين طهران والغرب".

 

"كوباسير": إيران قد تصبح مرة أخرى شريكاً رائداً، مع الأخذ في الاعتبار حجم حقول الغاز التي تُعدّ أراضيها غنية بها

 

 وتعتمد أوروبا كافة على روسيا في نحو 40% من واردات الغاز الطبيعي، بما يقدّر بنحو (155) مليار متر مكعب، قال محللون إنّه يصعب إيجاد بدائل لها.

 وبعد أشهر من الذعر الأوروبي والخوف من إقدام روسيا على قطع إمدادات الغاز عن أوروبا، أعلنت الشركة المشغلة لنظام نقل الغاز في أوكرانيا، المملوكة للدولة الأوكرانية، الحليفة لأوروبا، أمس الثلاثاء، حالة "القوة القاهرة"على عبور الغاز الروسي وتوقفها عن نقل الغاز الروسي لأوروبا.

 ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن الشركة قولها: إنّها ستتوقف عن نقل الغاز الروسي عبر نقطة دخول حدودية شرقية تسمى سوخرانيفكا، ممّا أثار مخاوف من قطع التدفقات إلى أوروبا.

 ووفقاً لوكالة "ستاندرد آند بورز" التصنيفية الائتمانية الأمريكية، فإنّ إعلان "القوة القاهرة" هو الأول من نوعه منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط (فبراير)، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا بـ"شكل حاد"، على حدّ قولها، حيث ارتفع سعر الغاز الطبيعي في البورصة الهولندية لشهر آجل بنسبة 8%،أي ما يزيد عن (100) يورو لكلّ ميجاوات ساعة.

مواضيع ذات صلة:

مفاوضات فيينا على سرير الموت: ما مصير نووي إيران؟

هل فقد الإيرانيون الرغبة في إحياء الاتفاق النووي؟

آفاق الدبلوماسية النووية في فيينا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية