الإمارات تهيمن على جوائز مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي

الإمارات تهيمن على جوائز مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي

الإمارات تهيمن على جوائز مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي


01/03/2023

محمد الحمامصي

اختتمت مساء الاثنين الدورة الرابعة من مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي الذي تنظمه دائرة الثقافة. وفازت بجائزة أفضل عرض مسرحي متكامل فرقة مسرح الشارقة الوطني من دولة الإمارات عن مسرحية “زغنبوت”، بينما فاز بجائزة أفضل ممثل دور أول الفنان محمد العجمي عن دوره في مسرحية “سدرة الشيخ”، وذهبت جائزة أفضل ممثل دور ثان للفنان فيصل حسن رشيد عن دوره في مسرحية “غجر البحر”.

وحصلت على جائزة أفضل ممثلة دور أول الفنانة بدور عن دورها بمسرحية “زغنبوت”، بينما ذهبت جائزة أفضل ممثلة دور ثان للفنانة لمياء الشويخ عن دورها في مسرحية “يا خليج”. وحصل على جائزة أفضل تأليف مسرحي الكاتب إسماعيل عبدالله عن مسرحية “زغنبوت”. وكانت جائزة أفضل إخراج من نصيب الفنان محمد العامري عن مسرحية “زغنبوت”.

وذهبت جائزة أفضل مؤثرات صوتية وموسيقية إلى مسرحية “سدرة الشيخ”، بينما نال جائزة أفضل إضاءة الفنان فيصل عبيد عن مسرحية “عنقود العنب”، وذهبت جائزة أفضل ديكور إلى مسرحية “يا خليج”، وحصل على جائزة لجنة التحكيم الخاصة الفنان الإماراتي أحمد الجسمي عن دوره في مسرحية “زغنبوت” التي نقدم لها قراءة في هذا المقال.

حوارات وصراعات

شهدت الشعوب منذ فجر التاريخ وتشهد حتى اللحظة أشكالا عديدة من الاحتلال المباشر وغير المباشر المصحوب دوما بالمساومات، وانقسمت تحت وطأة الجوع والحاجة والطمع والجشع، وقد طرحت هذه القضية في كل زمان ومكان، ففي التاريخ القديم لم يغفل رصدها المؤرخون والكتاب، وحديثا ناقشها وعالجها فنيا مبدعون من مختلف الأجناس الأدبية والفنية.

عرض “زغنبوت” الذي قدمته فرقة مسرح الشارقة الوطني ضمن فعاليات الدورة الرابعة لمهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، يتمحور حول قضية “الاحتلال” واستغلال الدخيل القادم للأوضاع الإنسانية والاجتماعية للبلد الذي يستهدف احتلاله متخذا من نقطة ضعفه وسيلة للدخول والتمكن وفرض إرادته.

رؤية بصرية وتعبيرية تدق ناقوس الخطر

العرض الذي ألّفه الكاتب المسرحي الإماراتي إسماعيل عبدالله وأخرجه محمد العامري، وقدمته فرقة مسرح الشارقة الوطني، نختلف أو نتفق مع معالجته، لكنه في النهاية شكل رؤية بصرية وتعبيرية دقت ناقوس الخطر، وحذرت من الاستسلام لهجمة الدخلاء بغض النظر عن أمكنة مجيئهم وأشكالهم وأقنعتهم ومآربهم ونياتهم، وأيضا بغض النظر عن وسيلتهم للدخول، خاصة أولئك الذين لا دين لهم إلا المال والسلطة والتنفّذ على الآخرين.

ينطلق العرض من بلدة يعاني أهلها الجوع يحملون قدورهم ويتقاتلون على الـ”زغنبوت” الذي أشار إليه الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة في إحدى لقاءاته بأنه “الذرة الرفيعة اللي ما تؤكل إلا للحيوانات، الناس كانت تطحنه وتأكله من الحاجة”. في هذه الشدة المستحكمة صار الزوج يريد أن يدفع بزوجته لأن تكون خادمة، والأب يحلق رأس ابنته لتتخفى في هيئة صبي بنية دفعها للعمل، والابن يربط أباه محاولا التخلص منه.

 تنطلق الصيحة المؤكدة “كنا أحرارا وصرنا سبايا”، ليفاجأوا بـ “داوود” وكيلا ورسولا عن “البانيان” ذلك التاجر الذي يملك السفن الممتلئة بالخيرات والذي يحرسه جيش من الرجال، يساومهم بما يملك من الطعام والرفاهية وسداد الديون على ما يملكون من أصالة وكرامة وعزة وشرف ممثلا في “جوهرة” ابنة كبير تجار البلدة ، ويلعب وكيله “داوود” لعبة الدس والتحريض، فينقسم أهل البلدة حول الأمر حينا ويتجمعون حينا، حتى يتمكن في النهاية من السيطرة عليهم.

هيمنت مسرحية "زغنبوت" للكاتب الإماراتي إسماعيل عبدالله والمخرج المسرحي محمد العامري على أغلب جوائز مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي، ونقدم في هذا المقال قراءة نقدية للعرض، من مختلف النواحي المضمونية والفنية الشكلية

في المواجهة رجل دين وثائر عاشق لـ”جوهرة”، لكن “داوود” يجادل رجل الدين الحجة بالحجة والآية الكريمة بالآية والحديث النبوي بالحديث، وعندما يصل معه إلى طريق مسدود يذهب إلى رجلي دين آخرين، يفتيانه بأن الأمر لا غبار عليه، ويشيع ذلك بين الناس، الذين أهلكهم الجوع فاتفقوا على أن شرط نجاتهم هو زواج “جوهرة” من “البانيان” وأصبحوا يدعمون هذا الزواج.

 أما العاشق الثائر فلم يجد “داوود” معه حيلة فلم يتعب نفسه في إقناعه، فهذا العاشق الثائر لا يملك قوت يومه هو جائع مثله مثل أهل البلدة. أما الرأسماليون الجشعون “الطواش والنواخذ” فهم يقبلون بكل شروط “البانيان”، وما إن يعلم كبير النواخذ بأن الشرط هو زواج “البانيان” من ابنته “جوهرة” حتى تثور ثائرته، لكنه يرضخ في النهاية، فيمارس الضغط والعنف اللفظي مع ابنته خاصة بعد تواطؤ الطواش وبقية النواخذة  مع وكيل “البانيان” وتآمرهم عليه.

يكشف العرض عن صراع مجتمعي يطال كافة الجوانب جراء حالة الجوع التي تستبد بأهله، صراع ديني، وصراع رأسمالي، وصراع قيمي أخلاقي، وصراع فكري، وقد فاض الحوار المسرحي بالآيات الدينية والمقولات الشعبية والأغاني الكاشفة عن هذا الصراع في مواجهة القادم/المتربص، هذا القادم لديه معرفة بالمشكلات والأزمات التي تمر بها البلدة، فهو على علاقة بتجارها بل إنه يداين أحد أكابر رأسمالييها “الدواس”/”النواخذ” والد “جوهرة”، ولديه وكلاء يتحدثون باسمه، إذن هو قادم بنية الاحتلال مستغلا ضعف البلدة وأهلها نتيجة أزمة الجوع التي ألمّت بهم.

بطولة السينوغرافيا

سينوغرافيا العرض كانت أكثر تعبيرا وقوة، حتى بدا أنه يمكن الاستغناء معها عن النص والاكتفاء بمضمون فكرته، أو بمعنى آخر معالجته بأخذ الفكرة الأساسية له وما تحمله من تساؤلات لقضايا جوهرية، فتصميم الرقصات والأداء الجسدي للمجاميع وحركة الممثلين على الخشبة كان كافيا للكشف عن مضامين الرسائل التي جاءت بها الحوارات الجدلية المطولة.

الحوارات تكرر مضمون بعضها، وبعضها الآخر كان مملا، هذا فضلا عن اللغة الفوقية التي اتخذت من الفصحى شعرا وسردا أسلوبا للحوار. مثلا الرقص والضرب على قدور الألمونيوم وصوت الحصى/حبوب الـ “زغنبوت” واجتماع ذلك مع حركة الممثلين الجسدية قد أنبأ عن حالة الجوع والاقتتال من أجل الحصول على هذه الحبوب. أيضا ملابس أهل البلد التي كانت أشبه بخامة الـ”الخيش” وعري بعضهم، وأيضا مشهد حلق الأب لرأس ابنته وشجار الزوجة التي يريد زوجها إرسالها للخدمة لدى الطواش، والمزج بين الموسيقى الإماراتية والموسيقى الهندية، وتعدد استخدامات الديكور، والتنقلات التشكيلية الفنية للإضاءة، كل ذلك لم يكن في حاجة إلا لأقل القليل من الكلام.

صراعات لاستعباد الفقراء

 لقد أفسد الكلام الكثير من متعة المشاهدة، لماذا الإصرار على رفع الصوت بالآيات القرآنية والمقولات الشعبية ودعوات الاستجداء. إن إطلالة البانيان الجالس على كرسي/عرش يتناسب مع ضخامة الجسم الذي لم يتكلم منذ بدء العرض حتى نهايته، هذه الإطلالة الخلفية الكاشفة لكل فضاءات المسرح/البلدة أمامه، أدت رسالتها كاملة بفضل الإضاءة التي شكلت حضوره والديكور الذي كشف ملامح هويته، إن هذا المشهد قال كل ما يمكن يقال عن عجرفة وجشع وبشاعة البانيان دون الحاجة إلى ثرثرة “داوود” عنه.

لقد خلقت عناصر السينوغرافيا عرضا فاتنا، لكن هذه الفتنة الرائقة بكافة جمالياتها البصرية، أفسدتها كثرة الكلام وانفعالية الممثلين في إلقائه، فأن يعمد المخرج وهو أيضا صانع السينوغرافيا إلى الالتزام بالنص، أمر أدخل أجزاء كثيرة من عرضه في دائرة الملل والرتابة والمباشرة.

وتأكيدا على ذلك فإن من أجمل المشاهد مشهد زواج “جوهرة” من “البانيان” حيث جلس بعض رجالات البلدة مقنّعي الرؤوس يشكلون نصف دائرة، وفي الخلفية يجلس “البانيان” على كرسيه وإلى جواره “جوهرة” التي سرعان ما تتركه لتبدأ القفز على رجالات البلدة  وتلوث وجوههم المقنعة، وتهرب فيما هم ينهضون من كراسيهم، يتراقصون بأقنعتهم التي تعددت أشكالها حتى إذا تساقطت عليهم الحبوب انكفأوا يلتقطونها فيما “البانيان” ووكيله “داوود” يتابعان المشهد، وفي تلك اللحظة نرى “جوهرة” تزف خارج خشبة المسرح لثائرها الحر، وفي هذا براءة من هؤلاء الذين باعوا أنفسهم بحفنة حبوب/حصي للـ”البانيان”، وتأكيد على أن هناك دائما ثائرا حرا لا يرضخ.

على أيّ حال الرسالة التي استهدفها العرض والنص معا قد وصلت: أن على الجميع الانتباه للمتربصين الطامحين للاحتلال على اختلاف أشكاله ومسمياته، خاصة في حالات الضعف واشتداد الأزمات، حيث يكون الجسد الوطني معرضا للاختراق حتى النخاع.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية