الإمارات تغيث الصومال في السرّاء والضرّاء

الإمارات تغيث الصومال في السرّاء والضرّاء


22/08/2022

مع تزايد أزمة الجفاف في الصومال، وما لها من تبعات كارثية على الاقتصاد، والظروف المعيشية للمواطنين، في بلد يعاني من الفقر وغياب التنمية، وشبه انعدام لقدرة الدولة والحكم المحلي على مواجهة تبعات الجفاف، نتيجة عقود من الحروب الأهلية، اضطر مليون مواطن إلى النزوح في داخل البلاد.

ولا تستطيع الدولة الصومالية بمفردها مواجهة هذه التبعات الكارثية على المواطنين، وتحتاج إلى تدخّل دولي عاجل لتقديم المواد الإغاثية والمساعدة على إيجاد علاج لأزمة الجفاف المتكررة.

وفي هذا السياق، كان لدولة الإمارات العربية المتحدة حضور قوي على المستوى الإنساني، من خلال إقامة الهلال الأحمر الإماراتي جسوراً جوية لتقديم المواد الإغاثية للمواطنين، التي زادت وتيرتها خلال الأشهر القليلة مع تنصيب الرئيس حسن شيخ محمود.

أزمة الجفاف

وتشهد دولة الصومال الفيدرالية موجة جفاف قاسية، منذ عام 2021، واضطر أكثر من 755 ألف شخص للنزوح داخل الصومال بسبب الجفاف الشديد في العام الجاري، 2022، ليصل العدد الإجمالي للنازحين داخلياً إلى مليون شخص، منذ كانون الثاني (يناير) 2021، عند بدء موجة الجفاف، وفق أرقام النزوح الصادرة عن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين والمجلس النرويجي للاجئين.

ويشهد الصومال فترة جفاف تاريخية لمدة عامين، وهي موجة غير مسبوقة منذ أربعين عاماً، ومن المحتم أن يؤدي ضعف موسم الأمطار المتوقع للعام الخامس إلى نزوح أعداد أكبر من العائلات الأخرى، حيث تلوح المجاعة في الأفق.

نشاط بارز للهلال الأحمر الإماراتي في جهود الإغاثة في الصومال

وبحسب المفوضية الأممية، تشير التوقعات إلى ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون مستويات الجوع التي ترقى إلى مستوى الأزمة في الصومال، من نحو 5 ملايين شخص إلى أكثر من 7 ملايين في الأشهر المقبلة، الأمر الذي يتفاقم بفعل آثار تغير المناخ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب الصراع في أوكرانيا.

وفي حزيران (يونيو) الماضي، حذّر ممثل المفوضية في الصومال، ماغاتي جيسي، من نقص التمويل المخصص للصومال ومنطقة القرن الأفريقي بشكل عام، وأطلقت المفوضية نداء إغاثة عالمياً لتلبية الاحتياجات التمويلية العاجلة لبرامج المفوضية في الصومال.

وفي السياق ذاته، دعت الحكومة الصومالية الدول العربية والمنظمات الإنسانية إلى إغاثة المتضررين من موجة الجفاف التي ضربت بعض أقاليم البلاد، وذلك في آب (أغسطس) الجاري.

الاستجابة الإماراتية

ويميل محلّلون كثيرون إلى ربط الدور الإغاثي للإمارات في الصومال بانتهاء عهد الرئيس السابق، محمد عبد الله فرماجو، حيث لم يكن خافياً تردي العلاقات بين البلدين في عهد فرماجو، الذي أدخل بلاده في دائرة الخلافات العربية - العربية، واصطفّ بجانب المحور المعادي لدولة الإمارات ومصر والسعودية، وهو ما انعكس سلباً في العلاقات بين الصومال وهذه البلدان، التي كانت ترتبط تاريخياً بعلاقات قوية مع الصومال منذ الاستقلال، خاصةً مصر.

كانت أبوظبي المحطة الأولى للجولات الخارجية التي بدأها الرئيس حسن شيخ، والتقى خلالها برئيس الدولة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في شهر يونيو (حزيران) الماضي

ورغم وجود خلافات بين الإمارات والصومال في عهد حكم فرماجو، وتأثير ذلك على الدور الإنساني للمنظمات الإماراتية في البلاد، إلا أنّ الدور الإنساني للهلال الأحمر الإماراتي لم ينقطع وقتها.

وفي ظلّ عداء نظام فرماجو السابق للإمارات، سيّر الهلال الأحمر الإماراتي جسراً جوياً تكوّن من أربع طائرات حملت مئات الأطنان من المواد الغذائية الضرورية والاحتياجات الإنسانية الأخرى، لمساندة الشعب الصومالي. وأشاد وزير الخارجية الصومالي السابق، محمد عبد الرزاق محمود، في حزيران (يونيو) 2021، بجهود دولة الإمارات في دعم الشعب الصومالي في مختلف المجالات الإنسانية والتنموية، ومساندتها مسيرة الأمن والاستقرار والتنمية فيها.

وعقب تسلم رئيس الوزراء الصومالي السابق، محمد حسين روبلي، صلاحيات الرئيس، بعد انتهاء ولاية فرماجو، بادر روبلي إلى تحسين العلاقات مع الإمارات، وأعلن تقديم اعتذار رسمي لدولة الإمارات عن الحادث الذي وقع في نيسان (أبريل) 2018، والذي يتعلق بمصادرة الصومال أموالاً إماراتية بقيمة 9.6 مليون دولار، ووعد بتسليم الأموال إلى حكومة الإمارات في المستقبل القريب.

عبد الفتاح موسى: الصومال عانى من دخوله في الصراعات الإقليمية

وفي يوم تقديم الاعتذار الرسمي لحكومة الإمارات، في السابع من كانون الثاني (يناير) مطلع العام الجاري، كانت الأخيرة قد سلّمت، عبر الهلال الأحمر، شحنة مساعدات إغاثية إلى شعب الصومال، وتبعتها العديد من الشحنات والدعم المالي.

وفي أيار (مايو) الماضي، أعلنت الإمارات تسليم الحكومة الصومالية مبلغ 9.6 مليون دولار مساعدات مالية، وعلى ما يبدو فإنّه المبلغ الذي كانت تحتجزه الخزينة الصومالية من الأموال الإماراتية.

وقبل ذلك، في شباط (فبراير) الماضي، وجه رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، بتعزيز عمليات الإغاثة للمتأثرين بالجفاف في الصومال، وتقديم كلّ ما من شأنه أن يساهم في تخفيف وطأة المعاناة عن كاهلهم.

وتسلّم الصومال مساعدات إغاثية من الإمارات، كان آخرها وصول باخرة محمّلة بـ 1000 طنّ من المساعدات الإغاثية في مطلع الشهر الجاري.

تعزيز العلاقات السياسية

واستكمالاً لخطوات تعزيز العلاقات الصومالية مع الإمارات، والتي بادر إليها رئيس الوزراء السابق، روبلي، شهدت العلاقات بين البلدين تحسناً ملحوظاً، مع فوز الرئيس حسن شيخ محمود بمنصب الرئاسة، في الانتخابات التي جرت داخل البرلمان، في أيار (مايو) الماضي، وشارك وزير الدولة في وزارة الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة، شخبوط بن نهيان، في حفل تنصيب الرئيس حسن شيخ محمود.

المحلل السياسي الصومالي، بشير مالم لـ "حفريات": على الدول العربية مساعدة الصومال سياسياً؛ لأنّ الصومال إذا استقر سياسياً على المستوى الخارجي والداخلي سيكون قادراً على مواجهة الجفاف

وكانت أبوظبي هي المحطة الأولى للجولات الخارجية التي بدأها الرئيس حسن شيخ، والتقى خلالها برئيس الدولة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في شهر يونيو (حزيران) الماضي.

ويقول الصحفي الصومالي، عبد الفتاح موسى: "يأتي الدعم الإماراتي الإنساني في هذه المرحلة الابتدائية من الفترة الرئاسية الثانية للرئيس حسن شيخ لعدة أهداف، منها الإنساني، وتعزيز نفوذها الذي تقلص مع وصول فرماجو إلى السلطة".

وأضاف موسى لـ "حفريات": "الدور الإنساني للدول جزء لا ينفصل عن سياستها الشاملة، وهنا لا ننسى أنّ الصومال عانى من دخوله في الصراعات الإقليمية التي كان محورها مصر والإمارات والسعودية مقابل محور قطر وتركيا، ولم تكن موانئ البلاد بعيدة عن ذلك".

بشير مالم: على الدول العربية مساعدة الصومال سياسياً

ومن جانبه، قال المحلل السياسي الصومالي، بشير مالم: "سياسة الرئيس الصومالي لتحسين العلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى مفيدة جداً؛ لأنّ أغلب مشاكل الصومال تأتي من الاستقطاب السياسي الخارجي وحرب الوكالة".

وتابع لـ "حفريات": "على الدول العربية مساعدة الصومال سياسياً قبل أن يساعدوه إنسانياً؛ لأنّ الصومال إذا استقر سياسياً على المستوى الخارجي والداخلي سيكون قادراً على مواجهة الجفاف بمقدراته الذاتية"، وأضاف: "بمعنى أدق الصومال يتعرض لمضايقات دبلوماسية من دول أخرى لها مصالح في الصومال، ولكن لا تريد التفاوض مع الصومال، أو لها مصالح مشتركة مع دول تستفيد من الصراع الصومالي - الصومالي، لذلك على الدول العربية أن تساند الصومال دبلوماسياً في المحافل الدولية كمجلس الأمن والاتحاد الأفريقي ومنظمة الإيغاد".

وعام 2013 وقَّعت وزيرة خارجية الصومال وقتها، فوزية يوسف آدم، ونظيرها الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، مذكرة تفاهم بشأن التعاون الثنائي، خاصة في المجال السياسي والأمني والاقتصادي، وإعادة إقامة العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين الصومال والإمارات العربية المتحدة.

وعام 2015 افتتحت الإمارات مستشفى الشيخ زايد، في العاصمة الصومالية، مقديشو، بقدرة 300 سرير، وقدم خدماته مجاناً إلى المواطنين في الصومال حتى إغلاقه، عام 2018، بسبب مصادرة حكومة الصومال، في عهد فرماجو، أموال مخصصة للمستشفى.

 

مواضيع ذات صلة:

مراقبون صوماليون لـ"حفريات": هذا ما نتوخاه من الرئيس الجديد

لماذا لم تكتمل الانتخابات الأكثر غرابةً في تاريخ الصومال؟

أيُّ دور تلعبه قطر في الصومال؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية